اتربع الامير على منصة القضاء فجلس عقلاء بلاده عن يمينه وشماله وعلى وجوههم المتجعده تنعكس أوجه الكتب وألاسفار . وانتصب الجند حوله ممتشقين السيوف رافعين الرماح . ووقف الناس أمامه بين متفرج أتى به حب ألاستطلاع ،ومترقب ينتظر الحكم في جريمه قريبه ، وجميعهم قد حنو رقابهم وخشعوا أبصارهم وأمسكوا أنفاسهم كأن في عيني الامير قوة توعز الخوف وتوحي الرعب الى نفوسهم وقلوبهم . حتى أذا ما أكتمل المجلس وأزفت ساعة الدينونة ، رفع ألامير يده وصرخ قائلا : أحضروا المجرمين أمامي واحدا واحدا وأخبروني بذنوبهم ومعاصيهم .
ففتح باب السجن وبانت جدرانه المظلمة مثلما تظهر حنجرة الوحش الكاسر عندما يفتح فكيه متثائبا . فحول الحاظرون أعينهم وتطاولت أعناقهم كأنهم يريدون مسابقة الشريعه بنواظرهم ليرو فريسة الموت خارجه من أعماق ذلك القبر .
وبعد هنيهه خرج من السجن جنديان يقودان فتى مكتوف الساعدين يتكلم وجهه العابس عن عزة في النفس وقوة في القلب . وأوقفاه وسط المحكمه وتراجعا قليلا الى الوراء . فحدق اليه ألامير دقيقة ثم سأل قائلا : ما جريمة هذا الرجل المنتصب أمامنا برأس مرفوع كأنه في موقف الفخر لا في قبضة الدينونة؟
فأجاب رجل من أعوانه قائلا :
هو قاتل شرير قد أعترض بالأمس قائدا من قواد الأمير وجندله صريعا اذ كان ذاهبا بمهمة بين القرى ، وقد قبض عليه والسيف المغمد بدماء القتيل ما زال مشهورا في يده .
فتحرك الأمير غضبا فوق عرشه وتطايرت سهام الحنق من عينيه وصرخ بأعلى صوته قائلا : ارجعوه الى الظلمه وأثقوا جسده بالقيود ، وعندما يجيء فجر الغد أضربوا عنقه بحد سيفه ثم أطرحوا جثته في البريه لتجردها العقبان والضواري وتحمل الرياح رائحه نتانتها الى أنوف أهله ومحبيه .
أرجعوا الشاب الى السجن والناس يتبعونه بنظرات الاسف والتنهيدات العميقه لأنه كان فتى في ربيع العمر حسن المظاهر قوي البنيه .
وخرج الجنديان ثانية من السجن يقودان صبية جميلة الوجه ضعيفة الجسد قد وشح معانيها أصفرار اليأس والقنوط ، وغمرت عينيها العبرات وألوت عنقها الندامه والحسرة.
فنظر اليها الأمير قائلا : وما فعلت هذه المرأة المهزولة الواقفة أمامنا وقوف الظل بجانب الحقيقة ؟
فأجابه أحد الجنود قائلا : هي أمرأة عاهرة قد فاجأها بعلها ليلا فوجدها بين ذراعي خليلها فأسلمها للشرطة بعد أن فر أليفها هاربا . فحدق الأمير اليها وهي مطرقه خجلا ثم قال بشدة وقساوة : ارجعوها الى الظلمه ومددوها على فراش من الشوك لعلها تذكر المضجع الذي دنسته بعيبها ، وعند مجيء الفجر جروها عارية الى خارج المدينة وارجموها بالحجارة واتركوا جسدها هناك لكي تنتعم بلحمانه الذئاب وتنخر عظامه الديدان والحشرات .
توارت الصبية بظلمة السجن والحاظرون ينظرون اليها بين معجب بعدل الأمير ، ومتأسف على جمال وجهها الكئيب ورقة نظراتها المحزنة .
وظهر الجنديان ثالثة يقودان كهلا ضعيفا يسحب ركبتيه المرتعشتين كأنهما خرقتان من أطراف ثوبه البالي ، ويلتفت جزعا الى كل ناحية ، ومن نظراته الموجعة تنبعث أخيلة البؤس والفقر والتعاسه .
فالتفت الأمير نحوه وقال بلهجة الاشمئزاز : ما ذنب هذا القذر الواقف كالميت بين الأحياء ؟
فأجابه أحد الجنود قائلا: هو لص سارق قد دخل الدير ليلا فقبض عليه الرهبان الأتقياء ووجدوا طي أثوابه آنية مذابحهم المقدسة .
فنظر اليه الأمير نظرة النسر الجائع الى عصفور مكسور الجناحين وصرخ قائلا : انزلوه الى اعماق الظلمه وكبلوه بالحديد ، وعند مجيء الفجر جروه الى شجره عالية واشنقوه بحبل من كتان واتركوا جسده معلقا بين الأرض والسماء ، فتنثر العناصر أصابعه الأثيمه وتذري الرياح أعضاءه نتفا .
أرجعوا اللص الى السجن والناس يهمسون بعضهم في آذان بعض قائلين : كيف تجرأ هذا الضعيف الكافر على أختلاس آنية الدير المقدس ؟
ونزل الأمير عن كرسي القضاء فأتبعه العقلاء والمتشرعون وسار الجند خلفه وأمامه وتبدد شمل المتفرجين ، وخلا ذلك المكان الا من عويل المسجونين وزفرات القانطين المتمايله كالأخيله على الجدران .
جرى كل ذلك وأنا واقف هناك وقوف المرآة أمام الاشباح السائرة مفكرا بالشرائع التي وضعها البشر للبشر ، متأملا بما يحسبه الناس عدلا متعمقا بأسرار الحياة بحثا عن معنى الكيان ، حتى أذا ما تضعضعت أفكاري مثلما تتوراى خطوط الشفق بالضباب خرجت من ذاك المكان قائلا : لذاتي الأعشاب تمتص عناصر التراب . والخروف يلتهم الأعشاب . والذئب يفترس الخروف . ووحيد القرن يقتل الذئب . والأسد يصيد وحيد القرن . والموت يفني الأسد . فهل توجد قوة تتغلب على الموت فتجعل سلسلة هذه المظالم عدلا سرمديا ! ... أتوجد قوة تحول جميع هذه الأسباب الكريهة الى نتائج جميلة ؟ أتوجد قوة تقبض بكفها على جميع عناصر الحياة وتضمها الى ذاتها مبتسمه مثلما يرجع البحر جميع السواقي الى أعماقه مترنما ؟ أتوجد قوة توقف القاتل والمقتول ، والزانية وخليلها ، والسارق والمسروق منه أمام محكمة أسمى وأعلى من محكمة الأمير ؟
سوف أكمل ما تبقى من صراخ القبور :confused::confused: في المرة القادمه بأذن الله تعالى
ففتح باب السجن وبانت جدرانه المظلمة مثلما تظهر حنجرة الوحش الكاسر عندما يفتح فكيه متثائبا . فحول الحاظرون أعينهم وتطاولت أعناقهم كأنهم يريدون مسابقة الشريعه بنواظرهم ليرو فريسة الموت خارجه من أعماق ذلك القبر .
وبعد هنيهه خرج من السجن جنديان يقودان فتى مكتوف الساعدين يتكلم وجهه العابس عن عزة في النفس وقوة في القلب . وأوقفاه وسط المحكمه وتراجعا قليلا الى الوراء . فحدق اليه ألامير دقيقة ثم سأل قائلا : ما جريمة هذا الرجل المنتصب أمامنا برأس مرفوع كأنه في موقف الفخر لا في قبضة الدينونة؟
فأجاب رجل من أعوانه قائلا :
هو قاتل شرير قد أعترض بالأمس قائدا من قواد الأمير وجندله صريعا اذ كان ذاهبا بمهمة بين القرى ، وقد قبض عليه والسيف المغمد بدماء القتيل ما زال مشهورا في يده .
فتحرك الأمير غضبا فوق عرشه وتطايرت سهام الحنق من عينيه وصرخ بأعلى صوته قائلا : ارجعوه الى الظلمه وأثقوا جسده بالقيود ، وعندما يجيء فجر الغد أضربوا عنقه بحد سيفه ثم أطرحوا جثته في البريه لتجردها العقبان والضواري وتحمل الرياح رائحه نتانتها الى أنوف أهله ومحبيه .
أرجعوا الشاب الى السجن والناس يتبعونه بنظرات الاسف والتنهيدات العميقه لأنه كان فتى في ربيع العمر حسن المظاهر قوي البنيه .
وخرج الجنديان ثانية من السجن يقودان صبية جميلة الوجه ضعيفة الجسد قد وشح معانيها أصفرار اليأس والقنوط ، وغمرت عينيها العبرات وألوت عنقها الندامه والحسرة.
فنظر اليها الأمير قائلا : وما فعلت هذه المرأة المهزولة الواقفة أمامنا وقوف الظل بجانب الحقيقة ؟
فأجابه أحد الجنود قائلا : هي أمرأة عاهرة قد فاجأها بعلها ليلا فوجدها بين ذراعي خليلها فأسلمها للشرطة بعد أن فر أليفها هاربا . فحدق الأمير اليها وهي مطرقه خجلا ثم قال بشدة وقساوة : ارجعوها الى الظلمه ومددوها على فراش من الشوك لعلها تذكر المضجع الذي دنسته بعيبها ، وعند مجيء الفجر جروها عارية الى خارج المدينة وارجموها بالحجارة واتركوا جسدها هناك لكي تنتعم بلحمانه الذئاب وتنخر عظامه الديدان والحشرات .
توارت الصبية بظلمة السجن والحاظرون ينظرون اليها بين معجب بعدل الأمير ، ومتأسف على جمال وجهها الكئيب ورقة نظراتها المحزنة .
وظهر الجنديان ثالثة يقودان كهلا ضعيفا يسحب ركبتيه المرتعشتين كأنهما خرقتان من أطراف ثوبه البالي ، ويلتفت جزعا الى كل ناحية ، ومن نظراته الموجعة تنبعث أخيلة البؤس والفقر والتعاسه .
فالتفت الأمير نحوه وقال بلهجة الاشمئزاز : ما ذنب هذا القذر الواقف كالميت بين الأحياء ؟
فأجابه أحد الجنود قائلا: هو لص سارق قد دخل الدير ليلا فقبض عليه الرهبان الأتقياء ووجدوا طي أثوابه آنية مذابحهم المقدسة .
فنظر اليه الأمير نظرة النسر الجائع الى عصفور مكسور الجناحين وصرخ قائلا : انزلوه الى اعماق الظلمه وكبلوه بالحديد ، وعند مجيء الفجر جروه الى شجره عالية واشنقوه بحبل من كتان واتركوا جسده معلقا بين الأرض والسماء ، فتنثر العناصر أصابعه الأثيمه وتذري الرياح أعضاءه نتفا .
أرجعوا اللص الى السجن والناس يهمسون بعضهم في آذان بعض قائلين : كيف تجرأ هذا الضعيف الكافر على أختلاس آنية الدير المقدس ؟
ونزل الأمير عن كرسي القضاء فأتبعه العقلاء والمتشرعون وسار الجند خلفه وأمامه وتبدد شمل المتفرجين ، وخلا ذلك المكان الا من عويل المسجونين وزفرات القانطين المتمايله كالأخيله على الجدران .
جرى كل ذلك وأنا واقف هناك وقوف المرآة أمام الاشباح السائرة مفكرا بالشرائع التي وضعها البشر للبشر ، متأملا بما يحسبه الناس عدلا متعمقا بأسرار الحياة بحثا عن معنى الكيان ، حتى أذا ما تضعضعت أفكاري مثلما تتوراى خطوط الشفق بالضباب خرجت من ذاك المكان قائلا : لذاتي الأعشاب تمتص عناصر التراب . والخروف يلتهم الأعشاب . والذئب يفترس الخروف . ووحيد القرن يقتل الذئب . والأسد يصيد وحيد القرن . والموت يفني الأسد . فهل توجد قوة تتغلب على الموت فتجعل سلسلة هذه المظالم عدلا سرمديا ! ... أتوجد قوة تحول جميع هذه الأسباب الكريهة الى نتائج جميلة ؟ أتوجد قوة تقبض بكفها على جميع عناصر الحياة وتضمها الى ذاتها مبتسمه مثلما يرجع البحر جميع السواقي الى أعماقه مترنما ؟ أتوجد قوة توقف القاتل والمقتول ، والزانية وخليلها ، والسارق والمسروق منه أمام محكمة أسمى وأعلى من محكمة الأمير ؟
سوف أكمل ما تبقى من صراخ القبور :confused::confused: في المرة القادمه بأذن الله تعالى