يوم الشهيد الفلسطيني بالشتات

    • خبر
    • يوم الشهيد الفلسطيني بالشتات

      Alwatan كتب:

      علي بدوان:
      رغم المأساة، والدمار الهائل غير المسبوق في أكبر مخيم وتجمع فلسطيني في الشتات، ونعني به مخيم اليرموك جنوب دمشق، وكما يقولون في المثل الشعبي (الشوف مش متل الحكي)، أحيا مخيم اليرموك الأيام الأخيرة، بمسيرات مُتتالية إلى مقابر الشهداء، تتقدمها الفرق النحاسية، وأكاليل الورود، والشعارات الوطنية، وبحضور جميع القوى الفلسطينية وأحزابها وفصائلها. ومن بين أكاليل الورود كان إكليل الورد باسم الرئيس محمود عباس (الفلسطيني السوري من مدينة صفد)، وأكاليل باسم عموم الأمناء العامين الذين شارك بعضهم في فعاليات اليوم الأول من دفن السفير الفلسطيني بدمشق محمود الخالدي، وأحمد جبريل، وكذا الحال في باقي المخيمات.
      شعب عظيم، لم ولن تنال من إرادته ما حلَّ به، بالرغم من كل المآسي التي أصابته، وآخرها مأساة مخيم اليرموك، وما حصل، والتفاصيل تطول… والحال كان مصيره مع عدد آخر من المخيمات ومنها مخيم حندرات (عين التل) شمال مدينة حلب…
      يوم الشهيد الفلسطيني، اليوم الذي كان يَضجُّ به مخيم اليرموك منذ ساعاته الأولى، كان يوم الوفاء للشهداء وفلسطين، قبل أن يكون عيدًا اجتماعيًّا. يوم زيارة القوافل الأولى من الشهداء الذين استشهدوا عام 1965 وانطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة بزنودهم، وحتى الآن.
      اليرموك، أول مخيم وتجمع فلسطيني على الإطلاق يشهد مسيرات تشييع الشهداء في الثورة الفلسطينية المعاصرة، وعموم الحركة الوطنية الفلسطينية. فكانت مقبرة الشهداء القديمة في اليرموك أول مثوى لشهداء فلسطين خارج أرض فلسطين التاريخية. حيث أقيمت في مخيم اليرموك مقبرة أول شهيدين، كان هذا منتصف العام 1964. بعد مقبرة الشهداء الأولى في اليرموك، قامت مقبرة الشهداء الثانية في مخيم الوحدات في عمَّان بالأردن، وبعدها المقبرة الثالثة في بيروت.
      في مثوى شهداء اليرموك المئات من الشهداء الذين سقطوا على دروب العودة لفلسطين، وليسوا جميعهم من الفلسطينيين، بل هناك عرب وأجانب. وفي المقبرة ذاتها هناك قادة في مسار العمل الوطني الفلسطيني من الذين شيعوا في جنازات ضخمة جدًّا، وشارك بها الرئيس ياسر عرفات، وفي واحدة منها شارك الرئيس الراحل حافظ الأسد في تشييع الشهيد زهير محسن قائد منظمة الصاعقة.
      من مخيم اليرموك بدأ أول مواكب الشهداء في الثورة الفلسطينية المُعاصرة، ومن مخيم اليرموك انطلقت زغاريد النساء في مواكب الشهداء. فكانت تلك الزغاريد التي سَمعتُها لأول مرة في حياتي عندما كنت في طفولتي وفتوتي ذات وقعٍ خاص وتأثير سحري. تلك الحالة التي تَحدث عنها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خطابٍ شهير له عام 1968 عندما قال “إن الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في العالم الذي تُزغرِدُ فيه النساء لمواكب الشهداء”. كان موكب تشييع الشهداء قبل حرب حزيران/يونيو 1967، كموكب تشييع الشهيد منهل توفيق شديد من مؤسسي حركة فتح وجناحها العسكري قوات العاصفة ورفاقه الشهداء، الموكب الكبير الذي ترك انطباعاته وتأثيراته في نفوس الناس، وأحيا في دواخلهم حلم العودة لفلسطين. ففي ذاك الموكب ظهر الفدائي الفلسطيني في العرض العسكري العلني الأول للثورة الفلسطينية المعاصرة، العرض الذي رافق موكب التشييع، وظهر اللباس المُرقط، وبدلات الفوتيك، ذاك اللباس الذي كان قد ظَهَرَ في العالم إبان الحرب الكورية عام 1956، كما في ظهور البنادق المُختلفة في العرض العسكري إياه (بور سعيد، طومسون، كارلو، والقليل من الكلاشنكوف..)، فيما تَقَدَّمَ موكب التشييع قيادات تاريخية كان على رأسهم الشهيد الرئيس الراحل ياسر عرفات وأبو علي إياد وغيرهم… مواكب التشييع مَحمولة على الأكتاف، وبعضها على السيارات العسكرية، أو على عربة المدفع، وفي مقدمتها العروض العسكرية، وفرقة الموسيقى العسكرية، وأناشيد الثورة وألحانها.
      كانت مسيرات تشييع الشهداء، لوحة مُدهشة عن عمق انتماء فلسطينيي سوريا إلى قضيتهم المُقدسة، اختلط فيها كل شيء، الوطنية الفلسطينية، والهُوية وفلسطين، وعظمة وأسطورة هذا الشعب الصغير في تعداده، الذي ما زال يَخرُج من محنةٍ إلى محنة دون أن يموت أو يذوبَ كما ذابت وانصهرت شعوب البلاد الأصلية بأكملها في معمعان مآسيها في القارة الأميركية وأستراليا ونيوزيلندا على يد الغزاة البيض قبل 500 عام.

      Source: alwatan.com/details/433902