~ ما أصعب القلوب عند الفراق بعد اللقاء~

  • الفراقكلمة سهلة عند كتابتها ولكنها لحظة صعبة عندما تأتي،الفراق كلمة لا تعرف معنىالرحمة والشفقة أبدا،الفراق كلمة لا تعرف الغني من الفقير ،ولا الفقير من الغني،لاتعرف الصغير من الكبير ،ولا الكبير من الصغير،لا فرق عندها ستأتي وستمر وستطرق بابكل إنسان على وجه الأرض،ستأتي مهما كان ،ستأتي وتكسر كل حاجز أمامها،ستأتي وتزيدالمهموم هما ،وتزيد الحزين حزنا ،وتزيدالمتألم ألما،والبائس بأسا واليائس يأسا،وهاأنا أمسك بقلمي وأكتب قصة نسجها خيالي الذي لا حدود له،هذه حكاية نسجتها من كثرةتفكيري بالفراق وآلامه وأوجاعه التي ستأتي معه.
    كانتالبداية في مكان غريب لا أعرف مصيري فيه ،لا أعرف ماذا يخبيء القدر لي ،لا أعرفالمفاجئات التي ستجلبها الأيام معها،عندما انتقلنا إلى تلك البلدة التي لا أعرفشخص من أهلها ،بلدة صغيرة ويملأها الهدوء وكأنها مهجورة ،ليست كبلدتي السابقة، كنتأتوسل لأبي أن نعود إلى بلدتنا السابقة وأحاول إقناعه ولكن لاجدوى
    فظروفه لاتسمح له بالعودة،ولم يتبقى سوى اسبوعين على بداية المدرسة ،كنت دائما أبكي فيجوف الليل نعم أبكي ولكن بصمت وأحدث نفسي وأتساءل كيف سأتكيف مع الطالبات ؟كيف سأعيش حياتي هنا ؟كيف ؟كيف؟ أسئلة لاأجد لها جوابا ،وأرمي بجسدي في السرير وأنا أبكي،وأصرخ وأقول:آه آه ما أقسى هذهالحياة أكره الحياة عندما تكون قاسيه أكرهها نعم أكرهها. مضى الإسبوع الأول والثانيبسرعة البرق وذهبت إلى المدرسة وأنا فيقمة الحزن واليأس ودخلت الصف وجلست في مكاني وأنا منزعجة ،إنه أول يوم لي وأناحائرة لا أعرف أحدا، أناس غريبون حولي ،جلست في زواية من زوايا الصف وحيدة ،أريدالبكاء بأعلى صوتي ولكن لا أستطيع ،أريد الصراخ ولكن لا أستطيع،والدموع تجمعت فيوسط عيني ،لم استطع أن أخبأها فانهمرت بالبكاء ولكن بصوت خفيف ،لمحتني طالبة منالطالبات وأنا أبكي وجاءت إلي ورفعت رأسي بكل حب ،وعندما رأيتها ابتسمت لها ،مسحتدموعي بيديها حينها أحسست بشعور غريب لم أشعر به من قبل،انتهى الدوام وعدت إلىالمنزل ودخلت الغرفة دون أن أتحدث بكلمة واحدة،جلست أفكر وأحدث نفسي ودخلت أختيالتي تكبرني بسنتين ،ولم أنتبه لها وأنا أقول :أعرفها نعم قابلتها قبل هذا اليومليست غريبة علي شكلها مألوف لي ولكن أين رأيتها ،ومن هي ؟ واندهشت أختي وخرجت منالغرفة وهي لا تدري عن ماذا أتحدث،رجعت بذاكرتي للورى وأقلب صفحات الماضي ولكن لاأتذكر شيئ،أحسست بالتعب والإرهاق،وفتحت الدرج وأخرجت جميع مذكراتي ،أقلبأوراقي مع قلبي صفحة صفحة تفاجأت بصورةقديمة لي مع فتاة كانت صديقتي قبل عشر سنوات تقريبا،واندهشت أكثر عندما رأيت وجهصديقتي مطابقا لوجه الطالبة التي رأيتها اليوم في الصف وتشوقت لليوم الثاني ،جاءيوم الأحدالذي انتظرته بفارغ الصبر،وذهبت للمدرسة بحماس ومعي الصورة،مرت الحصةالأولى وبعدها
    الحصةالثانية والثالثة والرابعة ورن جرس الفسحة ،فرأيتها تجلس في كرسيها فذهبت إليهاوقلت لها: هل تسمحي لي؟ قالت :نعم تفضلي.فقلت لها :هل أنت رهف؟ اندهشت وقالت :نعمأنا ولكن كيف عرفتي اسمي؟!هل التقينا من قبل ؟وهل أعرفك قبل هذا اليوم؟قلت لها:ربما التقينا قبل اليوم ،كنا بالأمس صديقتين مقربتين،كنا نشاكس ونلعب دون ملل،كناأشقياء لدرجة تفوق الخيال.قاطعتني وقالت:عفوا لست أنا من تتحدثين عنها.انصدمت عندما قاطعتني ،وقلت لها :هل يمكنني أنأفضفض لك ما بداخلي؟ قالت :تفضلي أسمعك.بدأت حديثي قائلة :في الماضي كانت لديصديقة أحببتها من أعماق قلبي وكانت بمثابة أختي ،تواسيني وتخفف عني آلامي وتداويجروحي كانت قلبي الثاني كنا قلب واحد في جسدين ،وعدتني بألا نفترق وألانسمح لأيشيء يفرقنا ،وسنبقى مع بعضنا ولا يفرقنا سوى الموت فإنه آت لامحال كنا نذهب للمدرسة سويا ونلعبسويا ونتشارك في كل شيء،تبكي إذا بكيت ،تضحك إذا ضحكت ،تشاركني أحلامي ،تشاركنيأفكاري ،وكنا نحب الشقاوة والجنون والإزعاج كنا محبوبتين لدى الجميع كنا سعداءلانعرف معنى الحزن أبدا،نبتسم لمن حولنا صارت البلدة تعرفنا ،في المدرسة كنا مثالاللصداقة الحقيقية،ولكن في ذالك اليوم اتصلت بها لأخبرها بأني سأزورها وأني اشتقتلها ،اتصلت واتصلت ولكن لامجيب ،فبدأت أحس بالقلق صارت نبضات قلبي تتسارع وكأنهاتصارع شيئا ما ،فذهبت مسرعة إلى منزلها لأطمأن عليها،وصلت عند باب المنزل ،فطرقتالباب أكثر من مرة ولكن لا مجيب بدأت أقلق أكثر ،فالتفتُ إلى اليمين فرأيت ورقةكتب عليها للإيجار،عدت إلى البيت والدموع تنهمر من عيني وقلبي مجروح وخاطري مكسور،رأيت أمي فرميت جسدي في حضنها وبكيت بشدة ،وأمي تمسح رأسي وتلم دموعي بيدهاالحنونه وتسألني عن سبب حزني،فأجبتها بخاطر مكسور :تركتني يا أمي ذهبت ولم تودعنيخانت صداقتنا لم تفي بوعدها لي أكرهها أكرهها وصرت أردد الكلمة مرارا وتكرارا ،مرتشهور لم أسمع عنها أي خبر ،اشتقت لها ،مرت شهور أخرى وأنا وحيدة وحزينة وبداخليآلام كثيرة ،ازداد اشتياقي لها، من بعد رحيلها أحسست بأني أعيش في دنيا غريبة،وكأن حياتي توقفت صرت جسد بلا روح فقد كانت هي روحي هي الهواء الذي أتنفسه ،مرتسنوات ولم تأتي لزيارتي ،بحثت عنها ولم أجدها ،بحثت عن بديل لها ولكن لم أجدلهابديل ؛لأنها مختلفة عن الكل ،كم صارت حياتي صعبة وقاسية وصار في قلبي فراغ كبير لاأجد ما يسد الفراغ أبدا ،لم أنسى صورتها يوما ،لم أتوقف عن التفكير فيها أبدا،فقدتكل السبل للوصول إليها ،ولكن لم أفقد الأمل أبدا ؛لأن الله سيجمعني بها عما قريب،والآن إذا رأيتها سأضمها وأبكي في حضنها سأقبل خدها سأجدد عهد صداقتنا ،سأعتذرمنها ،فضمتني رهف بشوق والدموع ملأت عينيها وهي تقول:كيف تعتذرين وأنا المخطئة ؟لم أستوعب ما قالته،فأكملت كلامها وقالت:أنا لم أخن صداقتنا ،لم أخن الوعد الذيبيننا ،عند رحيلي بكيت كثيرا ،لم يسمح لي والدي بتوديعك ،لم أنساك أبدا وهل تتوقعين حياتي من دونك ستكون جميلة ،فحياتيأسوأ وأنا بعيدة عنك أعدك بألا نفترق بعد الآن أعدك أعدك.وأنا مندهشة من كلامهاوقلت لها :هل أنت رهف حقا ؟ هل أنت صديقتي ؟هل كان إحساسي أنا في مكانه ؟ لم أستطعكتم دموعي ،فرميت جسدي بحضنها وأنا أقول:الحمد لله الذي جمعنا من جديد الحمد لله.وما زلت أبكي ،ولم ننتبه على مرور الوقت ،التفت للخلف ورأيت الكل يمسح دموعه،وقلت في نفسي هل سمعوا حديثنا ؟وكيف لم أنتبه لوجودهن هنا ؟
    فجاءتالمعلمة إلينا والدموع تملأ عينيها ومسحت دموع رهف ومن ثم مسحت دموعي وضمتنا وهيتبكي وتقول:يارب رجوتك احفظ هاتين الصدقتين ولا تفرق بينهما واجعل الحب بينهنصادقا .وسمعت الطالبات يرددن كلمة آمين وقالت المعلمة :والله إني رأيت صديقات كثيراتولكن لم أرى مثلكما أبدا.
    وبعدهاعشنا حياتنا كالسابق وجددنا عهد صداقتنا ،وبدأت أحلامنا تتحقق بالتدريج بفضل منالله تعالى .وعادت حياتي مملوءة بالسعادة والفرح والرخاء ،صارت أيامي بوجودهارائعة،وبعد مرور سنة كنا في الغرفة نتحدث عن الماضي وذكريات الطفولة والأيام التيقضيناها معا ،وكنت أرى البسمة تعلو وجه رهف وكنا نضحك ونمرح محينا الماضي وآلامهبدأنا من جديد وكتبنا صفحة جديدة سطرناها بدمنا مرت أربع ساعات ولم نشعر بمرورالوقت أبدا قالت لي :أريد أن أسألك سؤالا فهل هذا ممكن؟قلت لها :أكيد تفضلي . قالت:هل تحبيني حبا صادقا؟ اندهشت من سؤالها وقلت لها:والله يشهد إني أحبك حبا لا حدودله. قالت :إذا رحلت عن هذه الدنيا هل ستمحيني من ذاكرتك؟ بدأت نبضات قلبي تتزايدوبصعوبةأقول لها :محال في يوم أنساك، وأنا أبكي وأردد محال في يوم أنساك محال ،كيف أنسىصديقا مثلك؟كيف؟
    فرأيتهاتبكي بشدة ،وأنا لا أدري سبب بكاءها.فقلت لها :مابك تبكين ؟قالت :لاشيء ،أنا لاأبكي بل هذه دموع الفرح ،نعم دموع الفرح فأنا سعيدة لأني تعرفت إليك.فقلت لها:وأنا أسعد منك وأنا أكثر الناس حظا .وبعدها ضمتني بقوة وهي تبكي وهمست لي في أذنيبصوت خفيف :أحبك في الله ،ووداعايا صديقتي . أبعدت جسدي عنها وسقطت في حضني ووضعتيدي لأتحسس نبضات قلبها فإذا بنبضات قلبها توقفت لم أدري ماذا أفعل فصرخت بأعلىصوتي وأقول:رهــــــــــــــــــــــــــف لا ترحلي عني ابقي معي لا تتركينيأرجوكِ لا ترحلي .لقد رحلت وماتت في حضني ودعتني وانتهت لحظة الوداع ،لمأصدق أنها ماتت تمنيت أن أكون في حلم ،رحلت عن الدنيا ولكنها موجودة في ذاكرتي،واسمع اسمها بنبضات قلبي ،أتذكر إبتسامتها أتذكر دموعها أتذكر عيونها ،ودائماأستلقي على فراشي وأبكي والألم في قلبي لا أستطيع محاربته ولكني أعلم بأن اللهأعادها إلى رحمته،فكانت آخر لحظاتها معي ،لفظت آخر أنفاسها بقربي ،امتزجت آخردموعها بخدي ،لم أصدق أنها ماتت ،واتهمت الجميع بالكذب ، ولكن لا راد لقدر الله،ولم أتخيل يوما أن أقتح عيني ولا أراها بقربي ،كنت أظن أننا خلقنا لنعيش العمرسويا ،ولكن الواقع ليس كما كنت أتوقع ،عشت أيامي حزينه وكثيرون عاتبوني على الحزنالذي أنا فيه ،حاولت أن أنسى الحزن ولكن لا أستطيع ،كيف أنسى من كانت بلسما لجروحي؟،كيف أنسى من كانت دواءا لألامي؟ ،كيف أنسى من كانت تداويني وهي مجروحة ؟،كيف سأنساهاوهي جزء من حياتي ؟؟؟؟؟؟؟
    بعدمرور سنة على موتها ،نظرت لصورتها ،وتلك الصور هي ما تبقى لي بعد موتها وكنتأخاطبها وأقول لها بخاطر مكسور، وقلب مجروح، وصوت مبحوح:
    صديقتيأبكي لفرقاك، حياتي بدونك وحدة قاتلة وانتظار محكوم عليه بالإعدام ،دموعي ستقتلنيبفرقاكي،لا تلوحي لي بيديكِ لتودعيني ، لا تودعيني لا ترحلي لعالم مجهول،بدونك سأضيع صدقيني سأضيع،بدونكلامعنى للحياة،بكيت لموتك حتى جفت الدموع ،صبرت لبعدك حتى مل الصبر مني،كرهتالحياة من بعدك، ورغم كل ذلك ما زال اسمك محفور بقلبي ، وما زال طيفك يمر علي فيكل لحظة على بالي،ولكن تأكدي أني سأكمل ما بدأناه ،وسأحقق كل ما كنت تحلمينبه،أعدك بأني سأروي قصتك للناس ،لا أنساكي ما دمت حيه ،ولن أتوقف عن الدعاء لكي ،وبإذنالله سنلتقي في الجنان ،ولا تنسي بأني سأظل أبكي على فراقك إلى آخر لحظة في حياتي،واعلمي أنه لا شي يعوض غيابك عني ،جسدك مات ولكن طيفك يرافقني في كل الأوقات،وياليتني معك الآن يا صديقتي .وأعدك بأن تعود ابتسامتي للسابق ،سأبتسم وأرميالحزن خلف ابتسامتي ،لن أدع الحزن يقتلني لأكمل ما بدأنا به ،وبعدها نمت وصورتهابحضني .مرت السنوات وحققت كل ما كانت تتمناه وتحلم به ،أكملت مشوار حياتي وكل ذللكبفضل الله ومن ثم بفضلها عادت حياتي إلى عهدها ،عادت الإبتسامة إلى وجهي ،ورغم كلذلك مازالت في قلبي .
    وهاهو حبر قلمي يجف، ولم يتبقى منه سوى قطرات لا يمكنني الكتابة بها ،وها هيكلماتي تنتهي، وأفكاري تنغلق، وحان وقت جمع بقايا شتاتي المنتثرة على الأرض،وبحرخيالي يجف ،و كلماتي انتهت ،ولم يتبقى من حبر قلمي سوى قطرات أكتب بها ما أصعبالقلوب عند الفراق بعد اللقاء.
    [INDENT=6]لا تحزن إن خانـــــــــــــتك فتـــــــــــاة فهي كالطير تشرب من كل قنـــــــــــاة :642215438:

    473 ﻣﺮﺓ ﻗﺮﺃ