حماية الشهود ومن في حكمهم في قانون مكافحة الإرهاب (نظرة للمستقبل)

    • خبر
    • حماية الشهود ومن في حكمهم في قانون مكافحة الإرهاب (نظرة للمستقبل)

      Alwatan كتب:

      محمد بن سعيد الفطيسي:
      كتبت سابقا أكثر من مقال نشر في هذه الصحيفة الغرَّاء (الوطن) تستهدف إعادة تأهيل وتحديث قانون الإرهاب العماني لمواكبة التطورات الحاصلة في البيئة الأمنية عموما، وتلك المتغيرات والتحولات الحاصلة على مستوى الظاهرة الإرهابية خصوصا، كما ستنشر لي دراسة (1) تحليلية حول ذات القانون في مقبل الوقت إن شاء الله. ولعل إصدار قانون جديد لمكافحة الإرهاب سيكون أفضل بكثير من تحديث وتأهيل القانون الإرهاب الراهن رقم 8/2007م من وجهة نظري.

      في هذا المقال سأستمر في ذات الاتجاه الهادف حيال طرح بعض النقاط التأهيلية التي أتمنى أن تؤخذ بعين الاعتبار في أي نظرة مستقبلية لقانون مكافحة الإرهاب، وهي مسألة حماية الشهود والمبلغين ومن في حكمهم. ولعل هذه المسألة يمكن الاستفادة منها في هذا الاتجاه حيال إصدار قانون وطني خاص بحماية الشهود والمبلغين ومن في حكمهم يسري على مختلف القضايا التي يحتاج فيها الشهود والمبلغون والمحكمون وحتى بعض الفئات المستهدفة والتي يمكن أن تقع في دائرة التهديد والخطر بسبب شهادتها أو قيامها بإبلاغ جهات إنفاذ القانون في السلطنة حول جريمة من الجرائم مثل جرائم الفساد وانتهاك المال العام أو جرائم الإرهاب أو غسيل الأموال وتمويل الإرهاب…إلخ.

      ولفهم الموضوع أعلاه بشكل مختصر ومبسَّط، سيتم التعامل لتحقيق ذلك عبر طريقة السؤال والجواب، وأول تلك الأسئلة هو: لماذا يحتاج الشهود ومن في حكمهم في قضايا الإرهاب إلى حماية خاصة؟ طبعا بشكل عام يجب أن تحصل تلك الفئة على حماية أمنية وقانونية في مختلف الجرائم وليس جرائم الإرهاب فقط، على أن هناك جرائم على درجة من الخطورة كما هو حال الجرائم الإرهابية تحتاج فيها تلك الفئة إلى قوانين وبرامج من نوع خاص نظرا لارتفاع درجة التهديد والخطورة، ولا تقتصر دائرة التهديدات عليها فقط بل للأسف الشديد في الغالب تشمل تلك المخاطر أفراد الأسرة والمقربين.

      حيث تتوسع جهات التهديد في قضايا الإرهاب لتشمل التنظيمات الإرهابية والمتعاونين معهم، كما أن خطورة جرائم الإرهاب ترتفع تهديداتها بحكم طبيعة الوسائل المستخدمة في التهديد في الغالب كالمتفجرات وحتى الأساليب الوحشية، ولا يمكن التغاضي عن الإمكانات المتوافرة لدى تلك التنظيمات الإرهابية وقدرتها على الوصول إلى أماكن خاصة كالمحاكم ومؤسسات إنفاذ القانون، ولا ننسى أن بعض تلك الجرائم تتعاون في دعمها ومساندتها دول ومؤسسات إعلامية واستخباراتية في كثير من الأوقات، وهذا ما يجعل من الجرائم الإرهابية، وإن تشاركت في أهداف حماية الشهود، مع بقية الجرائم، إلا أن ما سبق التطرق إليه يجعل لها طبيعة خاصة تحتم وجود برامج ونصوص قانونية خاصة.

      إذًا وجود قانون خاص وبرامج خاصة بحماية الشهود ومن في حكمهم سيزيد من ثقة المجتمع في مؤسسات إنفاذ القانون، وسيشجع الأفراد على الشهادة والإبلاغ عن الجرائم، كما سيساعد على توثيق الروابط بين المؤسسات المعنية وأفراد المجتمع، وغير ذلك العديد من الفوائد والعوائد الإيجابية.
      متى بدأ الاهتمام بمثل هذه القوانين والبرامج الخاصة بحماية الشهود ومن في حكمهم في جرائم الإرهاب؟ المتتبع لمثل هذا النوع من القوانين والبرامج الخاصة يجد لها حضورا ليس ببعيد من حيث الزمان، وإن تفاوت ذلك ما بين التشريعات في الغرب وفي العالم العربي، على أن الملاحظ أن أغلب تلك القوانين تدور حول حماية الشهود ومن في حكمهم في قضايا حماية المال العام ومكافحة الفساد، حتى أن بعض تلك القوانين تم تسميتها بقوانين حماية الشهود والمبلغين حول قضايا الفساد.

      ففي تونس على سبيل المثال “قانـون أساسي عدد 10 لسنة 2017 مؤرخ في 7 مارس 2017 المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين الصادر في العدد 20 من الرائد الرسمي للجمهورية التونسية بتاريخ 10 مارس 2017” كذلك في المغرب القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، في شأن حماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين، فيما يخص جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ وغيرها، بينما في دول أخرى لم يتم تخصيصه لحماية الشهود في قضايا بِعَيْنها كما هو حال القانون الاتحادي رقم (14) لسنة 2020 بدولة الإمارات بشأن حماية الشهود ومن في حكمهم الصادر بتاريخ 10/11/2020م.

      أما في الولايات المتحدة الأميركية ورغم استحداث مثل هذا القانون في سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه برز بشكل مخصص في عام 1984 مع صدور قانون إصلاح الحماية الأمنية للشهود. ويلاحظ أن أغلب تلك القوانين في الغرب لم تخصصه بتسمية حماية شهود الفساد أو حماية المال العام كما هو الحال في العديد من الدول العربية، بل يلاحظ عليها التسمية العمومية كما هو الحال في فرنسا وإيطاليا وكندا، على سبيل المثال لا الحصر.
      إذًا يفضل أن يتم إيجاد قانون شامل لحماية الشهود والمبلغين في مختلف الجرائم عموما، إلا أن وجود نصوص إجرائية خاصة في قوانين مكافحة الإرهاب مع برنامج مستقل لحماية شهود هذا النوع من الجرائم أجد ـ من وجهة نظري ـ أنه سيغطي بدرجة كبيرة العديد من الثغرات المستقبلية، كما أنه سيحصر تطوير النصوص على نصوص وبرنامج حماية الشهود في قوانين الإرهاب بعيدا عن قانون مكافحة الشهود والمبلغين، وهو أمر فيه توسع واستمرارية في التطوير والتحديث، خصوصا مع تسارع الظاهرة الإرهابية.

      ما أبرز التحديات التي تواجه قوانين وبرامج حماية الشهود في جرائم الإرهاب خصوصا؟ المتتبع لمثل هذه القوانين والبرامج يجد أن عليها العديد من المآخذ والملاحظات، وهو أمر طبيعي ـ من وجهة نظري ـ خصوصا أن طبيعة الظاهرة الإرهابية تحتاج إلى تعامل وأساليب أمنية خاصة للتعامل معها، فأنت لا تتعامل مع جريمة تنحصر آثارها في أشخاص أو ترتكز على أموال عامة أو فساد أو رشوة أو حتى الإبلاغ أو الشهادة على جريمة قتل، على سبيل المثال، رغم خطورة الجرائم السابقة بكل تأكيد؛ بل الحديث هنا عن جرائم تشمل التفجير والاختطاف وقتل المدنيين بالجملة وغير ذلك، وبالتالي فإن الحديث هنا عن حماية الأمن الوطني بكل تفاصيله الدقيقة، لذا تركزت أغلب تلك التحديات حول إشكاليات وتناقضات قوانين وبرامج حماية الشهود في ظل حماية وحفظ حقوق المتهم بجرائم إرهابية حتى تثبت إدانته، بالتالي فإن المشكلة الرئيسية في مثل هذه القوانين هي المواءمة بين حقوق الشهود والتزامات السلطة بذلك، وتضارب ذلك ـ في أحيان عديدة ـ مع حقوق المتهم بقضايا إرهابية.

      ومن أبرز تلك التحديات والتناقضات ـ على سبيل المثال دون شرح وتفصيل في هذا المقال ـ كشف هُوية الشاهد أو استخدام شهود مجهولي الهُوية في مرحلة التحقيق الابتدائي أو في قاعة المحكمة، الحضور الإعلامي والجلسات العلنية ومخاطرها على الشاهد أو الجلسات السرية على المتهم، تقييد حق الدفاع في الحصول على الوقت الكافي والتسهيلات الملائمة لاستجواب الشهود، خصوصا شهود الإثبات، وغيرها العديد من التناقضات والإشكاليات التي سنتعرض لها بالتفصيل في دراسات وأبحاث قادمة.

      أخيرا، لماذا الحديث عن قانون الإرهاب العماني؟ يمكن القول إن قانون مكافحة الإرهاب العماني صادر في العام 2007، ما يعني أنه قد مضى عليه حتى الآن ما يقارب 14 عاما في ظل تسارع الظاهرة الإرهابية من حيث تطور الأساليب والاستراتيجيات والأدوات المستخدمة في الجريمة، وغيرها من الأسباب التي تدعو إلى ضرورة تطوير هذا القانون. ويمكن الرجوع إلى مقال منشور لي سابقا بهذه الصحيفة الغرَّاء (الوطن) (2) للتعرف على أسباب ودوافع ضرورة التأهيل أو الاستبدال بشكل كامل.

      أمر آخر في هذا السياق وهو أن السلطنة ووفق العديد من الاتفاقيات الأممية كاتفاقية مكافحة الإرهاب، أو اتفاقية القضاء على الفساد، وغيرها من الجرائم، مطالبة بوجود مثل هذا النوع من القوانين والبرامج الخاصة “باتخاذ تدابير لتوفير حماية فعّالة للشهود والخبراء الذين يُدْلون بشهادة تتعلق بأفعال مجرَّمة، أو اتفاقات بشأن تغيير أماكن إقامة الشهود والمبلغين ومن في حكمهم”(3)
      يضاف إلى ذلك ـ وكما سبق التطرق ـ الفوائد الأمنية لمثل هذا النوع من القوانين والبرامج، حيث سيحقق وجود قانون وطني لحماية الشهود ومن في حكمهم تشجيع أبناء المجتمع على الشهادة، ما سيساعد على تحقيق العدالة وصون القانون، كما سيشجع على الإبلاغ على الجرائم بسبب وجود الحماية من التهديدات المحتملة، وسيزيد من ثقة المجتمع بمؤسسات الدولة ونظم العدالة فيها. وبمعنى آخر، عدم وجود قوانين وبرامج خاصة بحماية الشهود ومن في حكمهم يؤدي في أحيان كثيرة إلى إفلات جناة من العقاب، وفي أحيان أخرى يتحول الشاهد والمبلغ أو الخبير إلى مجني عليه، وهذا ما يؤدى إلى خلل في نظام العدالة ويكون له أثر سلبي على الاستقرار الأمني.

      توصية: إصدار قانون وطني مستقل لحماية الشهود ومن في حكمهم، مع ضرورة إصدار قانون جديد لمكافحة الإرهاب يضاف إليه نصوص إجرائية خاصة بحماية الشهود ومن في حكمهم في قضايا الإرهاب، مع أهمية وجود برامج خاصة ومتخصصة في حماية الشهود ومن في حكمهم في جرائم الإرهاب.

      ــــــــــــــــــــ
      1 – من بين تلك الدراسات دراسة حديثة ستنشر بإذن الله في العدد القادم من مجلة المعهد وهي مجلة علمية فصلية محكمة تصدر عن معهد العلمين للدراسات العليا (النجف الأشرف/ العراق)
      2- محمد سعيد الفطيسي، التطورات في البيئة الأمنية المعاصرة وأهمية تأهيل وتطوير قانون الإرهاب العماني، صحيفة الوطن العمانية، تاريخ النشر 9 اغسطس 2020
      على الرابط: https://alwatan.com/details/394844
      3- خلاصة استعراض تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الدورة(6) (CAC/COSP/IRG/I/4/1/Add. 19 ) الاتحاد الروسي/ سانت بطرسبرغ، 3-4 نوفمبر 2015م ص 7

      Source: alwatan.com/details/431972