بسم الله الرحمن الرحيم
عجائب الأيام بين نهاية النعمان ونهاية صدام
(ونلك الأيام نداولها بين الناس)
الأرض هي الأرض .... أرض العراق .... أرض النعمان وأرض صدام.
أرض الشدة والقسوة منذ فجر التاريخ ... أهل هذه الأرض هم الذين كانوا أشد الأقوام موقفًا من نبيها: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) الأنبياء،
وأيضًا: (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) الصافات.
- كان النعمان بن المنذر آخر ملوك المناذرة يتصرف بلا حدود ....
ولا يخشى أن يأتي عليه يوم يحاسب فيه على أي فعل من أفعاله ....
فكان له يوم نحس يقتل فيه أول الداخلين عليه في ذلك اليوم بلا ذنب ....
وكان له يوم سعد؛ يكرم فيه أول الداخلين عليه في ذلك اليوم ويقربه إليه ولو كان لا يستحق التقريب والإكرام ....
وينسى أنه عُيِّن بقرار من كسرى .... وبقرار منهم يزيله عن عرشه ....
فقد بدأ حياته بظلم ذوي القربى .... ثم انتهت حياته بالتضحية بنفسه من أجلهم ....
أراد أن تسلم عاصمته من دخول الفرس لها وتدميرها وإهانة أهلها ....
فلبى دعوة كسرى إليه وهو يعلم أن فيها نهايته .... فلم تسلم بلده من بعده، وشرد قومه ....
وعين عليهم من له ثارات عند آل النعمان وعند أهلها، ومن كان أطوع لكسرى من سلفه....
لقد كان النعمان حبيس القرار الفارسي على أرض العراق ....
وانتقل مجبرًا من عزه في عاصمته الحيرة العربية العراقية ....
إلى الحبس والقتل في "المدائن" العاصمة الفارسية على أرض العراق أيضًا.
وفي المقابل كان صدام يتصرف من غير خشية أن يحاسب على فعله في يوم من الأيام على أرض بلده وترابها....
وبدأ حياته بظلم لذوي القرب وإعدام واغتيالات لعلماء السنة قبل علماء الشيعة ....
ولم يسلم منه أقرباؤه وأصهاره، وأقرب المقربين له.... وإن كان بعد التسعين توجه إلى الإسلام وغير كثيرًا من سياسته تجاه الإسلام، بعد أن انقلب عليه من وثق بهم، وأرادوا رأسه، وخيرات بلده، ورأى عجز أمته العريضة عن نصرته، ولو كان محقًا في فعله ....
فكثر بناء المساجد، ومنعت الخمر، ونظف الأحياء من بنات الهوى وطلابهن .... وفتحت المراكز لحفظ القرآن الكريم .....
- كلاهما قضي على سلطانه جهات خارجية، وليس بأيدي قومه أو بأيدي من ظلمهم ....واشترك الفرس في نهاية كل منهما وإن اختلف اللباس عندهم ....
فالنعمان قتل بعد سجن كسرى له ...
وصدام قتل بعد سجن الأمريكان له ...
- النعمان كان تابعًا لكسرى وبيده قرار عزله وتغييره كان بأيديهم .... وسلطوه على الجيران وذوي القربى ...لكنهم كانوا يخشون نتائج عزله وهو بين جنده وصنائعه .... فطلبوه بعيدًا عنهم.
وصدام قد قيل فيه الكثير في ولائه، فبعضهم يصف ولاءه لأوروبا وعلى رأسها بريطانيا التي لم تستطع الدفاع عنه وتثبيت حكمه فتخلت عنه أمام إصرار أمريكيا وقوتها ....
وما مشاركتها للأمريكان في غزو العراق إلا لأهدافها الخاصة، وتوريطًا لهم في العراق، ومساعدة فئات ترتبط بها... لتحافظ أو تجد لها وجودًا فيه، وحنينًا إلى ماضيها الاستعماري.
والكل يذكر عندما أعلنت الأمريكان مقتل صدام في حي المنصور .... نفته بريطانيا بعد إعلان الأولى مباشرة .... مما يدل على مدى اطلاعها على أوضاع لم تكن أمريكيا قادرة على الاطلاع عليها.... وتساءل الكثير من حذر صدام ليفارق المكان قبل دقائق من قصفه، وعرف توجه الطائرات الأمريكية إلى مكانه....
ولذلك اتهم بوش أوروبا بأنها السبب وراء قوة صدام ... وكانت تتجسس عليه لصالحه، فمنعتها واستبعدتها من المشاركة في حل قضايا الشرق الأوسط.... ولم يكن أمام أمريكيا إلا تدمير قوته ودولته للوصول إليه ...
وقد تكشف الأيام في المستقبل أن تسليم صدام والكشف عن مخبأه كان صفقة بين بلير وبوش الذي زاره في بريطانيا مرتين متتاليتين قبل القبض على صدام.
- النعمان قضى عليه الفرس وبمكر من مقربين من عرب في مجلس كسرى يريدون الانتقام من النعمان ويطمعون أن يحلوا محله....
وصدام قضت عليه أمريكيا وبمكر ومعاونة من بعض فئات من أهل العراق، وبعض من جاورهم من العرب، وبمعاونة كانت خفية من إيران الفارسية، ثم صرحت بها، ليكون لها نفوذ قوي فيها، أو أن تدير البلد بسياستها الفارسية الشيعية.
- النعمان رفض أن يزوج بنات آل النعمان لأولاد آل كسرى، واعتبر ذلك ذلاً وعارًا له ولكل العرب، لا يستطيع أن يرضى به ... وكان الموت أهون عليه من فعله .... فكان ذلك سببًا في تغير كسرى عليه، وإحضاره إلى عاصمته وقتله.
وصدام رفض فتح بلاده لأمريكا .... لكنه قبل ببعض الشروط وطأطأ رأسه لبعضها لتمر العاصفة .... لكنه لم يطأطئ لها في كل شيء .... وكان يراوغ وانتظر طويلا تغييرًا في الظروف لعل يأت منها شيء لصالحه.... ثم آلت إلى الأمور إلى ما انتهت عليه ....
- عرض النعمان نفسه على القبائل العربية ليضع عندهم حريمه وذخيرته وتحميه، فرفضت خوفًا من الفرس، وتخلت عنه إلا قبيلة بني شيبان التي حمت عرضه وانتقمت لمقتله ....
وصدام تخلت عنه كل البلاد العربية في السر والجهر، وبعضها في السر لا في الجهر، خوفًا من معاداة أمريكيا لها ....
- وزعت ذخيرة وسلاح النعمان على مقاتلي بني شيبان، وقاتلوا بها، وحققوا النصر في معركة ذي قار، وهزموا جيوش كسرى ومن معه من أتباعهم، وصنائعهم من العرب، وانتقموا بسلاح النعمان لمقتل وإذلال النعمان.... وكانت بداية وتراجعًا لدولة الفرس حتى جاء الإسلام بعد عشر سنين وقضى عليها .... وكان بنو شيبان هم أول من تجرأ من العرب على الفرس ... فصمدوا أمامهم على ضعفهم وقلة عددهم وعدتهم، فهزموهم في ذي قار .... حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "اليوم انتصف العرب من العجم" وهم أيضًا أول من فتح جبهة العراق بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني، وأمده أبو بكر رضي الله عنه بالجيوش حتى حررت العراق بقيادة خالد بن الوليد وبعده جاء سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما حتى زالت دولة فارس ....
وصدام وزع السلاح والذخيرة على شباب شعبه، وبها يقاتلون القوات الأمريكية، ومن يتولاهم، وقد أوصلوا القوات الأمريكية إلى حالة ليس لهم إلا الانسحاب والخروج من العراق ....
- ارتبطت هزيمة الفرس بذي قار في جنوب العراق التي سميت بذلك لكثرة وجود القار(الزفت) في أرضها وهو أحد مشتقات البترول التي كانت تتسرب من باطن الأرض فجاء الفرس إلى هذه الأرض لتكون فيها أول هزائمهم أمام العرب قبل الإسلام وبعده .
وأمريكيا جاءت إلى العراق طمعًا في بترول العراق المتكدس في جنوب العراق، والذي يقال فيه أنه آخر بترول سيكون في الأرض، وأن عمر استخراجه سيطول ويكفي أمريكيا المائة والخمسون عامًا القادمة.
- أذهب بنو شيبان في معركة ذي قار هيبة الفرس من نفوس العرب، وخاصة عرب العراق وما جاورها، وكانوا هم أول من تجرأ عليها في بداية الفتوحات الإسلامية حتى انتهت من الوجود.
والشباب المجاهدون في العراق والرافضون للوجود الأمريكي؛ قد تجرؤوا على القوات الأمريكية، وأذهبوا هيبتها من نفوس العرب والمسلمين، والأمر في ازدياد وتطور وجرأة عليهم، وإذا خرجت أمريكيا من العراق فلن تجرأ أن تدخل بجيشها في أي بلد عربي آخر، ولن يسمح الشعب هنالك لحكومته التورط مرة ثانية .... وحال من وقف معها من عرب العراق وغيرهم هو حال من وقف مع كسرى وظن أنه القوة التي لا تقهر فكانت الهزيمة لهما معًا.
- ونهاية صدام إن كان قتله ظلمًا فهو شهيد، لأنه أتي بيد أعداء هذه الأمة الذين كرهوا الإنجازات التي أنجزها لشعبة فدمروها ولم يبقوا منها شيئًا.
وإن كان قتل على ظلمه فيما سبق ففي قتله تكفيرًا عن ذنوبه وتطهيرًا له قبل أن يلاقي ربه.
فعلى كلا الأمرين هو انتصار له، وهدية منهم له، وهو أحوج ما يكون لها بين يدي رب العالمين..
لكنها نهاية صعبة على كثير من العرب والمسلمين .... وإن كانت تسعد كل من اكتوى بنار ظلمه.
وأخرج قتله على أنه لم يقتل لأنه بعثي، ولا لأنه عراقي ظلم العراقيين، بل خرج على أن الشيعة قتلوا رمزًا من رموز السنة، وفي يوم عيد الأضحى للسنة وليس في عيد الشيعة، وبأيدي شيعية، ولا ندري هل كان الحبل الذي شنق به مقدم من دولة شيعية أيضًا .... حتى السنة الذين حقدوا على صدام بيض الإعدام والمخرج الذي خرج به الإعدام صفحته لديهم، وأكبروا فيه شجاعته ورباطة جأشه، وأنه لم يذل العرب والمسلمين السنة بتلك الشجاعة وعدم خوار القوة، والابتسام للموت، والاستهزاء بالجلادين، ونطقه بالشهادة الشرعية المقبولة عند رب العالمين .... وأحس الجميع الذي امتلأت قلوبهم غيضًا بأن بلوى العراق ومصيبتها هي في الشيعة قبل الأمريكان .... ولا ندري إلى أي درجة ستصل عواقب هذا الأمر بعد ذلك في المستقبل ....
- وكلا قتل النعمان وصدام حدثا في زمنين فيهما استخفاف واحتقار كبيرين للعرب .... وضعف شديد منهم، وتفرق وتباعد بينهم كبير، وولائهم للقوى الكبرى وليس لأنفسهم وعقيدتهم ....
- فعسى قدر الله أن يتكرر بعد مشهد مقتل صدام بالخنق بأن يتوحد العرب ويعلوا الإسلام فيهم وأن يبلغوا العز الذي بلغوه في زمن الخلافة الراشدة الأولى كما توحد العرب بالإسلام بعد مقتل النعمان بالخنق أيضًا تحت أقدام الفيلة في مشهد مذل أمام الناس وكان فيه استهانة كبيرة بكل العرب واستخفافًا بردة فعلهم .... وإن كان الاثنان واجها الموت بشجاعة ورباطة جأش.
- لقد توقعت سقوط بغداد والعراق بأيدي الأمريكان اعتمادًا على فهم قوله تعالى: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ... (6) الإسراء، فلا يكون لهم ردة حقيقية حتى تسقط العراق بأيدهم، لأن من أزال العلو الأول لبني إسرائيل انطلق من العراق، والمتوقع أن ينطلق من يزيل العلو الثاني أيضًا من العراق .... ولكن الله تعالى سماها في الآية كرة، ولم يصفها بنصر أو هزيمة ..... ومعنى ذلك أن الحرب لن تتوقف، حتى يأتي زمن زوال العلو الثاني.....
- وتوقعت بأن أهل العراق بعد السقوط سيلتقطون أنفاسهم من جديد، ويلموا شملهم في مقاومة طويلة .... كان ذلك قبل أن تعلن بداية المقاومة قبل نهاية الأسبوع الأول من الاحتلال .... استنادًا إلى فهم الآية السابقة ....
- وكذلك فإن سقوط بغداد هو بداية السقوط لأمريكيا ومن وراءها .... وأن نتائجها سيولد رأيًا قويًا لدى الشعب الأمريكي بالتخلي عن مشاكل العالم، والتخلي عن حليفتها إسرائيل خاصة التي كلفتها الكثير من الخسائر..... وما سيكون لهذا التخلي من أثر كبير على وجود الأخيرة في المستقبل.
- وتوقعت رجوع الإسلام بقوة إلى العراق بعد تغييبه عشرات السنوات في زمن النظام السابق.
- وتوقعت أن يحل بأهل العراق ظلم شديد، وإهانات كبيرة تملا قلوبهم غيظًا، وحقدًا شديدًا على من كان سببًا فيما حل بالعراق من أجلها؛ ويفهم ذلك من قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ (7) الإسراء.
- ولما وصف صدام الأمريكان بأنهم التتار الجدد، وبأنهم سيهزمون على أبواب بغداد .... تمنيت ألا يكون قد قالها .... فالتتار دخلوا بغداد ولم يهزموا على أبوابها، ودمروا حضارتها وكتبها... وقتلوا الخليفة وأولاده .... وهذا ما حصل لصدام وأولاده .... ولبغداد ولأهلها.... إلا أن التتار لم تدم لهم قوتهم .... وبدأ تراجعهم بعد سنوات قليلة وبهد هزيمتهم في عين جالوت فانتهى أمرهم في المنطقة كلها.... وصاروا خبرًا بعد عين.
- ولما دخل الأمريكان قصر صدام وجدوا مصحفه مفتوحًا على سورة الحجر .... أحسست أنه فال غير حسن له، وأنه سيحجر عليه ......... وقد كان الذي كان....
- فهل بعد كل هذا يتحقق نصر مثل النصر في ذي قار ...... ثم يتبعه فتح ونصر ووحدة وعز أعظم بعد عشر سنين .... قد ينظر إليها مدة طويلة ... لكنها تمر في عمر الأمم سريعًا وإن سبقتها معانات وشدة كبيرة...
- لقد نشر أحدهم على الإنترنت مؤلفًا باسم "نهاية أمريكيا وإسرائيل في عام 2001م" بعمليات حسابية في سورة الإسراء، وقلت لما قرأت العنوان بأنه صاحبه واهم، وحساباته خاطئة، فلما مر عام 2001م دون شيء؛ قال: أخطأت في العد والحساب بل هو العام 2003م ... ومر عام 2003 .... وها هو عام 2006 في آخر أيامه ليبدأ بعده عام 2007م .... ولم يحدث ما توقعه ....
- لقد كرر صدام أكثر من مرة بأن حياته وموته بيد الله وليس بيد البشر .... ورفض أن يستعطف أحد باسمه أي أحد .... ليتدخل في تأخير لقائه بربه.... ولا أن يفارق الدنيا بذل الضعف أمام جلاديه ولا محبيه، فتقبل الموت بنفس راضية .. ومن نظر إلى وجهه بعد قتله رأى وجهًا مزهرًا لم يشاهد عليه بهذه الصورة من قبل وهو حي .... فعاش بعز وبظلم وعاش بقهر على أرض العراق، ورفض الرحيل عنها ومفارقتها حيًا وميًا .....
واجتمع على صدام كرهان؛ كره من شعبه لجانبه السيئ الذي تعامل فيه مع معارضيه ومن خالفه ووقف في وجهه بفتك وقساوة شديدة ....
وكره من الغرب لجانبه الخير، وما بناه لبلده ووقوفه بوجه طموحاتهم، وضربه وتهديده لإسرائيل، وطموحه الكبير لامتلاك القدرة الذرية، وأقوى الأسلحة وأفتكها، ومحاولته لغزو الفضاء....
-
لقد مضى زمن صدام بلا رجعه وبقى لنا ان نستخلص العبر ونتعلم من التاريخ والواقع الحاضر على ارضنا العربية المليئة بالأحداث بكل انواعها منذ فجر التاريخ ... لنجمع نتائج تجاربنا ونشكل بها مستقبل نتمنى ان يكون احسن حالا .
عجائب الأيام بين نهاية النعمان ونهاية صدام
(ونلك الأيام نداولها بين الناس)
الأرض هي الأرض .... أرض العراق .... أرض النعمان وأرض صدام.
أرض الشدة والقسوة منذ فجر التاريخ ... أهل هذه الأرض هم الذين كانوا أشد الأقوام موقفًا من نبيها: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) الأنبياء،
وأيضًا: (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) الصافات.
- كان النعمان بن المنذر آخر ملوك المناذرة يتصرف بلا حدود ....
ولا يخشى أن يأتي عليه يوم يحاسب فيه على أي فعل من أفعاله ....
فكان له يوم نحس يقتل فيه أول الداخلين عليه في ذلك اليوم بلا ذنب ....
وكان له يوم سعد؛ يكرم فيه أول الداخلين عليه في ذلك اليوم ويقربه إليه ولو كان لا يستحق التقريب والإكرام ....
وينسى أنه عُيِّن بقرار من كسرى .... وبقرار منهم يزيله عن عرشه ....
فقد بدأ حياته بظلم ذوي القربى .... ثم انتهت حياته بالتضحية بنفسه من أجلهم ....
أراد أن تسلم عاصمته من دخول الفرس لها وتدميرها وإهانة أهلها ....
فلبى دعوة كسرى إليه وهو يعلم أن فيها نهايته .... فلم تسلم بلده من بعده، وشرد قومه ....
وعين عليهم من له ثارات عند آل النعمان وعند أهلها، ومن كان أطوع لكسرى من سلفه....
لقد كان النعمان حبيس القرار الفارسي على أرض العراق ....
وانتقل مجبرًا من عزه في عاصمته الحيرة العربية العراقية ....
إلى الحبس والقتل في "المدائن" العاصمة الفارسية على أرض العراق أيضًا.
وفي المقابل كان صدام يتصرف من غير خشية أن يحاسب على فعله في يوم من الأيام على أرض بلده وترابها....
وبدأ حياته بظلم لذوي القرب وإعدام واغتيالات لعلماء السنة قبل علماء الشيعة ....
ولم يسلم منه أقرباؤه وأصهاره، وأقرب المقربين له.... وإن كان بعد التسعين توجه إلى الإسلام وغير كثيرًا من سياسته تجاه الإسلام، بعد أن انقلب عليه من وثق بهم، وأرادوا رأسه، وخيرات بلده، ورأى عجز أمته العريضة عن نصرته، ولو كان محقًا في فعله ....
فكثر بناء المساجد، ومنعت الخمر، ونظف الأحياء من بنات الهوى وطلابهن .... وفتحت المراكز لحفظ القرآن الكريم .....
- كلاهما قضي على سلطانه جهات خارجية، وليس بأيدي قومه أو بأيدي من ظلمهم ....واشترك الفرس في نهاية كل منهما وإن اختلف اللباس عندهم ....
فالنعمان قتل بعد سجن كسرى له ...
وصدام قتل بعد سجن الأمريكان له ...
- النعمان كان تابعًا لكسرى وبيده قرار عزله وتغييره كان بأيديهم .... وسلطوه على الجيران وذوي القربى ...لكنهم كانوا يخشون نتائج عزله وهو بين جنده وصنائعه .... فطلبوه بعيدًا عنهم.
وصدام قد قيل فيه الكثير في ولائه، فبعضهم يصف ولاءه لأوروبا وعلى رأسها بريطانيا التي لم تستطع الدفاع عنه وتثبيت حكمه فتخلت عنه أمام إصرار أمريكيا وقوتها ....
وما مشاركتها للأمريكان في غزو العراق إلا لأهدافها الخاصة، وتوريطًا لهم في العراق، ومساعدة فئات ترتبط بها... لتحافظ أو تجد لها وجودًا فيه، وحنينًا إلى ماضيها الاستعماري.
والكل يذكر عندما أعلنت الأمريكان مقتل صدام في حي المنصور .... نفته بريطانيا بعد إعلان الأولى مباشرة .... مما يدل على مدى اطلاعها على أوضاع لم تكن أمريكيا قادرة على الاطلاع عليها.... وتساءل الكثير من حذر صدام ليفارق المكان قبل دقائق من قصفه، وعرف توجه الطائرات الأمريكية إلى مكانه....
ولذلك اتهم بوش أوروبا بأنها السبب وراء قوة صدام ... وكانت تتجسس عليه لصالحه، فمنعتها واستبعدتها من المشاركة في حل قضايا الشرق الأوسط.... ولم يكن أمام أمريكيا إلا تدمير قوته ودولته للوصول إليه ...
وقد تكشف الأيام في المستقبل أن تسليم صدام والكشف عن مخبأه كان صفقة بين بلير وبوش الذي زاره في بريطانيا مرتين متتاليتين قبل القبض على صدام.
- النعمان قضى عليه الفرس وبمكر من مقربين من عرب في مجلس كسرى يريدون الانتقام من النعمان ويطمعون أن يحلوا محله....
وصدام قضت عليه أمريكيا وبمكر ومعاونة من بعض فئات من أهل العراق، وبعض من جاورهم من العرب، وبمعاونة كانت خفية من إيران الفارسية، ثم صرحت بها، ليكون لها نفوذ قوي فيها، أو أن تدير البلد بسياستها الفارسية الشيعية.
- النعمان رفض أن يزوج بنات آل النعمان لأولاد آل كسرى، واعتبر ذلك ذلاً وعارًا له ولكل العرب، لا يستطيع أن يرضى به ... وكان الموت أهون عليه من فعله .... فكان ذلك سببًا في تغير كسرى عليه، وإحضاره إلى عاصمته وقتله.
وصدام رفض فتح بلاده لأمريكا .... لكنه قبل ببعض الشروط وطأطأ رأسه لبعضها لتمر العاصفة .... لكنه لم يطأطئ لها في كل شيء .... وكان يراوغ وانتظر طويلا تغييرًا في الظروف لعل يأت منها شيء لصالحه.... ثم آلت إلى الأمور إلى ما انتهت عليه ....
- عرض النعمان نفسه على القبائل العربية ليضع عندهم حريمه وذخيرته وتحميه، فرفضت خوفًا من الفرس، وتخلت عنه إلا قبيلة بني شيبان التي حمت عرضه وانتقمت لمقتله ....
وصدام تخلت عنه كل البلاد العربية في السر والجهر، وبعضها في السر لا في الجهر، خوفًا من معاداة أمريكيا لها ....
- وزعت ذخيرة وسلاح النعمان على مقاتلي بني شيبان، وقاتلوا بها، وحققوا النصر في معركة ذي قار، وهزموا جيوش كسرى ومن معه من أتباعهم، وصنائعهم من العرب، وانتقموا بسلاح النعمان لمقتل وإذلال النعمان.... وكانت بداية وتراجعًا لدولة الفرس حتى جاء الإسلام بعد عشر سنين وقضى عليها .... وكان بنو شيبان هم أول من تجرأ من العرب على الفرس ... فصمدوا أمامهم على ضعفهم وقلة عددهم وعدتهم، فهزموهم في ذي قار .... حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "اليوم انتصف العرب من العجم" وهم أيضًا أول من فتح جبهة العراق بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني، وأمده أبو بكر رضي الله عنه بالجيوش حتى حررت العراق بقيادة خالد بن الوليد وبعده جاء سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما حتى زالت دولة فارس ....
وصدام وزع السلاح والذخيرة على شباب شعبه، وبها يقاتلون القوات الأمريكية، ومن يتولاهم، وقد أوصلوا القوات الأمريكية إلى حالة ليس لهم إلا الانسحاب والخروج من العراق ....
- ارتبطت هزيمة الفرس بذي قار في جنوب العراق التي سميت بذلك لكثرة وجود القار(الزفت) في أرضها وهو أحد مشتقات البترول التي كانت تتسرب من باطن الأرض فجاء الفرس إلى هذه الأرض لتكون فيها أول هزائمهم أمام العرب قبل الإسلام وبعده .
وأمريكيا جاءت إلى العراق طمعًا في بترول العراق المتكدس في جنوب العراق، والذي يقال فيه أنه آخر بترول سيكون في الأرض، وأن عمر استخراجه سيطول ويكفي أمريكيا المائة والخمسون عامًا القادمة.
- أذهب بنو شيبان في معركة ذي قار هيبة الفرس من نفوس العرب، وخاصة عرب العراق وما جاورها، وكانوا هم أول من تجرأ عليها في بداية الفتوحات الإسلامية حتى انتهت من الوجود.
والشباب المجاهدون في العراق والرافضون للوجود الأمريكي؛ قد تجرؤوا على القوات الأمريكية، وأذهبوا هيبتها من نفوس العرب والمسلمين، والأمر في ازدياد وتطور وجرأة عليهم، وإذا خرجت أمريكيا من العراق فلن تجرأ أن تدخل بجيشها في أي بلد عربي آخر، ولن يسمح الشعب هنالك لحكومته التورط مرة ثانية .... وحال من وقف معها من عرب العراق وغيرهم هو حال من وقف مع كسرى وظن أنه القوة التي لا تقهر فكانت الهزيمة لهما معًا.
- ونهاية صدام إن كان قتله ظلمًا فهو شهيد، لأنه أتي بيد أعداء هذه الأمة الذين كرهوا الإنجازات التي أنجزها لشعبة فدمروها ولم يبقوا منها شيئًا.
وإن كان قتل على ظلمه فيما سبق ففي قتله تكفيرًا عن ذنوبه وتطهيرًا له قبل أن يلاقي ربه.
فعلى كلا الأمرين هو انتصار له، وهدية منهم له، وهو أحوج ما يكون لها بين يدي رب العالمين..
لكنها نهاية صعبة على كثير من العرب والمسلمين .... وإن كانت تسعد كل من اكتوى بنار ظلمه.
وأخرج قتله على أنه لم يقتل لأنه بعثي، ولا لأنه عراقي ظلم العراقيين، بل خرج على أن الشيعة قتلوا رمزًا من رموز السنة، وفي يوم عيد الأضحى للسنة وليس في عيد الشيعة، وبأيدي شيعية، ولا ندري هل كان الحبل الذي شنق به مقدم من دولة شيعية أيضًا .... حتى السنة الذين حقدوا على صدام بيض الإعدام والمخرج الذي خرج به الإعدام صفحته لديهم، وأكبروا فيه شجاعته ورباطة جأشه، وأنه لم يذل العرب والمسلمين السنة بتلك الشجاعة وعدم خوار القوة، والابتسام للموت، والاستهزاء بالجلادين، ونطقه بالشهادة الشرعية المقبولة عند رب العالمين .... وأحس الجميع الذي امتلأت قلوبهم غيضًا بأن بلوى العراق ومصيبتها هي في الشيعة قبل الأمريكان .... ولا ندري إلى أي درجة ستصل عواقب هذا الأمر بعد ذلك في المستقبل ....
- وكلا قتل النعمان وصدام حدثا في زمنين فيهما استخفاف واحتقار كبيرين للعرب .... وضعف شديد منهم، وتفرق وتباعد بينهم كبير، وولائهم للقوى الكبرى وليس لأنفسهم وعقيدتهم ....
- فعسى قدر الله أن يتكرر بعد مشهد مقتل صدام بالخنق بأن يتوحد العرب ويعلوا الإسلام فيهم وأن يبلغوا العز الذي بلغوه في زمن الخلافة الراشدة الأولى كما توحد العرب بالإسلام بعد مقتل النعمان بالخنق أيضًا تحت أقدام الفيلة في مشهد مذل أمام الناس وكان فيه استهانة كبيرة بكل العرب واستخفافًا بردة فعلهم .... وإن كان الاثنان واجها الموت بشجاعة ورباطة جأش.
- لقد توقعت سقوط بغداد والعراق بأيدي الأمريكان اعتمادًا على فهم قوله تعالى: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ... (6) الإسراء، فلا يكون لهم ردة حقيقية حتى تسقط العراق بأيدهم، لأن من أزال العلو الأول لبني إسرائيل انطلق من العراق، والمتوقع أن ينطلق من يزيل العلو الثاني أيضًا من العراق .... ولكن الله تعالى سماها في الآية كرة، ولم يصفها بنصر أو هزيمة ..... ومعنى ذلك أن الحرب لن تتوقف، حتى يأتي زمن زوال العلو الثاني.....
- وتوقعت بأن أهل العراق بعد السقوط سيلتقطون أنفاسهم من جديد، ويلموا شملهم في مقاومة طويلة .... كان ذلك قبل أن تعلن بداية المقاومة قبل نهاية الأسبوع الأول من الاحتلال .... استنادًا إلى فهم الآية السابقة ....
- وكذلك فإن سقوط بغداد هو بداية السقوط لأمريكيا ومن وراءها .... وأن نتائجها سيولد رأيًا قويًا لدى الشعب الأمريكي بالتخلي عن مشاكل العالم، والتخلي عن حليفتها إسرائيل خاصة التي كلفتها الكثير من الخسائر..... وما سيكون لهذا التخلي من أثر كبير على وجود الأخيرة في المستقبل.
- وتوقعت رجوع الإسلام بقوة إلى العراق بعد تغييبه عشرات السنوات في زمن النظام السابق.
- وتوقعت أن يحل بأهل العراق ظلم شديد، وإهانات كبيرة تملا قلوبهم غيظًا، وحقدًا شديدًا على من كان سببًا فيما حل بالعراق من أجلها؛ ويفهم ذلك من قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ (7) الإسراء.
- ولما وصف صدام الأمريكان بأنهم التتار الجدد، وبأنهم سيهزمون على أبواب بغداد .... تمنيت ألا يكون قد قالها .... فالتتار دخلوا بغداد ولم يهزموا على أبوابها، ودمروا حضارتها وكتبها... وقتلوا الخليفة وأولاده .... وهذا ما حصل لصدام وأولاده .... ولبغداد ولأهلها.... إلا أن التتار لم تدم لهم قوتهم .... وبدأ تراجعهم بعد سنوات قليلة وبهد هزيمتهم في عين جالوت فانتهى أمرهم في المنطقة كلها.... وصاروا خبرًا بعد عين.
- ولما دخل الأمريكان قصر صدام وجدوا مصحفه مفتوحًا على سورة الحجر .... أحسست أنه فال غير حسن له، وأنه سيحجر عليه ......... وقد كان الذي كان....
- فهل بعد كل هذا يتحقق نصر مثل النصر في ذي قار ...... ثم يتبعه فتح ونصر ووحدة وعز أعظم بعد عشر سنين .... قد ينظر إليها مدة طويلة ... لكنها تمر في عمر الأمم سريعًا وإن سبقتها معانات وشدة كبيرة...
- لقد نشر أحدهم على الإنترنت مؤلفًا باسم "نهاية أمريكيا وإسرائيل في عام 2001م" بعمليات حسابية في سورة الإسراء، وقلت لما قرأت العنوان بأنه صاحبه واهم، وحساباته خاطئة، فلما مر عام 2001م دون شيء؛ قال: أخطأت في العد والحساب بل هو العام 2003م ... ومر عام 2003 .... وها هو عام 2006 في آخر أيامه ليبدأ بعده عام 2007م .... ولم يحدث ما توقعه ....
- لقد كرر صدام أكثر من مرة بأن حياته وموته بيد الله وليس بيد البشر .... ورفض أن يستعطف أحد باسمه أي أحد .... ليتدخل في تأخير لقائه بربه.... ولا أن يفارق الدنيا بذل الضعف أمام جلاديه ولا محبيه، فتقبل الموت بنفس راضية .. ومن نظر إلى وجهه بعد قتله رأى وجهًا مزهرًا لم يشاهد عليه بهذه الصورة من قبل وهو حي .... فعاش بعز وبظلم وعاش بقهر على أرض العراق، ورفض الرحيل عنها ومفارقتها حيًا وميًا .....
واجتمع على صدام كرهان؛ كره من شعبه لجانبه السيئ الذي تعامل فيه مع معارضيه ومن خالفه ووقف في وجهه بفتك وقساوة شديدة ....
وكره من الغرب لجانبه الخير، وما بناه لبلده ووقوفه بوجه طموحاتهم، وضربه وتهديده لإسرائيل، وطموحه الكبير لامتلاك القدرة الذرية، وأقوى الأسلحة وأفتكها، ومحاولته لغزو الفضاء....
-
لقد مضى زمن صدام بلا رجعه وبقى لنا ان نستخلص العبر ونتعلم من التاريخ والواقع الحاضر على ارضنا العربية المليئة بالأحداث بكل انواعها منذ فجر التاريخ ... لنجمع نتائج تجاربنا ونشكل بها مستقبل نتمنى ان يكون احسن حالا .