القاصة إنصاف قلعجي تطوف بحدائق المويسكي

    • خبر
    • القاصة إنصاف قلعجي تطوف بحدائق المويسكي

      Alwatan كتب:

      أحمد صبري:
      تستهل القاصة إنصاف قلعجي في مقدمة كتابها الموسوم (تَطواف في حدائق الموريسكي) بالقول: ليس في نيتي أن أقدم دراسة نقدية حول ما كتبه حميد سعيد، فأنا لست بناقدة، لكنني متذوقة لكل حرف كتبه، وما تركت هذه القراءات في شعره ونثره من انطباعات في نفسي، لأقول له “أشهد أنك قد عشت” يا حميد مستشهدة بقول للشاعر الكبير حميد سعيد: “فلكل قصيدة تاريخ، ولكل نصٍّ محيط اجتماعي، ولأتسامح قليلا وأفترض لها جغرافية، لأن عمق انتمائي إلى وطني لم يكن عائقا أمام قصيدتي لأن تتفتح في أرض الله الواسعة التي رأيت…”
      فالمكان عند حميد، تقول قلعجي، ليس حاضرا كمكان، وإنما ما يمثله من “خصوصية المكان في النص الشعري”، و”المكان في القصيدة ليس هو المكان في الواقع”، وإنما بما يحمله من تاريخ وذكريات ووجوه أشخاص. وهو يقول “إنني ضعيف الإحساس بالمكان، إن ما يبقى من المكان هو ما أستعيد منه الماضي في حركة الذاكرة. فالمدن عندي هي الناس…”. والمدن ليست هي التي تحكي، بل الذين اكتووا بنار هجرها أو تألقوا يوما ببهائها. إنها تجربة حياتية وإبداعية ثرية بما تشمله من قراءات متنوعة..

      “تفرقت بنا الدروب…
      أتعبتني المدن البعيدةُ
      التي معي أحزنها الرحيلُ..
      هكذا ترسم قلعجي خطوط التلاقي مع حميد سعيد، عبر قراءة متأنية وعميقة لمشواره الشعري في محاولة للغوص في محراب العشق وحنايا الروح والقلب ليعيش في حرائق الانتظار وعذابات الكتابة.
      صحيح، أن الدخول إلى عالم حميد سعيد ليس سهلا ـ كما تراه قلعجي ـ لكنها تعتقد أن أبوابه وشبابيكه مشرعة ومضيئة للراغبين بالدخول إلى هذا العالم.
      والمدن عند حميد سعيد، تقول قلعجي: متشابهة، وهذا ما يمنحه “مساحة للتأمل والكتابة”… ومذ غادر بغداد سنة 2003، وهو يحملها على كاهله، ويلوب معها في عزلته، ويتصرف “تصرف المسافر لا المقيم”، فما عاد للمكان وجود في غياب بغداد، وما عادت الذاكرة تحمل أو تتوهج إلا بما كان يومًا من بغداد…

      “بغداد… إني أحسُّ بما أنت فيه… من هؤلاءِ ومن هؤلاءْ
      يدخل العالم المُذالُ في عتمةٍ… فيكون العماءْ
      هل تقوم العميّةُ في وحشة العمى…
      وهل حاول العميُّ في وَهدةِ الظلامِ
      أن يعيد إلى الخبزِ ما كان طعمه…
      وإلى الماء في فجرِ بغداد لذعتْه الباردة؟
      هل تقومُ قيامتُها… ويعود إليها البهاءْ؟”
      فالطواويس القتلة الذين سفكوا دم لوركا… ما يزالون يجولون في العالم…
      وفي معرض قراءتها لمسيرة حميد سعيد، تعترف القاصة إنصاف قلعجي بالقول: بعد الغوص في كل تلك القراءات، ليس عليك إلا أن تقول: يا ليتني ما عرفتُ حميدا… لقد أتعبني؟
      وتسترسل بالقول: لن أسأل لماذا؟ ولكن كيف يستطيع الشاعر أن يحمل على كاهله كل هذا الوجع، لكأنه الجبال، لكأنه بقايا نهر يجف… ويتصاعد أنينه بين السطور. فأين؟ أين تلاشى “عنفوان الحرائق”… ولهيب الشعر والألق… وساد الصمت فوق الرماد؟
      ومن فرط إعجابها وتقديرها العالي لحميد سعيد تؤكد أنه “رجل يمسك أكثر من عصا من الوسط، ويخوض في أنهر عدة بمهارة، يمشي على الماء بدراية، وذلك دأب الفنان سليل الماء والغناء في الحلّة.
      والكتابة بالنسبة لي، توضح قلعجي، لم تكن يوما ذات صعوبة بقدر ما هي أن تكتب عن إبداع شاعر مثل حميد سعيد، خصوصًا وهو المثقف الكبير الذي غادر وطنه سنة 2003 ليحيا في ظل غربته واغترابه يبحث عن ملاذ روحي يأويه، وقد حمل في قلبه الوطن الغالي ليفرده أمام ناظريه، ويواصل مسيرة إبداعه الشعري. وما كان هذا الاغتراب ليحول دون قراءاته المتنوعة في الفكر والرواية والشعر والمسرح، إذ “ليس من مبدع عظيم من دون قراءات عظيمة”.
      وفي الغلاف الأخير لكتاب القاصة إنصاف قلعجي يصف الموسيقار العراقي علي عبد الله الشاعر حميد سعيد بأنه نهر من بلادي التي ترنو لتصب في شواطئ العراق.

      Source: alwatan.com/details/439585