Source: alwatan.com/details/437586Alwatan كتب:
محمد بن سعيد الفطيسي:
حكومات العالم تسعى لفتح منافذ جديدة للتواصل مع السكان عموما ومواطنيها بشكل خاص، لعل هذا الاتجاه بدأ يغلب على التوجُّهات المستقبلية لثورة الإدارة العامة العالمية وجهود التطوير/ الإصلاح السياسي للحكومات الحديثة؛ فهل هذا يعني أن الوظيفة التواصلية بين المواطن وحكومته باتت تحتاج إلى مزيد من التطوير والتحديث والتأكيد على أهميتها وأدوارها المستقبلية؟! هل تحتاج إلى إرادة وجهد سياسي من قبل الإدارة السياسية العليا؟ أم أنها تتحقق بشكل طبيعي من خلال حتمية العلاقة بين مؤسسات الدولة والقائمين عليها من جهة، ومتلقِّي الخدمة من جهة أخرى؟
فماذا نقصد بالوظيفة التواصلية للحكومة؟ وكيف يمكن أن تعد هذه الوظيفة مكسبا من مكاسب الحكومات الحديثة، خصوصا فيما يتعلق بجانب التطوير السياسي للإدارة السياسية العليا وبقية مؤسسات الدولة أو المؤسسات الإدارية؟ وما المخاطر التي يمكن أن تتسبب بها في حال تم إهمالها؟ وبشكل خاص ما المكاسب والمخاطر الاقتصادية التي يمكن أن تنتج عن قوة أو ضعف الوظيفة التواصلية؟
باختصار تعد الحكومة مقدما للخدمات(1 ) بمختلف أشكالها بغض النظر عن ماهية الحكومة وشكلها وطبيعة الحكم فيها (شركة من نوع ما)، وبما أنها تقدم خدمة فهناك متلقٍّ أو مستفيد من هذه الخدمة، (أطراف مختلفة داخل الدولة وخارجها) وهكذا تحتاج هذه العلاقة إلى دعائم وروابط لاستمرار تقديم تلك الخدمة على أكمل وجه، ولإبقاء هذه العلاقة الحتمية والأصيلة في بيئة من الاستقرار والأمان والثقة، خصوصا من طرف المستفيد، فالحكومة وجدت أصلا للحكم في إطاره الواسع وهذا الأخير ليس مسألة سياسية فقط، بل علاقة تشمل جوانب تتحكم بها الحكومة.
وبشكل مختصر يمكن تعريف هذه الوظيفة بأنها: تلك الأساليب والطرق والقنوات المباشرة وغير المباشرة والتي تتواصل وتتصل عبرها المؤسسات الحكومية والمسؤولين مع السكان في الداخل ومواطنيها في الخارج حول مسألة أو قضية أو تقديم خدمة من خدماتها، وقد يتم ذلك التواصل عبر الطرق والوسائل التقليدية مثل التلفزيون والإذاعة والصحف أو عبر الطرق الحديثة مثل وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام الرقمي أو غير ذلك من وسائل الاتصال والتواصل مع الجمهور.
فالوظيفة التواصلية للحكومة أو (الاتصال الحكومي) أشبه بالنافذة الدعائية والتسويقية التي تمكن الحكومة من عرض خدماتها الحكومية عبرها أو طرح تلك القضايا والمسائل التي تحتاج إلى إيصالها للجمهور من خلالها، عليه فالاتصال الحكومي يعد منصة تفاعلية وحوارية من جهة، ودعائية وتسويقية من جهة أخرى بين الجهات الحكومية والجمهور، وفضاء رقميا ومكنة من مكنات التعامل مع الطوارئ والأزمات وقطاعا استراتيجيا لوجستيا للأمن والاستقرار في حال نجحت الحكومة في استغلاله بشكل صحيح، وبكل تأكيد قد يتحول إلى مصدر قلق وإزعاج وعدم استقرار في حال فشلت المؤسسات الرسمية في التعامل معه بشكل صحيح.
إذًا بالفعل يهدد الفشل أو سوء الاستخدام أو ضعف التعامل مع الوسيلة التواصلية للحكومة استقرار الدول وأمنها، كما يؤثر كثيرا على اقتصادها وبشكل أدق على سياساتها الاقتصادية من جوانب مختلفة، ولعل الجانب الأمني والسياسي أكثر وضوحا فيما يتعلق بالتأثيرات والتهديدات الناتجة عن الإدارة غير المنهجية أو العلمية للوظيفة التواصلية للحكومة، وبينما لا تظهر الخسائر السياسية جرَّاء ضعف الوظيفة التواصلية للحكومة إلا بعد مدَّة من الوقت، يبرز تأثير الوظيفة التواصلية على الاقتصاد بشكل أسرع من انعكاسها على الاستقرار السياسي للدولة.
فعلى سبيل المثال، تقوم معظم الحكومات بطرح خدمات حكومية مقابل أخذ رسوم وضرائب، تقدم خدمات بدون مقابل مباشر أو رسوم رمزية في أوقات كثيرة مثل خدمات الطرق والخدمات الصحية والتعليم على سبيل المثال، كما أنها ـ وفي أحيان أخرى ـ تطرح خدمات ملزمة للجمهور مثل البطاقات المدنية وجوازات السفر وما يتعلق بالعمالة الوافدة، مقابل هذه الخدمات تتنوع الرسوم بين مقبولة وفي حدود المعقول، ولكنها ـ وفي بعض الأوقات ـ قد ترفع الرسوم بدرجة ينزعج معها متلقِّي الخدمة أو المستهلك. إذًا ومهما حاول البعض تغيير الصورة الذهنية للحكومة باعتبارها شركة وطنية كبيرة تطرح خدمات للجمهور (السكان) وهنا لا بُدَّ أن تتنبه تلك الشركة الكبيرة إلى أنها يمكن أن تخسر كثيرا إذا لم تتقن الوظيفة التواصلية مع متلقِّي خدماتها، وقد يصل بها الأمر إلى الانهيار والإفلاس.
على ضوء ذلك يتأكد لنا أنه “حين يتعلق الأمر بوضع السياسة الاقتصادية، لا يصبح التواصل مع الجمهور مسألة ثانوية. فبصورة متزايدة، يُنظَر الآن إلى التواصل باعتباره أداة من أدوات السياسات. ولا شك أنه لا يمكن أن يكون بديلا للسياسات الجيدة، ولكن الإصلاحات الاقتصادية من المرجح أن تفشل أو حتى تنتكس ما لم تكن مفهومة ومصدقة ومقبولة ممن تؤثر عليهم. وينطبق نفس المبدأ على مجموعة واسعة من السياسات ـ السياسات النقدية وسياسات القطاع المالي وسياسات المالية العامة والسياسات الهيكلية” ( 2)
ومن هنا تظهر أهمية وضرورة تجديد وتحديث الوظيفة التواصلية بين الحكومة والجماهير بشكل يتماشى مع تلك التحوُّلات والتغيرات الحاصلة في البيئة الوطنية (الوعي الجماهيري خصوصا) والدولية، فهذه الوظيفة ليست مجرد كماليات في السياسة أو الاقتصاد السياسي للدولة، بل مسالة غاية في الأهمية والحساسية، ولعل من يدرك مكاسبها ومخاطرها على استقرار الدولة، خصوصا الناحية الاقتصادية يجعلها في سلم أولوياته، ولأنها كذلك وبسبب تلك المخاطر والتهديدات فهي تحتاج إلى دعم من أعلى المستويات السياسية، وبدون ذلك ستدخل الحكومات في صدام مع مواطنيها خصوصا، وستجد نفسها تبتعد عنهم لمسافات طويلة كل يوم، وفي لحظة من اللحظات ستفقد ثقة الجماهير ومتلقي الخدمات فيها.
ــــــــــــــــــــــ
مراجع
1 ـ تظهر أهمية الوظيفة التواصلية للحكومة في جانبها الاقتصادي في مسالة تقديم الخدمات، حيث تحاول أغلب حكومات العالم الاستجابة لمتطلبات السوق والمستهلك للخدمة الحكومية لذا “وبدلا لتصميم برامج من وجهة نظر حكومية يسعى المصلحون لوضع برامج من خلال وجهة نظر المواطن المستهلك للخدمة وفي بعض الحالات يقدم للمواطن أكثر من بديل للخدمة” راجع دونالد ف. كيتل، ثورة الإدارة العامة العالمية، مكتبة العبيكان، ط1/ 2003، ص 14-15
2 ـ جيري رايس واولغاستانكوفا، التواصل كأداة للسياسية، مدونات صندوق النقد الدولي، تاريخ النشر 19/ 5/ 2019 تاريخ الدخول 11/ 9/ 2021م
على الرابط: https://www.imf.org/ar/News/Articles/2019/05/21/blog-Communications-as-a-Policy-Tool
محفزات التطوير السياسي (المكاسب والمخاطر الاقتصادية للوظيفة التواصلية للحكومة مع المواطن)
- خبر
-
مشاركة