في رحاب الشهر الفضيل

    • خبر
    • في رحاب الشهر الفضيل

      Alwatan كتب:

      أ.د. محمد الدعمي:
      يخطئ العديد من الشبيبة والنشء على طول عالمنا العربي والإسلامي، بالاعتقاد الموهوم الذي يفيد بأن شهر رمضان هو خصوصية إسلامية فحسب، بل إنهم يظنون (خاطئين، ثانية) بأن هذا الشهر لم يكن موجودًا بين الأشهر على التقويم العربي قبل ظهور الإسلام، وبأن هذا شهر “إسلامي” بامتياز.
      أما الحقيقة التاريخية فهي تشير إلى غير ذلك؛ لأن هذا هو الشهر موجود في “التقويم العربي” قبل ظهور الإسلام، وبأنه كان شهرًا مقدسًا بين عرب قبائل الجاهلية، منذ ابتداء الوعي العربي بالزمن وبتقسيماته، بغض النظر عن معتقداتهم الروحية التي كانت شائعة حقبة ذاك، أكانت معتقدات وثنية أو توحيدية أو ثنوية، أو حتى أسطورية، بل حتى المجوسية والزرادشتية كانتا موجودتين شمال وشرق جزيرة العرب، ناهيك عن شيوع التقليدين التوحيديين الرئيسين السابقين للإسلام، وهما التقليد الديني العبري الموسوي (اليهودي)، والتقليد الديني النصراني (المسيحي)، ويضاف إلى العبريين والمسيحيين بين قبائل العرب قبل الإسلام، تقليد روحي لهم، عنوانه “الأحناف” الموحدون، الذي يشاع بأن الرسول الكريم كان يحتضنه قبل نزول الرسالة والتبشير بالإسلام. أما بالنسبة للمندائيين (الصابئة)، فقد استقروا شمالًا على أراضي البطائح المجاورة للأنهار، حيث يبقى الماء جاريًا (وهو ضروري لطقوس التعميد).
      ومن بين الأدلة الأخرى على قدسية شهر رمضان قبل الإسلام هو كونه أحد ما كان بما يسمى بــ”الأشهر الحرم”، إذ تتجلى قدسية هذه الأشهر بامتناع العرب عن الحروب والاقتتال، تقديسًا لها، واحترامًا لأطوالها الزمنية المباركة التي ينبغي أن لا تشهد أعمالًا مخلة بالشرف وبالتقاليد الروحية وبقدسية هذه الأشهر، ومن هذه المحرمات أفعال السحت الحرام والزنا والثأر والنكث بالمواعيد وبالاتفاقات والعهود، وأغلبها كانت تفاهمات شفوية غير مكتوبة، نظرًا لقلة القادرين على الكتابة والقراءة حقبة ذاك.
      بيد أن أهم دليل على ملاحظة والتزام العرب بقدسية شهر رمضان (قبل ظهور الإسلام) قد قدمه الرسول الكريم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)، شخصيًّا قبل الرسالة، إذ راح يتردد على غار حراء في رمضان، صائمًا، في سياق “الرياضة الروحية” التي اعتمدها (صلى الله عليه وسلم) للتسامي بالنفس فوق الماديات حتى يهبط عليه الوحي، برسالة إلى بقية البشر على عصر الجاهلية، عندما كان أغلب المتنفذين من أسرته وسواها من الأسر المتنفذة الأخرى في قريش منشغلين بتجارتهم وبلهوهم وألعابهم التي حرمها الإسلام كالميسر والأنصاب والأزلام والقداح.

      Source: alwatan.com/details/423020