هلانت انسان فردي ؟! ام انت جزء من مجتمعك !!
نعمكأنسان لك طموحاتك ورغباتك ومشاريعكالخاصة ....وهذه امور طبيعة ومن حقك ممارستها ....والسعي لتحقيقها ...وتتمنى علىالله ان يوفقك فيها ....ولا اعتراض ....ولكن لا تنسى انك جزء من مجتمعك وله حقعليك ....وهذا هو موضوعنا اليوم نستعرضه من خلال احدى قصص القرآن الكريم ......قصةكعب بن مالك .....
كعبملك صحابي ....القصة حدثت سنة 9 هجرية ...آخر العهد النبوي ...أيام غزوة تبوك....كان هناك تحدي يواجه الرسالة المحمدية ...تحدي يواجه المجتمع الاسلاميالفتي....الروم يحشدون جيوشهم لمهاجمة المدينة ....مدينة الرسول والاسلاموالمسلمين ....وكان يتوجب على القائد --- النبي صلى الله عليه وسلم --- ان يستعد للمواجهة قبل الفوات ... والظرفعصيب جدا ....فالوقت كان صيفا ...الحرارة على اشدها ... اغلب المسلمين كانوامزارعين ....حصاد الزرع على الابواب ...والعدو خصم قوي ...ويتحتم مواجهته بعيدا عنمركز الاسلام (المدينة المنورة ) ...في منطقة تبوك التي تبعد الف كيلو متر ...ولكان تتصور حراجة الموقف ...حرارة الصيف ....التخلي عن المكاسب الشخصية...ومشقةالسفر لهذه المسافة الطويلة ...وسفر حرب وليس نزهة .............!!وهي حقيقة وكماسميت (غزوة العسرة)
والمسلمونلم يكن لديهم العدة الكافية ...ولا المال الكافي ....فكل ثلاثة انفارلهم بعير واحد..يتناوبون ركوبه بينهم ....واحد منهم يركب والآخران يمشون الى جانبه ...يتراوحونالركوب بينهم ....الدنيا حر موت ....المؤنة قليلة ....والمسافة طويلة
وكمانعرف فأن القصة عندما ترد في القرآن الكريم ....ترد وهي تحكي لنا عبرة ...يريدالله سبحانه وتعالى ان نعتبر منها في حياتنا الدنيا ....اذاً الامتحان صعب جدا....النوازع متضاربة ...دنيوية...الزرع والحلال ...والزوجة والاطفال ...والدعةوراحة البال ...وآخروية ...الجهاد قي سبيل الله ....نصرة الاسلام ...والاهم من ذلككله إطاعة الرسول (.....
قلإن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارةتخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتىيأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين [ توبة 24 ]
القصةعلى لسان كعب بن مالك.....نزلت في سورة التوبة....الانسان اول ما يقرأ كلمة التوبةفي القرآن الكريم يخطر على باله الذنب فقط ....و االنفس توسوس لصاحبها فتهون عليهالشعور بالذنب فيخلد الى الراحة الكاذبة ....ولكن ....التوبة ليست للذنب الظاهرفقط ...فالرجل الذي يكد ويشقى لاجل نفسه وعائلته فقط ...محتاج الى توبة ....لانهفكره ضيق جدا ...فقد نسي ان مجتمعه ملآن فقراء ويتامى وارامل ...لم يفكر فيهم ابدا....والكاسب الذي يتاجر في الكاسد من البضائع لم يفكر في ابناء مجتعه ...كان همهالاوحد الربح على حساب الاخرين ...والموظف الذي يخل في اداء واجبه الذي يرتزق منه...قد ادخل الحرام في بطون ابنائه ....والاباء والامهات الذين لم يعلموا اولادهاحترام الآخرين ...واحترام المجتمع الذين هم جزء منه ....كل هؤلاء محتاجون الىالتوبة ....لانهم يفكرون بانفسهم فقط ....في حدود رغباتهم وراحتهم ...لا يهمهم جوعجائع ...ولا دمعة يتيم ....ولا آهة ارملة ....ولا لوعة مريض
...تعاملهممع آخرين ينطلق من مصالحهم الضيق ...فما داموا ميسورين ومرفهين ....فليذهب الباقونالى الــــــــــ.......
نرجعالى قصة كعب بن مالك ....فهو لم يحضر غزوة تبوك ...وتخلف عنها...من اجل مشروعهالخاص ...عداها لم يتخلف عن اية غزوة الا هذه ...وهو يروي لنا العقوبة التي واجههالانه تخلف عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم )... تصور كعب الصحابي الجليل المؤمن وهو يتخلف مرة واحدة فقط ....ثم انظركيف هي العقوبة القاسية التي لاقاها نتيجة تخلفه لمرة واحدة ....فيا ترى كم مرةتخلفنا نحن من كوننا جزءا من هذا المجتمع ...؟!!!
كعبشهد بيعة العقبة ...التي بايع فيها الانصارعلى نصرة الرسول(صلى الله عليهوسلم ) ...وفي وقتها كانت تعد (هذه البيعة) كوسام شرف للانصار ...كان صادق اللسان والايمان ...من المقربين للنبي (صلى اللهعليه وسلم ) ....محترم في عشيرته ....ولكن...تخلف ...وياليته لم يتخلف ......!!
كانمن عادة الرسول ان لا يصرح بالجهة التي سيغزو بها ....الاانه هذه المرة قال (نحنذاهبون الى تبوك ..! لماذا ؟ لان هذه المرة اراد ان يهيأ النفوس لما هو شديد وقاس...مواجهة الرومان الاقوياء حرارة الجو عالية ... الموءنة قليلة.....فإمتحان عسير ...وصراعداخلي عنيف بين فردية المسلم ومصلحة الاسلام ....فمن سيتغلب الفردية ام بيضةالاسلام ...................
يقولكعب كلما هممت ان اخرج منعتني الدنيا ودعًتها ...فأمامي حر شديد (صيف حار ) ومشقةطريق (الف كيلومتر الى تبوك ) ومؤنة قليلة ...وعدو بجيش جرار....الى أن بدأ النبي يخرج بالجيش وانا متهاون بالتجهزللخروج معه الى ان انتهى الامر وخرج النبي وانا متقاعس ...رغم ذلك فقد كان واضح فيموقفه فهو يقول (كنت قويا ومستعدا ...ميسور الحال ...حتى انني كنت املك في حينهاجملين ....ولكن .............................
يواصلفيقول

خرجمع الرسول ثلاثون الف نفر ......وتخلف من تخلف ....وعاش كعب طوال فترة الغزوةوالتي استمرت خمسون يوما وهو كسير الهمة والنفس لا يعرف كيف سيواجه الرسول عندعودته وفي داخله يعرف ايضا ان لا عذر عنده .......
انتصرالمسلمون على الرومان باذن ربهم ورجعوا الى المدينة وكعب يتوارى عن انظار النبي...بأي عذر سيواجه .....فلا عذر لديه ....
استقر المقام بالعائدين المجاهدين .....وهدأت الاحوال....وجاء المنافقون ليعتذروا بأشد الاعذار عن تخلفهم ...(يقول لك المخلفون منالاعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قلفمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بماتعملون خبيرا [ فتح 11 ] * والرسوليقبل منهم ويستغفرلهم رغم انه يعرف انهم كاذبون وكعب وزميليه(......) متوارون عنانظار النبي خجلا من مواقفهم ....الى ان ارسل النبي يستدعيه ....يقول كعب :فكرت اناكذب .....ولكن اكذب على من ؟! على رسول الله ؟؟؟
تخيلالصراع الذي عاشه كعب ....الى ان حانت اللحظة الحاسمة ووقف امام رسول الله ...فلميجد الا ان يقول الحقيقة ... ما الذي دعاك للتخلف .....لِم تخلفت.....لِم قدمتمصلحتك على مصلحة المسلمين...؟!..... لاعذر لي يا رسول الله .......!!! فقال رسول الله :اما هذا فقد
صدق....قم حتى يقضي الله فيك ...لامه الناس على صدقه وقالوا له لِم لم تكذب كما فعلالذين من قبلك واستغفر لهم الرسول ....والحوا عليه كثيرا حتى همً ان يرجع الىالرسول ...وصارعته نفسه ...الا انه انتصر على نفسه لانه كان صادقا ...فلنتعلمالصدق من كعب في كل الاحوال....الظاهرة الغريبة التي طفت على اغلب لقاءاتناالاجتماعية ....الشكوى من الغير ....موظف يشتكي من معلمة ابنه لانها لا تهتمبتدريس المواد المقررة ...كي تدفع يالتلاميذ باخذ دروس خصوصية ....معلمة تعكسمعانات زوجها وكيف اضطر اخيرا الى دفع رشوة الى الموظف المسوؤل كي ينجز معاملته فياحدى دوائر الدولة ....ربة بيت تتذمر لان بائعا باعها مادة غذائية فاسدة ...فنونمن اللاعيب يفتعلها البعض من اجل فصل عشائري .....حلالا وحراما ولا وازع .....لقدسئمت من هذه اللقاءات لانها نكد في نكد ....وخلت من (السوالف الحلوة ) التي كانتعامرة ايام زمان ...ايام البساطة ....ايام الوفاء والمروءة ...ومراعات الغير....ايام عندما كان احدنا يريد شراء حاجة ما يقول له البائع ....اذهب واشتريها منجاري ...فانا والحمدلله قد استفتحت !!!...ولكن من هي المعلمة ....اليست هي إما زوجتي ....
أو أختي ومن هو الموظف المرتشي اليس هو زوجي اوابني ....اذاً فما بالنا نشتكي ونحن المشتكى منه ....السنا نحن ابناء هذا المجتمع....ام ان الموظف المرتشي والمعلمة المقصرة والحرس الذي يضايقنا في نقاط التفتيش وغيرهم...الذين يشكلون مجمل همومنا ومشاكلنا قد جاءوا من بلد آخر ....من مجتمع آخـر ؟؟؟؟المشكلة هي اننا اصبحنا ولا يهمنا سوى المصلحة الخاصة ...المصلحة الضيقة التي تدورفي فلك (الانا) وليذهب الباقون الى الــ...................بمَ سنجيب لو سألناالرسول يوم القيامة ....بمَ ساشفع لكم ؟؟؟؟......... على كل حال لنرجعع الى كعب
نهىالنبي ان يكلم اهل المدينة الثلاثة(كعب بن مالك وهلال بن أمية ومراربن الربيع ),واصبح لا يكلمهم احد ...نعم ...هذه هي العقوبة التي فرضها النبي عليهم ...فكما نبذتممصلحة المجتمع ...فالمجتمع اليوم ينبذكم فلا يكلمكم احد الى ان يحكم الله فيكم........
قيالطريق لا يكلمهم احد ....يسلمون على الناس ولا احد يرد عليهم الا أيماءً ...حتىفي البيت ...لا ابن ولا اخ ولا حتى الزوجة تكلمهم تنفيذا لامر الرسول ....تخيل لومضى علي او عليك هذا الامر ماذا يحدث ...كيف سيطيق هولاء الثلاثة هذا الوضع...موقف مؤلم جدا حقيقةً
والامروالادهى ان الرسول لم يحدد فترة المقاطعة هذه .... فلو كانت اياما معدودة لهانالامر ..يومان ثلاثة اوخمسة ....بالصبر تنتهي ...ولكنها كانت مفتوحة فالرسول لميحدد لها مدة وهذا مازاد الالم شدة الى شدة ....وتمر الايام ولا امل ...وضاقتالانفس ...واذا بالرسول يشدد عليهم اكثر فيأمر زوجاتهم بمفارقة ازواجهم بالفراش....ياللمصيبة .....!
ياترىهل ان الرسول كان همه الانتقام منهم وهو رسول الرحمة ....بالطبع لا ... ولكنه كانيريد ان يعلم المسلمين مدى اهمية الاحساس بالمصلحة العامة ....فالموضوع اذاً أثرةالمصلحة العامة على المصلحة الخاصة والا فسدت الامور ...وفسد المجتمع ...وانتشرت الافات والمشاكل الاجتماعية..............وهذا ما نراه اليوم في اغلب مجتمعاتنا الاسلامية مع كل الاسف ...
هلساعدنا فقيرا كي لا ينقطع عن دراسته ويذهب للاشتغال مساعد ميكانيكي سيارات ....هلكفلنا يتيما كي لا يتسول في الطرقات ...هل راعينا ارملة كي لا تفترش قارعة الطريقهي واطفالها العرايا تستجدي بهم ...انا متاكد ...كلنا يعرف حقوقه على المجتمع...ولكن كم منا يعرف حق المجتمع عليه ....هذه ثقافة لا نعرفها ولا نريد ان نعرفها...لماذا ...لانها تحتاج الى بذل وعطاء ....نحن بارعون في الشكوى داخل مجالسناالخاصة والعامة ...وندور ونلف في
المشكلة....ولا نكلف انفسنا بالتفكير بالحل ....كلنا نريد من الاخر ان يحل لنا المشاكل...وهذا غير ممكن ....المشكلة قابعة داخل انفسنا ....ولا نتحرك ....كلنا نرتجيشفاعة الرسول يوم القيامة ....ولا نمتلك مقومات الشفاعة ....! لا نطيل ....تخيلتالثلاثة ..؟.لا احد يكلمهم ولا زوجات تشاركهم الهم والفراش .....ما اتعس الحال....وتمر الايام ونفوسهم تنعصر عصرا وجدانهم تانبهم اقسى التانيب ....والرسولمجافٍ لهم ....ولا شفيع لهم ....يارب فرجك ....!!
خمسونيوما انقضت وهم على هذا الحال ....اصابهم الانهيار الروحي والنفسي وهم ينتظرونالفرج من الله ...........................
وعلىالثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم انفسهم وظنواان لا ملجأ / / من الله الا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا ان الله هو التواب الرحيم.سورة التوبة
نعمقد جاء الفرج ....اذ نزلت هذه الاية بحقهم على الرسول الاكرم وارسل اليهم يبشرهمان تاب الله عليهم ....وانطلق مبشران .....مبشر انطلق على دابته .....ومبشر ارتقىعالية من الارض ونادى باعلى صوته ....ان ابشر يا كعب لقد تاب الله عليك ...وهرعكعب الى رسول الله والدموع تملئ عينيه ....وعم فرح غامر اهل المدينة ...لقد كانحقا درسا بليغا...فهل نتعظ به نحن المقصرون تجاه اهلنا ....واخواننا ....ومجتمعنا....؟ ام ما زلنا ننتظر من الاخر ان يحل مشاكلنا .....نحن اولى بمشاكلنا من الغير...لا يهمنا تقصير آلآخرين ليقم كل منا بما عليه ولا يضرنا تقاعس المتقاعسين......شهر رمضان المبارك على المشارف ...كلنا سيقرأ ما تيسر له من القرآن في هذاالشهر المبارك .....فلا تنسى كعب وانت تقرأ سورة التوبة ومن الله التوفيق
406 ﻣﺮﺓ ﻗﺮﺃ