
السراي - 2006 / 11 / 30
توجه رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة إلى اللبنانيين عشية التظاهر الذي دعا إليه حزب الله بكلمة مؤثرة وفيما يلي نصها:
أيها اللبنانيون،
في هذه الساعات الحاسمة من تاريخ البلاد وقضاياها، رأيتُ من المُلائم أن أُخاطبَكم شارحاً حقيقةَ الموقف، وباحثاً معكم عن أُفق، كما اعتدتُ أن أفعلَ في شتّى الظروف.
لا تخافوا، ولا تيأسوا.
نحن أصحابُ حق، ثابتون في الدفاع عن استقلالنا وعن نظامنا الديمقراطي. طليعتُنا شهداء أبرار، ورايُتنا عَلَمُ وطني ونشيدنُا نشيدُ لبنانَ، والعروبة الحرة.
لم تردعْنا التهديدات، ولن تُرهبَنا المناورات والإنذارات.
إخواني وأخواتي وأحبائي،
في كل بيتٍ، ومنزلٍ، وقريةٍ، وساحة،
إننا نواجهُ الصعاب ولا نخشاها وقَدَرُ شعب لبنان أن يبقى منيعاً أمام كل امتحانٍ وأقوى من كُلّ محنة.
أيها اللبنانيون،
إن حكومَتكم، حكومةَ الاستقلال الثاني، تُدافعُ اليومَ عن حريتكِم وأمنكم وعن الديمقراطيةِ في لبنان.
فالاستقلاُل مستهدفٌ والنظامُ الديمقراطيُّ في خطر، المصيرُ الوطنُّي تُهدّدُهُ الأطماع ومشاريع النفوذ وُتِنذَرّ بعودة الوصايةِ وجَعْلِ بلادنا مجدّداً ساحةً للصراعات.
لقد قامتْ حكومتُكُم، بعد انتفاضة الاستقلال رداً على الجريمة الكبرى بحق لبنان واللبنانيين الذين كانوا يتطلعون بعد سنوات الاحتلال والاستبداد والوصاية إلى الحرية والمشاركة والاستقلال والقرار الحر.
إخواني وأحبائي،
لقد تشكلت هذه الحكومةُ وحظيت بأكثريةٍ ساحقةٍ في مجلس النواب، وهي ثقةٌ ما تزالُ تحظى بها. وقد عَمِلتْ منذ تشكيلِها على تحقيق ما وردَ في بيانها الوزاري دونما ترددٍ أو إبطاء. إن حكومتكم، عملت، وما تزال، في سبيل تثبيت الاستقلال وبناء الوحدة الوطنية وإصلاحِ المؤسساتِ والنهوض بالاقتصاد الوطني. لكنها منذ الساعاتِ الأولى لانطلاقها، كانت تسيُر ومسدّسُ الإرهاب والقتل ُمصّوبٌ إلى اللبنانيين. ولاحقتْنا المتفجّرات والعُبُوات وُنّفذت الاغتيالات والاعتداءات ومحاولات تعطيل التحقيق الدولي لإحقاق العدالة ومعاقبةِ من خطط وأمر ونفذ جريمةَ اغتيالِ الرئيس الشهيد رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقِهِما ومن بعدهم الشهداء سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني. وكلما تقدمْنا خُطوة في الحفاظ على أمن اللبنانيين تحركت آلة الاغتيالات السياسية والإرهاب ومورست ُكلُّ ألوان الضغط والتهويل. واليومَ، وبعدما امتدتْ يدُ القتل الى زميلِنا شيخِ الشباب الوزير بيار الجميل، نسمعُ من يُحّملُ الحكومةَ مسؤوليةَ الجريمة، فيما يعرف الجميعُ انّ قُدُراتِنا الامنية كانت كلها مصادرةً من قبل نظام الوصاية لسنواتٍ مديدة، وانّ إعادةَ بنائها لا يمُكنُ انجاُزهُ في بضعة اشهر، وعلى أي حال فنحن ماضون بعزيمةٍ لا تكل لاعادة بناء قدراتنا الامنية والدفاعية.
لقد تحمّلت حكومتُكم، حكومةُ الإصلاح والنهوض، تتحمل أعباءَ قيادة البلاد في مرحلةٍ انتقاليةٍ حسّاسةٍ من تاريخ لبنان المعاصر.
أيها اللبنانيون،
أيها الأعزاء،
لقد كان التئامنا للحوار والتشاور، حاجةً وطنيةً كبيرة، حيث التقينا واتفقنا واختلفنا. غير أن ما اتفقنا عليه لم يسلك طريقَ التنفيذ. أمّا الذي اختلْفنا حوَله فانقلب على يد البعض أداةً للتخوين والتخويف والتهديد. جاء ذلك بعد أن واجهْنا معاً عدوان إسرائيل. إنّ تلك الحربَ الصمّاءَ التخريبيةَ والإجراميةَ ما استطاعت أن تُزعزعَ أركانَ لبنان، ولا أثّرت في تضامُنِه الوطني، وذلك بفضل العمل الجبّارِ الذي قام به من دافع عن حياض الوطن وسقط منهم شهداء، وقامت به حكومتُكم وما تزالُ تقومُ به. ما فعلْنا إلاّ ما يقتضيه الواجبُ الوطني، والمسؤولية الوطنية.
قلنا يومها إنها ساعُة الوحدة والتضامن حتى نَصُد المعتدي الطامع في أرضنا ومياهنا وسيادتنا. لقد دعونا إلى تجاوز خلافاتنا والأخطاء التي ارُتكبت من جرّاء التفرّد والحسابات الخاطئة والهواجس والشكوك.
لقد كَلّفَنَا العدوانُ الاسرائيلي كثيراً، إنساناً وعمراناً واقتصاداً وحاضراً ومستقبلاً. لكننا ثبتنا وثبتنا حقّنا واستحقاقنا في بناء رصيد للبنان في المجموعتين العربية والدولية.
نحن لم نوفر جهداً لتجييش الدعم والتضامن من حول لبنان وقضاياه، في السياسة والدبلوماسية والإغاثة وإعادة الإعمار. ونشرنا جيشنا الوطني في مناطق لبنانية عزيزة اشتاقت إليه بعد طول غياب، وآزرته،وما تزال قوات الطوارئ الدولية وحققنا انسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلي من ارضنا التي احتلتها حديثاً وباتت إسرائيل تواجه المساءلة الدولية والضغوط الجدية من اجل احترام قرارات الأمم المتحدة بعد أن تجاهلتها سنين طويلة.
لقد فرضت علينا الحرب دون ان تحسب لها حساباتها. ولقد أثقلت تلك الحرب الأعباء على اللبنانيين، وها هي تزداد بفعل التوتير السياسي المتصاعد والمتفاقم، ويأتي هذا التوتير الخطير فيما انصرفت حكومتكم إلى التحضير للمؤتمر الدولي لدعم لبنان وأطلقت أوسع برنامج لإعادة اعمار ما هدمه العدوان لكن البعض لم ير أمامه إلا الهجوم على الحكومة وكان هاجسه الأول السلطة أيا كانت الوسيلةُ للوصول اليها والحجج الظاهرة والاعتبارات المضمرة.
يقولون بحكومة الوحدة الوطنية والمشاركة. وكانت يدنا دائماً ممدودة وهي ستبقى كذلك لكن للمشاركة الصادقة وليس للتعطيل او الابتزاز.
ويقولون باعتماد قانون انتخابات جديد، وهم يتناسَون ان هذه الحكومة كانت اول من دعى في بيانها الوزاري الى ضرورة وضع قانون جديد للانتخابات. وقد شكلت لهذه الغاية هيئة وطنية، يشهد لها كل لبنان بالاستقلال والموضوعية في عملها. وما كادت تنجز مهمتها وتتقدم لنا بمشروعها حتى فرضت الحرب الاسرائيلية تبديل الاولويات وحالت دون دراسة هذا المشروع في الحكومة.
ايها اللبنانيون،
إن من واجبي أن أصارحكم،
ومن واجب الحكومة أن تصون حق المواطنين في التعبير الحر والسلمي.
واني أقول لشركائنا في الوطن الذين يتأهبون للتحرك غدا للتظاهر أن حقهم هذا مصون، غير أني ادعوهم ليعوا أن حريتهم تقف عند حرية سواهم، وحقّهم بالأمن وحرية الانتقال وحفظ أرزاقهم ومصالحهم. فلا نقبل بأي صورة من الصور ولا يقبل اللبنانيون، أي إخلال بالأمن أو تعدٍّ على المؤسسات العامة والأملاك الشخصية.
أيها اللبنانيون ،،
إني ابسط يدي مجدداً واكرر موقف حكومتي:
أولاً: لن نسمح بالانقلاب على النظام الديمقراطي وقواعده ومؤسساته، ولا بمنطق الدويلات ضمن الدولة. فنحن راسخون في موقعنا، حكومةً شرعيةً ودستوريةً لكل لبنان ومسؤولةً عن كل اللبنانيين.
ثانياً: ليس من طريق أمامنا غير طريق التلاقي والحوار، لتفهم المخاوف والهواجس والتفاهم حول المطالب. والحوار يقتضي ألا يملي احد على الآخر شروطه ويلجأ، إن لم تقبل، إلى الاتهام والتجني والتصعيد والتخوين.
ايها الاخوة المواطنون،
ان ما يجري محاولةٌ مفضوحةٌ لاسقاط حكومة لبنان، وشرعية لبنان، ودستور لبنان، اسقاطاً للحاجز الباقي والمانع تحويل لبنان الى ساحةٍ في الصراعات الاقليمية والدولية. هم يتحدثون عن الدستور والشرعية، ولا شرعية ولا دستور إلاّ في ظل المؤسسات، ونص وروح اتفاق الطائف، ووثيقة الوفاق الوطني.
ايها اللبنانيون،
امامنا ايام حاسمة في حاضر لبنان ومستقبله. امامنا الدفاع عن الطائف والدستور، ودماء الشهداء، واستقلال الوطن، واستقراره والمحكمة ذات الطابع الدولي، لقد ضحيتم بالغالي والنفيس، ولأكثر من ثلاثين عاماً، لكي تستمر الدولة، وتستمر الشرعية، ويُستنقذ لبنان في جنوبه وشماله وبقاعه وبحره وبره. وانتم مدعوون اليوم، للوقوف مع حكومتكم للحفاظ على العيش المشترك، وعلى الدولة الجامعة وعلى حياة اللبنانيين ومستوى عيشهم ومستقبلهم. كفانا نزاعات، كفانا استقطابات، كفانا اغتيالات، كفانا مهازل ومآسي.
لسنا طُلاب سلطة ولا سيطرة. لكننا لن نتخلى عن مسؤولياتنا، ولا عن شرعيتنا. وللبنانيين وسائر الاخوة العرب، اقول باسمكم وباسم الدستور، لا طريقة لاسقاط الحكومة الا من خلال مجلس النواب الذي يمنحها ثقته، وكلّ ما عدا ذلك باطلٌ وقبض الريح وخروج عن الدستور، وانقلاب بدأنا نتصدى له مع سائر المواطنين اللبنانيين بكل الوسائل المشروعة والمتاحة.
اخواني، ادعوكم واحداً واحداً واليوم الى ان ترفعوا علمنا، علمنا الوطني، علمنا اللبناني، كل من نافذته، من شرفته، لكي يرفرف في كل الاحياء وكل الساحات وكل الثغور.
بالامس، وعندما كنت اشاهد على التلفزيون احدهم ينادي بالويل والثبور وعظائم الامور، لاح امام ناظري شعار الرئيس الشهيد رفيق الحريري: ما في حدا اكبر من البلد. نعم، لا احد اكبر من لبنان، ولا احد اغلى من شعبه وارادته ومستقبله وشرعيته. على هذه المبادىء نحيا، وفي سبيلها نناضل، ومن اجلها نبقى.
وسيبقى لبنان. سيبقى لبنان. سيبقى لبنان