لمْ يكن من الغرابة أن يتفاعل الشارع العُماني مع مقطع الفيديو الذي بثه شاب عُماني مضمناً إياه هذه العبارة ليلجأ للناس بعد أن يئس -وفقَ زعمه- من طرق كل الأبواب القانونية وغيرها ليحوّل قضيتهُ إلى رأي عَام كاشفاً تفاصيل مروّعة عن تعرضه للتعذيب النفسي ولانتهاكات جنسيّة أثناء التحقيق معه في قضية سرقة محل مواد غذائية بل وتعرّض أفراد مقربين منهُ -منهم أمه- لترهيب متواصل على مدَى أربعة أعوَام رغم صدور الحكمِ ببراءتهِ من أفراد يُناط إليهم تنفيذ قوانين الأمن والعدل وإحقاقه.
القضية دفعَت بلجنة حُقوق الانسان وشرطة عُمان السلطانية إلى إصدار بيانين أعربت الجهتان فيها عن تحركهما لاتخاذ إجراءات لمتابعة ما حدث.
لم يتضمّن البيانان تفاصيل كثيرة سوَى عبارات مقتضبة وبينَ ردود فعل غاضبة وأخرى تؤكد على أنها تصرفات فردية يبقَى من المهم مراجعة تساؤلات ونقاط مهمّة ينبغي على ألا تمر سريعاً على الرأي العام.
أولاً: تحيّة للرأي العَام الناضج الذي سلّط الضوء على هذه القضية والذي باستهجانهِ للتفاصيل الواردةِ حرّك الجهات المختصة للوقوف على ما حدث
ثانياً: أتمنّى ألا يعود مقطع الفيديو هذا بالوبالِ على صاحبهِ بل أن يمنح الحمَاية الكاملة من السُلطات حتى انتهاء التحقيقات التي ينبغي أن تدار من قبل جهة مستقلة تضمن الحيادية لأطراف القضيّة وفي حالِ صدق مزاعمه أن يعوّض تعويضاً يحفظ له كرامتهُ التي انتهكت بل ويُشكر على شجاعتهِ في التصريح عما وقع له.
ثالثاً: بافتراض زعم المدّعي، فإنّ تسابق البعض لاعتبار قصتهِ المروعة هي حالة فرديّة أو جماعيّة لا يقلل من عظَم الحادثة لأنّ الحوادث الفرديّة هي مدعاة لتحقيق مؤسسي عميق للوقوف على الثغرات التي حدثت في سير قضيتهِ وللتأكد من وقوع حالات كهذه أو عدمها في السابق وضمان عدم تكرارِها مستقبلاً
رابعاً: أن وصولَ وقائع هذا الشخص لعدد من المسؤولين الرفيعين في الدولة وأعضاء في الادعاء العام دون استجابةٍ يثير الكثير من التساؤلات حول لماذا لم يأخذ أيٌ منهم على عاتقهِ الوقوف على ملابسات ما حدث والوقوف في صفّ الضعيف قبلَ أن يضطر لتحويل قضيته إلى قضية رأي عام.
خامساً: أنّ امتداد مدّة التقاضي لما يزيد عن 3 سنوات يدفعنا للتساؤل عن جودَة اجراءات التقاضي المعتمدَة وحجم معاناة الضحايا التي تمتد لسنوات من أجل الأخذ بحقهم النفسي والعينيّ
سادساً: عدم تسليم الضحية ملف التقرير الطبيّ الذي يثبتُ تعرضه لهذه الانتهاكات يرفع الكثير من علامات الاستفهام على حيادية المسؤولة عن إصدار هذه التقارير مع الطرف الأقوى
سابعاً: أتمنى أن تضربَ الجهات الأمنية في البلد -عبرَ هذه القضية إن صدقت- مثالاً حقيقياً في إيقاف الرأي العام بشفافية على اجراءاتها التي اتخذتها فقد سمع الشارع العام التفاصيل من سلطان ومن الشفافية بمكان أن تفنّد القضية بالذات أن الطرف الآخر هم أفراد محسوبون على مؤسسة أمنية رفيعة. إنهُ لا يعيبُ البلدان وقوع انتهاكات على أراضيها بل يُعيبها ألا تضرب بيدٍ من حديد من يستغل السلطة التنفيذية التي منحَت له ليحقّ بها العدالة وتحاسبه محاسبةً لا تسَاهُل فيها عندما يجُور في استعباد الضعفاء والتنكيل بهم.
ثامناً: إنني أدعو جهاز الأمن والمكتب السلطاني ومجلس الدولة ومجلس الشُورى بمتابعة القضية عن كثَب لأنّ كلّ روح وكل نفس في عُمان هيَ غالية وحصِينَة وهذه الأجهزة مؤتمنة عليها وسُمعة شرطة عُمان السلطانيّة لا يمسّها حدوث وقائع كهذه بل يهزها عندما لا تتخذ إجراءات وقائية تحمي الضحايا أو اجراءات عقابية صارمة في حال وقوع هذه الوقائع وتوضيحها أمام الرأي العام.
تاسعاً: وهو الأهم فإنني أقتبس من مقولة لدانيال موينيهان نشرَتْها الدكتورة بدرية الشحي، نائب رئيس مجلس الدولة "أن حجم انتهاكات حقوق الانسان في بلد ما هو علاقة عكسية لمقدار الشكاوى المتعلقة بانتهاكات حقوق الانسان التي يتم سماعها من هناك. كلما زاد عدد الشكاوى التي يتم بثها (أي لم يتم إجهاضها)، كلما كانت حقوق الانسان محميةً بشكل أفضل في ذلك البلد"
مضيفةً أنهُ لا يجب أن نخاف من الشكاوى بل أن نخاف من الصورة اللامعة والنظيفة فلا يوجد بلد بلا انتهاكات فنحنُ بشر.
هذه التساؤلات هيَ التي لا تجعلُ من قضية #كلنا_مع_سلطان قضية سريعة الطفو والخفوت بل حريٌ بنا مساءلتها لتخلق سورَ حمايةٍ يؤكدُ على التزام مؤسساتنا الأمنيّة التام بمعاهدات حقوق الانسان وحمَاية الضحايا وصون كرَامة كلّ انسان عُماني وغير عُماني يعيشُ على هذه الأرضِ الطيبة التي تنتصرُ لـ "ود الفقير" قبلَ"ود الغني" وللضعيفِ قبلَ القويّ، وللفرد قبلَ المؤسسةِ بسلطة القانون. بلدٌ لا يضطر مدعِي الحق ليستنجد بالناس بل تحفظُ شفافية قوانين البلد وشفافية إجراءاتها كرامتهُ وإن خذلتهُ يجدُ شعباً ينتصرُ له ويحرّك المؤسسات لتستعيدَ حقهُ وتردّ لهُ كرامته بصدقٍ وشفافيةٍ يرفعُ رصيدها بينَ الشعب والمنظمات الدولية.