أب على الهامش

    • خبر
    • أب على الهامش

      Alwatan كتب:

      نجوى عبداللطيف جناحي:
      أنتِ أُمٌّ رائعة في أمومتك، أنتِ تلعبين دورا رئيسيا في حياة أُسرتك، برعايتك لهم، وحُسن إدارتك لمنزلك، بحنانك الذي يغمر صغارك وإن كبروا، بمتابعتك وتشجيعك لأبنائك على التفوق، وبجهودك في بناء علاقات عائلية مع الأهل والأقارب والجيران، وبمتابعتك للتحصيل الدراسي لأبنائك وحرصك على تنمية مواهبهم.
      لكنك كثيرا ما تصابين بالإحباط عندما تكتشفين أنك أخفقت في تحقيق الكثير من النتائج، سواء في المستوى الدراسي لأبنائك أو أخلاقهم أو حتى التزامهم بالتعاليم الدينية وربما ببرهم لك، حينها ينفجر بركان المشاعر السلبية في صدرك عندما تجدين أن بعض الأُمهات يبذلن جهدا أقل ويقدمن تضحيات أقل، لكنهن يحققن نتائج أكبر، فتندبين حظك، وتسقين وسادتك بدموع الحسرة وربما الندم على ما قدمتِه من تضحيات بلا عائد، وتشعرين أن حظك كدقيق فوق شوك نثروه، ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه. وتعرضين همك على صديقتك المقربة علَّها تساعدك على الوصول لحل. فتعجز تلك الصديقة عن تقديم الحلول؛ لأنك تصفين لها بعض الواقع وليس كله!!! وهنا عمق المشكلة!!! فكثير منا يظن أن سبب المشاكل يكمن في وصفنا الخاطئ للمواقف، فالسبب الحقيقي للمشكلة هو أننا نرى واقعنا بعين واحدة فقط، فلا نرى كل الواقع؛ لأننا نغمض أعيننا عن المشكلات التي نعجز عن حلِّها ونتجاهلها إلى درجة أن نلقي بها في لجة بحر اللاشعور.
      عجيب أمرك أيتها الأُم، أتظنين أن طائرا يطير بجناح واحد، وإن حاول الطيران لن يسلم من آلام السقوط على الأرض، فكيف لذي الجناح الواحد أن يحلم بالتحليق، وأن يرجو بلوغ السحاب، فذلك مطلب عسير.
      يا عزيزتي إن سبب مشاكلك وإحباطاتك هي أن أُسرتك بجناح واحد، فدور الأب مهمَّش، فأنتِ تلعبين جميع الأدوار، قد يكون تهميش دور أبي أبنائك باختيارك، وقد يكون رغما عنك. وعلى أي حال، فدور الأب قد غاب فأصبحت أُسرتك كذاك الطير الذي يرجو بلوغ السحاب بجناح واحد.
      فالبرنامج اليومي لأبي أبنائك يقتصر على خصوصياته، يعود من العمل ليرتاح، ثم يخرج ليجتمع مع أصدقائه ليعود للمنزل وقد نام الأبناء، ويقضي الإجازة الأسبوعية في ممارسة هواياته كارتياد البحر، أو الخروج في رحلات طويلة، فبرنامجه اليومي كبرنامجه (أيام العزوبية) فلا مساحة في وقته للحديث مع أبنائكما، أو الجلوس يجانبهم عند مرضهم أو مرافقتهم لزيارة الطبيب ومتابعة حالتهم الصحية، ولا مكان له في متابعة دراستهم، فمقعده فارغ في جلسات المذاكرة، ولا يستمع لمشاكلهم وخلافاتهم مع المعلمين وزملائهم، وربما لا يعرف في أي صف دراسي هم، هذا الأب الذي سعد بالجلوس في زاوية التهميش لا يعرف من يصاحب أبناؤه، ولا يعرف كيف يقضي أبناؤه برامجهم؟
      قد تتجاهلين أيتها الأُم تلك المشكلة لأي سبب كان، أما الأبناء فهم من يرشف ذاك الهمَّ فهم يفتقدون دور الأب، شأنهم شأن صديقهم اليتيم، فيتألمون ـ أيَّما ألَم ـ فالاحتياج النفسي لدور الأب احتياج فطري؛ فإن غاب فسيترك فراغا نفسيا وفجوة عميقة في قلوبهم تنعكس على سلوكهم في أشكال مختلفة: كالعناد والتحدي، أو الانطواء، أو تعمد الوقوع في الفشل والمشاكل للفت انتباه الأب.
      أيتها الأُم المناضلة لنجاح أُسرتك، أنتِ خارج قفص الاتهام، فقد تكونين قد بذلتِ جهدا لجلب أبي أبنائك إلى دائرة الضوء، فقاومك حتى استسلمتِ فكان له ما يريد، لكن عليك أن تدركي أن لهذا الموقف تبعات وإسقاطات على تربية الأبناء، فلا ترفعي توقعاتك، ولا تحاولي القيام بدور الأب، لكن ركزي على جلب رب أُسرتك لدائرة الضوء، شاركيه في هموم أبنائك واستعطفيه لتستثيري مشاعر الأبوة لديه، فتلك غريزة في نفس كل رجل، ولكن تحتاج أن تنتشليها من ركام اهتماماته الأخرى وربما من ركام حبه لذاته الذي يفوق حبه لفلذات أكباده.
      أيها الأب آن الأوان لأن تغادر زاوية الهامش وتلعب دور الأب في حياة أبنائك، فغيابك عنهم يجعلك متَّهما، وسيصدرون الأحكام عليك، وسينفذونها، وستظن أن تلك العقوبات التي أوقعوها عليك مجرد طيش منهم أو سوء تربية من أُمِّهم، لكن الواقع أنهم يعاقبونك بتلك التصرفات. ولا تقارن أُبوتك بأُبوة أبيك، فأبوك قد ربَّى رجلا يقبل أن يكون على الهامش في أهم مكان يجب أن يثبت نفسه فيه، وتذكر أن قوله صلى الله عليه وسلم ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)) فأنتَ مُساءل أمام الله، أمام أكبر محكمة ستنصب للبشر حين ينصب ميزان عدالة الحق جلَّ وعلا، فعقاب المولى على التقصير لن تنجو منه لا محالة مهما نجحت في رصد الأعذار لنفسك، وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (كفى المرء إثما أن يضيع من يعول).
      أيتها الأُمُّ لا تتعودي على جلوس أبي أبنائك في زاوية التهميش، وتألفي الحياة بدونه، ورحِّبي بعودته مهما تأخر، فذاك حق أبنائك، لتكن أُسرتك أرضا خصبة ينمو فيها أبناؤك ويثمرون خير الثمر… ودمتم أبناء قومي سالمين.

      كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية متخصصة في التطوع والوقف الخيري
      najanahi@gmail.com
      تويتر: @Najwa.janahi

      Source: alwatan.com/details/440280