
هل يمكن ان يحافظ البدين على صحة جيدة؟
تجيب النظريات العلمية الحديثة بالايجاب، لكنها تشترط لحصول ذلك ان يحافظ الشخص البدين على دوام نشاطه ومواصلة تمارينه الرياضية وتحديث معلوماته الصحية من خلال المواظبة على استشارة الطبيب، ويصير الامر اكثر ضمانا لصحته اذا خلق مناخا يسمح له بمواجهة التهميش والعنصرية اللتين يعاني منهما، هذه الشروط تخوله ان يكون افضل من الناحية الصحية من الاشخاص النحيفين الذين لا يمارسون اي نشاط رياضي في ثقافة تتعلق بالنحافة.
تستدعي فكرة الجمع بين البدانة والسعادة الانتباه ولفت الانظار اليها، بل ان البعض يعتبرها ردة عما هو سائد في اوساط البدناء، اذ بالنظر الى كون ٠٣ في المائة من الامريكيين ومائتي مليون اوربي هم من البدناء وملايين اخرين لا يحصون عبر العالم اجمع، يلتزمون بنظام حمية دون ان تكلل بالنجاح في الغالب، ينبغي ان نتساءل عما اذا كنا جميعا مخطئين في هذا النظام الغذائي، فإذا كان المرء البدين يتغذى جيدا ويعمل بانتظام ويمارس الرياضة، ما الغريب اذا كان لا يناسبه سروال الجينز؟
هذا السؤال بدأ يضعه الكثير في الاونة الاخيرة، ويلقون له اجوبة تشفي قليلا من غليلهم وتعطشهم لمعرفة جميع المعلومات حول السمنة، ذلك ان ردود الافعال، التي ظهرت على صفحات الجرائد والمجلات المتخصصة الغربية خلال شهر ابريل الماضي تجاه تقرير يفيد ان الامريكيين البدناء معرضون للموت اكثر من الاشخاص العاديين، خففت من نوبات الغضب في كل مكان.
ومن غير المدهش ان تتجاهل العامة اهم نقطة وردت في هذه الدراسة، وهي تتعلق بتأثير البدانة على حياة الفرد وتحديد مصيره، لكن رغم ان العامة فهمت الامل المتجسد في النحافة من خلال الابقاء على وجبة غذاء اختيارية، بدأ الخبراء كذلك يعيدون النظر في كون البدانة عدو الصحة الجيدة، وهنا يقول ديفيد جاكوبز استاذ علم الاوبئة في جامعة مينيسوى ان يكون المرء شخصا نحيفا هي فكرة محبذة لكنها تبسيطية، اعتقد الان انه من الممكن ان يكون الفرد بدينا ومتمتعا بصحة حيدة، لا احد ينكر الحقيقة الثابتة التي تفيد ان النحافة والنشاط هما افضل سبيل لحياة اطول، اذ تؤكد الكثير من الدراسات ان الوزن الزائد لا يرتبط فقط بمخاطر يرد ذكرها كثيراً كداء السكري والسكتة الدماغية والازمة القلبية وانقطاع التنفس خلال النوم والامراض المتصلة بها، بل ايضا بالمخاطر التي لا تذكر الا في حالات نادرة كالسرطان.
ويبدو ان دراسة حديثة شملت ٢٣١ رجلا تسير في اتجاه اثبات هذا الطرح، حيث تسلم ان الرشاقة والنحافة تقلص احتمالات الاصابة بالامراض الخطيرة بينما فشلت في ربط مشكلة السمنة بمخاطر اخرى موضحة انه رغم ان البدين لا تظهر عليه اعراض المرض، سيصاب بها فيما بعد لكن في نظر كل خبير منشغل بما يحتاجه البدناء هناك اشارات تبين ان المشكلة هي في الواقع ليست كذلك، حيث توضح المعلومات التي راكمها الاطباء منذ السبعينات ان البدناء والنشيطين يتمتعون بصحة افضل من النحيفين غير النشيطين كما ان مجلة دونيواتفلند جورنال اوف ميدسن »The new england jornal of medecine« نشرت مؤخرا دراسة شملت ٦١١ الف امرأة فحواها ان النساء النحيفات غير النشيطات معرضات للوفاة قبل الاوان مقارنة بالنحيفات النشيطات بنسبة ٥٥٪ بيد ان الممارسة الرياضية لن تحقق الأهداف التي تتوخى نقص الوزن، إذ ان هذا النقص لا يرافقه تخفيض نسبة الكوليسترول والضغط الدموي حسب ما توضح اختبارات الازمة القلبية التي اجريت مؤخرا، وهنا ينبغي ان يراقب البدين معدلات الضغط الدموي ونسبة الكولسترول، وان يعالج آلام الصدر من خلال تناول الادوية التي هو في حاجة اليها، وان يعمل على تحديث المعلومات الخاصة بصحته دون ان يعمل على إجهاد نفسه خلال الممارسة. بالنسبة للعديد من الاشخاص البدناء قد تطرح الانشطة الجسدية المكثفة تحديات كبرى لكن يمكن التغلب عليها من خلال ممارسة بعض التمارين الرياضية خلال فترتين او ثلاث فترات تمتد من عشر الى خمس عشرة دقيقة في اليوم الواحد.
واذا شعر المرء بالتعب او الالم عليه ان يتوقف اذ ينبغي ان تكون متابعة التمارين الرياضية رغبة لا عقابا ومن المشاكل العويصة التي يواجهها الممارسون البدناء تلك المتعلقة بالالتهابات، خاصة تلك التي تصيب الثنايا الفخذية هذه الالتهابات يمكن القضاء عليها بارتداء ملابس تسمح بامتصاص العرق وبتجفيف الجسد من الماء بعد الاستحمام واستعمال مراهم مضادة للبكتيريا.
ربما يكون مفتاح الحفاظ على صحة جيدة عند البدين هو خلق بيئة معادية للفكرة التي تفيد ان البدناء اصبحوا اشخاصا مهمشين حجب عنهم الشعور بالسعادة، هذه الفكرة تمنعهم ايضا من تحقيق التوافق الذاتي اي العيش في سلام مع الاكراهات الجسدية الناتجة عن البدانة، وهكذا يعتبر قبول فكرة مراقبة الوزن معركة جبهاتها المتعددة هي التمارين الرياضية والتغذية والحمية الغذائية وفهم نصائح الأطباء ورغبة المرضى في محاولة أشياء جديدة تنقذهم من رتابة الحياة، وفي هذا السياق يقول الاورنس تشيسكان من مركز »جون هوبكينز« لمراقبة الوزن: يتأتى الانتصار في هذه المعركة بالاصرار والعزيمة وليس بالتسرع ومسابقة الزمن.