Source: alwatan.com/details/432951Alwatan كتب:
أول روائي فلسطيني يفوز بجائزة البوكر
حاوره ــ وحيد تاجا:
ربعي المدهون مواليد 1945، مقيم في لندن وعمل محررا في عدد من الصحف ووكالات الانباء وصدر له عدد من الروايات ومنها رواية (طعم الفراق: ثلاثة أجيال فلسطينية في ذاكرة) و(السيدة من تل أبيب)، وصلت للقائمة القصيرة للبوكر 2010 ، ورواية (سوبر نميمة) و(مصائر: كونشيرتو الهولوكوست والنكبة) والتي حازت على جائزة (البوكر) 2016.وحول البدايات والروايات والنصوص والقدس وغيرها من الأسرار أجاب عليها الروائي ربعي المدهون
ويقول : جئت الى الرواية متأخرا، لكني دخلتها من أبواب مفتوحة على الحداثة وما بعدها، وعلى تجريب يتمرد على السرد الخاضع لمتطلبات الخطاب الثقافي العام، في مرحلة “يحتاج فيها الفلسطينيّون إلى المساءلة، ومحاكمة الذّات، والانفتاح على (القلق الوطنيّ)”، أطلقتني مجموعتي القصصية الأولى والأخيرة (أبله خان يونس) عام 1977، قاصا واعدا على ما تردّد ولم أف بالوعد ، التهمتني السياسة والصحافة والاعلام، والمنافي التي أوجعتني وهي تطوي سنوات العمر، توالدت فيّ المنافي ولم أنجح في ترويضها، إلا حين فتحت لها أبواب السرد ، فتدفقت وقائع خمسين عاما من حياتي في روايتي السيرية (طعم الفراق) عام 2001، أما انعطافتي الكبرى، جاءت مع عودتي الى غزة بعد 38 عاما في الغربة، بما انطوت عليه من صدمات ومن دهشة وفرح، وأسئلة حمّلتها روايتي الأولى (السيدة من تل ابيب) التي وصلت إلى القائمة القصيرة لـ(البوكر) عام 2010. وبعدها جاءت روايتي مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة الفائزة بجائزة البوكر لعام 2016. أما عن سبب اختياره للموسيقى عنوانا لروايته (مصائر… ) قال هذا خيار تطلّبه النص ، في (مصائر..) بطولات ثنائية: شخصيتان تتحركان في إطار حكاية ، ضمن أربع حكايات، في كل منها (حراك) سردي يؤسس لجدل يشابه حوار آلتين موسيقيتين مع أوركسترا في قالب الكونشرتو. قررت (مسايرة) تفاعلات النص في إطار هذا التشكيل، والتأثير في مسار السرد للحفاظ على تناسقه. أي ضبط إيقاع السرد وحركة الشخصيات والمؤثرات الأخرى لإيقاع موسيقى محدد في شكل محدد يعيد توليفه، في قالب جديد يزيده غنى فنيا وعمقا. تسمح بهذا، العلاقة القائمة بين الفنون على اختلاف اشكالها. فالكلام يلحّن، والحكاية تتحوّل، في الباليه، الى حركات تعبيريّة راقصة، تستجيب لتوليف موسيقي ، بينما تصبح الحكاية، أداء مسرحياً (سرده) مغنى في الأوبرا. وتستعير السينما الأفكار والحكايات والروايات في انتاجها، بينما تركن الى المؤثرات الصوتية الطبيعية، وكذلك الموسيقية، والرسوم الثابتة والمتحركة لإيجاد توليف درامي يستكمل بناء المشهد. وتنتج أشكال الفنون المختلفة عادة، تأثيرات حسية لدى المتلقي المستمع والمشاهد ، لا تختلف عما تنتجه الرواية، من رضا، أو شعور بالراحة، بالارتخاء، بالتأمل، بالفرح، بالحزن، بالقلق، بالإثارة والتحفز، والاعجاب، الترقب وغير ذلك. ويصاحب هذا كله قدر متباين من المتعة.✱ يسجل لك تلك القدرة الفائقة، في وصف شوارع القدس وأزقتها وأسواقها وحوانيتها وبيوتها، وتسجيل حتى تاريخ بنائها، بحيث استطعت ان تجعلنا “ نشاهد” تلك الأماكن ونعيش كل تفاصيلها الدقيقة؟
✱✱ القدس ليست مدينة عادية وهي في متخيل قارئ قرأ عنها وسمع عنها، لكنّه لم يرها إلا من خلال الصور المنشورة والمشاهد المتلفزة، مزيج من السياسة والتاريخ والجغرافيا والأيديولوجية والقداسة، المغلفة جميعها بالدهشة والأمل والكثير من الحنين وفي عمل متخيّل يتناول مدينة فريدة لا تشبه أيّا من المدن، كان لابدّ من اصطحاب الشخصيات التي ستزورها، وخصوصا وليد دهمان، يرى ما أراه، ويسمع الأصوات في أزقتها الضيّقة ، ويشم روائح بهاراتها وكانت النتيجة، سردًا بكل تفاصيل المدينة ونقل القدس من صورتها (الذهنية) في متخيل قارئ لم يزرها، إلى تفاصيلها المرويّة بالحواس الخمس. ولمن يعرفها، قدمت (مصائر)، المدينة في فضاء تتحقق فيه متعة إعادة التعرّف عليها من خلال عمل فنّي.
✱ التجريب سمة أساسيّة في أعمالك.. (الفلاش باك)، والحكايات الفرعية المتناسلة من بعضها.. تقنية الرواية داخل الرواية، التي تبرز بشكل أساسي في الحركة الثانية…الخ. ما الذي يفرض هذه التقنية أو تلك.؟
✱✱ كل نص يقدّم مؤشرات دالّة على وجهته، تفرض البحث شكل وتقنيات تناسبه. في مصائر حكايات متعددة، تقوم على بطولات ثنائية وجماعية، تجري وقائعها في خمس مدن فلسطينية بالإضافة إلى ثلاث مدن أميركية وأوروبية. هذا الانتشار المكاني، والبطولات الثنائية بالذات، استدعى تقنيات تلائمه، وتأخذه بعيدًا عن التقليد وما جرى تجريبه. كما أن زجّ حكايات العمل وشخصياته في مسارات تاريخ يمتدّ على مئة عام، وسردها بزمن ثلاثي الابعاد، سمحا بالعديد من الخيارات التقنية التي تستجيب لتجريب يتمرّد على آليات السرد التقليدي، الساكن، المرتهن في مضامينه، أيضُا، لكثير من الاعتبارات السياسية والأيديولوجية والاجتماعية.
✱ وكيف كانت ردة الفعل الإسرائيلية على وضع النكبة مع الهولوكست على قدم المساواة في روايتك؟
✱✱ دعني، أولًا، أصحّح (نقدا) شكليا بني على قراءة خاطئة، يجري تداوله أحيانًا ، مصائر لا تساوي بين الهولوكوست والنكبة، لا (على قدم المساواة) ولا على ساقها والرواية لا تجري مقارنة بين الكارثتين ولم تسع إلى ذلك بل هي عمل أدبي فنّي يواجه الهولوكوست بالنكبة، وصولًا إلى رفض متاجرة إسرائيل والحركة الصهيونية بالهولوكوست تهربًا من مسؤوليتهما عن نكبة الفلسطينيين، وتبرير استمرار احتلال إسرائيل، منذ 1967، لما تبقى من الأراضي الفلسطينيّة بعد 1948،أما بالنسبة لردود الفعل، أشير إلى أن الرواية لم تترجم أصلًا إلى العبرية ، فبعد فوزها بالبوكر، تحمّس ناشري صالح عبّاسي، لترجمتها، ما دفعني للإعلان عن ذلك لكن مدير (مكتبة كل شيء) في حيفا، سرعان ما اصطدم بحقيقتين: غيابه كناشر عربي عن سوق الكتاب العبري وتسويقه بين جمهور يهودي. محدوديّة قراء ما يترجم من الرّواية العربية إلى العبريّة ، وفي حوار معها قبل سنوات، قالت مؤسِّسة (دار الأندلس) ،(نستثمر جهدًا وتكاليف مماثلة لدور النشر الكبيرة، لكنّنا نبيع مثل الدور الصغيرة) . وأضافت ياعيللرر: (سوق الكتاب العربي محدودة جدًا) ، وناشري موّزع للكتاب العربي، ولا يستطيع المغامرة بالتوزيع في سوق عبري محدود. ولما كنّا نرفض معًا فكرة النشر عبر مؤسّسة إسرائيلية، فقد تخلّينا عن الفكرة نهائيّا ، لكن ناشرة إسرائيلية على علاقة عمل بعبّاسي، اعترضت في حوار معه على العنوان الفرعي لمصائر. وبرأيها، “لا تجوز مقارنة النكبة بالهولوكوست” (احتكار المأساة)، لكن يمكن تلمّس ردود فعل أخرى إسرائيلية أو مؤيدة لإسرائيل، في تعليقات متباينة ومتناقضة لقراء على موقع أمازون، الذي يبيع النسخة الإنجليزية المترجمة من (مصائر) . فقد كتبت آلا دفورغن (إسرائيلية سابقة، تعيش في الولايات المتحدة، وهي يسارية مؤيّدة لحقوق الشعب الفلسطيني)، “إنه كتاب رائع”. لكنّ إيال يارون علّقت (أصبت بخيبة أمل كبيرة، لحصول كتاب يضجّ بالكراهية العمياء لإسرائيل واليهود، على تقدير الوسط الأدبي العربي). وقالت دوريتا ميشياع: تتضمن الرواية (إشارة إلى المعاناة اليهودية، وتقوم، في الغالب، بتنميط العرب واليهود. إنّها نمط قديم غريب ولكن بصياغة جيدة…ثمة تاريخ حقيقي زجّ في فوضى.)
✱ شهدت الرواية الفلسطينية انعطافه كبيرة مؤخرا تجلت بالاتكاء على الذاكرة تحديدا في كتابة رواية مغايرة ومحاولة الابتعاد عن الأيديولوجيا بشكل ما. وهي الأعمال التي وصلت الى جائزة البوكر وغيرها، ومنها روايتيك بالطبع. هل نتحدث هنا عن رواية فلسطينية جديدة لها سمات محددة، وكيف تراها؟
✱✱ أنا محظوظ بانتمائي إلى جيل من الأدباء الفلسطينيين، عمل على الانعطاف بالرواية الفلسطينية نحو مسارات جديدة، بتحريرها من قوالبها النمطية، وتأمين خروجها من ثياب غسان كنفاني وجبرا ابراهيم جبرا وأميل حبيبي، (التي باتت كلاسيكية)، بتعبير للكاتب حسن خضر، واستقرّت برأيي، كمرجعية وليد دهمان، على سبيل المثال، قدّم صورة مختلفة لفلسطيني الشتات ، نموذجا آخر يتجاوز الباكي منفاه المشتكي منه، العاجز عن التفاعل معه، الغارق في حنين إلى أوهامه. إذ لم يعد ممكنًا الاستمرار فيما عرف بأدب المقاومة والشتات، الذي كان وليد مرحلة كفاحية مجيدة، ومعبرّا عن زمانها ، تلك مرحلة استهلكت فيها رموز وأبطال وحكايات لم يعد لها أساس في الواقع الراهن ، وقد انعتق روائيون فلسطينيون من تلك المرحلة وتمرّدوا عليها ، خلّصوا الرواية من كل الشوائب الأيديولوجية التي علقت بها وأعاقت تطوّرها، وأعادوا القضية إلى عمقها الإنساني بأبعاده الكونية: يحيى يخلف، أنور مسلم، وعارف حسيني، وأسامة العيسه، وإبراهيم نصر الله، وأنور حامد، وسامية عيسى، وسوزان أبو الهوى، وسهيل كيوان، والقائمة تطول، وتؤكد أن الرواية الفلسطينية بخير وفي مقدمة ما ينتح عربيّا.
✱ تعتبر من الروائيين المقلين في أعمالهم؟
✱✱ هذا صحيح أنا كاتب مقل شعاري (لا تكتب إن لم يكن لديك جديدا) ، اعتزلت الكتابة السياسية في الصحافة حين بحثت عن جديد لقارئي ولم أجده ، أتجنب تعبيرا، أو تشبيها، أو استعارة، أو صورة استخدمت من قبل ، أسعى الى خلق لغة سردية خاصة من بيئة الشخصيات، تشبهها، وتهبط بها في متخيل القارئ، إلى الحقيقة التي جاءت منها ، أكتب حين أشعر بأن ثمة ما يستحقّ الكتابة، لا ما يضيف مؤلفًا إلى رفوف يتراكم عليها الزمن ، فلا معنى لكتابة لا تضيف إلى ما سبقها ومن سبقها وتطوّره.
ربعي المدهون : روايتي لا تساوي بين الهولوكوست والنكبة بل هي عمل أدبي فني يواجه الهولوكوست بالنكبة
- خبر
-
مشاركة
