Source: alwatan.com/details/439229Alwatan كتب:
إبراهيم بدوي:
تنوعت ردود الفعل العالمية حول الأزمة الفرنسية الأميركية المعروفة إعلاميا بأزمة الغواصات، فخرجت التصريحات الفرنسية بنبرة غاضبة تؤكد تغليب واشنطن ولندن للمصالح الذاتية على المصالح المتقاطعة مع حلفاء أوروبا، فيما سعت واشنطن إلى احتواء هذا الغضب بالتأكيد على دعم العلاقات مع فرنسا، ومن خلفها باقي الحلفاء في أوروبا. أما أستراليا فقد حاولت تبرير موقفها المتراجع عن صفقة الغواصات التي سُميت أثناء توقيعها مع فرنسا بصفقة العصر، كما كان للصين غضبة معلنة تؤكد أنها المقصودة بالتحالف الأميركي البريطاني الأسترالي الجديد، وأن الغواصات في الصفقة الجديدة ستغير من القدرات التسليحية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. فالغواصات الجديدة ـ بحسب بكين ـ هي أكثر تخفيا، ولها مدى أطول وأعمق وأكثر تطورا من الغواصات التقليدية.
وفتحت ردود الأفعال الباب على مصراعيه أمام تحليلات سياسية شديدة التباين، لدرجة تجعلنا نعتقد أنها قائمة على أماني أصحابها، ففريق يشدد على أنها أزمة عابرة قد تعبِّر عن فجوة في المصالح الفرنسية الأوروبية من ناحية، والأميركية البريطانية من ناحية أخرى، وأن وحدة المصالح الاستراتيجية والمخاوف التاريخية من نمو توسع النفوذ الصيني والتمدد الروسي ستكون هي الغالب في استمرار التحالف الغربي الاستراتيجي. ويؤكد أصحاب تلك النظرية على وجود تطابق في المصالح والرؤى يحول دون تفتت رفقاء الماضي والحاضر، ويدفعهم للحرص على هذه العلاقة المتينة في المستقبل، والعمل على ردم الهوة التي خلَّفتها تلك الأزمة بتقديم تنازلات من كافة أطراف التحالف.
أما المجموعة الأخرى فتتحدث عن أزمة مفصلية في العلاقات الغربية التاريخية، وأنها ناتجة عن صراعات مكتومة بين أطراف التحالف الغربي في العقد الماضي، لكنها خرجت أخيرا للعلن، وبدأ التعبير عنها من الجانب الأوروبي بنبرة عالية. فالأوروبيون، ومن بينهم الفرنسيون وفق هذه الرؤية، يعلمون بأن الحليفة واشنطن تتحرك منفردة وفق أجندتها الخاصة ومصالحها الذاتية حتى وإن كان ذلك على حساب أقرب الحلفاء، ما جعل الأوروبيين يوقنون بأن التحركات الترامبية بتغريداته الصادمة لم تكن خروجا عن النص الأميركي، بل هي استراتيجية جديدة تنتهجها واشنطن، وتسعى عبرها إلى إملاء تصوراتها في مناطق النفوذ على الحلفاء بشكل يجعلهم تابعين لسياسات واشنطن، وهو ما يتعارض مع الرغبة الأوروبية في إظهار التمايز في وجهات النظر في قضايا عديدة على مستوى العالم أجمع.
إن تلك التحليلات والآراء المتباينة تعتمد على أُسس وثوابت لها من المنطقية والعقلانية الكثير، فلا أحد يستطيع أن ينكر التعامل الحريص المشوب بقلق بالغ الذي تحمله أوروبا تجاه النيات الروسية والصينية، بشكل يدفعها دوما إلى التمسك بعلاقات راسخة ومتينة مع الحليف واشنطن، فيما تعتمد وجهة النظر الأخرى على التململ الأوروبي الواضح جراء الذاتية الأميركية في التعامل مع العديد من الملفات دون وضع مصالح الحلفاء في الخطوات الأحادية، لكن مع صحة هذه الثوابت يبقى تأثير الأزمة في منطقة رمادية.
فبالرغم من التصريحات الفرنسية العنيفة التي تنطلق من مصالح اقتصادية في الأساس، حيث تخشى باريس تراجع مبيعاتها من السلاح حول العالم الذي تحتل فيه المركز الثالث عالميا بعد أميركا وروسيا، كما أن ذلك سيكون له مردود سلبي على وضعها الاقتصادي المتأثر بشدَّة جرَّاء جائحة كورونا، إلا أنها ستعمل على التواجد في منطقة المحيطين بالتوازي مع الحلف الأميركي البريطاني عبر بوابة الهند، بشكل يحرص على الحدِّ من النفوذ الصيني في تلك المنطقة.
باختصار، فإن أزمة الغواصات لن تكون انفصالا أوروبيا، ممثلا في فرنسا، عن التحالف الغربي التقليدي على الأقل في المديين القريب والمتوسط، لكنها ستحمل بالتأكيد الجانب الأوروبي لمنطقة أكثر وسطية في المعادلة العالمية، فقد نرى مواقف محددة تتضارب بها المصالح مع واشنطن، أو حتى نرى مواقف تشير إلى تقارب حذر مع الصين وروسيا، لكنه سيكون محافظا على التحالف التاريخي مع واشنطن، أما على المستوى البعيد فأوروبا بقيادة فرنسية ـ ألمانية تسعى لتأكيد وجودها عالميا، فقطب رابع يحمل رؤية وفلسفة مغايرة عن باقي الأقطاب ويحمل أهدافا واستراتيجيات تقترب من هذا القطب أو ذاك وفق منظومة المصالح الأوروبية التي تحتاج إلى وقت وصدمات جديدة لكي تتبلور، خصوصا مع السعي الأميركي إلى الاعتماد على قوة المصالح الذاتية مع دول إقليمية في المناطق ذات المصلحة على مستوى العالم.
الغواصات: أزمة تعمق الفجوة وتطرح تحالفات
- خبر
-
مشاركة