( إلى من نحتكم ، ومن ينظم أمورنا ؟ )
ليس هناك دعوات حكيمة لمن يدعي بأنه استقرأها من عند نفسه !! لأن منطلقات النفس هي حب العلو والسيطرة وتمجيد الذات ، وتحقيق رغبات مكبوتة تمهد للإشباع ، وكل من يعمل على الإصلاح من حيث يعلم أو لا يعلم فإنه يختزل كل آمال العالم وآلامهم في شخصه الواحد ، يظن أن مايفرحه يفرح كل الناس ، وما يؤلمه يؤلم كل الناس ، ومايريده يريده كل الناس ، وما يعتقده يعتقده كل الناس ، وما ينفعه ينفع كل الناس ، وما يكرهه يكرهه كل الناس ، بالطبع ، إنها نظرة قاصرة لا تقدر ولا تؤمن بالاختلافات البشرية في أهوائها وأدوئها وثقافتها ومذاهبها وتراكيبها النفسية وأمزجتها الخاصة ...إنه يستحيل على الإنسان يضع نظاما أو منهجا متكاملا للحياة ، وكل من يحاول ذلك فإنه حتما سيظل نظام مهتريء مليء بالثغرات يحمل في داخله عوامل انهياره لأن العامل أو الواضع للنظام هو جزء من كل ، فكيف يحكم الجزء على الكل ، ثم أن نزاهة الإنسان مسألة نسبية لا يمكنه التخلص منها نهائيا ، لأنه يحكم على الأشياء ويراها من خلال تكوينه وطابعه الشخصي الذي لا يمكن له أن يحيده ، وبالتالي حين يعمد إلى وضع نظام عام فإنه يسقط طابعه الشخصي أو ذاتيته على هذا النظام ، ومهما كان حذرا فإنه تبقى هناك عورات وثغرات لا يراها إلا الآخرون .. ولنأخذ مثالا بسيطا لما هو أقل وضع نظام عام للحياة ، فلو أنني حاولت أن أصنع مقعدا ، فإنني سأفرض ذوقي ورؤيتي على الجميع ، في حين أن من الناس من يهمه متانته وأمانه ، ومنهم من يهمه توفر عنصر الراحة ، ومنهم من ينظر إليه الناحية الجمالية ، ومنهم من يفضل لون معين ، ومنهم من يجادل في ثمنه .... وهكذا إلى ما لا نهاية ، فوضع منهج متكامل للحياة من الأمور المستحيلة جدا على الإنسان لأنه جزء من منظومة متكاملة ، يلزمه أن يدرك كل جوانب وأبعاد الشخصية البشرية ، ليس هذا فحسب بل تحل فيه أذواق وآمال وآلام كل البشر ، ولو حصل هذا _ جدلا _ فإنه لن يكون بشرا عاديا , وبهذا تنتفي فيه صفات الكمال البشرية !! نحن نحتاج إلى من يوفر لنا منهجا ونظاما للحياة يتجاوز محدودية الفكر الإنساني الضيق !!