البيان الكوني
هذا البيان ، أرى فيه شيفرة فك رموز وروابط البنى الاجتماعية البينية وعلاقاتها بالسلطة ، وما آلت إليه عبر التاريخ البشري ، وما سيحدث وفق فهم المجتمع وتشابكه مع السلطة لفهم ما نحن عليه محليا وكونيا ، واستيعاب ما يجري معنا وحولنا ، وهذا البيان محصلة جهد سنوات عديدة ، وبعد ثلاثة كتب وضعتها هي :
1- ميكانيكا المعرفة .
2- أمريكا في طور السقوط .
3- الأس الاجتماعي .
إذ أخالف نظريات الاجتماعيين ( ابن خلدون ودورة المجتمع ، مالك بن نبي والقابلية للاستعمار ، توينبي و التحدي ، شبلنجر وأهمية العرق ، سوروكين والتاريخ ..) ، فالمجتمع لا يمر بدورة ، وإنما السلطة هي تبدأ ، تصعد ثم تنهار ، والمجتمع غير قابل للاستعمار ، وإنما سلطات تتنافس ، والتحدي من قبل المجتمع لتحقيق قانون التوازن الخاضع له م =ك الذي وضعته ، والمضاد ليصيغة السلطة م ≠ ك – س ، وليس للمجتمع أي عرق يفاضله أو يمايزه عن آخر ، وإنما تحولات ثانوية أثرت فيها السلطة ، وميزت مجتمعا عن آخر، والتاريخ هو فعل اجتماعي تتطفل عليه السلطة..
هذا البيان رؤيا مختلفة ، استند إلى آخر ما توصل إليه العلم ( فيزياء ، طب ، مجتمع ، معرفة ..) لقراءة الواقع الاجتماعي ، وأعرضه كوثيقة ، متمنيا تفنديها ودراستها من قبل الجميع ، لعلنا نستفيد منها ومن الحوار ، عسى أن نتمكن من بلوغ مرادنا بعيدا عن العصبية والعنف ، ولأن المعرفة ملك للجميع ، أضع هذا البيان الاجتماعي المعرفي بين أيدي الجميع .
أسد محمد
assadm20005@gawab.com
البيان الكوني
(الاجتماعي )
مقدمة :
إن المجتمع هو تواجد لأي شخصين أو أكثر ضمن بيئة وطبيعة حاضنة ، وتكون له خصائص أساسية ثابتة لازمة لأي مجتمع ، وسمات ثانوية متحولة حسب البيئة والظروف وتأثير السلطة التي تباين ظاهريا بين المجتمعات .
المجتمع البشري منذ وجوده حتى الآن ، مرَّ بمرحلتين :
1- مجتمع – مجتمع ( داخل – داخل ). م ←→ م= توافق
2- مجتمع – سلطة ( داخل – خارج ) . م →← س = تنافر
أفرزت المرحلة الثانية :
أ- مجتمع – سلطة ( سلطة داخلية – س.د ) م →← س . د = تنافر
ب- مجتمع - سلطة داخلية – سلطة خارجية ( سلطة داخلية س.د – سلطة خارجية س.خ )
م →← س د →← س خ = تنافر ( مجتمع يتنافر مع السلطة الداخلية ، ثم تاليا مع سلطة خارجية استعمار مباشر – من قبل السلطة الداخلية أو عبر الغزو من سلطة خارجية ، وغير مباشر- فأية سلطة في العالم هي ناهبة للمجتمع وللطبيعة ككل ، وهي في موقع صراع مع المجتمع ، أي صراع بين المجتمع وبين كلتا السلطتين ، بشكل مباشر مع سلطته ، وبشكل غير مباشر مع سلطة خارجية ، وأية سلطة أينما كانت وفي ظرف كانت هي متنافرة مع المجتمع ، ومع الطبيعة وتنهبهما ، كما أن الصراع قائم ما بين السلطة الداخلية والخارجية للاستحواذ على مُنتج المجتمع المادي والروحي ) .
*
تحليل أفكار المقدمة
- الطبيعة ( ضوء ، ماء ، هواء ..).
- البيئة ( مكان تواجد المجتمع : صحراء ، جبل ، شاطئ ..) شرط وجود المجتمع وبالمطلق الطبيعة ( لا هواء ، يعني لا حياة وبالتالي لا مجتمع ، وكذلك البيئة هي المكان الذي يتفاعل معه المجتمع بشكل مباشر ) .
- الخصائص الأساسية للمجتمع :
1- التجدد ( التناسل ..)
2- التواصل ( مع الطبيعة من أجل الهواء والماء و الغذاء ، ومع البيئة من أجل الإقامة .. ومع المجتمع الآخر من أجل تلبية الشرط الأول – التزاوج يستلزم طرف آخر ..)- فتصبح العلاقة الكونية كلها داخل – داخل .
3- التعايش ( صيغة حتمية بين المجتمع – م والطبيعة – ط التي يتطفل عليها ، وهي علاقة توافقية م ←→ ط ، وبينه وبين مكونات الطبيعة الأخرى من نبات وحيوان ومجتمع م ←→ ط بكل مكوناتها )
4- التكيف : منذ أن وجد المجتمع تم تكيفه مع شرط الطبيعة والبيئة ، وهو كيان يتكيف ضمن شروط طبيعية ثابتة ( يمكن أن يغير بيئته ، من صحراء إلى جبل أو ساحل ، لكن لا يمكن أن يغير الطبيعة – إذ بحاجة مطلقة للهواء ، بينما البيئة يتكيف معها )
5- التغير : هو قانون اجتماعي ، المجتمع يتميز عن بقية مكونات الطبيعة بالتفكير والقدرة على العمل، وهما سمتان اجتماعيان أساسيتان : التفكير حالة ذهنية يتوحد الإنسان من خلاله مع الطبيعية وله وظيفة أساسية – التوازن الروحي والجمالي مع محيطه ومع الكون ( يستمتع بالجمال دون الحاجة لتجسيده ، وروحه في كمال غير مضطر لبناء معابد يعبر فيها عن قصور في كماله الروحي ، والفن والجمال والمعتقدات التي جاءت لاحقا هي محاولة فاشلة لملئ النقص الذي حدث له فيما بعد )
وظيفة العمل : تأمين حاجة الجسد ( طعام ، شراب ، مسكن، جنس ..) من الطبيعة ،
عمل الطبيعة + عمل الجسم = كفاية الجسم ، وهي مؤمنة بالمطلق ، وهي أمنت له سلفا كل ما يحتاج ، وفق صيغة :
- الوفرة المطلقة ( للمجتمع فائض في كل شيء من ماء وهواء وغذاء ) حيث كوكب الأرض هو وطنه ، وهويته إنسانية ، يعيش في سلام وآمان وتوازن روحي ومادي .
- الكفاية المطلقة ( كل ما يريده يتوفر له ماديا وروحيا )
وفق معادلة اجتماعية ثابتة م = ك
حيث:
م – مجمل ما تنتجه الطبيعة .
ك – كفاية كل مكونات الطبيعة ( مجتمع ، نبات ، حيوان ..)
مرحلة المجتمع الطبيعي ، وهو مجتمع متسق ، متفق مع ذاته ومع محيطه ، ومتوازن ، سلمي ، آمن ، مكتفي ماديا وروحيا .
لم يكن مضطرا لبناء القصور والقلاع وحصون الدفاع وجمع الذهب وبناء المعسكرات للدفاع عن شيء هو للطبيعة الأم ، هو للكل ، ومتاح للكل ، وبالتالي المجتمع الطبيعي المتوازن لم يضطر لترك ثقافة وفكر ونتاج ناقص يعبر عن أزمته في مرحلة لم يكن لديه أية أزمة .
السمات الأساسية هي لازمة لأي مجتمع في الكون أينما كان وفي أي ظرف كان ( لا تزاوج يعني لا مجتمع ، لا تواصل يعني لا مجتمع ..) ، وأي مجتمع هو يتجدد بالمطلق ( يتزاوج ) و إلا ما كان .
أما السمات الثانوية ، فعلى عاتقها وقع التباين بين مجتمع وآخر دون أن يكون لها أي بعد تصادمي ، إذ بقيت وتبقى وستبقى العلاقة الاجتماعية م ←→م = توافق ( داخل – داخل ) ثابتة بالمطلق ، أم التباين ، الذي نتج عن سمة المجتمع التكيف والتغير ، لم يؤثر على المجتمع وخصائصه الأساسية ، وإن لعب :
أ- العمل .
ب- التفكير .
دورا فيه ، لكنه لم يكن أساسيا ، وهاتان السمتان الاجتماعيتان موجودتان وقابلتان للتحول والتغير ، والتباين فيما يخصهما ، وقابليتهما للتحول هو الذي أسهم في حدوث التباين الاجتماعي الايجابي في العالم ، والذي حافظ على صيغة اجتماعية توافقية كونية ثابتة ولم تتحول أو تتبدل ، بينما التبدل السلبي الذي حدث لاحقا نتيجة صراعات متلاحقة ومتتالية ، كان نتيجة :
أ- السلطة ( دور أساسي ) نتيجة الصراع والأزمات والحروب والنهب والتخريب والتدمير ..
ب- البيئة ( دور ثانوي ) – التحولات البيئية يعود جزء كبير منها للسلطة نتيجة النهب والسرقة والتخريب .
عودة إلى المقدمة :
- مجتمع – سلطة ( داخل – خارج ) . م →← س = تنافر
هذه الصيغة تطرح عدة أسئلة دفعة واحدة :
1- ما هي السلطة ؟
2- كيف تشكلت ؟
3- أين ذهبت صيغة المجتمع : م ←→ م= توافق ؟
4- ما هي دورة السلطة ؟
5- ما واقع المجتمع وخصائصه الأساسية والثانوية بعد ظهور السلطة ؟
للإجابة على هذه الأسئلة يحتاج الأمر إلى تحليل دقيق لبنية المجتمع ، ومراحل تطوره ، وإن كنت قد عرضت بسرعة م= ك ، وهي معادلة المجتمع في دورته الخاصة به ، مجتمع متوازن ، طبيعي ، مكتفي ....
حدث أن تغير المجتمع تحت بند التغير ، وقابليته للتحول ضمن بند الإنتاج : العمل والتفكير .
إذ ، قام الجسم باستغلال قواه الميكانيكية ، في لحظة حاسمة من مراحل تغيره ، ونقطة تحول رهيبة ، وحول جزءا من مُنتج الطبيعة لصالحه بعد أن أضاف إليه قوة عمله ، وعمله الذهني ، بعدما كان العمل الذهني متوحد مع الكون، وكذلك الحواس تقوم بوظيفة تدبر حاجة الجسد ، وصلة وصل لتأمين قنوات التوحد بين العالم الخارجي والداخلي ، فحدث الانفصال ، وفصله عن الطبيعة الأم ، فحدث :
كان عمل الجسد + عمل الطبيعة = يؤمن كفاية ووفرة للجسد وبالمطلق ( عمل غريزي، خاصة بالحيوان وبالبشر ، يتناول من الطبيعة حاجته ويكتفي ) لكن الانقلاب الذي حدث ، هو : عمل جسد + عمل الطبيعة + عمل ذهني ( صيغة خاصة بالبشر، إضافة قوة التفكير إلى العمل )، كلها شكلت قوة واحدة وأحدثت تراكما في العمل ، أخذه لصالحه ، لذاته ، حول ما هو موضوعي وللكل ، إلى ذات خاصة به ، بمعنى ولادة الملكية الخاصة ، بنهب عمل الطبيعة ويخص به ذاته بعدما كان للكل ، هذا العمل نقل الإنسان من مرحلة العمل الإيجابي ، والتفكير الإيجابي ، إلى مرحلة تالية :
أ- ولادة الملكية الخاصة ( تراكم العمل ) وأول عمل نتج عن مزج أعمال هي : عمل الطبيعة + عمل الجسد + عمل ذهني ، بعدما كان عمل الطبيعة + عمل الجسد ( كفاية غريزية من طعام وشراب وجنس وسكن ..)
ب- دخول العمل الذهني في ميكانيكا العمل و في معادلة الإنتاج المادي المباشر ، بعدم كان متحررا من ذلك ،ولم يكن هناك من دواعي له ، كون الجسد مكتفيا .
ت- ما كان للكل ، أصبح مجزءا و مجتزءا .
ث- الذين حرموا من الملكية العامة التي كانت وفق معادلة م = ك ، والوفرة والكفاية ، اضطروا لاسترجاع ما أخذ منهم ، وبمعاونة الطبيعة نفسها ، التي لا تقبل بقوانين دخيلة عليها، ولا يمكن أن تصح .
ج- محاولة المالك الخاص الدفاع عما نهبه ، فاستأجر من يعاونه ويدافع عن ملكيته ( ولادة الحراس أو الحماة ولاحقا الجيوش ) مقابل عمل يدفع لهم ، ولادة ( العمل المأجور ) ، بعدما كان الإنسان حرا وبالمطلق ضمن صيغة المجتمع الطبيعي م = ك
ح- الحراس ، احتاجوا إلى مقابل ، والمقابل ، احتاج إلى زيادة في العمل ، والزيادة في العمل جاءت عن طريق استغلال عمل آخرين واستغلال قوى الطبيعة والحيوان والإنسان .
خ- انقلاب في وظيفة العمل الذهني : بعدما كان متوحدا مع الطبيعة ومتوازنا ومستقرا ، أصبح يقوم بدور في :
- كيفية الدفاع عن الملكية الخاصة .
- كيفية إضافة عمل إلى العمل .
- كيفية الحفاظ على اللاتوازن القائم ، ومنعه من العودة إلى التوازن الذي كان عليه .
- كيفية التوجيه والتدبير والتحليل والرصد والمساعدة ...
بكلمة أخرى ، استعبده الجسد ، فالعمل الذي انفصل عن الطبيعة ، وأصبح : عمل مجتمع + عمل طبيعة + عمل ذهني ( النشاط الذهني شرط أساسي في إنتاج العمل ، مثلا الحيوان يحس ويرى ولديه قوة عمل جسدية ، لكنه لم يتمكن من تراكم العمل ، لأنه لا يفكر ، فشرط العمل هو إضافة النشاط العقلي أو الذهني إلى عمل الجسم وعمل الطبيعة وبمساعدة الحواس )
العمل الإيجابي : هو عمل جسد لتلبية احتياجاته من منتج الطبيعة (عملها ) ، وفق صيغة مجتمع طبيعي م = ك ، حيث لا تراكم ولا عمل مأجور ، ولا ملكية خاصة، والتفكير متوحد مع الكون في وظيفة تكاملية خلاقة ، لا علاقة لها بالغريزة .
العمل السلبي : هو العمل الذي شكل تراكما ونتج عنه عمل مأجور ، وأقحم الذهن أو العقل في عمل غريزي ودعمه ، والتخطيط له ، واستغلاله ، بمعنى آخر ولادة السلطة ، ونقل المجتمع من مرحلة التوازن إلى اللاتوازن .
السلطة : هي مكون متطفل غير قادر على الإنتاج مثل الفيروسات ، تتطفل على قوى أخرى تنتج ، متمثلة في الحراس والمعاونون والملاك ، الذين اعتمدوا لاحقا على جهد الطبيعة وجهد المجتمع في الحفاظ على وجودهم .
وما أخذته السلطة من الطبيعة أحدث خللا في المعادلة الاجتماعية م= ك لتصبح ، صيغة المجتمع بعد السلطة هي :
م ≠ ك – س
حيث :
س – مجمل ما تأخذه السلطة من المجتمع ومن الطبيعة .
وكلما أخذت السلطة أكثر وضغطت على المجتمع ، عبر العنف والقوة والتطويع والترهيب ، ودفعت به للعمل ، اضطر المجتمع لنهب الطبيعة ليؤمن ما يلي :
1- حاجته لكي يستمر.
2- حاجة السلطة .
وتخضع المجتمع لبند التغيير ، الذي هو بند قسري ظهر لاحقا وطارئا على المجتمع وليس له أية علاقة به ، تمارسه السلطة ضد المجتمع ليتغير ويستجيب لها ( ماديا وروحيا ) وكلما ازداد عمل المجتمع ، قويت السلطة واحتاجت أكثر ، فيعمل ويجهد نفسه ، وتصبح السلطة أكثر ( مركزية ، هرمية ، قوة ، بطشا ، ضبطا ..) ويتراكم العمل ، يتوسع الجيش ، والجهاز الإداري ، ويحتاج أكثر، وتضطر السلطة إلى نهب عمل المجتمع ، وتمر بمراحل ثلاث :
أ- أضعف من المجتمع ( إنتاج المجتمع يزيد عن حاجتها ، وقدرته على تجديد نفسه تكون أفضل )، وعلاقة قريبة من الطبيعية .
ب- متوازنة معه ( مجتمع يكفي حاجاته بشكل متوازن ).
ج- السلطة أقوى من المجتمع ( قوية جدا ومركزية ومتحكمة ) الكفة في السيطرة على العمل المادي والروحي لصالحها ، يضعف المجتمع وتقوى ، ويعجز المجتمع عن تلبية احتياجاتها ، وهي تمر بالمراحل التالية :
أ- بداية : مجتمع قوي – سلطة ضعيفة ( العلامات : وفرة ، كفاية ، ازدهار ، لا عنف ، أمن ، سلم أهلي ، توافق ...)
ب- صعود وقوة : توازن سلطة – مجتمع (علامات : سلطة تتحكم ، جيش ، بوليس ، سجون ، ضبط ، خوف ، رعب ، مجتمع قلق ، منحل ، سلطة قوية وضابطة للمجتمع ..)
ج- السقوط : ( جيش هائل وفائض ، يسطو ، يتوسع في الخارج ، يخضع المجتمع له ، فقر ، مجاعة ، فوضى ، حروب ، أزمات ، جهاز بيروقراطي ضخم ..)
يكون السقوط من الداخل حيث لا مجال للتوسع ، لا توجد إمكانيات وشروط التوسع ، أو تتوسع وتموت تحت ضربات الداخل والخارج وتنهار السلطة ويبقى المجتمع .
فعندما تتوفر إمكانيات التوسع وشروطه ، تنقاد لها وتبحث عما تريد في الخارج ، من مجتمع آخر ، الانتقال من مرحلة السلطة الداخلية إلى الخارجية ، أي ولادة السلطة الخارجية ( الغزو ، الاستعمار المباشر وغير المباشر ..) ، والتي تدفع قواها العسكرية والمالية لنهب مجتمع آخر :
وتصطدم مع :
1- سلطة ذلك المجتمع .
2- مع المجتمع نفسه الذي غزته .
3- يستمر صراعها مع مجتمعها .
ومن يملك قوة أكبر بين السلطتين الخارجية والداخلية ( تراكم عمل أكبر) ينتصر في المعركة ، وفي حال فوز المهاجم مثلا ، ويستعد لنهب المجتمع الذي احتله فيدخل معه في صراع ينتهي بهزيمة السلطة ، لأن أي صراع بين سلطة ومجتمع تنهار السلطة ، وأي صراع بين سلطة وسلطة ، تسقط السلطة الأضعف .
ما أسماه الباحثون في علم الاجتماع : دورة الحضارة : بداية ، صعوط ، هبوط ما هي إلا دورة السلطة ، وليس للمجتمع أية علاقة بالسلطة غير العلاقة التنافرية ، وهو يسير وفق خط مستقيم بدأ ومستمر ، السلطة تبدأ ، تقوى ، وتنهار ، بفعل الأسباب التالية :
1- عجزها عن الإنتاج – كيان متطفل .
2- مقاومة المجتمع لها .
3- مقاومة الطبيعة لها .
4- وأسباب ثانوية كهجوم سلطة أخرى عليها وتحطيمها .
هكذا أكون قد عرضت كيفية تشكل السلطة وماهيتها ، لكن الأسئلة الأخرى ، فمن الضروري الإجابة عنها وفق التحليل أعلاه :
- أين ذهبت صيغة المجتمع : م ←→ م= توافق؟
هذه الصيغة الاجتماعية ، هي صيغة ثابتة ، لا تتبدل ، والمجتمع يبقى يسير في جوهره ويتغير ظاهريا رغم كل ما يتعرض له من ضغوط من قبل السلطة ، وكلما نهبت منه أكثر يعمل على التعويض عما تسرقه ، ففي عصر الرق واستغلال قوى الإنسان ، طور المجتمع أدوات اجتماعية مضادة للسلطة ، وتمكن من تطوير أدوات الإنتاج من الطبيعة واستغلال الحيوان وغير ذلك ، لسد ما تنهبه السلطة ، المقدار الذي تسرقه السلطة يضطر للعمل من أجل أبقاء معادلته م= ك مستمرة وهو خاضع لها ، ويواجه بها صيغة السلطة م ≠ ك – س ، بمقدار ما تنهب ، يعوض الحاجة اللازمة لبقائه موجودا ( وجود المجتمع دليل على قدرته على التجدد والحفاظ على هذه السمة الجوهرية ) ، ويضطر لتطوير وسائل وأدوات الإنتاج ، لكن السلطة التي تخضعه إلى حرب في لحظة من أزمتها مع عدم القدرة على توفير ما تحتاج ، ونهب المجتمع الذي يعجز عن تلبية احتياجها ، فالأزمة :
- بينها وبين المجتمع تصل ذروتها .
- أزمة داخل المجتمع ، ويعجز عن تلبية ما تريد .
فتنهار ، ويستمر المجتمع ، بشكل آخر محتفظا بما أنتجه كقيم اجتماعية وتنهار قيم السلطة ، والمجتمع الذي تسقط سلطته القوية ، يكون :
- أضعف .
- متعبا .
- مشتتا
- تستهدفه سلطات أخرى مجاورة ( الغزو من الخارج)
- أقرب إلى توازنه م= ك
ويدخل في مرحلة أخرى ، إما يستعيد نشاطه ، أو يلحق به الأذى من سلطة خارجية،أو تتشكل سلطة جديدة ، ويستعد لضرب أية سلطة داخلية أو خارجية ، وينجح بالمطلق في ذلك .
وهكذا دواليك : لتكون دورة سلطة جديدة : بداية – صعود – انهيار ، للسلطة ويبقى المجتمع – ضمنا- خاضعا لقوانينه الخاصة، وليس لديه أية دورة خاصة به ، وإنما تحولات ثانوية ظاهرية إثر خاصية التغير الطبيعية ( العمل الجسدي ، النشاط الذهني )
هذا هو الجواب على دورة السلطة .
أما السؤال عن واقع المجتمع وخصائصه الأساسية والثانوية بعد ظهور السلطة، فيما يخصه ، أولا الخصائص الأساسية ثابتة لا تتغير ، وتاليا الذي يتغير هو التأثير على خصائصه الثانوية ، ويتم تطبيق بند التغيير عليه من قبل السلطة ، فيظهر ما يلي ( ثقافة مختلفة ، هوية ، تقسيم أرض ، وطنية ،شعارات ، أغنياء وفقراء ، أمية وجهل ، لغات مختلفة ، لهجات ، مهن ، عادات وتقاليد ، أديان متباينة ، تقسيم أراضي ، أسلحة مختلفة ..) كل ذلك هو تغيرات ثانوية من قبل المجتمع يختلط معها التغيير السلطوي ، إذن السلطة غير قادرة على التأثير على الخصائص الأساسية للمجتمع ، وإنما على الخصائص الثانوية فقط ، وهي تؤثر بالضرورة سلبا وتحول العمل جزئيا من إيجابي إلى سلبي ( الحرب ، الأزمات ، الصراع ، تخريب الطبيعة ، تدمير البيئة ، الكراهية ، العنف ، القسوة ، البوليس ، الجيش ، السجون ...)، وهي في ذلك تسئ للمجتمع ، وتدمر ذاتها ، لأن العمل السلبي الذي يؤخذ من المجتمع ، يجعل المجتمع في مرحلة تالية عاجزا عن الإنتاج الضروري لها فتسقط .
عمل المجتمع في جزء منه يستخدمه :
1- لمواجهة السلطة : وهو يواجهها جزئيا ، أي يستخدم قسما من العمل ضد السلطة ، وهو قادر على إسقاطها في أية لحظة يخطط لذلك عبر التوقف عن العمل الذي تتطفل عليه السلطة ، ويمنع الإمداد عنها ( الإضراب والتوقف عن دفع الضرائب ، التوقف عن الذهاب إلى الجندية ، الامتناع عن الانخراط في مؤسسات البوليس لحماية مؤسساتها ، التظاهر ..) ما إن يقوم بذلك حتى تنهار وتسقط ، والتاريخ شاهد على ذلك وحافل بالوقائع ( تحرير الهند من سلطة لندن سلميا ..) ، والسلطة تهجم على المجتمع فقط عندما يهدد إحدى عناصر وجودها ( الجيش والثروة ) ، وهي تضرب دون رحمة كل من لا يخدم الجندية أو لا يدفع الضرائب ( الأمر يتعلق بحياتها ) والمجتمع يقاوم السلطة جزئيا، وقد تمكن من الانتقال من سلطة الرق ( سلطة تستغل العبيد ، مقابل مجتمع يستغل طاقة الطبيعة لتعويض ما تنهبه السلطة ) إلى سلطة الإقطاع ( سلطة تستغل الفلاح والأرض مقابل مجتمع يزرع لكي يسد ما تنهبه السلطة ) إلى سلطة الرأسمالية ( سلطة تستغل الآلة مقابل مجتمع طور أدواته وأبدع الآلة لينتج ويكتفي ويوفر ) إلى ما بعد السلطة أو المجتمع المعرفي ( سلطة تنهار يقابلها مجتمع يعتمد على الذهن في الإنتاج ) الحالي عبر صراع مع السلطة ، كلما واجهته ، وقويت عليه ، يتمرد عليها ويعبر إلى مرحلة جديدة الهدف منها الخروج من سيطرتها وقانونه في ذلك م= ك ، وتحت تأثير عطالته الذاتية ، إذ لا يمكنه أن يكون غير متوازن ، مدفوعا بقوة عطالته الذاتية نحو توازنه ، وحسب كل عصر مرّ فيه ،يطول أو يقصر عمر السلطة ، كانت طويلة في عهود الرق ( الرومانية ) ثم أقصر في عهد الإقطاع ( الأوربية الوسطى ) ثم أقصر في عصر الآلة ( البريطانية العظمى ) . سقطت سلطة لندن الرأسمالية ، وبقيت الآلة للمجتمع الذي أنتجها ، وهكذا ما ينتجه المجتمع يبقى له .
وتسقط السلطة مع أدواتها ( الجيش ، التمركز ، ثقافة العنف والسطو والنهب والقتل والتدمير والتمايز بأشكاله المختلفة ..)
الإقطاع هو عصر لسلطة مالكة للأرض ، بينما العمل في الأرض هو ابتكار اجتماعي لسد حاجة المجتمع وتحقيق ما كان عليه من وفرة وكفاية ، والسلطة الإقطاعية تطفلت على الأرض وقسمتها وشكلت طبقتين : مالك الأرض والفلاحين الأجراء ، واستغلتهم شر استغلال ، كان عصر الإقطاع ، وانهار عندما قويت السلطة وتمركزت وتحكمت ، وعجز المجتمع والأرض عن تلبية احتياجاتها فانهارت ، وفي فترة من توازن اجتماعي ونشاط اجتماعي فعال ، طور المجتمع أدواته وأنتج الآلة ليحقق الوفرة والكفاية ، لكن السلطة تطفلت على العمل ، الذي يتميز بأنه ( تراكمي ،كمي ، مركزي، قابل للاستحواذ ..) وكونت سلطة رأسمالية مضادة للمجتمع ، فاضطر المجتمع لمتابعة تطوير أدواته وخلق بنية مختلفة وجديدة للعمل ( عمل غير تراكمي ، لا كمي ، لا مركزي ..) فكان العمل الذهني المعرفي الذي أحدث ثورة مضادة في وجه السلطة ( ثورة معرفية ، اتصالات ، خدمات ، الرجل الآلي ، تقانة المعرفة ..) مجتمع معرفي جديد ، سمة العمل فيه :
- لامركزي .
- لا كمي
- لا تراكمي
- أفقي
-اجتماعي
- لا يمكن للسلطة الاستحواذ عليه .
- كفاية .
- وفرة
- م= ك ، فيه محققة
بمعنى أدق العودة إلى بدء ، إي إلى مجتمع طبيعي ، حر ، خال من السلطة ومن تأثيراتها .
كم العمل في عصر الرق كان قليلا ، فاحتاج المجتمع إلى وقت أطول للانتقال إلى عصر تالٍ ، وفي عصر الإقطاع كان الكم أكبر لأن القوى المنتجة تضاعفت ( المجتمع ، المحراث، ترويض الحيوانات واستغلالها في الفلاحة والنقل والزراعة ..) فكان العصر أقصر من الرق ، ثم عصر الآلة ( كم الإنتاج هائل ، وتحكم المجتمع أقوى ، وقدرة السلطة على السيطرة أقل ) فحدث تسارعا في سقوط السلطة ، والانتقال إلى مجتمع المعرفي حيث يتم حاليا دحر السلطة كليا وإزاحتها عن كاهل المجتمع .
2-العمل لتنمية ذاته : وهذا الكم من العمل غير كبير جدا ، وما تستهلكه السلطة أكثر بكثير من حاجة المجتمع لتنمية ذاته ، حسب قانون التغير الطبيعي ، إذ التغير لا يحتاج إلى كثير من الطاقة ، بينما قانون السلطة – التغيير- يحتاج إلى كم هائل من قوة العمل ( الطبيعة والمجتمع ) ، لأنهما يمانعا ، ويواجهان ، وبالمقابل السلطة تبطش ، وترغم ، وتمارس العنف ، وتقف في وجه صيرورة الحياة الطبيعية ، لكي تتمكن من:
أ- الضبط ، وتجعل المجتمع وفق ما تريد ، تأخذ منه دون مقاومة ( سلطة توليتارية شمولية ) لا يمكن للمجتمع أن يشارك بأي شيء أو تضبط جزئيا ( سلطة ليبرالية ) حيث يمكن للمجتمع أن يعترض جزئيا .
ب- الاستمرار ، سلطة شمولية عمرها أقصر من الليبرالية ، لأن حجم نهب الأولى أكثر بكثير من الثانية ، فيكون التخريب أكبر، والسقوط أسرع.
السلطة تدمر وتخرب في الحروب والأزمات من أجل التغيير القسري لكي ترهب المجتمع ويسكت عما تنهبه ويقدم لها ما تحتاج ، وبالتالي بقاء المعادلة م= ك غير محققة بكل أبعادها(المادية والروحية ) ، وشرط المجتمع هو التغير وليس التغيير ، وهو يعمل باستمرار لتحقيق ذلك ، ويحتاج إلى وقت طويل ، فالسلطة تستعجل فتمارس التغيير ، وللمجتمع نسقه طبيعي وفق قوانينه الخاصة به ( تغير ، تطور ، تكيف ..) وتمكن بالفعل من تطوير وسائله باستمرار ، للوصول إلى نسق اجتماعي طبيعي متجاوزا السلطة ، حيث البؤر الاجتماعية العالمية التي تتشكل حاليا ، وتأخذ طابعا اجتماعيا منظما ، تتسم بأنها:
- توافقية
- لامركزية
-لا هوية وطنية لها وإنما هوية اجتماعية ( كتاب بلا حدود ،أطباء بلا حدود ، مجتمعات مناهضة للعولمة ، حركات البيئة ، النقابات ، الحركات المناهضة للحرب ...)
- أفقية .
- غير مسلحة .
- الثروة لديها غير ممركزة .
- لا تقبل بالسلطة .
- فعلها سلمي ، كوني .
- الانتقال من صيغة السلطة داخل – خارج إلى صيغة المجتمع داخل – داخل .
مثل هذا المجتمع الذي يستعيد المبادرة ، ويتوازن ، فذلك هو نتيجة طبيعية لنضال طويل مضاد للسلطة ، أينما كانت وفي ظرف كانت أو ستكون ( داخلية أو خارجية )