فـي ذكرى اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر

    • خبر
    • فـي ذكرى اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر

      Alwatan كتب:

      بناءً على قرار الجمعية العامة للأُمم المتّحدة، رقم:(68 /‏‏192)، بتاريخ 30/‏‏ 7/‏‏ 2013م، بدأ العالم، وبشكلٍ مُنتظم، اعتبارًا من السّنةِ التالية، الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر، في الثلاثين من يوليو من كلِّ عام.

      المستشار / ناصر بن عبدالله الريامي:
      اعتماد الدول الأعضاء للقرار، عَدَّه المراقبون، إقرارًا منهم، ليس بضرورةِ رفع الوَعي المجتمعيّ، بشأن جرائم الاتجار بالبشر فحسب، ولا بأهميةِ تسليطِ الضّوء على المعاناة التي يواجهها الضحايا، وكفى، وإنما، عُدَّت، مع تواترِها السّنوي، رسالة مُتجدَّدة، تبثها الحكومات إلى ضحايا هذا النوع من الإجرام؛ تُعلمهم، من خلالها، بأنها وجميع مؤسّساتها ذات العلاقة، تستنكر ما تعرضوا، ويتعرَّضون له، من أفعالٍ مُهينة للكرامة الآدمية؛ وأنها، مهتمةٌ بحماية حقوقهم، ورعاية مصالحهم الفُضلى؛ بل، وتُجدّد العهد بالوقوف بجانبهم، لتعزيزِ مكانتهم، من مختلف النواحي القانونيةِ، والأمنيةِ، والاجتماعيةِ، والسياسية.
      شعارات تحفيزية:
      ولقد جرت العادة، مُنذ أن تم الإعلان عن هذا اليوم العالميّ، على اعتمادِ شعارٍ تحفيزيِّ لكلِّ عام، يكون العمل على هَديه؛ فجاءت احتفالية عام 2019م، تحت شعار:(اتصل بحكومتك للعمل على القضاء على الاتجار بالبشر)، وهو ما يُستفاد منه أن المكافحة ليس من اختصاص جهات إنفاذ القانون فحسب، وإنما هي مسؤولية الجميع، بما في ذلك عامة أفراد المجتمع. وهذا هو عين ما نصّ عليه المشرع في المادة (11) من قانون مكافحة الاتجار بالبشر، حيث جرَّم كل من علِمَ بارتكاب جريمة من جرائم الاتجار بالبشر، ولم يبلغ السلطات المختصة بذلك؛ ولو كان مُؤتمنًا بسِرٍّ مهنيّ.
      أمّا شعار احتفالية العام المنصرم، 2020م، فكان:(العمل في جبهةِ إنهاء الاتجار بالبشر)، ليركز بذلك على ما يسمونهم بالمستجيبين الأوائل، فيعزّزوا من قدراتهم على تحديد من هُم ضحايا الإتجار بالبشر، ودعمهم، والحدّ من إفلات المتاجرين بهم من العقاب.
      وفي السّياقِ نفسِه، كان مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدراتِ والجريمة، للشرق الاوسط وشمال افريقيا، والمكتب الاقليمي للمنظمةِ الدولية للهجرة، قد أطلق في الاحتفالية الأخيرة حملةً توعويةً اقليمية، استمرت لمدة أسبوعٍ كامل، تحت شعار (حفظ الكرامة)، سعت من خلالها إلى تشجيع مُشاركة الحكومات والمجتمع المدني وقطاع الشركات والافراد على حدٍّ سواء، لالهام العمل والمساعدة في منع، أو على الأقلّ للحدِّ، من الأعمال التي يجرّمها القانون. فالحكومة، مهما أوتيت من قُدراتٍ، يتعذر عليها أن تقفَ صامدة بمفردها أمام هذا السيلِ الجارفِ من أعمال العبودية المعاصرة، التي يغزوها عادة من خارج النطاق الإقليمي للدولة؛ سيّما وأن الكثير منها تتم عادةً في الخفاء. فاليدِ الواحدة، كما هو معروف، لا تُصفّق.
      شعار هذه السنة:
      هذا، ولقد كشف لنا مكتب الأُمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن شعار العام الجاري، 2021م، يتمثل في (أصوات الضحايا تقودُ الطريق)، أو(Victims’ Voices Lead the Way)، وهو ما يعكس لنا مدى أهمية الاستماع إلى ضحايا الاتجار بالبشر، للإستفادة من تجاربهم.
      فلا شك في أن الناجين يعدون لاعبين أساسيين في حربنا ضد الاتجار بالبشر، فمن خلالهم، يكون في مقدور جهات إنفاذ القانون أن تضع تدابير للوقاية من الجريمة، وأخرى للتعرف على الضحايا، وإنقاذهم من نير العبودية، تمهيدًا لإرساء المعايير اللازمة لحمايتهم، وإعادةِ تأهيلِهم.
      لماذا التعرف
      على الضحايا؟:
      ولما كان البيانُ يجرُّ بعضُه بعضًا؛ يلح بي السّياق، أن أشير إلى ما قد يستنكره بعضُ العامةِ، دون الخاصة، من مسألةِ:(التعرّف على الضحايا)، التي أشرنا إليها في الفقرةِ الفائتة، ويرى ورودها في غيرِ سياقِها الصحيح؛ حُسبانًا منهم بأن الضحيةَ، وكما هو الحال في عمومِ القضايا، ستسعى من تلقاءِ نفسِها إلى طَرق باب مُؤسَّسات إنفاذِ القانون، للإبلاغ عمَّا حاق بها من تَجَنٍّ واعتداء؛ وأن الأمر، والحال كذلك، لا يستدعي الحديث عن طرقٍ للتعرف على الضحية؛ وإنما للتعرف على الجاني، بدلًا من ذلك؛ لغاياتِ القبض عليه، وملاحقته قضائيًا.
      وفي بيانِنا لهذا الأمر، نقولُ أن هناك مجموعةٌ من العوامل والاعتبارات التي قد تحُول، في كثيرٍ من الأحيان، دون إبلاغ المجني عليه (الضحية) عن الجريمة؛ إلا أننا، وقبل أن نستعرضها، سنتعرّف معًا على المقصود بالاتجار بالبشر.
      المقصود بالاتجار بالبشر:
      هي جريمة تنطوي على استغلال شخصٍ ما، لأغراضِ العمل القسريّ، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد بهدف الاستغلال الجسماني ونزع الأعضاء؛ أو لممارسةِ الدَّعارة، أو أيِّ شكلٍ من أشكالِ الاستغلال الجنسيّ، ويتحقق هذا الاستغلال، باستخدام القوة، أو الاحتيال، أو الإكراه.
      وقد نصَّ القانون الدولي على هذا المعنى، وعلى وجه التحديد، في بروتوكول (منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر، وبخاصة النساء والأطفال)، وهو أحد البروتوكولات الثلاثة، المتمّمة لاتفاقيةِ الأمم المتّحدة لمكافحةِ الجريمة المنظمة العابرة للحدودِ الوطنية.
      يُذكر، فإن السَّلطنة انضمَّت إلى الاتفاقية، بالمصادقةِ عليها، وعلى البروتوكولات الثلاثة، في عام 2005م.
      هي أكثر من مجرد
      بيع وشراء البشر:
      وقد يوحي مُصطلح الاتجار بالبشر اشتمال أفعاله على البيع والشراء؛ وبالتالي، على الحركة والتنقل؛ إلا أن واقع الحال وحقيقته، على غير ذلك. فلا لزوم للحركةِ والتنقُّل على الإطلاق، فمن المتصوّر حدوث جرائم الاتجار بالبشر على الشخص، دون أن يُبارح مكانه، فالنقل يُعدّ فعلًا من أفعال جرائم الاتجار بالبشر؛ إلا أنه، ليس الفعل الأوحد.
      فلقد أوضح المشرع ذلك صراحةً في المادة (2) من القانون، حيث نصّ على:(يُعد مرتكبًا جريمة الاتجار بالبشر، كل شخص يقوم عمدًا، وبغرض الاستغلال: (أ) استخدم شخص، أو نقله، أو إيوائه، أو استقباله، عن طريق الإكراه، أو التهديد أو الحيلة، أو باستغلال الوظيفة، أو النفوذ، أو باستغلال حالة استضعاف، أو باستعمال سلطةٍ ما على ذلك الشخص، أو بأية وسيلة أخرى غيرِ مشروعة، سواءً كانت مباشرة أو غير مباشرة، بمعنى أن الأفعال المكونة لجريمة الاتجار بالبشر، هي: استخدام شخص، أو نقله، أو إيواؤه، أو استقباله. هذه الأفعال، بطبيعة الحال، ليست مُجرّمة بذاتها؛ وإنما باقترانها، ولو بوسيلة واحدة من الوسائل أعلاه (بالتهديد، أو الإكراه، أو باستخدام حالة استضعاف .. إلخ)؛ وأن ينصرف القصد إلى الاستغلال.
      لعل ما يجدر ذكره في هذا السياق، هو أن الجريمة تستقيم في مواجهة القاصرين، ولو لم تستخدم في حقّه أيٍّ من الوسائل المذكورة أعلاه. فيكفي اقتراف الجاني فعلًا من الأفعال الواردة في المادة (2) أعلاه، وأن يتّجه قصده الجنائيّ الخاص إلى الاستغلال، لاستقامة الجريمة.
      عوامل تحد عن الإبلاغ:
      ـ نوع الجنس: فبعض النساء، ولاسيّما ضحايا الاستغلال الجنسي، يخشين من العار والفضيحة، حال الابلاغ عن تعرّضهن للاستغلال، فيفضلن لذلك عدم الابلاغ.
      ـ الموقف من الهجرة: يخشى كثير من الضحايا من الاتصال بمؤسسات إنفاذ القانون، تحسبًا لترحيلهم؛ سيّما وأن نسبة منهم دخلوا البلاد بطريقةٍ غير مشروعة؛ أو بسبب هروبهم من كُفلائهم. فيوهم المتهمون (المتاجرون) ضحاياهم، بأن السّلطات متواطئة معهم، وأنها سوف تعتقلهم أو تحتجزهم؛ حال ما إذا وصل إلى علمهم بوضعهم غير المشروع؛ فيثنون الضحية بذلك عن الإبلاغ أو طلب المساعدة.
      ـ الحاجة الشديدة للمادة: في كثير من حالات الاتجار، خاصة الاستغلال الجنسي (البغاء القسري)، يجبر المتهم الضحية على أن يعمل في البغاء إلى أن يُسدد له نفقات النقل من موطنه، والإقامة والإعاشة، وخلافه؛ فيجبره على العمل إلى أن يسدّد مبلغًا محدّدًا؛ ويوهمها أنها ستكون بعد ذلك حرة للعمل لمصلحتها الشخصية، في المجال الذي تختاره.
      ونظرًا للحاجة الماسة إلى المادة، تجد الضحية نفسها مضطرة على مواصلة العمل في البغاء القسري، أو أيٍّ من أعمال الاستغلال الجنسي؛ على أمل أن تسترد حريتها بعد سداد الدين؛ فيختارون لذلك عدم الإبلاغ.
      ـ العلاقة بالمتجر: هناك حالات، يدخل المتهمون في علاقاتٍ خاصة مع ضحاياهم، بقصد السيطرة عليهم. فيوهمون النساء منهن بأنهم متيمون بهنّ، وقد يصل الحال إلى الزواج، لا لشيءٍ إلا ضمان السيطرة عليهن.
      ـ متلازمة ستوكهولم: هناك حالات أخرى، يتعاطف الضحايا مع الجاني، أو مع من أساء إليهم، بشكلٍ من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء لهم. ومثال لذلك: أن يتعاطف المخطوف مع الخاطف له، بعد أن تفهم قضيته، ويأمن بها؛ فيؤثر عدم الإبلاغ عنه، بل ويشدد من أزره. وفي خصوصية الجرائم محل البحث، جرائم الاتجار بالبشر، فالضحية تنظر إلى المتهم على أنه ملاذها الوحيد للمساعدة.
      ـ الخلفية الثقافية: كثير من ضحايا الاتجار بالبشر لا يثقون بأيٍّ من جهات إنفاذ القانون، وذلك لافتراض الفساد فيهم، كما هو الحال في البلدان القادمون منها.
      مثال على
      الاتجار بالبشر:
      فتاةٌ تعيش في فقرٍ مُدقع، فيعرض عليها أحدهم السَّفر إلى الدولة (أ) للعمل في عرض الأزياء، في أحد فنادق الخمسةِ نجوم، تحسينًا لوضعها الاقتصادي؛ بعد أن لاحظ تمتّعها بمقوماتٍ جسمانيةٍ خاصة، تُؤهلها لهذا العمل.
      وبوصولها بلدِ المقصد، تم نقلها إلى إحدى الوحدات السّكنية، في وسط المدينة، فوجدت فيها أربعَ فتياتٍ عشرينية، ومن خلال النقاشِ الذي دار معهن، علِمت أنها تعرَّضت للإحتيال، وأن العمل الذي سيتعيّن عليها القيام به لا علاقة له بعرض الأزياء؛ وإنما بالدعارة التجارية القسرية، وإرضاء الرغبات الجنسية لزبائن الملهى الليلي الذي من المقرر أن تعمل فيه معهنّ.
      تباحثت الفتاة معهن حول السبيل إلى الفكاك من هذا المأزق، فجاءت الإجابة مُخيّبة لآمالها، حيث لا سبيل أمامها سوى الرُّضوخ للأمر الواقع؛ وإلا، فسيُصار إلى تسليمها إلى الشرطة، ومحاكمتها، بسبب دخولها غير المشروع، وستُبعد من البلاد؛ لتفقد بذلك كل آمالها المالية التي تغرّبت لأجلها، ولقلةِ حيلتِها، المقرونة بقلةِ تعليمها، ولثقافتها المسكونة بفساد السلطات؛ ولعدم معرفتها للغة البلد، ترضخ للأمر الواقع؛ سيّما بعد أن علمت من الفتيات بأنه سيُطلب منها العمل فقط للفترةِ اللازمة لسداد كُلفة إحضارها وإعاشتها؛ وستُمكَّن بعدئذٍ من العمل الحُر؛ وهو عين ما أكّده لها المسؤول على العمل.
      في ظل هذا السيناريو، المقرون بسيادة حالة الاستضعاف العام لدى الضحية، لا تجد الأخيرة نفسها أمام خَياراتٍ واسعة؛ وإنما تكون مجبورةً نفسيًا على الرّضوخ؛ لجملةٍ من الاعتباراتِ التي أشرنا إليها فيما سلَف.
      مؤشِّرات التعرف
      على الضحايا:
      بالبناءِ على ما تقدَّم، نقول أنه من غير المستغرَب أن تُحجم الضحية عن إبلاغ السلطات عن تعرُّضها للاتجار؛ وأن الأمر، يقتضينا، والحال كذلك، أن نتعرَّف على بعض المؤشرات التي قد تكشف عن سقوط الضحايا في نير الاستعباد؛ لنعمل على انتشالِها من ذلك الوضع، غير الإنساني؛ وبالتبعية، مُساندة السُّلطات في القبض على الجُناة. فينبغي دائمًا أن نتذكر أننا أمام جرائم منظمة، وضبطها ليست مسؤولية جهات إنفاذ القانون فحسب؛ وإنما هي مسؤولية جمعية، تشمل أيضًا عامة أفراد المجتمع.
      ينبغي أن نستحضر حقيقةً مهمة، ونحن نتحدث عن المؤشرات، ألّا وهي أن المؤشر يعطينا فقط جرس إنذار مُؤدّاه أنه من الممكن أن يكون من ظهر عليه مؤشر من المؤشرات، أن يكون ضحية اتجار بالبشر؛ إلا أنه لا يعد، بحالٍ من الأحوال، دليلًا دامغًا يقطع بكونه كذلك. مع ملاحظة أن المؤشرات تستند على معاييرٍ دولية في هذا الشأن.
      فزواج القاصرات مثلًا، فعدا عن مخالفته لقانون الأحوال الشخصية، قد يشير إلى احتمالية أن يكون الولي الشرعي للقاصر قد تربح من تزويجها؛ أو أن يكون الزوج يعتزم تشغيلها في تجارة الجنس.
      والحال عينه بالنسبة لعادة تزويج الأرملة إلى أخ زوجها المتوفى، ولا بأس من ذلك، إن كانت الأرملة راضية؛ فالمحظور جلُّه يكمن في تزويجها، دون أن يكون لها حق الرفض، ومن ذلك أيضًا، عادة التبادل بين الأخوات أو البنات، كأن يقول الرجل لصديقٍ له: انكحني أختك أو ابنتك؛ لأنكحك أختي أو ابنتي، في المقابل، هذه هي العبودية بعينها، ومن هذا المنطلق تُعرف جرائِم الاتجار بالبشر بجرائِم العبوديةِ المعاصرة.
      ما ينبغي ذكره في هذا المقام، أن مثل هذه الحالات تشكل جرس إنذار، وليس بالضرورة أن تكون الجريمة قائمة فعلًا؛ وإنما ينبغي التعامل معها كمؤشراتٍ، تستوجب التوقف عندها لاستجلاء حقيقتها.
      هناك مؤشرات عامة، وأخرى خاصة بجرائم محددة، مثل: العمل القسري، وعبودية الخدمة المنزلية، أو في البغاء القسري، أو في نزع الأعضاء، وغيرها الكثير.
      ضحايا الاستغلال عمومًا، أيًا كان نوع الاستغلال، عادةً ما تظهر عليهم أمارات تشيرُ إلى أن تحركاتهم مسيطر عليها؛ وقد يوجدون في الأماكن التي يحتمل أن تستخدم لاستغلال الناس؛ أو يلاحظ عليهم معاناتهم من إصاباتٍ، هي في الغالب لإجبارهم على القيام بعملٍ ما؛ كما لا توجد بحوزتهم عادة نقود؛ ويتنقلون عادة في مجموعات، دون أن تكون بينهم لغة مشتركة، كما أن الإعلانات التي تظهر في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تعرض فتيات لامكانية التعرف عليهن، والخروج معهن للتنزّه، أو لتعلم لغة البلد، هي في الغالب تشير إلى تجارة الجنس؛ وهناك ما هو أوضح من ذلك، حين يعلن عن فتيات لتقديم خدمات جنسية في تلك المنصات، ويرد تحت كل صورة رقم اتصال مُوحّد.
      نذكر في هذا الصّدد، أن شراء خدمات جنسية من فتاةٍ تبدو عليها مؤشرات الاستغلال، يجعل من مُشتري الخدمة متهمًا بالاتجار بالبشر، وفق مبدأ معاقبة المستفيد، بشرط علمه بالأمر، فكل من استفاد، مع علمه بجريمة الاتجار بالبشر، من خدمة أو منفعة أو عمل يقدمه ضحية من ضحايا الاتجار بالبشر؛ يعد مسؤولًا عن جريمة الاتجار بالبشر، وفق توجه السياسات الجنائية الحديثة لحمايا الضحايا.
      أما عن ضحايا الأطفال، فلعل أكثر الحالات شيوعًا، تشغيلهم في التسوّل، فإذا ما وجدنا أطفالًا يتسوَّلون في الأماكن العامة، فمن الأجدى إبلاغ السُّلطة المختصة بمكافحة التسوّل، لإستكناه أمرهم؛ ففي الغالب هناك من يستغل فعلهم هذا المخالف لطبيعة الطفل، على وجه التحديد.
      وعلى الرغم من أن المشرع العُماني، لم يدرج التسول ضمن صور الاستغلال الواردة في المادة (1) من القانون؛ ومع ذلك، فإذا ما أكّدت التحقيقات أن واقعة التسول المضبوطة ليست قائمة عن إرادة حرة من المتسول (قاصرًا أم بالغًا)؛ فإننا نكون أمام واقعة اتجار بالبشر، رغم عدم وجود نص صريح؛ وذلك من منطلق أن الصور الواردة تحت مصطلح الاستغلال، لم يوردها المشرع على سبيل الحصر، وإنما على سبيل المثال.
      وأيضًا، قد يشاهد طفلًا في المطار، أو في أحد منافذ الحدود الأخرى، يسافر مع أشخاصٍ أو أسرة، دون أن تكون بينهم عوامل مُشتركة، كاللغة، واللون، وغير ذلك. فالأمر، في هذه الحالة، قد يشير إلى احتمالية أن يكون الطفل قد تعرض للبيع إلى هؤلاء الأشخاص، تمهيدًا لاستغلالِه في أعمالٍ كثيرة، ومن ذلك، في بيع الأعضاء البشرية.
      في الختام:
      نسمع كثيرًا، أن هذه الجرائم غير موجودة في مجتمعاتنا. يؤسفني القول بأنها مقولة تُجافي الحقيقة، جُملة وتفصيلًا. فيجب أن يستقر في عقيدتنا، أن جميع دول العالم، دون استثناء، تأثرت من هذا النوع من الإجرام، سواء كانت تلك الدولة دولة منشأ أو عبور أو دولة مقصد.
      والواجب يحتّم علينا جميعًا، وليس العاملين في أجهزة إنفاذ القانون فحسب، أن نحشد جهودنا للحد من وطأة الجريمة على مجتمعنا الآمن.

      خبير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة

      Source: alwatan.com/details/432541