هل يتجاوز العرب هذه المقدمات؟!

    • خبر
    • هل يتجاوز العرب هذه المقدمات؟!

      Alwatan كتب:

      كاظم الموسوي:
      لا بد أن تكون الصورة واضحة وما زالت وقائع الأحداث التي أوصلت الأوضاع إلى ما هو عليه في الحاضر الراهن، قبل حينها، أو ما زالت في طور التسجيل في صفحات التاريخ، التي يتوجب دائما قراءتها وتفحصها والدرس والاعتبار منها، كي لا تتكرر كما هو في القول المعروف عن أمثالها. في بدايتها مأساة وفي ختامها هزل وفكاهة، ولا بد من التوقف عند محطات لها مفاعيلها وتداعياتها الخطيرة التي مرت على الأمة العربية، وتركت كوارثها مفتوحة في الوطن العربي كله. وليست مستغربة النهايات التي آلت إليها مصائر أصحاب القرار السياسي، لما ارتكبوه فيها من أخطاء وخطايا وكوارث وجرائم وحشية، بوصفها التاريخي وما تركته من تداعيات مستمرة، أو ما فعلته من إرهاصات ما نعيشه اليوم.
      أي أنها كانت من أسباب وعوامل مهدت أو عجلت أو فرشت البساط أمام النتائج والتداعيات التي نعيشها بكل ما تحمله من أثقال وعواقب ليست يسيرة أو هينة.
      أحداث مرت وتركت ما تركت، للتاريخ، وهي بالتتالي الزمني، وتأثيرها العربي الواسع، كانت وصارت بدايات، مقدمات، إرهاصات، ولكل منها عواقبه، والتي تتعلق منها خصوصا بالقضية الفلسطينية والقوات المسلحة الوطنية، حيث خُططت لإبعاد هذه القضايا وإضعافها وتهميشها وبالتالي تدميرها. وأول ذلك قرار الرئيس المصري أنور السادات بالذهاب إلى الكنيست وإعلان اعتراف حكومته (1970 ـ 1981) بالكيان الإسرائيلي المحتل (1977) وتوقيعه، معاهدات معه (1979) تحت عنوان السلام ولكن اسمها الاستسلام، وإضعاف القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني العادلة والمشروعة. وفي إبعاد مصر عن المحيط العربي وعن دفاعها عن فلسطين وتحجيم دور القوات المسلحة ومسعى لتغيير عقيدتها العسكرية كما أرادت السياسات المعادية لقضايا الأمة ووحدتها واستقلالها وحريتها ونهضتها. وصارت الزيارة نكسة أخرى تلت نكسة حزيران/ يونيو 1967 وأحدثت ثغرة كبيرة في جدار الصمود والتصدي للعدو ومخططات الهيمنة الاستعمارية، ونجحت في فرقة الدول العربية، وعزل دولة مصر رسميا عن حاضنتها العربية لفترة غير قليلة، وأبعدت دورها الريادي في الوطن والأمة العربية. وافتتحت مسلسل التنازلات العربية وتوالت خلفها حفلات كامب ديفيد وأضرابه بكل خنوع وهوان ضمير. وفي خضمها عكست تدهورا كبيرا أدى إلى انكشاف الواقع السياسي العربي، فأكمله اشتعال الحرب العراقية الإيرانية (1980 ـ 1988) وتلاها غزو دولة الكويت من قبل وحدات من القوات العراقية (1990) واصطناع حرب الخليج الثانية، كما سميت، لتكون صفعة أخرى للعمل العربي المشترك والعلاقات الإقليمية وحسن الجوار والتضامن العربي. فكانت سنوات حرب وانقسام عربي مهين لأهداف الأمة ووحدتها وزاد الطين بلة، استسلام الحكومات العربية لقرارات مجلس الأمن في تشديد الحصار على دولة العراق، وإبعادها هي الأخرى عن القضايا العربية وفلسطين أساسا، فضلا عن تدمير القوات المسلحة وتسعير العداء بين جارين إسلاميين، وجارين عربيين، واستمرار التفتيت العربي وتصعيد العداء وتكريس التضليل الإعلامي والسياسي بدعوات عنصرية ثم طائفية دينية، وجهت إلى حرب أهلية، لم تكن واردة في أي ظرف سابق. وانتهت تلك الفترة، بعد كوارث الحرب ومصائب الغزو، إلى سنوات الحصار وقرارات التجويع وأهداف الإذلال، بكل معانيها، وصولا إلى جرائم الغزو والاحتلال الصهيو ـ أميركي، والمحاكمة والإعدام لرئيس النظام الذي ارتكب العديد من الممهدات لما آلت إليه الأوضاع في العراق. وانتهت عشرية الثمانينيات في تشويه دور القوات المسلحة العراقية وإبعاد القضية الفلسطينية عن أوليات ما بعد الاحتلال وأضعفت مكانة العراق إقليميا ودوليا، زادتها انعزالا وإرباكا منذ عام 2003 وإلى أيامنا الحاضرة.
      لم يكتفِ الاستعمار الغربي، القديم منه والجديد، وهو العدو الطبقي والسياسي للأمة من تدمير جناحين مهمين منها، فحرك أصابعه في أطراف أخرى، في اليمن الموحد، لتمزيقه من جديد وتدمير قواته المسلحة وإبعاده عن أي دور ممكن له في الدفاع عن فلسطين، وكذلك حصل الأمر في ليبيا وغيرها، وقد أخذت حرب الانفصال التي قادها الرئيس السابق على عبد الله صالح بتحطيم الأحلام الوحدوية (1990 ـ 1994) وإنهاك قوى الشعب الوطنية، كما أفشل صدام حسين الميثاق القومي بين العراق وسوريا (1979). وتوضحت نوازع السلطة والتحكم بمصائر الشعب والمنطقة دخولا في محن الحروب الداخلية لقمع الحراكات الشعبية والاحتجاجات الوطنية وتعريض البلاد إلى أتون الحرب والعدوان وتقديم الأسباب إلى دول خارجية للتدخل وتسعير الصراعات والنزاعات الداخلية. وكان الرئيس صالح طيلة فترة حكمه التي دامت أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، يعتمد على أقاربه ومحازبيه على حساب المصلحة الوطنية والقومية، وكان لا يمانع من التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، حسب ما نقل سفيره في الأردن عنه (1990) وتكليفه بمهام السفارة بعد التوقيع.
      كما تورطت القيادة الليبية، وزعيمها معمر القذافي في حروب تشاد والقرن الإفريقي وما وراء الصحراء الإفريقية والغرق في مشاريع إغراء وتبذير الثروات الوطنية في ما لا طائلة منه، كتنصيب القذافي نفسه ملك ملوك إفريقيا.. الأمر الذي يعني أن هذه المشاغلات الداخلية والرهانات الخارجية وما شاكلتها أسهمت في تدمير القوات المسلحة والقدرات والطاقات الشعبية الداعمة للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، فضلا عن مصالح الشعب العربي في بلدانهم ذاتها، ودفعهم أثمانا باهظة لممارسات سياسية فردية أدت إلى ارتكاب خطايا تاريخية، في تخريب وحدة البلدان وصراع المكونات وخراب العمران وضياع الثروات والتنمية والقدرات والطاقات الشعبية.
      ورغم أن الحراكات الشعبية التي اندلعت في أغلب البلدان العربية، ولا سيما الجمهوريات العربية (من أواخر 2010) ردا على تدهور الأوضاع العامة فيها، ودفعت الحراكات إلى المطالبة بالإصلاح والتغيير والحريات والخبز والكرامة، إلا أنها لم تستمر أو تنجح بزخمها وسلميتها، وفسحت المجالات واسعة أمام تدخلات العدو الطبقي والسياسي، قوى الإمبريالية، التي لم تتركها تأخذ مدياتها الإصلاحية والتغيير نحو أهدافها، فأطلقت عليها مسميات “الربيع العربي” و”الثورات الملونة” وتدخلت في بناها وحتى شعاراتها وحرفتها عن مسارها واستغلتها بقوة دافعة اتجاهها إلى خلاف انطلاقتها ووظفت قوى سياسية، لا برامج تغيير لديها ولا طاقة عندها لمقاومة المخططات المعادية للمصالح الوطنية والقومية، فرضخت بسهولة بل وكأنها جاءت معها في إطار خدمة الأعداء لا الشعوب، وحولت الحراكات والمطالب الشعبية إلى “خريف غضب” ودمار القوى العسكرية والسياسية الوطنية، معاقبة من جهتها الرؤساء الذين تمسكوا بمناصبهم ومواقعهم المسؤولين عنها دون فهم للمتغيرات والعمل على إيجاد الحلول الملائمة لها، والداعمة للإصلاح والتغيير، فتكررت نهاية السادات معهم بأشكال أخرى، أو أحدث وربما أسوأ وأوحش.
      هذه بعض المقدمات التي انتهت إليها الأوضاع العربية، والتي يتوجب الصراحة والموضوعية والنقد البناء لها. فهي بشكل أو آخر استسهلت خداع مخططات الهيمنة الاستعمارية، وشاركت في تبذير ونهب الثروات، وفسحت السبل لاستخدام الطاقات والقدرات العربية لمصالح الأعداء الطبقيين والسياسيين للأمة، ونجحت قوى الاستعمار في توظيف التهديد والوعيد بالضد من المصالح الوطنية والإرادات الشعبية والخيارات القومية، ولا سيما القضية الفلسطينية، والقوات العسكرية الوطنية. ويضاف لها الخسائر الجسيمة، البشرية والمادية.
      وبعد كل ما حصل وها نحن نعيش نتائجه الكارثية، التي تعمل على تفتيت المفتت، وتجزئة المجزأ، وتحطيم الأحلام والأمنيات، تطل الأسئلة ولا بد من جواب واضح ودقيق لها: هل وكيف يتجاوز العرب هذه المقدمات؟ وهل تكفي المراجعة لما ذكرته وإيقاف تمريره عربيا بأي شكل، وتأكيد مساءلته بموضوعية وروح ديمقراطية؟ وهل يتطلب العمل الجاد لوضع الأصابع على الجراح التي فتحتها تلك الوقائع والأحداث، واتخاذ الموقف الموضوعي الذي يتصدى للهجمة السافرة للإمبريالية ومنع إعطاء فرصة أخرى أو وقف أي امتداد لاستمرار القوى الإمبريالية ومتخادميها في حكم المنطقة وديمومة نفوذها في مستقبلها أيضا؟ وكيف يستقيم الأمر في ظل المراوغة والتبرير والهروب من الحقائق والوقائع لأسباب عديدة؟.. وتطول القائمة.. وهنا الوردة فلنرقص معا..!

      Source: alwatan.com/details/422105