دروس من إحراق منبر صلاح الدين في الأقصى

    • خبر
    • دروس من إحراق منبر صلاح الدين في الأقصى

      Alwatan كتب:

      علي بدوان:
      اثنان وخمسون عامًا، بالتمام والكمال، مَرَّت على إحراق المسجد الأقصى، وإن أخمدت نيران هذا الحريق في لحظات اندلاعها في جناحه الشرقي، فإن نيران الاحتلال بشكلٍ أو بآخر ما زالت مُشتعلة في المدينة المقدسة وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وحتى في الداخل المحتل عام 1948 حيث تحوّلت المساجد التاريخية في مختلف القرى المدمرة والمُهجّرة إلى “حانات” على يد الاحتلال، عدا عن استهداف المقابر في مختلف مناطق الداخل الفلسطيني. وكل ذلك لن يغيّر من واقع الأقصى، فالمسجد بكل مساحته وهي 144 دونمًا فوق الأرض وتحت الأرض، هو حق خالص للمسلمين لا يقبل القسمة ولا يقبل الشراكة.
      حادثة إحراق المسجد الأقصى ليست حدثًا عابرًا، في بدايات الاحتلال “الإسرائيلي” الكامل للمدينة المقدسة، بل كانت مقدمات، ومؤشرًا خطيرًا لما جاء بعد تلك الحادثة، من سعي “إسرائيلي” لضم المدينة لدولة الاحتلال “الإسرائيلي” بعد تهويدها والإطباق عليها، واتباع سياسة منهجية لتطفيش مواطنها العرب، وجعلهم أقلية داخل مدينتهم. عدا عن الإطباق على المدينة بكتل استيطانية ضخمة، ومنها كتل مستعمرات (معاليه أدوميم) و(بسجات زئيف) التي تمت من المدينة حتى مناطق قريبة من الأغوار (منطقة الغور). وتغيير طابعها الجغرافي، والديمغرافي، وعزلها عن محيطها الفلسطيني، في انتهاك صارخ للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. فكل ما يجري على يد الاحتلال بشأن المدينة المقدسة، ليس سوى نهج استعماري تهويدي إحلالي توسعي يهدف إلى تغيير معالم مدينة القدس، وما في باطنها، وتهجير مواطنيها، وإغراقها بالاستيطان والمستوطنين، وفصلها تمامًا عن محيطها الفلسطيني، وربطها بالعمق “الإسرائيلي”، بما يخدم ويروّج لرواية الاحتلال التلمودية الاستعمارية، بشأن القدس، وفلسطين عمومًا.
      حادثة محاولة الإحراق الكامل للمسجد الأقصى، وقعت يوم 21 آب/ أغسطس 1969، أي بعد فترة زمنية ليست بالطويلة من الاحتلال الكامل للمدينة بجزئيها الشرقي والغربي في حرب العام 1967، وذلك على يد شخص يهودي من غلاة الصهاينة، وهو أسترالي الجنسية يدعى (مايكل دنيس روهن). والتهمت النيران، حينها، كامل محتويات الجناح الشرقي للجامع القبْلي الموجود في الجهة الجنوبية من المسجد، بما في ذلك منبره التاريخي المعروف بمنبر صلاح الدين.
      ومنذ ذلك الحين، فإن المسجد الأقصى بات تحت الاستهداف “الإسرائيلي” لجهة المساس به، والاقتحامات التي تقع بحقه من قبل جنود الاحتلال ومجموعات المستوطنين المُسلحين، وباتت كل المدينة المقدسة تحت سيف التهويد بشكلٍ عام. فكانت وما زالت الحرائق من نوعٍ آخر، ومستمرة حتى الآن في المسجد الأقصى، في الانتهاكات “الإسرائيلية” بحق المدينة وأوابدها التاريخية العربية الإسلامية والمسيحية، وبحق مواطنيها.
      فالاقتحامات “الإسرائيلية” للمسجد الأقصى والحفريات في محيطه التي تُهدد أركانه، ومحاولات دولة الاحتلال “الإسرائيلي” التدخل في شؤون المسجد عبر فرض القيود على عمل دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، واعتقال وإبعاد المصلين، سياسة “إسرائيلية” دائمة لم تتوقف تجاه القدس والأقصى، وكل ما وقع خلال الأشهر الأخيرة من دفاع المواطنين من النقطة (صفر)، وبأجسادهم العارية في مواجهة المستوطنين وجيش الاحتلال، بالدفاع عن حي الشيخ جراح، وحي باب العمود، لخير دليل على دور المواطنين المقدسيين في الدفاع عن المدينة ومواجهة الاحتلال والمستوطنين. وهنا، تُشير معطيات فلسطينية محلية إلى قيام “الشرطة الإسرائيلية” بإبعاد المئات من المصلين وحراس المسجد خلال السنوات الأخيرة عن المسجد الأقصى لفترات تتفاوت ما بين أسبوع وعدة أشهر بسبب احتجاجهم على اقتحامات المستوطنين.
      إن كل انتهاكات الاحتلال بحق القدس (مدينة ومواطنين)، وبحق الأقصى، ليست سوى حرائق مستمرة حتى الآن، تحاول سلطات الاحتلال من خلال تطبيقها على أرض الواقع الإطباق على المدينة وتهويدها. ومنذ العام 2003، سمحت “الشرطة الإسرائيلية” أحاديًّا، ودون موافقة دائرة الأوقاف الإسلامية بمدينة القدس للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى من خلال باب المغاربة في الجدار الغربي للمسجد. ومنذ ذلك الحين يقوم آلاف “المستوطنين الإسرائيليين” سنويًّا باقتحام المسجد بحراسة شرطة الاحتلال، يوميًّا ما عدا يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، وسط استفزازات للمصلين وحراس المسجد من خلال محاولة أداء طقوس تلمودية من قبل مجموعات المستوطنين، وهي بمثابة اعتداءات صارخة على المواطنين العرب المقدسيين وعلى الأقصى.
      وبموازاة ذلك فقد تصاعدت “الدعوات الإسرائيلية”، خلال الفترات الماضية، وفي إطار مفاوضات التسوية التي انتهت إلى طرقٍ مسدود، لتقسيم المسجد الأقصى زمانيًّا ومكانيًّا، بين المسلمين واليهود. وفي هذا الأمر حاولت دولة الاحتلال “الإسرائيلي” تحقيق خطوات مُحددة على طريق التهويد المتتالي للمدينة، وذلك في سياق المفاوضات التي باتت في سباتٍ عمق منذ سنوات طويلة. وبالتالي لم ولن يكتب النجاح ولو جزئيًّا لهذه الفكرة المعنونة بـ”التقسيم الزماني والمكاني” للمسجد الأقصى.
      ويبقى القول، بأن الذكرى الثانية والخمسين لإحراق جزء من المسجد الأقصى في آب/أغسطس 1969، تُشكّل حافزًا لأبناء المدينة لرفع منسوب المقاومة مُتعددة الأشكال، ومواجهة محاولات تهويد المدينة، وإنهاء طابعها العربي الإسلامي والمسيحي. وهو ما عَبَّرَ عنه الشعب الفلسطيني خلال الفترات الأخيرة في الدفاع عن المدينة والأقصى، وممارسة أشكال المقاومة الممكنة، والتي أعطت نتائجها المثمرة.

      Source: alwatan.com/details/435061