للأغنياء فقط

    • للأغنياء فقط

      ماذا فعلت "فيفا" بكرة القدم ؟




      لا تستطيع الا ان تتفق مع وجهة نظر الزعيم الليبي معمرالقذافي فيما كتبه عن الفيفا وكرة القدم. ففي غفلة من الناس تحولت كرة القدم الىواحدة من اكبر السلع التجارية في العالم: لاعبون يباعون ويشترون بعشرات الملايين؛اندية رياضية بميزانيات تعادل الدخل القومي لدول افريقية متوسطة (حتى لا نقولفقيرة)؛ قمصان واحذية وسلع ومشروبات باسماء فرق ورياضيين؛ اعلانات تلفزيونيةللاعبين، بل حتى لمدربين، مقابل الملايين من الدولارات اجورا للمشاركين بها وملاييناكثر تذهب الى محطات التلفزيون التي تعرضها؛ الترويج لمنتجات في الملاعب ابعد ماتكون عن الرياضة: مشروبات كحولية وغازية ومأكولات لا يتوقف الاطباء والعلماء عنالنصح بالابتعاد عنها.
      حتى الان القضية اختيارية. فاللاعبون الكبار بعيدون عنا عدا بعض الاستثناءات،والاندية الكبرى تنتشر في اوروبا حيث المال، والاعلانات غير المقبولة يمكن غض الطرفعنها، والسلع بوسعنا اهمالها فنحن غارقون في بحر السلع الصينية المقلدة، والمشروباتوالمأكولات لا نريد ان نشربها او نأكلها.
      لكن الذي اثار الغضب كما لم يحدث من قبل هو مصادرة حق الفقراء في مشاهدة مناسبةلا تتكرر الا مرة كل اربعة اعوام. فبسحبة قلم، قررت الفيفا ان من حقها ان تختار منيشاهد مباريات كرة القدم حول العالم وكيف يشاهدها وكم يدفع لمشاهدتها.
      من حق الفيفا ان تبيع البث التلفزيوني لمباريات كأس العالم، لا احد يريد انيجادل بذلك. ولكن لمنْ وكيف؟
      دعونا نسترسل سوية في الموضوع.
      ***
      ثمة احداث فارقة على طريق تحول كرة القدم الى سلعة تجارية. فالتسعينات شهدتتغيرات مفصلية في طريقة تقديم هذه الرياضة لجمهور اوروبي ظل حتى ذلك الحين يعتبر انكرة القدم رياضة شعبية.
      في اوروبا، وفي بريطانيا على وجه الخصوص، تقوم المعادلة على خطوات تتكرر كلاسبوع: انتظار عطلة نهاية الاسبوع، واحتساء بعض المشروبات، والذهاب الى الملعب،والصراخ فيه لحد الاغماء تشجيعا للفريق المحلي، ثم عراك بسيط مع مشجعي الفريقالمنافس ينتهي بتدخل الشرطة واعتقال المشاغبين حتى المساء واطلاق سراحهم ما ان يذهبمفعول ما تناولوه من مسكرات. ومنْ لا يرى جدوى في مشاهدة المباراة في الملعب، تجدهيتسمر امام التلفزيون الذي ينقل المباريات على الشبكات الارضية.
      الخطوة الاولى لتحويل كرة القدم الى صناعة قد تكون بدأت بوضع اسعار متصاعدةللاعبين الكبار. لكن الخطوة الاهم كانت دخول البث الفضائي الى مجال المنافسة. فمحطةسكاي البريطانية التي يملكها امبراطور الاعلام روبرت ميردوخ تمكنت خلال فترة قصيرةمن اقناع الاتحادات المحلية والاندية بانها تستطيع منحهم الكثير من الدخل لو سمحوالها باحتكار البث التلفزيوني عبر قنواتها الفضائية. ولم يمر وقت طويل حتى اختفتاغلب مباريات الدوري والكأس من شاشات المحطات الارضية لتظهر على شاشات سكاي.
      معادلة محطة سكاي بسيطة. نعطيك جهاز الاستقبال ونزودك بسلة برامج (افلام، اغان،ومنوعات) بالاضافة الى المحطات الرياضية مقابل اشتراك شهري بمعدل 30 جنيها تزيدوتنقص حسب ما تريد اضافته وإلغاءه من السلة. وقد تأقلم الناس مع هذا الترتيب منذزمن طويل لاعتبار ان كل ما هو مهم ووطني رياضيا (أي المباريات الكبرى) يقدم عبرالمحطات الارضية. اما مباريات الاندية فتظهر حصرا على شاشات سكاي. وينبغي الاشارةهنا الى ان ثمة ربحا في شيء وخسارة في اخر. فسكاي تربح من نقل المباريات الكبرىللاندية الكبرى. لكنها تخسر من نقل المباريات للاندية الصغيرة، وهذا ما يجعل الصفقةمعقولة للمشاهد.
      الاهم من كل ذلك ان سعر السلة يتناسب موضوعيا مع دخل البريطاني. فثلاثون جنيهاللافلام والمباريات والالعاب الاخرى وبرامج الترفيه والموسيقى، تبقى مبلغا معقولاجدا وتشكل اقل من 5% من الدخل الشهري لفرد واحد في اسر تعتمد عادة على دخلين. والناس في بريطانيا يعتبرونها جزءا من الخدمة خصوصا وانهم يدفعون ضريبة تلفزيونحكومية منذ عقود.
      ***
      فتحت خطوات محطة سكاي اعين اصحاب الاندية الكروية على حقيقة مهمة: لديهم سلعةيجني غيرهم منها الكثير. ومع منتصف التسعينات، تحول كل ما يمت الى فرق الانديةالكروية بصلة الى سلعة يمكن تداولها. ولم يعد يكفي ان تشتري علما صغيرا تلوح بهاثناء المباراة او ان ترتدي لون الفريق.
      تنوعت السلع وصارت تستهدف مراحل عمرية اوسع: الطفل له قميصه وحذائه وصورهالخاصة؛ الاب كذلك، بل حتى الام او والابنة. فمنْ يجرؤ على اصطحاب الصغير الىمباراة كرة القدم دون ان يكون مرتديا "طقم" ملابس الفريق كاملا.
      كما ان طريقة قطع التذاكر لدخول المباريات تغيرت. فلم يعد كافيا التوجه الىالاستاد يوم المباراة. عليك ان تحجز مكانك مقدما والا ضاعت الفرصة. ويلجأ اغلبالمتفرجين المولعين الى حجز مقاعد سنوية في استاد الفريق. ونشأت صناعة نقل وفنادقكبيرة تتابع مباريات الدوري وتنقل المشاهدين بين المدن المختلفة بحافلات راقيةليقيموا بعد المباريات في فنادق تتناسب ودخلهم. كما اعيد النظر في تصميم الملاعبلتستوعب جمهورا اكبر. بل ان شركة طيران الامارات دفعت مبلغا تجاوز 100 مليون جنيهليحمل ملعب نادي ارسنال الانجليزي اسم الشركة لبضعة سنوات.
      ولاخذ فكرة عن حجم "صناعة"كرة القدم يكفي ان نذكر ان ميزانية نادي مانشستريونايتد الانجليزي السنوية هي 2 مليار جنيه استرليني (حوالي 3.7 مليار دولار) .
      واسوة بكل صناعة، دفع الطمع بالاندية الى انتهاج سياسات ابتزاز بحق المشجعين. فكل كم سنة يتبدل شكل القميص ولونه وطريقة تصميمه. ولعل اسوأ ما تفعله اليوم فيملعب انجليزي هو ان تذهب الى الملعب مرتديا قميصا بلون او تصميم قديمين. يكفي اننقارن الامر بالذهاب الى حفلة وانت ترتدي ملابس تعود الى الستينات او السبعينات: بنطلون شارلستون وقميص ضيق مشجر بالوان هيبية. ستصبح محل سخرية، والامر لا يستحقالمجازفة.
      كما اخذ البعض يعتاش ايضا من المتاجرة بتذاكر المباريات ويحتكرها. وثمة اكثر منفضيحة بهذا الخصوص هزت اندية اوروبية كبرى.
      وهنا نعود الى الكلفة. فحجز مقعد سنوي في نادي كبير شيء مكلف. لكن الكلفةمتناسبة مع الدخل. فبالطاقة السنوية تباع بمعدل 10% او اقل لدخل سنوي متواضع. ولمشجع انجليزي يحيا على كرة القدم وناديه ولا يفعل شيئا غير متابعته، تبدو الصفقةمقبولة (وان كان كثيرون يتذمرون منها).
      ***
      الفيفا ركبت الموجة وتحولت من اتحاد يفترض انه يمثل اتحادات الدول الغنيةوالفقيرة، الى مؤسسة تدار بعقلية ناد رياضي اوروبي في دولة ثرية. كل شيء معروضللترويج والبيع والمزايدة: شعارات الدورات الرياضية واعلانات الملاعب، واخيرا، وهوالاخطر، حقوق نقل المباريات.
      ونعود لنؤكد ان لا احد يجادل في حق الحصول على دخل معتبر من نقل المباريات. ولكنهذا الحق لا يبيح للفيفا، التي تنبع قيمتها من قيمة الاتحادات التي تمثلها، في انتقرر من ينقل المباريات الى المشاهد في أي نقطة من الارض وباي سعر.
      دعونا نجري مقارنة بين نقل مباريات مونديال 2006 الى العالم الناطق بالانجليزيةوالاخر الناطق بالعربية.
      تخيلوا لو ان الفيفا قررت ان تعطي لمحطة واحدة حق نقل المباريات لاميركاوبريطانيا واستراليا وجنوب افريقيا وكندا والهند وباكستان وبنغلاديش! ماذا كانسيحدث؟ سيعترض الجميع فورا لانه من غير المعقول تطبيق معيار واحد على هذا العالمالمترامي الاطراف.
      ولكن هذا ما فعلته الفيفا مع العالم العربي: قررت ان شركة برؤوس اموال خليجيةيمكن لها ان تأخذ حقوق نقل المباريات. فلا داع للمحطات الارضية ولا حاجة للخصوصياتفي التعليق وغير مهم تذمر المستاءين.
      تخيلوا الان مقاربة ثانية. شركة واحدة تنقل مباريات كأس العالم لـ 300 مليونعربي يتوزعون على 21 دولة، في حين ان اسرائيل بشعبها الصغير تأخذ الحق ذاته. منْقال ان تونس (مثلا وباعتبار ان فريقها يشارك في المونديال) توافق ان يصادر حقها فيان تبث المباريات لشعب متعطش لكرة القدم ايا كانت، فكيف الحال وفريقه الوطني ينافسفي اهم مناسبة رياضية عالمية.
      لنتحدث عن مقاربة ثالثة. فالشركة التي اخذت احتكار البث اعتبرت ان مشاهدةالمباريات "ببلاش" زمن ولى وان منْ يشاهد كرة القدم عليه ان يدفع كمن يشاهد المسرح. بالطبع لم يجر المتحدث، قبل ان يقول ما قاله، اية مقارنة بين فكرة مسرح وفكرة رياضةشعبية، بل لم يخطر على باله، كما هو واضح، ان يمدد مقارنته الى التفريق بين حجمقاعة مسرح (مهما كبرت) وبين ملاعب كرة القدم. ترى هل كان من العبث تصميم المسارحلتستوعب مئات قليلة، في حين تصمم الملاعب لتحتضن عشرات الالاف؟
      ولأن الفيفا تنظر الى العرب من بوابة الخليج وشركاته، لا شك ان القائمين عليهاقالوا فيما بينهم: هؤلاء يسبحون بعائدات النفط، فدعهم يدفعون. وفاتهم ان ما يصح علىالخليج لا يصح على بقية الوطن العربي، بل ما يصح على بعض الخليجيين لا يصح علىبعضهم الاخر دع عنك انه لا يصح على الملايين من الاجراء الذين يعيشون في الخليجبطريقة "من اليد الى الفم".
      اذا كان المال هو المقياس فالفيفا اخطأت ثانية ومعها من ساعدها على تنفيذ احتكارالبث التلفزيوني. فبريطانيا مثلا اغنى بمرات ومرات من اغنى دول الخليج، وغناهاحقيقي، أي غنى الانتاج والعمل وليس النفط وريعه. ورغم ذلك تبث محطات التلفزيونالارضية مباريات كأس العالم للجميع دون تشفير. بل ان منع الاحتكار جعل المحطاتالارضية الرئيسية تتوزع التغطية فيما بينها. هل العربي اكثر ثراء من البريطاني لكيينتظر منه ان يدفع؟ اهذه نكتة؟
      ***
      لنمر معا على الحلول التي واجهت بها الدول العربية المختلفة القضية.
      الاغلبية رضخت للامر الواقع وبدأ مواطنوها بدفع اثمان كروت التشفير او اللجوءالى المقاهي لمشاهدة المباريات.
      اخرون ابتكروا حلولا بتوزيع شاشات كبيرة في اركان العاصمة لمنح الجمهور فرصةالمشاهدة. فاتهم بالطبع ان الشعب لا يعيش كله في العاصمة او المدن الكبرى. ولكن هليتحسس ابناء القرى والارياف المهملون اصلا من اهمالهم في قضية ثانوية مثل مشاهدةكرة القدم؟
      العراقيون تركوا في وضع لا يحسدون عليه. فالبطالة تبلغ 80% في العراق، ومنْ منالعراقيين يتمكن في هذه الظروف من شراء كارت فك تشفير المباريات. وحتى من بادرواشترى الكارت ليضعه في المقهى، كان عليه ان يفكر عشرات المرات في الاستمرار. فايتجمع في العراق اليوم هو هدف لتفجير انتحاري او هجوم جوي. واذا كانت حتى الجوامع لاتنجو من الهجمات، فمنْ يحمي المقاهي؟ وكيف لطيار اعتاد قصف التجمعات، حتى الاعراس،ان يقتنع ان العراقيين مغرمون بكرة القدم وانهم يتجمعون لمشاهدتها وليس للتخطيطلهجوم جديد على قوات الاحتلال.
      المغرب حظي بتدخل ملكي لاستثناء اخر المباريات الحاسمة لكي تبث على الهواء منخلال المحطات الارضية ودون تشفير. انها خطوة رقيقة من ملك عطوف ولكنها غير كافية.
      الدول المحاذية لاسرائيل استغلت الجوار السعيد وشاهدت المباريات على الهواء بحقالجيرة.
      دولة واحدة لم تقبل الرضوخ وبثت المباريات على الهواء ومن خلال القنوات الارضيةفي تحد ذي معنى للفيفا وشركة الاحتكار.
      ***
      ما بدأ مطلع القرن الماضي رياضة شعبية جميلة تدفع الى الانتماء الى المنطقةوالمدينة والبلد، وتبدد من الخصومات من خلال الروح الجماعية، وتتحول الى عيد يأتيحاملا الامال والتسلية، تحول للاسف الشديد الى سلعة تتداولها الفيفا وتبيعها لمنتشاء دون ادنى اعتبار لاية حساسيات وطنية او شعبية او حتى اخلاقية. صار لزاما عليناان نشاهد المباريات وهي ملفوفة بورق ساندويتشات مكدونالدز او معبئة بقنينة كوكاكولااو مترنحة بعد ان احتست قدحا من بيرة "بد" الاميركية.
      لا اعرف لماذا لا يوزعون سجائر او سيجار على اللاعبين اثناء لعبهم ليدخنوهاوليروجوا لشركة التبغ هذه او تلك.
      فهل نلوم الزعيم الليبي معمر القذافي اذا عبّر عن امتعاضه للحال الذي وصلت اليهالفيفا ونحن نقف متفرجين؟ وهل يحرض فينا هذا القبول بكل ما يفرض علينا؟
    • االاعب والمدرب

      المالكي/ انت قلت للأغنياء وانا للأسف دخلت معاك في الموضوع
      موضوع جميل لاكن طويل لذا يمكن ان يكون ممل شويه بس موضوعك فوق التمام
      و بارك الله فيك #i