لقاء أجرته صحيفة الوسط مع سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي

    • لقاء أجرته صحيفة الوسط مع سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي

      لقاء أجرته صحيفة الوسط مع سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي
      العدد الرابع ، جمادى الأولى 1418هـ
      عنوانه في الصفحة الأولى ( ضمن لقاءات الوسط مع كبار علماء العالم الإسلامي (مفتي سلطنة عمان الشيخ الخليلي :-
      سلامة القلوب ووجود الاحتكاك ، وترك التعصب أهم وسائل التقريب بين المذاهب الإسلامية .التعصب المذهبي والظروف السياسية هي وراء الجهل بالمذهب الإباضي .،
      مقدمة : المذهب الإباضي احد المذاهب الإسلامية الثمانية المعتبرة ، وهو من المذاهب التي لها شخصيتها وأصولها وأئمتها كسائر المذاهب الأخرى على أن من المثقفين المسلمين من يجهل به ويكتفي بمجرد السماع بوجوده فلهذا وغيره تعريفا بالمذهب الإباضي وتقريبا لوجهات النظر بين المذاهب الإسلامية واستثمارا لوجود أحد كبار علماء الإباضية بيننا رأت الوسط الالتقاء بفضيلة الشيخ أحمد الخليلي مفتي عمان فكان هذا اللقاء ..


      تعريف بالشيخ احمد الخليلي : هو الشيخ العلامة احمد بن حمد بن سليمان الخليلي ولد في زنجبار عام 1942 وطلب العلم على كبار علماء عمان وقد عين مدرسا للفقه واللغة لمدة سبع سنوات في مسجد خور في مسقط ثم عين مديرا للشؤون الإسلامية بوزارة العدل العمانية ثم عين مفتيا لعمان وما يزال .


      وهو عصامي تعلم على كبار العلماء ولم يتحصل على أية شهادة أكاديمية وله مؤلفات عديدة منها جواهر التفسير صدر منه ثلاثة أجزاء والحق الدامغ في العقيدة وسلسلة كتب في العقيدة وعوامل تقوية الوحدة الإسلامية في الشعائر الدينية والعبادة وأثرها في حياة المسلم هذا إضافة إلى أنه حفظه الله خطيب بليغ وموسوعي الاطلاع وذو حافظة نادرة .

      الوسط : هل لكم أن تعطونا نبذة عن المذهب الإباضي وعوامل نشأته وبعض أفكاره ؟الشيخ الخليلي : بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ، فقبل كل شيء انني أعتقد اعتقادا أرجو أن أكون فيه مصيبا وهو أن هذه الأمة لا نزاع فيه لأن القرآن الكريم يبين لنا ذلك ويدعونا الى اعتقاده ثم إلى جانب ذلك ...
      ثم إلى جانب ذلك علينا أن نفهم أن الدين الإسلامي الواسع جاءنا بعقائد مبسطة وجاءنا ايضا بشريعة سمحة وقد جعل الإسلام الاختلاف في بعض الجزئيات التي تتعلق بالنواحي الشرعية أمرا من محاسن هذا الدين الحنيف فان الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أخبرنا بما يطمئن قلوبنا من ان الاختلاف عندما يكون اجتهادا خالصا لوجهه تبارك وتعالى يؤجر عليه الجميع وذلك عندما قال سبحانه " ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها بإذن الله " وكذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أمر المسلمين أن يصلوا العصر في بني قريضة عندما كان الصحابة في الطريق أدركتهم صلاة العصر فانقسموا إلى قسمين فمنهم من أخذ بظاهر قول رسول الله صلى الله عليه سوم وقال لا حرج علينا في تأخير الصلاة وعن ميقاتها لأنه أمر من الشارع عليه الصلاة والسلام ومنهم من قال لا بل المراد بذلك أن نتعجل بالسير وعلينا أن نصلي الصلاة في ميقاتها .
      وقد أقر النبي عليه الصلاة والسلام هؤلاء وهؤلاء على اجتهادهم وهكذا كانت هذه الأمة في بداية أمرها أمة متسامحة مهما وقع الاختلاف بين علمائها ثم نجمت مشكلة في هذه الأمة هي مشكلة الخلافة وحصل ما حصل بين الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من الاختلاف منذ نقل الله سبحانه رسوله إلى جواره الكريم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم ولكن أذعن الجميع فيما بعد للطريقة التي اتفق عليها المسلمون .والخلفاء الراشدون الذين أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نسير على هديهم وأن نستن بسنتهم كانت طريقة اختيار كل واحد منهم هي الطريقة المعروفة وهي شورى بين المسلمين وكما أرشدنا الله تبارك وتعالى إليه ، ثم حصل ما حصل من خروج بعض الناس على الخليفة الشرعي على بن أبي طالب رضي الله عنه ثم بعد ذلك كانت قضية التحكيم وهنا كان لأسلاف الاباضية موقف من التحكيم وذلك أنهم رأوه تنازلا من خلي! فة شرعي عن حق شرعي فلم يسوغوه وبعد ذلك وعندما آل الأمر إلى الدولة الأموية بطبيعة الحال انقلب الأمر عما كان عليه من قبل بحيث صار الخليفة يعين من يأتي من بعده وبطبيعة الحال كان كل واحد يعين أقرب الناس إليه فاعتبر كثير من الناس (و من بينهم الإباضية ) أن هذا الأمر هو خروج عن المنهج الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن نتبعه وعن سنة الخلفاء الراشدين ، ورأوا أن أمر الخلافة هو أكبر وأعظم وأجل من أن يفقد أهم أركانه وهو الشورى لأنه أمر يعني الأمة بأسره! ا والأمة بأسرها مطالبة بأن تحافظ على حرمات الله وأن تقوم بشريعة الله وأن تقيم موازين القسط في هذه الأرض وهي مسؤولية كلها عن ذلك فلو عادت الخلافة إلى فرد يتحكم فيها أو إلى أسرة تتحكم فيها بحسب ما تريد فإن ذلك يؤدي إلى نقض عرى هذا الدين عروة عروة ، وفعلا حصل ما حصل حتى قال من قال " من قال برأسه هكذا قلنا له بالسيف هكذا " وفي هذا إسكات للألسن أن تقول كلمة الحق بخلاف ما كان الأمر عليه في عهد الخلفاء الراشدين فإن عمر بن الخ! طاب رضي الله تعالى عنه يقول : " أيها الناس إذا رأيتم في اعوجاجا فقوموه " فقال له أحد الناس : " والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا " ولم يكن هذا القول من ذلك الرجل داعيا إلى أن يتبرم أمير المؤمنين من قوله ، أو أن يتأذى منه أو أن يعتبر قوله تعديا على السلطة أو تمردا عليها وانما اعتبر ذلك من المحامد حتى حمد الله على أن أوجد في هذه الأمة من يقوّم اعوجاج عمر بسيفه ، وهذا دليل على أن المنهج الذي اجتمع عليه الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم كان منهجا واضحا لا غبار عليه ومستقيما لا اعوجاج فيه وأن الأمور ساءت فيما بعد وبطبيعة الحال حصل ما حصل وتبلور الفكر الذي سمي فيما بعد بالمذهب الإباضي
      وذلك في الحركة التي قام بها بعض الناس الذين كان لهم اتصال بالمحكمّة الأولين ومن المشهورين من هؤلاء الناس : عبدالله بن اباض ولكن هذا الرجل لا يعتبره الأباضيون اماما كإمامة سائر أئمة المذاهب الإسلامية الذين كان لهم فقه مدون وكانت لهم آراء محفوظة واجتهادات معلومة وانما كان عبدالله بن اباض ناطقا باسم الاباضية ولهذا لا تجد في كتب الفقه مسألة واحدة تنسب له قط لا في فقه الإباضية ولا فقه غيرهم ، وانما كان هو الواجهة وكان متكلما باسم الجماعة والممثل لها لدى السلطة ولهذا نسب الناس هذه الجماعة وهي الإباضية إليه وإلا فان المنظر الحقيقي لهذا المذهب هو الإمام أبو الشعثاء جابر بن زيد وهو من أكبر تلامذة الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما
      وقد كان الإمام جابر يعالج القضايا بسرية وتكتم ويهيء الجماعة لكي تقوم بهذا الأمر وكان له في ذلك أعوان ، ومن هؤلاء الأعوان من هو معدود من الصحابة رضي ال له عنهم مثل سحار بن عباس العبدي وهو معدود من الصحابة وقد ذكر الحافظ بن حجر أن له رواية للأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك جاء دور الإمام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي هو تميمي بالولاء لكنه كان ذا أهلية للقيادة وقد اجتمعت فيه المؤهلات القيادية التي تفوق فيها على أقرانه ، وقد كان مع فقره وضعفه وكونه فقد بصره مؤمنا قويا يدير هذا الأمر في سرداب في أرض البصرة ويفتح بصيرته على ما يجري في العالم وكان يرسل الرسل وفي ذلك الوقت كانت الفتوحات تتوالى ولكن كما قال صاحب ( المغرب في تاريخ المغرب ) من أن بني أمية استغلوا الفرصة لإشباع شهواتهم من وراء ذلك فكانوا يأكلون أموال الناس ويبحثون عن الجواري وكان قطيع من الغنم يذهب سدى من أجل البحث عن كبد على لون العسل في الأجنة في أرحام الأمهات فعندما بلغته هذه الأخبار أرسل أحد أصاحبه وهو سلمة بن سعد إلى بلاد المغرب فكان لسلمة دور كبير في نشر هذا المذهب في بلاد المغرب ، وهو الذي قال! عند وداعه لأستاذه : " وددت لو ظهر هذا الأمر يوما واحدا في بلاد المغرب ثم لا أبالي أن تضرب عنقي " وهكذا كان للإمام أبي عبيدة دور كبير في نشر هذا الفكر وهذا المذهب الإباضي والفقه الإباضي في بلاد المغرب وفي بلاد المشرق وقد وصل أصحابه إلى خراسان ومنهم من كان في أرض العراق ومنهم من كان في أرض اليمن ومنهم من كان في عمان ومنهم من وصل إلى مصر ومنهم من وصل إلى المغرب وتكونت المجموعة المعروفة بـ (حملة العلم إلى المغرب )من مدرسة أبي عبيدة وفي أيام أبي عبيدة عقدت ثلاثة إمامات! فقد عقدت الإمامة أولا في بلاد المشرق للإمام طالب الحق عبدالله بن يحيى الكندي الذي أوفد إلى الحجاز أبا حمزة الشاري المشهور وبويع في اليمن ووصل جيشه إلى الحجاز ودخل مكة بهم وقاتل ، وقد قوتل هذا الجيش في أرض قديد وانتصر ثم بعد ذلك قوتل فكانت الكرة عليه وعلى أية حال لعلنا ان رجعنا إلى التاريخ عرفنا المنهج الذي سارت عليه هذه الجماعة المعروفة بالإباضية فعندما دخل طالب الحق بلاد صنعاء وكان هو وأصحابه على فقر مدقع حتى وصفهم أبو حمزة بأن النفر الكثير منهم كانوا يتعاقبون على بعير واحد وجدوا الأموال التي جباها القاسم الثقفي عامل بني أمية وأخذها من صنعاء عنوة ولكن الإمام طالب الحق لم يستبح أن يأخذ منها شيئا لنفسه ولا لأصحابه بل وزعها بين أهل صنعاء لأنها أخذت منهم بغير حق فرأى أن يردها عليه وهكذا كانت معاملة الإباضية لكل جماعة من جماعات المسلمين عندما يحكم عليهم من قبلهم بالبغي فإنهم لا يستبيحون شيئا من أموالهم والإمام أبو الخطاب ( وهو أول إمام بويع في المغرب! ) عندما استنجدت به امرأة من أرض القيروان بعدما جارت عليها القبيلة( وهي قبيلة صفرية المذهب ) وذهب لإنجادها بجيش خطب في الجيش قائلا ( إن هؤلاء لم يخرجوا عن ملة التوحيد ولا نستبيح أن نأخذ من أموالهم شيئا قط ) وعندما وقعت المعركة وخرج الناس من ديارهم بعد المعركة ظنوا أنهم سيجدون المتاجر مسلوبة والمزارع متلفة لكنهم وجدوا عكس ذلك وعندما مرت امراة بأرض المعركة ووجدت أن كل جندي فيها بسلبه ولم تؤخذ أسلابهم قالت :" كأنهم رقود " فسمي المكان " رقادة " إلى الآن في القيروان ،



      تابع
    • وكذلك فإن الإباضية لم يكونوا يجرؤون على قتل أحد أو قتاله إلا بعد أن يقيموا عليه الحجة وعندما جرت مواجهة بين جند أبي حمزة الشاري في ( قديد ) وأهل المدينة قال أبو حمزة لأصحابه : " لا تبدأوهم بالقتال حتى يبدأوكم " ثم بدأهم أهل المدينة بالقتال وأصيب أحد جنود أبي حمزة فقال لهم : " دونكم الآن فقد حل القتال " فقتالهم كان قتال دفاع وليس هو هجوما على تلك الطائفة وإن كانت هي التي بدأت الحرب


      وأيضا عندما قيل للإمام أبي الخطاب : " نأكل أموالهم كما يأكلون أموالنا " قال لهم :" اذن حق على الله أن يكتبنا معهم في النار ونكون كما قال الله تعالى " كلما دخلت أمة لعنت أختها " لذلك نجد في تعريف هذه الجماعة تلك المواقف التي فيها المحافظة على هذه الأمة وعلى أعراضها وعلى دمائها وبدون ذلك لا يمكن أن يتجرأوا على القتل وغيره ، وهنا أذكر قصة وقعت في هذا العصر الأخير قبل أقل من قرن من الزمن عام 1331هـ ومفادها أن في ذلك العام عقدت الإمامة في عُمان على الإمام سالم بن راشد السالمي وكان من بين السكان الذين يسكنون ( سمائل ) في عمان ذلك الوقت رجل شيعي جاء للتجارة وكان في سمائل بعض القبائل الإباضية غير الملتزمة فسرقت هذا الرجل الشيعي فأخذ الإمام سالم تسعة نفر من رؤساء تلك القبائل ووضعهم في السجن حتى أخرجوا له من سرق الشيعي ، وهذا إن دل فإنما يدل على تسامح الإباضية مع غيرهم من المذاهب الإسلامية مهما كان الخلاف بينهم وحرصهم على المحافظة على اموال اخوانهم من المسلمين وأعراضهم وأنفسهم.


      جريدة الوسط :- من خلال كلامكم نلاحظ أمرين : الأول أن الإباضية صادرون عن المحكمة الأوائل وهم الخوارج والثاني أن منهج الإباضية يخالف منهج الخوارج ، فما حقيقة العلاقة بين الإباضية والخوارج ؟


      الشيخ الخليلي :- أولا قبل كل شيء ننظر في مفهوم كلمة الخوارج لأن كلمة الخوارج ذكرت في القرآن بقوله تعالى : " ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة " فإن كان معنى الخوارج الخروج على الإمام عندما يجتهد المجتهدون ويرون أن قضية ما منه تتنافى ( بحسب اجتهادهم ) مع أصول الشريعة التي ينبغي أن يسار عليها أو تتنافى مع السياسة الشرعية فالإباضية من هذا المنطلق خوارج ، أما إن كان المراد بالخروج الخروج على الأمة أو عنها أو القيام على حاكم شرعي بغير وجه شرعي فالإباضية حالئذ ليسوا خوارج لأنهم لا يوافقون على هذا ، والإباضية لا يحكمون على مرتكب الكبيرة بالخروج عن الإسلام ( خلافا للخوارج في هذا ) فعندهم مرتكب الكبيرة يرث ويورث ويدفن في مقابر المسلمين ويصلى عليه ويعامل معاملة المسلمين ، نعم عندهم ( كفر النعمة ) وهو كما يقال عند المحدثين كفر دون كفر ، فمرتكب الكبيرة المصر على كبيرته عندهم هو كافر كفر نعمة لا كفر ملة أو شرك بدون فرق بين أن يكون هذا المصر على كبيرته اباضيا أو غير إباضي وكونه إباضيا لا يشفع له ، ولذلك نجد الإباضية يتشددون على من يكفر مرتكب الكبيرة كفر ملة أو شرك وهم الخوارج فهذا الشيخ السالمي من الإباضية يقول :-


      خوارج ضلت فصارت مارقة * صفرية نجدية أزارقة
      وأمة المختار ضللتهموا * وفسقتهموا وبدعتهموا




      وهذه طوائف الخوارج وذلك لأجل أعمالهم وأيضا نجد عند الإباضية التسامح الذين بين الإباضية وبين اخوانهم من المسلمين الآخرين على رغم أن هنالك مواقف مخالفة من قبل بعض المذاهب الأخرى تجاه الإباضية ولا أقول من قبل الجميع بل من قبل بعضهم فقط ، ويدل على هذا التسامح عند الإباضية تجاه المذاهب الأخرى أن أبا حمزة الشاري عندما خطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة مشركا بالله أو كافرا من أهل الكتاب أو إماما جائرا " وليس معنى كون الإمام الجائر ليس منا أنه كافر خارج من الملة ،لا ، ولكن بما انه رمز التعدي على حدود الله حيث أن فساده يترتب عليه فساد غيره فلا ريب أن الإمام الجائر بسبب ذلك كان ملحقا بالكافر من أهل الكتاب وبعابد الوثن في البراءة منه لا في أنه خارج عن الإسلام مثلهم


      الوسط :- نجد في أواسط المثقفين جهلا بالمذهب الإباضي رغم أنه يشكل غالبية في عُمان وانه موجود في شمال افريقيا كالجزائر وليبيا وتونس فما أسباب الجهل به عند بعض المثقفين برأيكم ؟الشيخ الخليلي :- هنالك عدة عوامل ومن ضمن هذه العوامل :


      الظروف السياسة لأن لها تأثيرا في إظهار الشيء بمظهره الصحيح أو إظهاره بعكس ذلك وهذا الشيء ملاحظ إلى وقتنا هذا فنرى مع تقلبات الأوضاع السياسة أن الأمور تختلف وتنقلب رأسا على عقب ، وبطبيعة الحال فإن الحكام الذين توصلوا إلى الحكم بطريق غير شرعية ( بحسب المقاييس الموجودة عند الإباضية ) تسؤوهم فكرة هذا المذهب لا سيما وقد كان الحكام على مقدرة بأن يؤثرا في كثير من الرعايا حتى العلماء ( إلا من رحم ربك ) من ناحية الفقه السياسي حتى صار متداولا ان الحاكم تجب طاعته بر أو فجر عدل أو جار بغض النظر عن تصرفاته وأعماله فما دام يقول لا اله إلا الله فعلينا أن نخضع له وان نطيعه وان ننقاد لأمره مهما كان ، والإباضية لا يرون ذلك لأن الآية في بدايتها ( يا أيها الذين آمنوا ) وهو خطاب موجه للمؤمنين أي المؤمنين حقا ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) أي يا معشر الذين آمنوا فمن نكث عهد الله وخرج عن الطريق الصحيح الذي أمر الله سبحانه وتعالى بأن يسير الحاكم عليه فقد خرج عن دائرة الذين آمنوا الإيمان الصحيح وان كان لم يخرج من الملة بل عن هذا الإطار الصحيح فقط ونحن أمرنا بطاعة أولئك الذين يطيعون الله ويتقونه ويرعونه في أنفسهم باستقامتهم وفي رعاياهم باقامة موازين القسط فيما بينهم ، فبسبب ذلك الفكر أشيع عن الإباضية بأنهم طائفة إرهابية وأنهم جماعة خارجة عن المسلمين ومتمردة عليهم أي بسبب حرص أولئك الحكام على توطيد سلطانهم هذه ناحية ومن ناحية أخرى حصلت تعصبات مذهبية أدت إلى محاولة ضرب الحصار على كل من خرج عن مذهب معين بحيث يعتبر هذا الخارج منبوذا وبعيدا عن الملة وعن الحق ، ونحن نأسف أن نجد في علماء المسلمين من يأتي بمثل هذه الأمور التي تقشعر لها الأبدان ..



      فعلى سبيل المثال وجدنا في كتاب ( حاشية الصاوي على الجلالين ) : أن الناس يجب عليهم جميعا أن يقلدوا الأئمة الأربعة ومن لم يقلدهم فهو ضال مضل ويخشى عليه الوقوع في الكفر ولو أنه وافق ظاهر القرآن والأحاديث الصحيحة ومذهب الصحابة .


      وهذا الكلام كان معهودا وليس جديدا وهذا مثلا اللقاني صاحب الجوهرة يقول : " فواجب تقليد حبر منهموا * كما روى القوم بلفظ يفهم " ، أي لا بد من تقليد واحد من الأئمة الأربعة وإلا خرج عن هذه الجماعة .


      فكيف ينظر بعد ذلك إلى الإباضية ؟ !!


      طبعا لن ينظر إليهم نظرة ايجابية .


      وهذا إذا ً من العوامل التي أدت إلى الجهل بهذا المذهب وكذلك المذاهب الأخرى غير المذاهب الأربعة . وهذا ما تأصل العصبية المذهبية لمذهب الأشياخ فكانت سببا للتنكر للإباضية . على أننا لا ننكر أن كثيرا من الناس قالوا فيهم كلمة الحق وأنصفوهم وعاملوهم بالحسنى فعلى سبيل المثال في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي عومل الإباضية أحسن معاملة في مصر وعوملوا معاملة متميزة حتى أنهم كانوا أحرارا في أوقافهم وترك قضائهم إليهم ، وكانت لهم حلقات علمية في جامع ابن طولون في عهد ذلك السلطان المجاهد فكانت عهده عهدا متميزا وقد حفظ الإباضية لصلاح الدين الأيوبي ذلك .


      وهذا ما أن الإباضية في كل وقت من الأوقات كانوا يحرصون على أن يكونوا مع الجماعة المسلمة وأن يكونوا في المقدمة عندما يواجه المسلمون الآخرين ، فعندما غزيت الجزائر في أيام الدولة العثمانية جاء الإباضية وقاموا الغزاة الأسبان وخلصوا العاصمة الجزائرية منهم ولهذا كان للإباضية عند العثمانيين ميزة منذ ذلك الوقت فكانوا هم الذين يشرفون على التذكية في الدولة العثمانية لأجل الثقة في دينهم حتى تكون التذكية شرعية ليس فيها خلل .


      الوسط : هل ترون أن الفروق بين الإباضية وأهل السنة قليلة ، وهل هي سبب كاف لتسويغ الافتراق بيننا ؟
      الشيخ الخليلي : مع التسامح الذي يجب أن يكون بين الأمة لا نجعلها فروقا تؤدي إلى القطيعة وإنما هي اجتهادات ومهما كان الأمر فكل منا أراد أن يوافق الحق وكل منا أراد الحرص على الصواب .. ولكننا إلى جانب ذلك ندعو دائما إلى أن تنتزع من القلوب العصبية وأن تكون النظرة نظرة سليمة وأن يكون الاحتكام إلى النصوص الصريحة الواضحة من القرآن والسنة ، وقد قال في هذا الإمام السالمي من الإباضية رحمه الله :-


      ونحن لا نطالب العبادا * فوق شهادتيهم اعتقادافمن أتى بالجملتين قلنا * اخواننا وبالحقوق قمناإلا إذا ما أظهروا ضلالا * واعتقدوا في دينهم محالاقمنا نبين الصواب لهم * ونحسن ذلك من حقهمفما رأيته من التحرير * في كتب التوحيد والتقريرحل مسائل ورد شبه * جاء بها من ضللوا المنتبهقمنا نردها ونبدي الحق * بجهدنا كي لا يضلوا الخلقالو سكتوا عنا سكتنا عنهم * ونكتفي منهم بأن يسلمواولكن ، على أية حال قد تكون هنالك ردة فعل نوعا ما عند الإباضية بسبب بعض التصرفات لأنه في مقابل حرص الإباضية على معاملة اخوانهم المسلمين معاملة مثالية تقع أحيانا بعض التصرفات السيئة من قبل اخوانهم فتؤدي إلى ردة فعل عند الإباضية .


      فعلى سبيل المثال وقعت قصة قبل حوالي أربع سنوات من الآن وذلك أن رجلا اباضيا من أهل عمان أصيب بحادث في إحدى البلاد الإسلامية وعندما عرضت القضية على القضاء الشرعي تشدد القاضي في الحكم على المتسبب في الحادث ولكنه عندما رأى جواز سفر المصاب الذي توفي ( وهو الإباضي ) علم أنه من عمان فسأل ورثته : هل هو اباضي ؟ فقالوا نعم ، فغير القاضي الحكم . وقال للمتسبب بوفاة الإباضي : " ليس عليك أن تكفر " ( أي كفارة القتل الخطأ ) . وقال لورثة ذلك الإباضي : " لولا ما سبق لما أعطيتم من الدية شيئا " .


      فهذا القاضي اعتبر دم الإباضي هدرا مع أنه لو عامله معاملة الذمي المعاهد لحكم له بالدية لأن المعاهد تجب الدية له وتجب الكفارة أيضا لقتله خطأ بنص القرآن .


      الوسط : بنظركم ما هي وسائل التقريب بين المذاهب الإسلامية .


      الشيخ الخليلي : نسأل الله سبحانه أن يؤيد هذا الدين بما يجمع الشمل ويوحد الكلمة وقبل كل شيء الوسيلة هي سلامة القلوب فعندما تكون القلوب سليمة يأتي الله بالخير لأن كل واحد يكون ينشد الحق وكل واحد يتجرد من العصبية التي كثيرا ما تحول بينهم وبين أبصار الحق .


      فالوسيلة الكبرى هي هذا أعني سلامة القلوب ، وهذا مع وجود الاحتكاك واطلاع كل واحد على ما عند الاخر .


      الوسط : تختلف وجهات النظر في تحديد أسباب قلة نتاج الصحوة الإسلامية فما أسباب ذلك بنظركم ؟الشيخ الخليلي : الناس الآن كثيرا ما نجدهم يتحاملون على الجماعات الإسلامية بأنها جماعات إرهابية ومتطرفة وقد سئلت أكثر من مرة من قبل الصحفيين عن ذلك ، وكانوا يريدونني أن أتحدث بما يرضون ولكنني أتحدث بحسب ما أؤمن به وما يمليه علي إيماني وضميري فأقول : " هناك تصرفات وأعمال مخالفة للمنطق السليم بل هي في الحقيقة مخالفة للإسلام ، وإن هذه التصرفات لم تنشأ من الإسلام وإنما هي ردة فعل للفجوة العميقة ما بين الواقع وما يجب علينا أن نؤمن به فالمباديء في جانب والواقع في جانب آخر ، وعندما ينشأ شاب طموح إلى الإسلام يرغب بأن يحكمه الإسلام وأن يحيا حياة الإسلام ولكنه يجد الواقع كله بعكس ذلك ، وغالبا ما لا يكون الشاب على حصيلة من الفقه بدين الله بحيث يتصرف تصرفا سليما فماذا عساه ان يفعل عندما يرى السياسة على غير الإسلام ويرى الإعلام على غير الإسلام ومناهج التربية غير إسلامية وكذلك المناهج الاقتصادية والسلوك الاجتماعي مع المؤثرات الكثيرة التي تدفعه إلى أن ينفجر وأن يتصرف تصرفا غير لائق .


      وإن أعداء الإسلام أيضا من حيث ندري ولا ندري هم دائما وراء هذه التصرفات العشوائية وهم الذين يدفعون بهؤلاء الضحايا إلى تلك التصرفات ، فوقوف أعداء الإسلام بين الشباب المسلم وما يطمحون إليه من الخير ، ومحاولتهم الدائمة إلى الدفع بالشباب إلى هاوية التطرف ( كما يقولون ) مع عدم وجود القيادات المؤثرة التي تستطيع التأثير في سلوك هؤلاء وفي إبراز مفاهيم الإسلام الصحيحة وإقناع الشباب بحقيقة الإسلام كل هذا سبب في حصول ما يحصل فالأمة الإسلامية بحاجة قبل كل شيء إلى قادة " وامين " مطبقين للإسلام بحذافيره وعلى أن يكونوا هم القدوة في هذا التطبيق بحيث يتأثر بهم بالتالي الأتباع من الشباب المسلم ويتفاعلون معهم



      منقول
    • بارك الله فيك اخي ابو عزان وسدد على الحق خطالك
      حكم
      ** الرجال الأخيار يجب ألا يصاحبوا ألا أمثالهم.
      **حفظ اللسان راحة الإنسان، فاحفظه حفظ الشكر للإحسان،فآفة الإنسان في اللسان)...ابو القاسم ابن عباد
      ** ولا تمشي فوق الأرض إلاتواضعاً*******فكم تحتها قومٌ هم منك أرفعُ
      **
      إنني أبدو مثل طفلٍ يلعبُ في ساحل البحر و يجدُ من وقتٍ لآخر حصاة ملساء أو قوقعة جميلة أجمل من مثيلاتها إلا أن الحقيقة كلها تمتدُّ أمامي مثل محيطٍ واسع عظيم لم أكتشف منهُ أي شيء بعد
    • خطأ في اية قرانية

      الموضوع جميل وجزيت خيرا بإذن الله

      ولكن يوجد هناك خطأ في الاية القرانية التي وردت في مقدمة الموضوع ....قال تعالى : (( مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ)) الاية (5) من سورة الحشر...

      أخواني وأخواتي ... ما أسهل أن نتأكد من أي اية قد تمر علينا ..لذا أرجوا قبل نقل أو كتابة أي موضوع موثق بأيات قرانية أن نتأكد من صحة كتابتها...

      ولكم جزيل الشكر