الأب جزائري مسلم ، لكن صلته بالإسلام كانت فاترة ، والأم نصرانية فرنسية والبيئة التعليمية كانت فرنسا بمدارسها الكنسية والعلمانية ، إضافة إلى المجتمع الفرنسي الكبير الذي تنتشر فيه الإباحية ، والتحرر على نطاق واسع . في هذه الأجواء نشأت " نادية رشدي " ، ولكن شيئاً من ذلك لم يجذبها ن لا بهارج المجتمع الصاخبة ، ولا ترانيم المدارس الكنسية ، بل كان يجذبها نداء داخلي قوي يشدها نحو الإسلام منذ الصغر ، ومن هنا كانت رحلة البحث عن الالتزام الإسلامي : تقول نادية : كنت أنا وأختي ندرس في مدارس مسيحية من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية . المدرسة كانت من المدارس الخاصة ، وفضلها أبي لنا لأنها أكثر انضباطاً . كان المعلمون يعرضون علينا حضور حصص الديانة المسيحية ، وكانوا يقدمون لنا إغراءات متنوعة ، لكن وازعاً داخلياً كان يدفعنا إلى الرفض . كانت حوائط المدرسة مليئة بصور العذراء والمسيح مصلوباً ، وكانوا يحاولون إقناعنا بأن " الصورة " للرب ، ولكننا كنا نضحك ولا نصدق ذلك .. كنا نقول لهم : غير معقول أن الله يظل مصلوباً هكذا . كان المعلمات … الراهبات يحاورننا ويسألننا عن أسباب عزوفنا عن الذهاب معهن إلى الكنيسة ، ولم تكن لدينا إجابة ، لكن إدارة المدرسة كانت تجبرنا على حضور الحفلات في المناسبات الدينية الكبرى . كان اهتمامهم بي وبأختي زائداً ، وكانت جوائزهم وهداياهم لي كثيرة ؛ لأنني كنت كثيرة الأسئلة عن ديانتهم ، فظنوا أنني أنجذب رويداً رويداً إلى المسيحية فقد كانوا يراهنون على اكتسابي وأختي " نورا " ؛ لمعرفتهم أن أمي مسيحية فرنسية . كانت تتعهدنا راهبة جديدة في كل سنة – حسب نظام المدرسة – تواصل معنا ما بدأته السابقة ، وأذكر أن هؤلاء الراهبات كن يواصلن مهمتهن ليلاً ، ونهاراً دون كلل . وأذكر أيضاً الراهبة " مادلين " التي كانت تجري بيني وبينها حوارات لا أنساها . قلت لها مرة : إنني لا أحب قراءة الإنجيل . فكانت ترد علي بكتابة بعض العبارات التي تتحدث عن القيم والمثل الجميلة من الإنجيل على ورق جميل ، وبخط أجمل لجذبي إلى الإقبال على قراءتها وتقبلها . لكنني كنت أخاف منهن ، وأقول لهن : لماذا كل شيء حزين عندكم في الكنائس . كانت معاملتهن خالية من الضغوط ، لكنها كانت مليئة بالبرود والتعصب العقدي ، ولم نتقبل منهن شيئاً على الإطلاق ، لا أنا ولا أختي . في المرحلة المتوسطة ( كان عمرنا بين 14 و 15 سنة) قررت المدرسة دروساً عن الفراعنة ، والبوذية ، واليهودية ، والمسيحية ، والإسلام . كانت هذه الدروس تصور الإسلام بصورة مشوهة ، وكان المعلمون يقدمون المسلمين على أنهم دمويون يحترفون القتل ، ويصرون على تشويه صلاح الدين الأيوبي ، وتقديمه بصورة بشعة كمجرم ن وقاطع طريق يسرق ، ويقبل النساء المسيحيات ، كنا لا نرتاح أبداً لهذا المنهج ، وكان من المميزات الموجودة في المدرسة أن لكل صف مندوباً من الطلاب يعبر عن طلاب الصف ن ويوصل آراءهم في المناهج وغيرها إلى الإدارة ، وقد أوصلنا اعتراضنا على ما ورد يف المناهج بحق الإسلام والمسلمين من تشويه وطالبنا بتوضيح هذا التاريخ المكذوب الذي يقدم الروم والفرنسيين على أنهم أهل فتح وتحضر ، ويسيء إلى المسلمين ن فكان الرد علينا أن هذا هو ما عندهم ، فطلبنا كتباً أخرى ، فقالوا لنا ، إن هذا ما رواه التاريخ ، وعشت أنا وأختي حالة من القلق . في كتاب التاريخ المقرر علينا ن وفي الجزء الخاص بالإسلام ، ذكروا أن رب المسلمين اسمه " الله " وعرفوا الإسلام بأنه الخضوع التام لله . شدتني كثيراً كلمة " الله " وكلما نطقت بها شعرت بإحساس جميل ، وهدوء ، وارتياح ن ولذلك عندما طلبت منا المدرسة اختيار موضوع للكتابة عنه من خلال عبارة جذبت انتباهنا .. كان اختياري لكلمة " الله " وقلت فيما كتبت : إنني عندما أنادي بكلمة " الله " أشعر بارتياح كبير . وقلت : إنني أبحث عن الله ، أبحث عن الحقيقة . كنت أنا وأختي " نورا " نتوق لزيارة بلد إسلامي . وبالفعل زرنا الجزائر عام 1984م في الجازة الصيفية ، وكانت الصحوة الإسلامية هناك في قمتها . كان أكثر شيء جذبنا هناك وأثر في أعماقنا خطب الداعية المصري الشيخ عبد الحميد كشك " رحمه الله " . ورغم أننا لم نكن نعرف اللغة في ذلك الوقت ، ولا نفهم منها شيئاً إلا أن صوته وهو يردد كلمة " الله " ويردد الأدعية والمصلون يؤمنون وراءه عليها كانت تبكينا . شجعنا جو الصحوة بالجزائر على البقاء هناك ستة أشهر كاملة . تعلمنا خلالها تعاليم الإسلام جيداً ، وعدنا من هناك إلى فرنسا – أنا وأختي – محجبتين . هناك في منزلنا بمدينة ستراسبورج الفرنسية ، كانت أمي قد أسلمت . أعطيناها كتباً صغيرة ن وشريط فيديو عن الإسلام فأعجبت بها . وبعد عام واحد بدأت أني تصلي ، ثم ارتدت الحجاب . في كلية العلوم في ستراسبورج شاركت في أول نشاط جماعي طلابي ن وتعرفت من خلاله على عدد كبير من الطالبات منهن جزائريات ، ومصريات ، كنا نلتقي في منزلنا ، حيث كان الوالد يعمل في باريس ن وكنا ننظم إفطارات ، ولقاءات خلال رمضان في بيتنا ، وفي المساجد ، وكانت تلك بداية العمل الدعوي ، وبعدها صرنا نشارك في نشاط الجمعية النسائية . في سن العشرين تزوجت من الدكتور محمد كرموص " تونسي " في مدينة ستراسبورج " وبعد الزواج انخرطت أكثر في العمل الدعوي والاجتماعي من خلال المركز الإسلامي هناك ، وكنا نحضر لقاءات أسبوعية للدكتور يوسف القرضاوي ، والشيخ فيصل مولوي ، وكان فهمي للعربية بنسبة 40% . في عام 1991 ذهبت مع زوجي إلى سويسرا ، وهناك اختمرت فكرة تنظيم العمل النسائي بعد الاطلاع على الأوضاع ودراستها . وقد كان من دوافعنا لتأسيس هذا العمل هجوم المجتمع الغربي على الإسلام ، وتشديده بالذات على قضية المرأة ، وتغييبها عن المجتمع ، وهضم حقوقها فجاء إنشاء العمل النسائي لإثبات أن المرأة قادرة على القيام بالعمل الاجتماعي . وقد أحدث تأسيس هذا العمل تجاوباً كبيراً من السويسريين ، فقد كانوا يتصورون أن المرأة المسلمة مضطهدة ، ومكبلة ، ومهملة ، ولذا لفت انتباههم وجود جمعيات نسائية تتحرك باسم الإسلام ، حتى إن القساوسة صاروا يضربون المثل بأنشطة الجمعيات النسائية الإسلامية كظاهرة غير موجودة في الكنيسة . في سويسرا يحظى العمل الإسلامي بالقبول من المجتمع ، والحومة لا تمنعه ، لكن هناك بعض الحاقدين الذين يترصدون لنا ويهاجموننا . إحدى النساء – مثلاً – عندما في كنت في أحد المعارض أدعو للإسلام – هاجمتني قائلة : ألم يكفك أنك ترتدين الحجاب ، وتعيشين حرة ، وتسيرين في الطريق بحرية حتى تأتي وتدعي إلى الإسلام ؟! وقد كانت ردودي عليها هادئة وقوية . المرأة في سويسرا تعمل ، ولكن براتب أقل من الرجل 20% وهي تعمل في البيت وخارج البيت . وقد تتعرض لإهانات من زوجها ، ولذلك فقد ظهرت جمعيات في مقاطعة " نيو شاتيل " تحارب العنف ضد المرأة . حرصنا في عملنا الدعوي على التركيز على المرأة وأوضاعها ، وتأكيد ما كفله الإسلام للمرأة من حقوق ، وتكريم ، وإبراز كيف خلد القرآن الكريم نساء مثل السيدة مريم ، والسيدة هاجر . وحالياً نستخدم الإنترنت في بث كل ما يتعلق بجمعيتنا من معلومات ، ونقدم موضوعات عن شؤون الأمومة ، والحضانة ، والرضاعة ، وحقوق المرأة في الإسلام ، وما تعيشه من تعاسة ، وتخلف في غيبة الإسلام ، ودور المرأة في العمل الإسلامي ، وحجاب المرأة وضرورته وفرضيته ، هذا إضافة إلى توزيع مطويات دورية للتعريف بالإسلام . وقد أصبحنا نشترك في معرض سويسرا الدولي للكتاب ، وهو أكبر تجمع ثقافي دولي في سويسرا ، وفرصة كبيرة للدعوة إلى الإسلام والتعريف به . ورغم عدم مبالاة بعض المسلمين هنا وعزوفهم عن المشاركة الفعالة في أنشطتنا إلا أننا نحقق مكاسب تثلج الصدور يوماً بعد يوم
كلمة (الله) نقلت نادية رشدي من النصرانية إلى الإسلام
-
مشاركة