Source: alwatan.com/details/437382Alwatan كتب:
سعود بن علي الحارثي:
أشعر أحيانا بالألم والحزن والتشاؤم المفرط، وتتناوشني الأفكار والتساؤلات المحيرة المثيرة للاضطراب والتشوش، مرد ذلك، الكم الواسع من الانتقادات والتهم والإحباط والتعبير عن حالة عدم الرضا وانحدار الشعور بالثقة وحالة عدم اليقين، التي تستهدف الحكومة والمؤسسة والمسؤول، وتنال من معظم السياسات والقرارات والبرامج والمشاريع وآليات العمل الصادرة عنها، فتتدفق سيلا هادرا عبر وسائل التواصل، احتجاجا وتعبيرا صارخا وشعورا بالحنق، وتهكما، على الانتقال من قرار إلى آخر نقيض له أحيانا، يمس حقوق المجتمع، ويستهدف مصالحه، ومن مواقف محرجة، وأساليب وآليات وإجراءات معقدة، وأدوات ووسائل ونظم لا مسؤولة، إلى سياسات ضريبية تعيق حياته ومشاريعه وتحركاته، وتمتص الريالات القليلة من جيوبه، فتصيبه بالجزع والإرباك والشعور بالغضب والسخط… عند تطبيقها وملامستها لأرض الواقع وتبين آثارها وانعكاساتها. المجتمع يصرخ ويستغيث ويحتج، ويقدم القصص والمواقف والشواهد والصور لما يحدث له من إشكالات وتعقيدات وإحراجات وجبايات “ما أنزل الله بها من سلطان”، ومواقف غير مسؤولة من موظف غير عابئ بتقصيره، وغير مكترث لما يحدثه من تأخير وعبث وفوضى لمعاملات المواطنين، ولتعامله وسلوكياته غير السوية، أو غير ملم ولا فاهم ولا عارف لصلاحياته ومهام عمله والنظام الإلكتروني الذي يطبق برامجه، وانعكاسات ما يحدثه بسبب إهماله ولا اكتراثه… وقوانين وأنظمة تخالف الشعارات والأهداف والغايات التي تحتويها الرؤى والخطط والبرامج والخطاب الإعلامي الرسمي عن الشراكة وحرية التعبير وحقوق المواطن، وتشجيع الاستثمار وتحفيز السوق، وتحقيق الرفاه والازدهار والنمو الاقتصادي، وتعزيز دعامات التنمية والبنى التحتية، وتيسير الإجراءات… والإعلام الرسمي والمسؤول والمؤسسة المختصة غائبون عن المشهد الوطني وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء، هل ما يقوله ويطرحه ويتحدث بشأنه المواطن من خلل وفشل وضعف في الأداء وسوء في المعاملة وتعقيد يعيق الإنجاز، صحيح أم ينافي الحقيقة؟ أم أن بعضه صحيح والكثير منه مبالغ فيه؟ ولماذا لا تكشف الجهات المسؤولة عن الحقيقة وتضع الحروف على النقاط وتنفي ما يتم تداوله من تجنٍّ وظلم وسوء فهم، أو تسعى إلى المعالجة السريعة وإحداث نقلة وتحوُّل وتطوير تبتغي التيسير على المواطن وتحقيق رضاه، وإيجاد وتطبيق الحلول الواقعية التي تعظم مصالحه؟ ولماذا لا تعد الدراسات وتقييم السياسات والقرارات قبل صدورها لتبين واستيعاب تأثيراتها ونتائجها؟ ولماذا لا يبادر الإعلام الرسمي إلى التحقيق في جميع الملفات والقضايا والموضوعات التي تثير هذا اللغط واللبس والغموض والنقد، والالتقاء بجميع الأطراف المختصة ومواجهتها بكل موضوعية وجرأة وشفافية، والاستماع إلى وجهات نظرها وتلمس أسباب ودوافع سخط المواطن، والإسهام في الرقابة والتقييم والدفع بعملية التطوير والمعالجة…؟ أليست هذه هي الرسالة الحقيقية للإعلام؟ ألا يمثل الإعلام “سلطة” في تنمية الوطن ونهضتها والدفع بالعمل المؤسسي وتبني قضايا المجتمع وتحقيق مصالحه؟ ألا تدرك الحكومة خطورة استمرار هذا الحال على المستقبل؟ الموضوعات الإشكالية المثيرة للغضب وردَّات الفعل المحبطة التي تدفع إلى تعميق الشك وعدم اليقين في سياسة الحكومة تنمو باستمرار، ترافقها عشرات الأسئلة الحيوية والحساسة، تصدر القرارات وتقر السياسات وتطبق الآليات، وتعد البرامج وتحدث الوسائل والنظم، فيأتي التطبيق مخالفا ومعاكسا ومغايرا وصادما للمجتمع مثيرا تراكمات من دفقات الغضب والنقد الحاد. وبعد أن يصل الأمر حد الانفجار وتطلق الهاشتاجات الواحد إثر الآخر، تتراجع المؤسسة عن سياساتها أو قرارها أو ما طبقته من رسوم ورفع في تكلفة الخدمة أو تجري تحديثات وتغييرات عليها… وفي المشهد القريب ثلاثة نماذج، قيمة احتساب تكلفة استهلاك الكهرباء التي قصمت ظهر المواطن، وبعد أن أشبعت وسائل التواصل حد التخمة استنكارا واحتجاجا وغضبا أصدرت “هيئة تنظيم الخدمات العامة”، قرارا بـ”إعادة هيكلة التعرفة الحالية”. ثم جاءت مشكلة الخمسة ريالات التي يتم تحصيلها في المنافذ البرية، وبعد ما أحدثته من حنق وامتعاض واستياء في أوساط المواطنين، تم إلغاؤها. فهل تنتظر الجهات الحكومية في كل مرة احتجاج المجتمع وإثارة البلبلة والاضطراب لكي تقوم بإلغاء قراراتها ووقف تطبيق آليات عملها المقررة؟ وهل تسعى إلى تعويد المواطن على هذا الحال؟ قبيل إعداد هذا المقال بساعات ضجت وسائل التواصل من جديد استياء وتبرما واستهجانا على الإجراءات والتعقيدات والمواقف المريرة التي استقبل بها الكثير من العائدين أو القادمين إلى السلطنة في “مطار مسقط الدولي”، وتلقيت مجموعة من الاتصالات والتسجيلات الصوتية المعبِّرة، من أصدقاء وإخوة عائدين من تركيا والأردن وأوكرانيا… يطالبونني بتناول هذا الموضوع في مقالي القادم، متحدثين عن الازدحام الخانق في أكثر من طابور بشري، وعن الإجراءات المعقَّدة، والاضطرار للدفع مرتين لخلل في النظام، أو سوء فهم بشري، والربكة وعدم استيعاب للإجراءات المقرَّة، وقد يكون النظام غير مفعَّل ولا يعمل، فلا يستطيع الفرد القادم إلى السلطنة من الدفع الإلكتروني المسبق، أو أن الدفع تم ولكن البرنامج لا يظهره… واحدة من الرسائل التي وصلتني تقول “أكثر من ساعتين في المطار، وسط غضب عارم واحتجاجات لا يلتفت اليها، سمعة البلد على المحك، والمسؤولون يغطون في نوم عميق، والشرطة تحظر التصوير وتمنع نقل المشهد على حقيقته”. هل هذه المشاهد والإجراءات والآليات هي ما نريدها ونحضرها لمستقبل بلادنا؟ وأي شكل من أشكال السياحة ننتظر أن تثري هذا القطاع الحيوي، وما هي التدفقات الاستثمارية التي سوف نستقبلها، وما التمهيد المحفز والبيئة المهيأة لكل ذلك؟ هل سنستوعب ما حدث ويحدث من مواقف وتجارب وخبرات فنعد العدَّة للتغيير والتحول وأحداث نقلة شاملة تقودنا إلى مستقبل آمن ومتقدِّم ومتطوِّر، خصيصته النمو والرخاء والازدهار وتحقيق الرؤى الطموحة؟ هذا ما نتمناه ونتطلع إليه جميعا.
قضايا المشهد الوطني بين الغضب المجتمعي والتجاهل الحكومي
- خبر
-
مشاركة