«الوطن» تستطلع الآراء حول ذكرى الهجرة النبوية .. وكيف نحتفل بها؟

    • خبر
    • «الوطن» تستطلع الآراء حول ذكرى الهجرة النبوية .. وكيف نحتفل بها؟

      Alwatan كتب:

      المفتي العام للسلطنة:
      الهجرة معلم تاريخي ترتب عليها
      تمحيص المؤمنين وجمع شتاتهم وتأليف قلوبهم وإذابة الفوارق بينهم

      كتب ـ علي بن صالح السليمي:
      ■■ تحتفل السلطنة مع بدء كل عام هجري بحادثة ذكرى الهجرة النبوية (على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم) والأمة الاسلامية تشهد هذه الأيام أحداثًا وتغيُّرات عديدة تمر بها البشرية والعالم أجمع، وهذا ما يدعونا للوقوف والتأمل فيما نشاهده ونسمعه بل يتطلب منا الاعتبار في تلك الأمور والمواقف المختلفة..
      ولكي نتعايش مع هذه الذكرى العطرة في أحداثها ومواقفها التي مرت عليها..
      استطلعنا آراء عدد من المشايخ والمهتمين في هذا الجانب.. الذين تحدثوا عن أهم العبر والمواقف المستخلصة من هذه الحادثة الخالدة (الهجرة النبوية الشريفة).. ■■

      التمسك بالتاريخ الهجري
      أوضح سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ـ المفتي العام السلطنة في احدى محاضراته حول الاحتفال بهذا الحدث العظيم والذكرى الغالية بأن الحدث الذي نحيا تحت ظل ذكرياته بمناسبة انسلاخ عام هجري جديد واستقبال الأمة عامًا آخر غيره، هذا الحدث يجب علينا ألا نمر به مرورًا سريعًا عاجلًا، وليس اكتناف عظم هذا الحدث من خلال ذكر وقائعه فحسب ولكن تتجلى عظمة هذا الحدث من خلال النظر في أبعاده، فإنه حدث هيأه الله سبحانه وتعالى لأمر أراد بعباده، والله سبحانه وتعالى يفعل في خلقه ما يشاء، فهذه الدعوة التي بعث بها رسول الله هي كدعوات سائر المرسلين من قبله تهدف إلى وصل الإنسان بربه، هذا الإنسان الذي اختاره الله سبحانه وتعالى من بين سائر مخلوقاته لأن يكون خليفة في الأرض وسيدا في الكون، وخلق له ما في الأرض جميعًا وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه.

      مؤكدًا سماحته بأن على الأمة الإسلامية أن تتمسك بالتاريخ الهجري وأن تجعله ميقاتا لها، بحيث تؤرخ به جميع شؤونها وجميع معاملاتها، فالله تبارك وتعالى ناط هذا التاريخ بالشهور القمرية، وقد قال في كتابه العزيز: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) وقال سبحانه وتعالى:(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)، فالاستمساك بهذه الشهور من الدين القيم، كيف وجميع العبادات منوطة بها، فالصيام والحج وعدد النساء وسائر العبادات كالزكاة..
      وغيرها إنما هي منوطة بهذه الشهور القمرية لا بالشهور الشمسية التي يعول الناس عليها في تاريخهم الآن.

      وقال: إن هذه الهجرة كانت معلمًا تاريخيًا، لأنها ترتب عليها ما ترتب من تمحيص المؤمنين وجمع شتاتهم وتأليف قلوبهم وإذابة الفوارق بينهم واستلال السخائم والأحقاد التي ورثوها من عهودهم السابقة عندما كانوا على ملة الجاهلية، فقد انتزعت هذه الأحقاد ومحيت هذه السخائم وغسلت صدورهم من آثار ذلك تغسيلًا، وترتب عليها ما ترتب بعد اجتماع الشمل وتوحيد الكلمة واتفاق الكل على الانصياع لأمر الله، والذب عن حرمات الله، ترتب على ذلك ما ترتب من الخروج في أرجاء الأرض لأجل إقامة منهج الله سبحانه وتعالى، ففتح الله تبارك وتعالى لهؤلاء المهاجرين والأنصار ما فتح من أرجاء الأرض في وقت كانوا فيه قلة لو قيسوا بالجموع الكثيرة التي واجهوها في أرجاء الأرض، فقد أذل الله تبارك وتعالى لهم الأكاسرة والقياصرة، ومكنهم من أرضهم وديارهم وأورثهم أرضهم وأموالهم، فأقاموا منهج الله تبارك وتعالى في مشارق الأرض ومغاربها، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، فمن هنا كانت الوحدة ما بين الأمة الإسلامية من أهم الأمور التي تبوّئهم ما وعد الله تبارك وتعالى به عباده المؤمنين من النصر والتمكين، فهذه الوحدة لا يمكن أن تتم إلا في ظل العبودية لله تبارك وتعالى بحيث يتجرد الناس من أهوائهم، ويتجردون من نزعاتهم ويتجردون من كل البواعث التي تبعثهم إلى التفرق والتشتت والتناحر، ويتجردون من كل غرض من أغراض الدنيا بحيث لا يكون لهم هم في هذه الحياة إلا إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهؤلاء هم الذين
      وعدهم تبارك وتعالى بأن ينصرهم على القوم الكافرين، فقد قال عز من قائل:
      (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) وهؤلاء هم الذين سجل الله تبارك وتعالى لهم الوعد في سورة النور حيث قال:(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).مشيرًا سماحته الى إنّ المسلمين كانوا قبل الهجرة أفرادًا محتقرين وأوزاعًا مشتتين، ولكن الله تبارك وتعالى أراد بهذه الهجرة أن يجمع هذا الشتات، فتكونت هذه الأمة وكانت أمة عزيزة، أمة منيعة، أمة حية، فانطلقت في أرجاء الأرض حاملة دعوة الحق إلى الخلق، وهذا يعني أن على هذه الأمة أن تعتز بهذا التاريخ وليس عدولها عنه إلى غيره إلا تنكرًا لماضيها واحتقارًا لما كان عليه سلفها، وكل أمة تحتقر ما كان عليه سلفها، وتعرض عن أمجاد ماضيها هي أمة مهينة ذليلة.
      وقال: إن الهجرة لم تكن أمرًا هيّنًا لأنها لم تكن هجرة إلى قطر واسع الأرجاء مترامي الأطراف فيه كثير من الموارد والدخل، وإنما كانت هجرة إلى مدينة محدودة المساحة محدودة الموارد، وإذا بهؤلاء الأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان يستقبلون هؤلاء المهاجرين، يستقبلون أفواج المهاجرين كما يستقبلون أفرادا قليلين ويؤوونهم في ديارهم، ويؤثرونهم على أنفسهم وعلى أولادهم.

      الأخذ بالأسباب
      ويقول محمد بن سيف الرواحي: بمناسبة حادثة الهجرة النبوية الشريفة لعام 1443 للهجرة والذي يحيي ذكراها جميع المسلمين في شتى بقاع المعمورة، كما لا ينبغي أن تغيب عنا اطلاقًا نظرًا لما حوته من دروس وعبر ومواعظ، ومن هذه الدروس: انتظار الأمر من الله بالإذن لنبيه (عليه الصلاة والسلام) حتى يلحق بأصحابه بطيبة (المدينة)، وكذلك تعليمه (عليه الصلاة والسلام) اتخاذ الأسباب مع يقينه أن الله مانع الكفار من الوصول اليه، حيث قام (عليه الصلاة والسلام) بتنظيم جدول مع أبي بكر شمل موعد التحرك متى ومن أين وإلى أين وإلى متى، وما فعله أبو بكر من جاهزية المئونة ووسيلة النقل وتسخير أهل بيته لخدمتهما وهما في الغار وبعد خروجهما منه واتخاذ الطريق البحري غير السالك بالدليل الذي استؤجر وهو عبدالله بن أريقط، وما أظهره أبو بكر من الإخلاص التام للسيد المطاع المتمثل في خوفه على حبيبه من الأعداء عند وصولهم إلى باب الغار، وكذلك بعد ما خرجا حيث كان يمشي تارة خلف النبي إذا خاف اللاحق وتارة أمامه إذا خاف السابق ثم من على يمينه ومن شماله، كما كان أمره لعلي (كرم الله وجهه) بالنوم في فراشه (عليه الصلاة والسلام) مع علمه ان فتيان قريش تحيط ببيت النبي تريد قتله، وهذا دليل على شجاعة علي كما أمره بالبقاء في مكة حتى يؤدي الأمانات التي كانت مع النبي لأهل مكة كيف لا وقد لقبته قريش بالصادق الأمين، ولا ننسى المهاجرين والانصار في طيبة (المدينة) وهم ينتظرون المقدم الشريف المبارك، وما إن وصل الموكب المهاب بطلعته البهية حتى خرجت طيبة عن بكرة أبيها رجالًا ونساء واطفالًا يشاركهم اليهود وهم يهتفون فرحًا وسرورًا بقدومه.

      مؤكدًا الرواحي بأنه ما أحوجنا هذا العام خاصة والعالم أجمعه يعاني من جائحة كورونا أن نتخذ الأسباب التي تعلمناها منه (عليه الصلاة والسلام) وعلى رأسها الضراعة والجأر بالتعظيم والتقديس والدعاء اليه تعالى وأن ننتظر الفرج منه سبحانه وحده وأن تكون أرواحنا فداءً لديننا كما فعل أبو بكر (رضي الله عنه) وأن نهجر ما يخالف ديننا ونضحي حتى بالوطن لفعله (عليه الصلاة والسلام)، حيث كانت أحب البقاع اليه مكة ولكن تركها مهاجرًا بأمر الله تعالى، وعلينا أن نضحي بالنفس والأهل والمال كما فعل المهاجرون والأنصار، وعلينا أن نعلم أن حادثة الهجرة ليست عادية وإنما غيرت مجرى التاريخ والأحداث، وكانت بداية تأسيس دولة الاسلام والانطلاقة لهذا الدين ونشره إلى أصقاع الدنيا.

      دروس وعبر
      ويقول عامر بن سعيد السليمي: لو سألنا أنفسنا سؤالًا في وقتنا الحالي ونحن نتعايش ذكرى حادثة الهجرة النبوية الشريفة: ماذا يستفيد المسلم المعاصر من قصة الهجرة (على صاحبها أفضل صلاة وأزكى سلام)؟ لنقول بكل شفافية ووضوح بأن هناك العديد من الدروس والعبر نستنتجها من تلك الحادثة الجليلة..
      فمنها ذكر حوادث الماضين عمومًا وفيها تسجيل لمواقفهم ومنها يأخذ اللاحقون الإيجابيات ويبتعدون عن السلبيات فما بالكم أن صاحب القصة هو المعصوم (عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم) الذي لا ينطق عن الهوى فهو الأولى بدراسة سيرته لأنها منهج قويم وفيها النجاح والفلاح، حيث وصفه المولى عزوجل بأنه كان لنا في هذا الرسول الأسوة الحسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، موضحًا بأن جيل اليوم هو في أمسّ الحاجة لتتبع آثر سلفه الصالح حتى يتصل بقدوته الكبرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).وقال السليمي: إن حادثة الهجرة فيها الأخذ بالأسباب وفيها الاعتماد على أصحاب الخبرة (عبدالله بن أريقط)، كما أن فيها تشجيع الكفاءات مثل عامر بن فهيرة، والقدرات المسلمة وفيها التدريب على تحمل المسؤولية كأسماء بنت أبي بكر وعبدالله بن أبي بكر، وفيها استشراف المستقبل السعيد مع شدة الظروف الموقف مع سراقة، فيها اختيار الصديق في أحنك الظروف كأبي بكر الصديق، وفيها إن الظلمات لا ترد بظلم بل بإرجاع الأمانات إلى أهلها وغير ذلك الكثير.

      حدث غيَّر مجرى التاريخ
      يقول موسى بن قسور العامري: تتعطر الدنيا بذكرى غالية عزيزة على قلب كل مسلم، وهي ذكرى هجرة الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه العتيق أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ موضحًا بأن الهجرة النبوية كانت من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بأمر إلهي وامتثال نبوي وتضحية أتباعه المخلصين.

      وأكد العامري بأن الهجرة إلى المدينة المنورة حدثٌ مهمٌ غيَّر مجرى التاريخ وقلب كل الموازين التي كانت سائدة في ذلك الوقت، حيث أن النبي محمدًا (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه الكرام كانوا يعيشون وضعًا صعبًا تنوعت فيه أساليب الأذى، وصنوف المضايقات بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وبأصحابه البررة ـ رضي الله عنهم ـ وكانت الهجرة سبيلًا لا مناص منه ليبني النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) دولة الإسلام العظيمة، واعلان الدين الجديد الذي تزايد أنصاره ومريديه حتى أصبح سنامًا لكل حدث يهم أتباع النبي (صلى الله عليه وسلم) في الإسلام له كيانه ومقامه وأتباعه ومستقرة ومبادئه، وإن كان المشركون يريدون القضاء على النبي (صلى الله عليه وسلم) ودعوته وأصحابه لكنهم خابوا وخسروا لان الله العظيم المهيمن كان هو المدبر لهذا الامر حيث بيّن الله تعالى ذلك في كتابه العزيز، قال سبحانه وتعالى:(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين) (الأنفال ـ 30).وأشار العامري الى أن المتتبع لأحداث هذه الهجرة العظيمة يراها وقد مرت بترتيب وإعداد وتخطيط من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وهي بتقدير الله تعالى وتدبيره سبحانه لنبيه وللمؤمنين الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، وقد انقسم الإعداد الى قسمين قسم في إعداد الصحابة المهاجرين حيث سبقت الهجرة إلى الحبشة فكانت بمثابة التدريب للهجرة الكبرى، وقسم في إعداد المكان الذي سيهاجر إليه النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الاطهار الذي سيكون مركز الدعوة لدينهم الذي ارتضاه الله عز وجل لهم، والمتمعن في الهجرة سيجد أنها لم تكن نزهة أو مجرد خروج من مكان لآخر فحسب بل هي ترك وابتعاد ومغادرة للوطن والمال والولد والاهل وفيها قطع لعلاقات بنيت لسنوات بين الإنسان ومن حوله وما يحب، وفيها النأي عن الروابط التي تجعل الانسان يتشبث بمكانه بكل أنواعها وذكريات الحياة والابتعاد عن كل ما يربط الإنسان من قرابات ومحبة للأرض والأهل والأصدقاء وما يتعلق به القلب وما يسكن إليه، وإنها ليست بالأمر السهل الهيّن، فكل الذي بذله النبي العظيم محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه في هذه الهجرة من تخطيط واستعداد وجهاد ومشقة الطريق وتحمّل الصعاب، ومواجهة العدو يجعلنا نخرج بخلاصة تخدم المسلم المتبع لأمر الله عز وجل، المقتدي بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأنه مهما كانت الظروف التي تحيط بهذا العبد المخلوق لهدف عظيم وحكمة ربانية بالغة وما أراده الله عز وجل من عبادته واتباع نبيه (صلى الله عليه وسلم)، والتضحية لدينه فعليه أن يصبر ويستمع وينفذ، وسيجد الوعد الذي وعده الله إياه، في قوله تعالى:
      (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) (النحل ـ 128)، وإذا عظم الأمر هان على المأمور فعله، بل أسعده ذلك وبذل كل الجهد في تطبيقه وفعله.
      وقال العامري: لإننا وحتى نستطيع معرفة هذا الحدث المهم (الهجرة النبوية) لابد لنا أن نتعرف على أهم فوائده ودروسه وعبره..
      ونوجزها في هذه النقاط المهمة وهي: أن الصراع بين الحق والباطل صراع قديم ممتد وهو سنة إلهية نافذة قال تعالى:(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ✱ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج ـ 40)، وعاقبته محسومة عند الله تعالى كما في قوله تعالى:(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة ـ 21)، ومكرُ الخصوم بالدعوة والداعية أمر مستمر ويتمثل في كل الطرق التي تعرقل مسير الدعوة والداعية كالقتل والحبس أو النفي، قال تعالى:(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال ـ 30)، ودقة التخطيط والأخذ بالأسباب يتمثل في الآتي:
      مجيء النبي (صلى الله عليه وسلم) في وقت القائلة حتى لا يراه أحد، وإخفاء شخصيته (صلى الله عليه وسلم) أثناء مجيئه بوضع اللثام على وجهه، وأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يخرج أبو بكر من كان البيت للسرية التامة، والخروج ليلا في هجعة الناس، وتغيير الطريق إلى طريق أخرى، وانتقاء جنود الفداء ذات عقل ورزانة، ووضع كل فرد في مكانة المناسب، ليقوم بمهمة كما ينبغي، الأمر بالأسباب والأخذ بها أمر ضروري، كالاستعداد للرحلة والعدة والدعاء، وجواز الاستعانة بغير المسلم لخدمة الإسلام (حادثة بن أريقط كدليل في الطريق)، الإيمان بالمعجزات الحسية، كنسج العنكبوت وعش الحمامة، وما جرى عند خيمة أم معبد، دور المرأة في خدمة الإسلام (أسماء بنت أبي بكر)، شهادة المشركين بأمانة النبي ووضعهم أماناتهم عنده دليل على تصدره للأمانة في قريش.

      لهجرة النبيّ أسباب كثيرة
      يقول يوسف بن حمد الجابري: في حديثنا عن ذكرى الاحتفال بحادثة الهجرة النبويّة نتطرق هنا الى أهم الاسباب التي دعت اليه، حيث لا شكّ أنّ لهجرة النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) وصحابته الكرام أسبابًا كثيرة دعت إلى الانتقال من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وأهمّ هذه الأسباب: اشتداد إيذاء المشركين للنبيّ (عليه الصلاة والسلام) والتنكيل المستمرّ بأتباع دين الإسلام، فكان من الحكمة البحث عن طريق للخلاص من مرحلة العذاب والاضطهاد، وكذلك من الاسباب البحث عن آفاق أوسع وأكثر رحابة لنشر رسالة الإسلام، بعد أن أصرّت قريش على محاربة الله ورسوله، رغم كلّ محاولات النبي (عليه الصلاة السلام) وحرصه على نبذهم الشرك والوثنيّة، وأيضًا استعداد أهل يثرب للدخول في الإسلام، واستقبال النبيّ (عليه الصّلاة والسّلام) وأتباعه فيها، خاصّةً أنّه كان قد وجد الطريق إلى المدينة المنورة مُمهَّدًا لإقامة دولة الإسلام فيها بعد بيعة العقبة الأولى والثانية، حيث استطاع كسب عدد من الأتباع الجدد من قبيلتي الأوس والخزرج، وأرسل معهم عبدالله بن أم مكتوم، ومصعب بن عمير (رضي الله عنهما) لتعليم من أسلم شرائع الإسلام، والتمهيد لتقبّل هذا الدين فيما بينهم، كما لا ننسى قناعة النّبي (صلّى الله عليه وسلّم) أنّه يحمل رسالة إلهيّة عالميّة، وأنّ هذه الرسالة المُحمَّلة بالشرائع والأحكام التكليفيّة لا بدّ لها من أرض خصبة تنطلق منها إلى فضاءات أخرى، وأنّه آن الأوان للخروج بهذه الرسالة من حدود مكة المُكرَّمة التي لم تكن آنذاك مُهيَّأة بعدُ لتكون مكانًا لنشر الدعوة وتنزيل الأحكام الشرعيّة، وعلى هذا كانت الهجرة مطلبًا دعويًّا فرضته طبيعة الرسالة وتشريعاتها.

      مشيرًا الجابري الى أنه على المسلمين ان يأخذوا العبر والدروس من هجرته (عليه الصلاة والسلام) إذا أرادوا النجاح في الحياة الدنيا والفوز بالتوفيق الإلهي في الآخرة.
      وقال الجابري: كما أن للهجرة أسبابًا فهناك الدروس المستفادة من تلك الهجرة، حيث كانت الهجرة النبوية حدثًا مليئًا بالدروس والعبر، ويمكن بيان بعضها فيما يأتي: الصبر واليقين من أهم أسباب التمكين، حيث إن التمكين الذي عاشه المسلمون في المدينة المنورة، لم يكن إلا بعد أن صبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والصحابة (رضي الله عنهم) على الاضطهاد والابتلاء، فيسّر الله لهم الأنصار وقذف الإيمان في قلوبهم، ليبدأ بعدها النصر والتمكين، وهناك أيضًا الأخذ بالأسباب، فعلى الرغم من ثقة النبي (صلى الله عليه وسلم) بنصر الله تعالى له، إلا إنه بذل ما بوسعه للأخذ بالأسباب لنجاح عملية الهجرة، وفي ذلك درس للمسلمين أن الأخذ بالأسباب أمرٌ ضروري للنجاح، مصداقًا لقول الله تعالى: (وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِباطِ الخَيلِ)، ولا ننسى الاعتماد على الله، فالأخذ بالأسباب لا يكفي للنجاح، بل لا بُد من الاعتماد على الله تعالى، ولم ينقطع اعتماد النبي (عليه الصلاة والسلام) على الله تعالى في أي خطوة من خطوات الهجرة، وقد تجلى ذلك الاعتماد في أحلك الظروف، عندما وصل المشركون إلى باب الغار، فقال له أبو بكر ـ رضي الله عنه:
      (لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا)، فَقَالَ (عليه الصلاة والسلام):(ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا).

      Source: alwatan.com/details/433558