Source: alwatan.com/details/435065Alwatan كتب:
محمد بن سعيد الفطيسي:
يقصد بعيب الانحراف في السلطة “أن تستعمل الإدارة سلطتها التقديرية لتحقيق غرض خاص أو مصلحة ذاتية أو تحيد عن الغرض الذي حدده المشرع لإصدار القرار الإداري حتى لو قصد به تحقيق مصلحة عامة وذلك لمخالفته لقاعدة تخصيص الأهداف”(1) وقد درج القضاء في أغلب دول العالم على اعتبار عيب الانحراف بالسلطة سببا دائما لتقرير مسؤولية الدولة ومن ضمنها القضاء الإداري في السلطنة، سواء كان ذلك الانحراف جسيما أو بسيطا.
ويأخذ عيب الانحراف بالسلطة عدة صور، منها استعمال السلطة بقصد تحقيق غرض او نفع شخصي، استعمال السلطة بقصد الانتقام، أو استعمال السلطة بقصد تحقيق غرض ديني أو سياسي، أو استعمال السلطة لغرض يخالف الأهداف أو الوسائل التي حددها المشرع، ولعل هذه الأخيرة من أكثر صور الانحراف أو التعسف في استخدام السلطة شيوعا في ظل عدم معرفة العديد من المسؤولين ـ للأسف الشديد ـ أو ربما تجاهلهم للقوانين المنظمة لإصدار القرارات الإدارية (العيب الجسيم)، أو بسبب عدم رجوعهم للدوائر القانونية قبل إصدار تلك القرارات.
أحد أبرز الأشكال المعاصرة فكرة اختيار الفريق القيادي في أي مرفق من مرافق الدولة والذي يعد مسألة غاية في الأهمية والخطورة، فإن كان الاختيار صحيحا فإن ذلك سيترتب عليه ـ بلا شك ـ نتائج طيبة على الوطن والمواطن. في الجانب الآخر سيترتب على الاختيار غير المناسب نتائج وخيمة على الصالح العام وتحقيق الأهداف التي حددها المشرع، وسينعكس ذلك سلبا على استقرار الجهاز الإداري للدولة، بالإضافة إلى ذلك ستتكبد الحكومة خسائر مالية كبيرة من جهة. أما من جهة أخرى فسينعكس ذلك سلبا على ثقة الرأي العام بذلك المرفق، بالإضافة إلى النتائج الداخلية والتي تتعلق باستقرار الكادر الوظيفي من الناحية النفسية خصوصا وقضايا الولاء الوظيفي والإنتاج وغير ذلك.
طبعا الكلام السابق يفترض أن يكون من البديهيات والأسس التي لا تحتاج إلى تفصيل وشرح كما يعتقد ويفترض العديد منا وهو أمر صحيح، على اعتبار أن أغلب القيادات في الجهاز الإداري للدولة من مستوى (وزير، وكيل وزارة، مدير عام، مدير، رئيس قسم، والوظائف المساعدة والموازية للصفات الوظيفية السابقة) على دراية وعلم تام بمثل هذه القِيَم والأسس الإدارية والمهنية.
بالتالي فإن اختيار الفريق القيادي أو الإداري والذي سيعمل تحت إمرة تلك القيادات سيتم ـ كما يفترض ـ وفق معايير علمية ومهنية وقانونية بعيدا عن المحاباة والمجاملات والمصالح والأهواء الشخصية والاختيارات الفئوية، واضعين نصب أعينهم الولاء للوطن وجلالة السلطان “أعزَّه الله” وخدمة هذا الشعب الغاية والهدف من وراء تلك الاختيارات والتوجُّهات والقرارات الإدارية.
لكن ـ للأسف الشديد ـ أبسط هذه البديهيات لا يتم الأخذ بها أو العمل عليها من قِبل (بعض) المسؤولين في بعض الأوقات (ولا نعمم بكل تأكيد) عند اختيارهم لفريقهم القيادي في المرفق العام، أو عند اتخاذ قرار نقل أو تعيين أو ندب بعض الأفراد في مناصب إدارية في تلك المرافق العامة، وتحت قرارات الندب ـ للأسف الشديد ـ العديد من الخطوط!!
بكل تأكيد من حق كل مسؤول في هذا البلد اختيار فريقه القيادي الذي يساعده على تحقيق أهداف المؤسسة التي يديرها بما يصبُّ في الصالح العام، ولكن ما يجب أن يوضع في الاعتبار وحسبان ذلك المسؤول هو ضرورة أن يتم ذلك الاختيار وفق الأنظمة والقوانين، وكذلك وفق معايير مهنية لا وفق أهواء ورغبات شخصية أو فئوية، وعلى حساب الموظفين المستحقين للحصول على تلك المناصب في ذات المرفق العام، حيث يجب أن يتم مراعاة الضمير الوطني والشخصي في ذلك السلوك الإداري.
وإن كان المشرع قد ترك للإدارة حرية (سلطة تقديرية) في اختيار الأهداف التي ترغب في تحقيقها، والأساليب والوسائل التي ستتخذها وحرية اتخاذ القرار من عدمه، فإن ذلك ليس بالشكل التعسفي أو من خلال الانحراف في استخدام السلطة، أو وفق أهواء وتوجُّهات شخصية ورغبات فئوية، بل وفق ضوابط قانونية وأخلاقية لا يمكن لأحد أن يتجاوزها وإلا وقع في مخالفة الأهداف الرئيسية التي حددها المشرع لتحقيق الصالح العام والذي يعد الغاية الأساسية لإصدار أي قرار من قرارات الإدارة، وهو في ذات الوقت المبرر لمنح تلك السلطة التقديرية للمسؤول في المرفق العام.
فلنتصور ـ على سبيل المثال ـ أن يتم (فرض) ـ عن طريق التعيين أو الندب أو النقل ـ مدير عام أو مدير أو رئيس قسم أو أي مسؤول آخر على موظفين أكثر كفاءة منه أو هم أحق من ذلك المدير العام أو المدير أو رئيس القسم ـ على سبيل المثال ـ بالمنصب، سواء من حيث سنوات العمل والخبرة أو الكفاءة أو الشهادة العلمية، بسبب مجاملات أو محاباة أو رغبات شخصية لبعض ممن لم يأخذ مصالح هذا الوطن في حسبانه ـ للأسف الشديد ـ تحت حجة الحق في اختيار الفريق القيادي واستعمال السلطة التقديرية والممنوحة لمن اتخذ القرار من قِبل المشرع كشماعة للانحراف بالسلطة التقديرية.
ماذا سيخلق ذلك الوضع المقلوب وغير الصحيح مهنيا ولا إداريا ولا حتى قانونيا وأخلاقيا في ذات المرفق من أحقاد وضغائن بين الموظفين؟ كيف سيتمكن ذلك المسؤول الذي تم فرضه أو وصل عن طريق الأساليب غير القانونية أو المهنية على أولئك الموظفين دون مراعاة لضوابط شغل الوظيفة الإدارية من قيادتهم والعمل معهم؟ هل سيكسبهم؟ أم سيجد أشخاصا حانقين على من وضعه وعليه وبالتالي خلق نفوس لا ولاء لها للوظيفة أو المؤسسة أو المسؤول عليهم؟ هل يصبُّ هذا القرار في مصلحة العمل؟ والأهم، هل يصبُّ هذا القرار في مصلحة الوطن؟! وهنا تُوجَّه هذه الأسئلة لمن يقوم بالرقابة على مثل هذه القرارات الإدارية ومتابعتها من الأجهزة القانونية والرقابية للدولة.
ولا غرابة في الأمر أن مثل هذه القرارات التعسفية التي يتجاوز بها (بعض) المسؤولين الأنظمة والقوانين بعلم وإرادة أو بدون ذلك وتدخل تحت تسمية (مسؤولية الدولة عن أعمال الإدارة المشروعة) يتم الطعن عليها وكسبها في محكمة القضاء الإداري من قبل الموظف الطاعن بسبب عدم مشروعية القرار الإداري لوجود مخالفة دستورية أو للقانون أو بسبب عيب في الشكل أو عدم الاختصاص أو الانحراف في السلطة، وهذه الأخيرة من أكثر التجاوزات المنتشرة والتي تؤثر كثيرا في استقرار الجهاز الإداري.
وللأسف الشديد، كثرة مثل هذه القرارات والأخطاء تؤثر سلبا في ثقة الموظفين بالجهة الإدارية والمسؤولين فيها، كما تعكس صورة ذهنية لا يفترض انتشارها حول قدرة الأجهزة الرقابية على التصدي لمثل هذه التجاوزات القانونية والأخطاء الإدارية.
وهنا نقول: لماذا نصل إلى هذا المستوى المخجل من التجاوزات وتكرار الأخطاء الإدارية والقانونية بسبب القرارات التي تتخذ من قِبل بعض المسؤولين دون الرجوع للجهات المختصة كالدوائر القانونية في كل وزارة، على سبيل المثال؟ وعلى هذه الأخيرة بالطبع مسؤولية جسيمة أمام الله عزَّ وجلَّ وأمانة أمام هذا الوطن؛ أليس من عدالة الضمير والخوف من الله والإخلاص للوطن أن تتم تلك القرارات وفق معايير تضمن العدالة والمصداقية والشفافية، ويؤخذ بالحسبان فيها الأولوية والأحقية بعيدا عن المحاباة والاختيارات الفئوية والشخصية؟
على ضوء ذلك، كُلِّي ثقة ـ بعون الله ـ في أن ما سيطرح في هذا المقال سيؤخذ بعين الاعتبار من المؤسسات والأجهزة ذات الاختصاص والمعنية بالتوجيه والرقابة والمحاسبة كمجلس الوزراء الموقر وجهاز الرقابة الإدارية والمالية للدولة، وغيرها من الأجهزة الوطنية المعنية؛ لأن أي عمل أو كلمة طيبة مخلصة فيها مصلحة هذا الوطن العزيز تُعد غاية سامية ننشدها جميعا بلا استثناء.
ـــــــــــــــــــــــــــ
مراجع
1 ـ د. عبدالعزيز خليفة، الانحراف بالسلطة كسبب لإلغاء القرار الإداري، دار الفكر الجامعي/ الإسكندرية، ط1/ 2001، ص 91
عيب الانحراف بالسلطة (اختيار الفريق القيادي لإدارة المرفق العام نموذجا)
- خبر
-
مشاركة