بقلم الباحث عن المجهول/ arabic100
هكذا هو الزمان...!!
هكذا هو الزمان...!!
"" الزمان غير متناه، أزلي أبدي، وعندي الأن يلتقي الأزل والأبد، الماضي اللامتناهي والمستقبل اللامتناهي"". نيتشه
"أجد نفسي مذهولا وأحيانا سعيدا بأنني أحاول أن أرى الوجه الأخر للزمان، ليست صفة ديمومية أو نرجسية بل على ما أحسب أنها صفةإنسانية قد تخصني مثلما تخص وخصت غيري... مع ذلك فأنا أحب الزمان برغم أنه هو من سيجعلني أرى نهايتي ذات يوم..""arabic100
لم أستطع أن أكتم تفكيري عن شيء إسمه الزمان، وكم من الأيام التي هي قد مرت ولكنني كنت في لحظاتها أفكر في معنى الزمان ... وماهيته المخفية... ليس إقتناعا مني بأنني مهتم جدا بهذا بكوني مؤمن بحقيقة الكون والتي هي علمها عند ربي، ولكن سأعتبر شغفي بالسؤال لهو فضول يمارسه العقل. لعل للإسباب مخارج كثيرة لذلك ربما لحبنا أن لا تمضي أيامنا وخصوصا الرائعة منها وربما بسبب إدراكنا بأن الزمان لهو عدونا الأول والأخير الذي سيقضي على أحلامنا وأمالنا ليجعلنا أمام أمر واقع وهو " عذرا أيها الإنسان لقد إنتهى زمنك ... "
أعرف حق الإدراك بأنني لست الوحيد الذي يفكر في معنى الزمان وماهيته. بل طالما وعلى مر التاريخ والعصور أدرك الفلاسفة والمفكرين والعلماء هذا السؤال والبحث عن ماهيته ومفهوم الزمان.. ولو حاولنا أن ننظر نظرة بسيطة لنافذة التاريخ لوجدنا بأن هناك الكثير من التساؤلات والتأملات التي أدركها بنو البشر على مر العصور. ففي الأساطير اليونانية القديمة تروي القصص أن كروتوس إله الزمان، أما الفيلسوف أرشميدس يعتقد أن فيض أو سيل الزمن ليس حقيقا، بمعنى أن حقيقته ليست أساسية للأشياء، هذا بالإضافة إلى أنه وراء فكرة التخلص من الزمن تماما وذلك باعتبار أن الزمن ليس له وجود حقيقي كبقية الأشياء الأخرى. أما الفيلسوف برامنديس فيرى أن الواقع الفيزيائي المطلق هو "لا زمني" بينما يعتقد هيراقليطس بأن العالم ليس إلا مجموعة كلية من الأحداث والوقائع وليس شيء آخر. النظرة الأفلاطونية للزمن تقول بأن الزمن لا يمكن تصوره بدون الكون والعكس صحيح هذا بالإضافة إلى المكان فهو مغاير تماما بالنسبة للزمن فالأخير شرط أساسي للوجود ومن ثم سابق عليه، وهو الذي بالتالي يؤدي إلى خلق الكون. فأفلاطون يؤمن بترابط الكون والزمن ويعتبرهما غير منفصلين، أما أرسطو فهو يضيف إلى هذا الترابط، فكرة الحركة وعن طريق الحركة يمكن الوصول إلى الزمن وعلى حد قوله " فالحركة تغير فيزيائي، أما أن يكون بطئيا أو سريعا، منتظما أو غير منتظم، فهذه جميعا تعرفنا بالزمن ولولا الحركة لبقي الزمن عقيما".
بكل تأكيد لا بد لنا أن ندرك بأن الزمن له تقاسيمه والتي هي الزمن السيكيولوجي والزمن الرياضي والزمن الفيزيائي. ففي الزمن السيكولوجي وكما أراد علماء النفس أن يفسروا معنى الزمن، يرون بأن الزمن ليس الإ تصور ذهني بالطبع يرتبط بالحركة والحياة وعمل المخ، فعالم النفس جانيت يرى أن الزمن ما هو إلا تركيب ذهني فكري ليس غير. نعم بكل تأكيد أعتقد بأن ما فسره علماء النفس يبدوا بأنه قريب جدا من التفسير المنطقي، ولي مثال على ذلك أستطعت أن أستنتجه بنفسي وهو عندما ننام هل فعلا نحس بالزمن ؟؟؟ لا أعتقد ذلك بل نحن ننام وعندما نستيقظ بعد ساعات طويلة لا نكاد أن نصدق بأننا قد نمنا مدة طويلة بل كأنني نمنا ثواني بسيطة ، هكذا تكون نظريات العلماء تثبت صحتها في أمر واقعية تحصل في حياتنا العادية ، بحيث أن إحساسنا بالزمن مرتبط جدا بعمل المخ والذي هو مرتبط بالحياة والحركة، فعندما ينام الإنسان يكون جهازه العصبي في حالة ركود ولا يعمل بالشكل العادي، لهذا نحن لا نحس بالزمن، كذلك الحال للإنسان بعد أن يموت فأن إحساسه بالزمن ينعدم وهناك الكثير من الأدلة القرآنية الدالة على ذلك والآية التالية من سورة الروم رقم 55 يقول الله تعالى فيها (يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ) ... بحيث أن أولئك الكفار ما أن يقوموا من قبورهم لا يكادون يحسون بأن هناك كان زمن قد ضمهم بل يكادون أن يعتقدوا بأنهم لبثوا ساعة واحدة.... والله تعالى أعلم ...
الزمن الرياضي والفيزيائي هو تصوير الزمن كمحل هندسي. لقد جاء في " النظرية الحدسية" للرياضيات للمنطقي والرياضي الهولندي بروير من خلال نسقة الذي صاغه للأعداد الطبيعية على أن هناك تنوعا بل تعدد الفترات الزمنية والتي هي الأساس الأولي للحدس عند الفكر البشري. والجذور الحدسية عند بروير تمتد إلى الفيلسوف الألماني كانت kant الذي أعتبر المفاهيم الحسابية ناتجة من العدد نفسه وذلك من خلال إضافة الوحدات الزمنية المتعاقبة. فالنسق الكانتي حول الزمان والمكان كان له الأثر الكبير على مشاهير وكبار رياضي النصف الأول من القرن التاسع عشر وبالذات عندما قرأ الرياضي الإيرلندي الشهير هملتون أمام الجمعية الملكية الإيرلندية الآتي : " كما أن الهندسة علم رياضي بحت يخص المكان فلا بد أن هناك علما رياضيا آخر يخص الزمان، هذا العلم هو الجبر". لقد أصبح الزمن عامل بناء وكبير جدا في النظريات الرياضية والفيزيائية والكل يعرف على ما أعتقد هذا القانون الشهير ( V=s/t) أي أن السرعة تساوي قسمة المسافة على الزمن . وهناك أيضا قضية شائعة في الفيزياء الرياضية تعرف " بمفارقة الكرة المهتزة" والتي تنص على الآتي : "لنفرض أن كرة ما قذفت إلى أعلى بسرعة ابتدائية قدرها "v" في إتجاه الجاذبية ، ولتكن عجلتها "g"، إن معامل الاهتزاز بين الكرة وسطح الأرض هو "e"، و "t" الزمن الذي تستغرقه الكرة حتى تصطدم بالأرض، والذي يمكن التعبير عنه بالعلاقة 2v/g.
أما مجموع الأزمنة التي استغرقت حتى تصل سكون الكرة على سطح الأرض، مع افتراض لحظية كل من اصطدامها أو اهتزازها، ويمكن التعبير عنه بالمتوالية التالية: t=2v/g(1+e+e2….)=2v/g (1/1-e)
أخواني وأخواتي... لا أعتقد بأنني سأوفوي بشرحي هنا كل شيء التفسيرات الفيزيائية والرياضية عن الزمن، ولا ننسى بأن أعظم النظريات التي تبنت الزمن ودرست خصائصها وكانت أصلا مبنية على أساسها العجيب هي النظرية النسبية المشهورة للعالم الفيزيائي الكبير ألبرت أنشتين والتي سأجد لها وقتها للشرح في محتاجة للكثير من السطور لكي أكتبها وأشرحها.
أما الآن سأنتقل بكم لنقطة آخرى ستبين مفهوم الزمن في الأدب والفن وبالتحديد لعباقرة الأدب والفن... فمن كتاب الشاعر بابلو نيرودا والذي هو بعنوان 100قصيدة حب ... يقول في إحدى قصائده والذي كان الزمان في مفهومها ( لا يكفيني الزمان كله لاطراء شعرك. لهذا اغني للنهار، للقمر للبحر للزمن، لجميع الكواكب السيارة لكلماتك الساطعة، لشهوتك الليلية ستمضين، سنمضي معا، على عباب الزمن ) ..... أما لو جئنا لعبقرية شكسبير وهي تفسر وتشرح بل تفكر في معنى الزمن لنجد ذلك في أبياته التالية:
كيف حال الزمان، الآن يا سيدي؟
ألم تبصر الزمان بعينك أنت؟
فشكسبير هنا يتسأل عن حال الزمان، فالزمان بات لا يبصر، إن احدا لم ير الزمان، وليس ثمة زمان معين يمكن رؤيته، إذن شكسبير شعوره هنا يتمثل في كون الأوصاف تعجز عن بيان حال الزمان، لأن حالة تعني معرفة خصائصه وطبيعته، وهذه بالتالي مسألة فيزيائية بحتة لم تحسم إلا حديثا..!!
سأخذكم إلى طلة أخرى لأبيات عظيمة ورائعة بل خالدة وهي آبيات قالها شاعر الهند الكبير طاغور والذي عنى فيها الزمان وجاءت كالأتي:
إن الزمن غير متناه في يديك، يا رب، ليس ثمة أحد يحصى دقائقك.
إن الأيام والليالي تتعاقب، والأعمار كالزهور تتفتح وتذوى، لقد عرفت كيف تنتظر.
إن القرون تترادف ليتيسر لها أن تهب أسباب الكمال لزهرة نحيلة وحشية.
ليس لدينا وقت نضيعه، لأنه ليس لدينا وقت، فعلينا أن نسعى لنبتهل فرص حظوظنا، وأننا لا مفر من أن يتاح لنا أن نتخلف.
في المساء، أحث الخطاء لئلا أجد رتاج بابك موصدا، ومع هذا فأنني أجد الوقت لم يفت بعد.
قلمي طالما أراد أن يفسر الكثير والكثير من مفهوم الزمان والذي أستطاع أن يأخذه من فكري السابح، لكن أعذروني لن أعطي مفهومي الشخصي البحت هنا، بكون ذلك أحد إنجازاتي التي أحتفظ بها، والتي ربما يكون مكانها غير هنا، هي للتاريخ بالطبع ولكن سأجد لها زمانها الخاص والمناسب لكي أعلنها وأظهرها للعيان.. والله ولي التوفيق والسداد,,,,
سأختم قصة الزمان بهذه القصيدة الرائعة والتي طالما أرددها في كلة لحظة أرى للشمس غروبا والتي هي لقائلها شاعر ألمانيا رلكه ...
كلا! إذا كان الزمان لا يخلق عظيما
فإن الإنسان يخلق لنفسه زمان مجده...