صندوق النقد الدولي بين المؤيدين والمعارضين

    • خبر
    • صندوق النقد الدولي بين المؤيدين والمعارضين

      Alwatan كتب:

      خالد الصالحي:
      لطالما كانت التوصيات وشروط الائتمان التي يفرضها صندوق النقد الدولي على بعض الدول النامية التي تلجأ إليه ـ إما للاقتراض أو لطلب الاستشارة ـ موضع شك وانتقاد من قبل الكثيرين. والسبب يعود في الأساس إلى أن تلك السياسات التي يفرضها الصندوق تتركز في معظمها على فرض المزيد من الضرائب وتخفيض الإنفاق العام ورفع أسعار الفائدة، وفي بعض الأحيان قد يصل الأمر إلى تخفيض سعر العملة.

      يجادل الكثير من الاقتصاديين وعلى رأسهم الاقتصادي المخضرم جوزيف ستيحليتز بأن السياسات التي اتبعها صندوق النقد الدولي لم تسفر عن نتائج ملموسة لتحسين مستوىات المعيشة وزيادة الرفاهية في تلك البلدان التي لجأت إليه، بل على العكس من ذلك تماما، فقد أدَّت تلك السياسات إلى خلق حالة من الانكماش الاقتصادي تطور في بعض الأحيان إلى حالة من الركود الطويل. نذكر على سبيل المثال، ما حدث في أزمة شرق آسيا سنة 1997 عندما فشل الصندوق في معالجة أزمة العملة التي عصفت بدول شرق آسيا والتي أدَّت إلى انخفاض عملاتها لمستويات خطيرة، فقد نصح الصندوق ـ على إثر ذلك ـ بضرورة تخفيض الإنفاق ورفع معدلات الفائدة، وقد ثبت فيما بعد أن تلك السياسات لم تكن صحيحة فقد أدَّت في نهاية الأمر إلى توسيع حالة الركود وارتفاع كبير في معدلات البطالة، كان يفترض من الصندوق أن يقدم خطة متوازنة بإعادة جدولة قروض تلك الدول، ولكن يبدو أن الصندوق كان واقعا تحت تاثير الدول الغربية كأميركا التي ربما منعته من القيام بذلك الدور.

      نذكر أيضا تجربة أخرى في العام 2001م عندما أقدمت الأرجنتين، وبإيعاز من الصندوق، على اتباع سياسات تقشفية (كرفع أسعار الفائدة وتخفيض الإنفاق) والتي تسببت في تراجع الاستثمار بشكل كبير في الخدمات العامة، وكان لذلك انعكاسات سلبية على الاقتصاد.
      يتهم الصندوق من قِبل الكثيرين بأنه يتدخل بشكل سافر في سياسات الدول التي تلجأ إليه ويفرض عليها شروطا قد تكون قاسية وغير قابلة للنقاش تتنافى مع أبسط مبادئ المشاركة والتشاور، هذا مع العلم أن الصندوق قد فشل في مناسبات كثيرة في فهم ديناميكيات الاقتصادات التي لجأت إليه. وهنا أودُّ الإشارة إلى تجربة كينيا في التسعينيات عندما دفع الصندوق البنك المركزي الكيني إلى إزالة ضوابط تدفق رؤوس الأموال، لقد سهل هذا القرار على السياسيين الفاسدين في كينيا لتحويل الكثير من رؤوس أموالهم إلى الخارج.

      هناك أيضا بعض السياسات الأخرى التي يفرضها الصندوق والتي قد تُعد مضرة جدا للاقتصادات المحلية، أذكر منها شروطه بإزالة ضوابط التبادل والاستيراد الخارجي، وإزالة كل أشكال الدعم الذي تقدمه بعض الحكومات للمنتجات والشركات المحلية، وإلزام الحكومات بمعاملة المقرضين الأجانب على قدم المساواة مع المقرضين المحليين. إن مثل تلك السياسات قد تؤدي إلى القضاء على بعض الصناعات المحلية، كما أنها قد تضىر كثيرا بالمؤسسات المالية في تلك الدول، وهذا بطبيعة الحال، ستكون له انعكاسات كارثية على تلك الاقتصادات.
      أما فيما يخص بسياسات الخصخصة والتي يشجع عليها الصندوق، ويسعى إلى توسيعها والتي ينظر إليها بشكل إيجابي ـ ونحن لا ننكر ذلك ـ لكن يجب أيضا ضمان ألا تؤدي تلك السياسات إلى إنشاء كيانات احتكارية جشعة تستغل المستهلكين بشكل مجحف.

      من ناحية أخرى، فإن المدافعين عن سياسات الصندوق يجادلون بأن الصندوق ليس جمعية خيرية تقدم الدعم للدول بدون مقابل، فهو في نهاية الأمر يسعى لتحقيق الفائدة وبعض العوائد المالية، وذلك لضمان استمرارية عمله. وفي الحقيقة أن الصندوق يلجأ إلى مثل تلك الإجراءات ليضمن أن المساعدات التي يقدمها لبعض الدول لن تذهب أدراج الرياح. يضيف المدافعون أيضا أن الأزمات المالية تتطلب بعض الأحيان تنفيذ إجراءات قاسية وصارمة؛ وذلك لضمان الخروج من تلك الأزمات، وأن هنالك بعض الأمثلة التي تشير إلى نجاح مثل تلك السياسات، كالأزمة المالية الخانقة التي مرَّت على المكسيك سنة ١٩٨٢، والأزمة المالية التي مرَّت بها اليونان سنة ٢٠١٠ فقد استطاعت كلتا الدولتين تجاوز تلك الأزمات بفضل المساعدات والتوصيات التي قدمها الصندوق. ويضيفون أيضا أن مسألة اللجوء للمساعدات التي يقدمها الصندوق ربما تكون عاملًا مهمًّا لاستعادة ثقة المستثمرين ورجال الأعمال، خصوصا عندما تمرُّ بعض الدول بأزمات اقتصادية خانقة قد تدفع المستثمرين ورجال الأعمال لتحويل رؤوس أموالهم إلى الخارج.
      في الختام، يمكن القول بأن سياسات صندوق النقد الدولي ليست بالضرورة أن تكون مناسبة لجميع الدول، وذلك للاختلافات الديناميكية في البنية الاقتصادية لتلك الدول، مما يعني ضرورة أن تخضع مثل تلك السياسات لبعض المراجعة والتمحيص وذلك قبل إقرارها وتنفيذها.

      Source: alwatan.com/details/431969