موسى الفرعي يكتب: حينما تعجز الكلمات عن قول وداعًا أيها الأستاذ: حميد بن سعود المعولي

    • موسى الفرعي يكتب: حينما تعجز الكلمات عن قول وداعًا أيها الأستاذ: حميد بن سعود المعولي


      أثير – موسى الفرعي

      في لحظة الانهيار الكامل والنزيف الكامل تبدو لي الكلمات ترفا زائفا، وتبدو الفواصل أفخاخا لغوية يفضحها الإحساس ولكن لا سبيل لنا سوى الوقوع فيها، لأنها الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يحتوي جزءا مما نعاني وهي الشيء الوحيد الذي يشاركنا أحزاننا.

      ويلٌ لهذه اللغة التي لا يمكنها أن تكون بحجم صراخنا لكننا لا نجد سواها ممرا لآلامنا وأفراحنا.

      هناك حيث المدرسة الأولى في ولاية المضيبي بنيابة سمد الشأن والتي كانت رحم المحبة الأول الذي جمعني وأصدقاء آخرين بالأستاذ حميد بن سعود المعولي، الأستاذ الذي شد حبل الود مع اللغة العربية بقلوبنا وعقولنا، وأول من دفع بي إلى الإذاعة المدرسية، وكبرنا جميعنا، وكبرت أحلامنا غير أن نقش الأستاذ رحمه الله ما زال عالقا بدواخلنا، وتفرقت أسباب الحياة بأصدقاء الطفولة غير أن الجامع لنا كان يراقبنا بروح الأب والصديق والأستاذ، وكان دائم السؤال متتبعا لخطواتي، وقبل ستين يوما حل ضيفا في منزلي، كان كعادته ممتلئ الشوق، ملء عينيه الفخر والحنين، وكان يشترط علي أن أزوره في منزله الكريم إن كنت أطمح أن أحصل على التسجيلات الصوتية التي سجلها لي في فترة الإذاعة المدرسية. لقد كان منذ ذلك الحين يصنع الفرح المستقبلي ليضمن لنا حصة منه حين نكبر، ولم يكن تتبعه لخطواتي سوى خوف عليّ، لكنني لم أفسره كذلك، ظننته سببا لاستذكار أيام خلت رغم يقيني الكامل بمحبته.


      هل كان لا بد من الموت كي تتضح الرؤية وتتبين لي القدرة على قراءة خوفه وفرحته بي، هل كان لا بد من هذا الغياب كي ندرك أننا أحببناك جدا وبشكل يتجاوز تصورك أيها الأستاذ.. !!


      نعم الآن تتضح الرؤية أكثر فقد استلمت منه رسالة بخط يده قبل أربعة وعشرين عاما، وقد أخذت الرسالة شكل التهنئة بعيد الفطر المبارك، الآن عدت إليها لأجد أنها كانت وصية لي، إذ قال: أوصيك ونفسي بتقوى الله والتوكل عليه وطاعته سبحانه وتعالى .. إلى آخر الرسالة، وبعد أربع وعشرين سنة أجد اليوم متسعا للرد على تلك الرسالة بهذه الكلمات التي تتشقق لأراه يطل من بينها، نعم إنها ممارسته العظيمة التي يتقنها وهي الإطلالة علينا دائما من كل زوايا الذاكرة والكلمات، إنه كعادته يخاف علينا ويوصينا حتى بعد موته، إني أراه الآن في كل شيء فرحا بنجاحنا وباكيا لعثراتنا.


      عد إلينا أيها الأستاذ وخذ بأيدينا، عد واضربنا إن شئت بعصاك إن أخطأنا، عد ففيك شيء من النجاة من هذا الحزن الذي يعتصر كل خلايانا، ويتركنا معلقين بين الفرحة والألم وبين الرضا والتمني، الفرحة بأنك كنت في تاريخنا ذات ليال والألم بأنك لن تتمكن من أن تربت على أكتاف أحبابك بعد الآن، الرضا بقدر الله والتمني بأن نستعيدك.

      نم هانئا أيها الأستاذ فقد عشت حميدا طيب الذِكر ميمون النقيبة ومت فقيدا


      وإني اليوم أعزي نفسي بفقد معلم حقيقي وأب روحي وصديق منقطع النظير، وأعزي أهله وذويه، وكل من عرفه، وكل من مر به ذات صدفة، وحتى من لم يعرفه بعد ولن …..

      رحم الله الأستاذ حميد بن سعود المعولي

      لله ما أخذ ولله ما أعطى