سيناتورة النفاق)

    • سيناتورة النفاق)

      عندما يرى اي انسان صورة السيناتورة هيلاري كلينتون مع الصهاينة،، سواء كان ذلك اثناء مصافحتها يد الجزار ارييل شارون الملطخة بدماء الفلسطينيين، او زيارتها حائط البراق ـ في الجانب الغربي من المسجد الاقصى ـ الذي يطلق عليه الصهاينة اسم (حائط المبكى)، وقد غطت رأسها، ثم وضعت ورقة فيها صلوات مكتوبة في احد شقوقه بين الاحجار، ثم يستمع الى تصريحاتها التي تحدثت فيها عن (ادانة العنف والارهاب الفلسطيني)، والقت فيها (اللوم على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والسلطة الوطنية، تغلبه الدهشة وتستولي عليه الحيرة، اذا ما تذكر أن هذه المرأة نفسها تحدثت قبل سنوات امام مؤتمر دولي للمرأة، استضافته مدينة جنيف السويسرية، عن (ضرورة اقامة دولة فلسطينية، وان تعترف اسرائيل بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتوقف سياسة الاستعمار في الاراضي الفلسطينية المحتلة).

      والفرق بين الموقفين من الناحية زمنية سنوات، ومن الناحية المكانية اقل من ثلاثة آلاف كيلومتر، وهي مسافة تقطعها الطائرة في ثلاث ساعات، فضلا عن ان ما جرى ـ من حيث الزمن ـ مازال في الذاكرة، لكن هناك فارقا موضوعيا آخر، وهو ان هيلاري كلينتون، كانت قبل سنوات زوجة للرئيس الاميركي، ولم تكن لها صلة مباشرة بعالم السياسة، اللهم الا من خلال زوجها، اما الآن فهي سياسية منتخبة عضو في مجلس الشيوخ، عن واحدة من اكثر الولايات الاميركية صهيونية، وهي نيويورك، وقبل انتخابها كان يتعين عليها ان تمر من خلال عملية تعميد، تثبت فيها الولاء للصهيونية ، وتكفر عما مضى.

      والمعروف في مثل هذه الحالة ان الصهاينة يلعبون دور من يعمل (لهداية) الآخرين، او بالاحرى ترويضهم لاستخدامهم في التضليل، والضغط عليهم لاتباع سبيل الباطل، بما في ذلك الضغط على الآخرين، للسير فى ركابهم، ولذلك فإن استقبال شارون لها في القدس المحتلة، لم يكن مجرد لقاء مع شخصية برلمانية من دولة اخرى، تزور الصهاينة في المقر الذي اغتصبوه لنفسهم، لتهنئهم على جريمتهم، التى تتواطأ سياسة بلادها معهم في اقترافها، وانما حتى يمكن استغلال هذه الصورة، مع صورة وقوفها امام (حائط المبكى) المزعوم، لاغراض انتخابية في بلادها، حتى تستطيع الفوز في انتخابات قادمة، وتحافظ على موقعها في مجلس الشيوخ اذا رغبت البقاء فيه، او تعد نفسها للقفز منه الى موقع آخر، اذا ما سنحت امامها فرصة لذلك.

      ومن اجل تأكيد توبتها عما مضى من سالف الاعمال، استغلت هيلاري كلينتون مناسبة اعتبارها (ضيفة شرف) في مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الاميركية، الذي ينعقد حاليا في القدس المحتلة، لتشن هجوما حادا على الرئيس الفلسطيني، قالت فيه انه ( يخلف وراءه مجموعة من القتلى، والالتزامات التي انتهكها، على طول طريق كان يفترض ان يقود الى السلام، والحياة).

      واتهمت عرفات بأنه ( يستغل الاطفال لارضاء مصالحه الذاتية، ويشجعهم على السير في طريق القدس، وهم يطلقون اناشيد الاستشهاد)، وقالت انه (ينفث فيهم الحقد على اليهود، ويدفعهم الى ان يحقدوا، بدلا من ان يقبلوا اسرائيل).

      وبطبيعة الحال، فإنه من المنطقي ان تقول هيلاري كلينتون لقادة اليهود الاميركيين ما يريدون ان يستمعوا اليه، وتقوله لهم في اسرائيل، لان صداه في دائرتها الانتخابية يكون افضل، وتتجاهل ان حب اليهود الصهاينة جريمة في حق الانسانية، لانه تواطؤ مع مجرمين ينتهكون حقوق شعب بأكمله، فاسرائيل تريد من الاطفال الفلسطينيين ان يحيوها وهي تقتلهم في حاضرهم البسيط، وتقتل ايضا احتمالات المستقبل امامهم، وتحرمهم من فرصة الحياة في وطنهم، بينما تريد لشراذم الصهاينة من مختلف انحاء العالم، ان يعيشوا في الوطن الفلسطيني آمنين، وان يهنأوا بأكل (البيتزا) في مطاعم اقاموها على ارض فلسطين غصبا، وابناء فلسطين يعانون من انعدام الامن والجوع.

      ولا يهم (سيناتورة النفاق) ان تخضب يديها بدماء الفلسطينيين، اذا كان ذلك سيوفر لها فرصة الحصول على اصوات يهود نيويورك في الانتخابات، وعلى اموالهم لدعم حملتها الانتخابية، ومن ثم فانها حرصت على صب جام غضبها على كل ما هو فلسطيني، وعلى تمجيد كل ما هو صهيوني، وعلى التقاط صور تذكارية ذات فائدة انتخابية في كل مكان يذكره ناخبوها في نيويورك، حتى تضمن الحصول على تأييدهم.

      وفي المقابل فإن الصهاينة ـ وعلى رأسهم الجزار ارييل شارون ـ يشعرون بارتياح كبير، ليس فقط لانهم نجحوا في تجنيد اسم كبير في الساحة السياسية الاميركية، ولكن ايضا لانهم عملوا على ادخاله القفص، بطريقة يصعب عليه الخروج منه بعد الآن، لان مستقبلها السياسي في يدهم، وعنقها في قبضتهم، وهي تشعر انهم يستطيعون اختلاق اي فضيحة لاقتلاعها من المنصب اذا ارادوا، على النحو التحذيري الذي اتبعوه مع زوجها في فضيحة مونيكا لونيسكي، لكن هيلاري كلينتون سعيده بوجودها في مجلس الشيوخ، ففي ذلك تحقيق لطموحها، والصهاينة لسعداء بوجودها فيه ايضا، لان عملية جديدة لهم انضمت الى العصابة، وهكذا تدور دورة (البغي) في وحل الخطئية .. والله اعلم.