د.سالم الشكيلي يكتب : 400 مليار دولار كُلفة إعمار سوريا، فكيف سيتم ذلك!

    • د.سالم الشكيلي يكتب : 400 مليار دولار كُلفة إعمار سوريا، فكيف سيتم ذلك!



      أثير – د.سالم الشكيلي

      أعلنت الأمم المتحدة في تقرير لها حديث، أنّ كلفة إعمار سوريا، بعد حرب دامت سبع سنوات تبلغ أربعمائة مليار دولار، فقط!!! ومن المقرّر، أن يُنشر هذا التقرير المتضمن لتفاصيل أكثر، عن أرقام الضحايا والمهجرين، وعن تكلفة الحرب في سبتمبر المقبل.

      وتُشير تقارير أخرى إلى أنّ عدد ضحايا هذه الحرب العبثية، قارب نصف مليون نفس، فيما تجاوز عدد المهجّرين خمسة ملايين سوري، موزعين في تركيا، والأردن، ولبنان، وغيرها من الدول؛ إما هربًا من جحيم الحرب، أو بسبب فقدان منازلهم، أو بغيرها من الأسباب…

      وبحسب نفس التقارير ذات المصداقية العالمية، فإن نسبة السوريين الذين هم تحت خط الفقر، تصل إلى 90%، وهي نسبة عالية جدًا، ناهيك عن نسبة البطالة المرتفعة في هذا البلد الشقيق العريق.

      إن الوضع دقيق ومخيف، بل مخيف جدا، على الجانب الاقتصادي والمعيشي لبلد مزقته الحرب، وقطّعَت أوصاله إربًا إربًا.

      وبنظرة سريعة إلى رقم كلفة الإعمار في سوريا، فإن من المؤكد أن الاقتصاد السوري، لن يكون قادرًا على مواجهة هذه القضية بالمرة، فميزانية سوريا لعام 2018م، لم تتعدّ 6 مليارات دولار، فلو افترضنا جدلا -من باب التنجيم المتفائل- أن هذا الرقم سيخصص للإعمار فقط ، فهذا يعني أن سوريا بحاجة إلى ما يزيد على 66 عاما لإتمام الإعمار، وبطبيعة الحال فإن هذه النظرة غير منطقية وغير قابلة للتنفيذ. والسيناريو المتوقع أن يُعقد مؤتمر دولي لمساعدة سوريا في عملية الإعمار، ولو أفرطنا في التفاؤل، لن يتمكن المؤتمر، من جمْع أكثر من مائة مليار دولار، ما يعني أن هناك نقصا لثلاثمائة مليار دولار، فكيف سيتم تغطيتها؟

      ما أسهل التدمير، والتخريب، وما أصعب البناء والتعمير، البناء والتشييد يستغرق عشرات السنين، في حين أن الهدم لن يحتاج إلا إلى أزمنة محدودة بل ربما إلى أيام معدودة.

      لكنه الإنسان، ظلومٌ لنفسه مبين، إذا تملّكه الغرور وركِبَتْه الأهواء؛ فإنه يعمي بصره وبصيرته، ويغلف الرّان قلبه وعقله؛ فلا يتدبر، ولا يحب إلا نفسه، مصالحه الخاصة المحدودة القدر والمكان تبقى هي الأَولى على غيرها، لا يُلقي بالا لنتائج معروفة سلفا لمثل هذه المغامرات غير المحسوبة، ثم يأتي فيندم -إنْ ندم- حين لا ينفع الندم.

      ويأبى هذا الإنسان الظلوم الجهول إلا أن يكرر ذات الأخطاء ويتجرع كأس الندامة، متأسّيا بقابيل حين قتل أخاه هابيل، وكما ظلم أبناء يعقوب أنفسهم، عندما ألقَوا بأخيهم يوسف الصديق في غياهب الجب، فندموا على مافعلوا، لكن إنسان اليوم غير إنسان الأمس؛ فقد استبدّ الغرور فيه وتملّكه، وسيطرت عليه كبرياء زائفة قوامها المال وحب التملّك والسلطة، ونشدان مُلْكٍ لا هم أهلٌ له ولا تاريخ يشفع لهم كي يفكروا -مجرد التفكير- فيه.

      كان بإمكان السوريين -وأعني هنا جميع السوريين بما فيهم الحكومة- تجنيب عروس الشام، هذه الحرب المسعورة، لو أنهم أعلوا للحق صوتًا يتجاوزون به أصوات قرع طبول الحرب التي كانت تقرع آذانهم وتقترب من مشارف الشام الحبيبة، وعلى مرأى ومسمع الجميع، لكنها المصالح الشخصية، والأهواء الجوفاء، والمذهبية البغيضة التي لعب بأوتارها مَن أراد بالشام سوءًا، فكانت فخّا سقط فيه هؤلاء الموتورون، حتى ضاعت الشام وشعبها.

      نعم، كان على الحكومة في بداية الأزمة، العمل على احتوائها، وكان بمقدورها ذلك، بالعقل والحوار والاستجابة للمطالب الشعبية المشروعة ، وكانت معظمها اقتصادية، باستثناء مطلب سياسي واحد يتعلق بالمادة السابعة من الدستور السوري، وكان على المعارضة أن تحصن نفسها من تدخلات الخارج، وألا تترك له بابا أو نافذة يدخل منه، من أجل أن تبقى سوريا عصية على الطامعين والمتربصين بها.

      لننظر اليوم إلى خريطة سوريا على الأرض، كم من القوات الأجنبية عليها، سواء مع النظام أو مع المعارضة، قوات روسية، وإيرانية، وأمريكية مع حلفائها، وتركية، وعناصر من حزب الله، والحشد الشيعي العراقي، بالإضافة إلى الدعم المادي والأسلحة التي تتلقاها المعارضة من بعض الدول العربية والأجنبية.

      ليفهم السوريون، أن كل هؤلاء لا تهمّهم حماية سوريا على حد زعمهم، ولا يهمهم إقامة الديموقراطية كما هللوا في بداية الأزمة، وليس لهم في حبّ سوريا وأهلها مقدار حبة من خردل، وكان حريا بهم أن ينشروها في دولهم، أما مسألة الدفاع عن حقوق الإنسان ، فهي عبارةُ حق يراد بها باطل. فكل المتدخلين في الحرب السورية إنما يبحثون عن مصالحهم، ومصلحة سوريا بعيدة عنهم بُعْد المشرق عن المغرب.

      يبقى السؤال قائمًا، كيف ستخرج كل هذه القوات من الأرض السورية؟ ومتى؟ وما هو الثمن المقابل لخروجهم؟

      ويبدو أنّ الأمم المتحدة مكبلة اليدين بسبب تضارب مصالح الأطراف المتحاربة، فمن أجل إيجاد حل للأزمة السورية، تعاقب حتى الآن ثلاثة مندوبين للأمين العام في سوريا، كوفي عنان، الأخضر الإبراهيمي، ودي ميستورا، وثلاثتهم أخذوا مستحقاتهم المالية، والحل في إنهاء الحرب ومعضلاتها لم يجدْ له طريقا على أرض الواقع.

      وما لم يقتنع السوريون بهذا الواقع، ويدركوا أنّ الحوار السوري السوري، هو الخلاص لهم، سيظل مستنقع الحرب يزداد، وسيبقى الشرخ بينهم متّسعا، إلى أن يشاء الله.

      أيها الأعزاء، اكسروا قيود الوصاية والهيمنة على قراركم ، وتخلصوا من السلاسل التي لُفّتْ حول أعناقكم بحجة دعمكم ومساندتكم، وما ذاك إلا وهْمٌ أوهموكم وأقنعوكم به، وسراب خُيّل إليكم أنه ماء، إِنْ هو إلا قيعة.

      إن دمشق، وحلب، ودرعا، وحمص، وإدلب، وطرطوس، والرقة، والقلمون، تذرف من عيونها دما، وتنفطر قلوبها حزنا وألما على أطفالها وشبابها وشيوخها الذين غدرت بهم الحرب في طرفة عين بعد أن هجعوا إلى مراقدهم، أو استيقظوا فراحوا إلى حقولهم وأعمالهم يبحثون عن رزقهم.

      وإن المدن السورية كلها، حزينة ومتوجعة، على مساجد العبادة التي هدمت، وصروح العلم التي دمرت، ودور العلاج التي تعطلت، والمصانع المنتجة التي سوّت بالأرض هي ومساكن الناس، والمآثر التاريخية التي ضُيّعت.

      ومع كل هذا فإنها —المدن— لا زالت عيونها تنشد الأمل، وتنادي بالرجاء، وتهلل بأن يرفع الله هذا البلاء، وأن تضع الحرب أوزارها، ويسكت دويّ الرصاص والقنابل، وتتوقف حمم ونيران الصواريخ عن سماء وأرض سوريا.


      فهل من مستجيب؟؟؟!!