صلاح شحادة.. قائد القساميين يتكلم

    • صلاح شحادة.. قائد القساميين يتكلم


      - قال: "لم يدع جنود الاحتلال شَعْرة في ذقني أو صدري إلا نتفوها حتى شككت أنه يمكن أن تنبت لي لحية مرة أخرى، واقتلعوا أظافر قدمي ويدي، ولكني والله ما شعرت بألم، ولم أتفوه بآهة واحدة.. فقد كنت أردد القرآن".
      وقالوا عنه (يعقوب بيري): "لقد حرمناه من النوم لفترات طويلة، وحققنا معه بصورة مكثفة وطويلة، لكنه كان قويًّا ومصرًّا على عدم الخنوع".

      قال : "أعمل عاما واقفا خيرٌ من أن أعمل عشرات السنين تحت الأرض.. فالأجل إذا جاء فلا أحد يدفعه، والشهادة أسهل من شربة ماء يشربها أحدنا".
      وقالوا عنه (الصحفي "ابن كسفيت" مراسل "معاريف"): هو أبرز الشخصيات التي تم اغتيالها حتى الآن بلا شك؟

      قال: "إن دماء الذين سقطوا لن تذهب هدرا، وإن كنت أشد ما أخشاه ضياع هذه الدماء حتى أصبحت كابوسا أعيش فيه حتى ألهمني الله رشدي؛ فإن هذه الدماء هناك من يقدرها وهو الله -عز وجل-، ولن يستطيع أحد تجاوز هذا الخط وتبديده؛ لأن الله وعد ووعده الحق: " إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا".
      قالوا عنه (بوغي يعلون -رئيس هيئة أركان الصهاينة-): إنه "الحوت" أو "القنبلة الثقيلة الموقوتة". فهو لم يكن يسيطر على حماس القطاع فقط، وإنما أرسل ذراعين للضفة؛ حيث قام بإعادة بناء البنية التحتية عن بُعد، وأطلق العمليات، ونقل تكنولوجيا الصواريخ و"القسام"، ومارَس الضغوط للبدء في إطلاقها باتجاه المدن الإسرائيلية.

      وقالوا عنه أيضا (ماجدة قنيطة – زوجته الثانية): "كان نعم الزوج المثالي، إذا شعر بالملل أو التعب -خاصة أنه كان أحيانا يصل الليل بالنهار-، وكان يمارس الرياضة، وإذا وجد بعض الأعمال المنزلية كان يقوم بها بنفسه، فكنت أنهاه، وأقول له: يكفيك ما عليك من أعباء جهادية؛ فيرد عليّ بقوله: لستُ خيرا من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، لقد كان يساعد أهل بيته.. فدعيني أحي سنته". وأضافت "إنه كثيرا ما كان يجلس ليراجع حفظه من كتاب الله".

      أترككم مع كلمات هذا البطل القسامي.

      راودتنا فكرة اللقاء به منذ زمن، فبحثنا عمن يوصلنا إليه. لم يكن الأمر بالشيء الهين، خاصة في ظلِّ الوضع الأمني الراهن. لقاء كهذا يستحق الانتظار، فهو لا يحمل الـ "VIP"، وليس عضوًا في طاقم المفاوضات، إنه القائد الأعلى، رئيس هيئة الأركان، في كتائب الشهيد "عزّ الدِّين القسَّام"، المطلوب الأول لقوات الاحتلال الإسرائيلي.

      وبالفعل تم تحديد الموعد؛ وفي المكان المحدد حضرت السيارة، وبكلمة السر التي بحوزتنا أقلتنا إلى مكان ما من قطاع غزة.

      وفي غرفة صغيرة، جلسنا تحيط بنا قطع من الحديد أشبه بصواريخ القسَّام، وقطعة سلاح "إم – 16"، وتتوسط الغرفة طاولة عليها أوراق كثيرة، ثم دخل الرجل مرحبًا بابتسامة عريضة.. فجلس وجلسنا.. ولأن الوقت محدد بدأنا اللقاء:

      * كيف تختارون الاستشهادي؟
      - يتم الاختيار وفقًا لأربعة معايير، أولها: الالتزام الديني، ثانيها: رضا الوالدين. فنحن نتحرى أن يكون الشاب الاستشهادي مرضيا لوالديه، ومحبوبا من أسرته، كذلك لا يؤثر على حياة الأسرة عند استشهاده، بمعنى ألا يكون ربًّا للأسرة؛ وأيضا أن يكون له إخوة آخرون؛ أي لا نأخذ وحيد أبويه. والمعيار الثالث: القدرة على تنفيذ المهمة التي تُوكَل إليه، واستيعاب شدتها. المعيار الرابع والأخير: أن يكون استشهاده دعوة للآخرين للقيام بعمليات استشهادية، وتشجيعا للجهاد في نفوس الناس.

      هذه القوالب ليست جامدة، وليست مفصولة عن بعضها، وإنما يرتبط كل واحد منها بالآخر، ونحن نفضل غير المتزوجين دائمًا. وقيادة المنطقة في الجهاز العسكري للحركة التابع لها هي التي تقوم بدورها في ترشيحه لنا؛ ثم يتخذ القرار بالموافقة عليه أو عدمه.

      * ولكن كيف تفسِّر هذا الإقبال من الشباب على التدافع نحو الانضمام إلى قوائم الاستشهاديين؟ وهل هذا دليل صحة أم هو هروب من حالة الإحباط واليأس التي يعيشها الفلسطينيون؟
      - إن إقبال الشباب على نيل الشهادة دليل على صحة ووعي المجتمع الفلسطيني، وليس خطأ أو هروبًا من حالة يأس أو إحباط، والأفراد الذين يقبلون على الجهاد كثيرون، ولديهم استعداد لتقديم أرواحهم، وهو أغلى ما يملك الإنسان. وشتان بين من يقدم المال والقربان ومن يقدم روحه في سبيل الله تعالى مقابل سعادة الأمة ليرفع عنها البؤس والشقاء.

      رغم هذا فإننا لا نستطيع أن نوفِّر لكل إنسان عملية استشهادية يقوم بها؛ لأن الأهداف محدودة وأماكن العدو التي نريد أن نصل إليها محصنة جدًّا. وإن لم يلتزم بعض الشبان بقرار الجهاز العسكري، ولم يكن لهم ارتباط رسمي؛ فهذا دليل على أن الأمة أصبحت أمة جهادية؛ وهي على أعتاب التحرر، وترفض الهوان والذل.

      استشهاد الأطفال
      * وكيف تقومون ظاهرة الاستشهاديين الأطفال؟
      - إن قضية روح الجهاد، وإقبال الأطفال على الشهادة قد يُساء استغلالها، ونحن لا نشجِّع أي إنسان أن يقدم على اقتحام مستوطنة بأسلحة بيضاء؛ فلا بد من اختيار الوسيلة المناسبة، ورغم أن هذه الظاهرة ظاهرة صحية، فإنها تحتاج إلى ترشيد، وترشيدها يتم عن طريق توعية الأشبال وتجنيدهم في الجهاز العسكري في قسم خاص، حتى يتم تربيتهم تربية جهادية عسكرية، ومن خلالها يستطيع الشبل التمييز بين الصواب والخطأ، ومتى يستحق أن ينفذ عملية استشهادية ومتى يطلق النار؟.
      * وكيف يحدد الجهاز العسكري الهدف؟

      - لدينا مجموعات رصد (استخبارات عسكرية)، مهمتها ملاحقة الدوريات الإسرائيلية والمستوطنين، وملاحظة تحركات العدو على الحدود. ومن ثَم ننتهز أي ثغرة أمنية نجدها في الجدار الأمني للعدو، وبعدها نحدد الهدف، وكيفية الانقضاض عليه، سواء كان مستوطنة، أو موقعًا عسكريًّا أو سيارة عسكرية إلى غير ذلك.

      ويتم تصوير هذا الهدف عبر كاميرات الفيديو، ثم يعرض على لجنة تحددها هيئة أركان العمل العسكري، وبعد إقرارها يتم تدريب الاستشهادي المنفِّذ على الهدف بعد معاينته، وبالتالي تكون العملية جاهزة للتنفيذ، بعد أن يقرر الخطة مجموعة من الخبراء، وتحدد عوامل النجاح والفشل

      * هل يمكن تقديم نماذج من هذه العمليات؟


      - كتب لنا الشهيد الريَّان العديد من الرسائل يطالبنا فيها بضمه إلى قائمة الاستشهاديين، وهو يُعتبر أول استشهادي من الأشبال؛ فهو لم يُكمل بعدُ عامه السابع عشر.

      وكنا قد رصدنا مستوطنة إيلي سيناي، وقمنا بتصويرها مباشرة عن طريق الشهيد جهاد المصري، وزميل له استشهد في مستوطنة دوغيت فيما بعد. واستطاعا تصوير الموقع العسكري من الداخل، ثم قاما بالتصوير بالفيديو – من داخل موقع عسكري مهجور - لسيارات المستوطنين، وأماكن دخول كل من الشهيد إبراهيم وعبد الله شعبان. وبعد أن تم التصوير، أُخبر إبراهيم بالهدف، وتم تدريبه على الهدف وطبيعة المهمة الملقاة على عاتقه.

      ونحن في هذه المناسبة نودُّ أن نعرب عن فخرنا بجهاز الرصد الخاص بالكتائب، الذي حقَّق الكثير بفضل الله سبحانه وتعالى.

      وفي عملية دوغيت المشابهة، بات أفراد جهاز الرصد في داخل الموقع حتى اقتربا تمامًا من طريق حركة السيارات الإسرائيلية؛ وكان معهما جهاز اتصال بقائد المجموعة، وأخبراه بطريقة حركة السيارات، وقالا له مثلاً: هذه سيارة مصفحة تمر أمامنا ولم نطلق النار.. وهذا جيب مصفح لم نطلق عليه النار.. وهذا جيب قادم.. سنطلق!! وفعلاً أطلقا النار على الجيب العسكري؛ وكان يحمل عالمًا نوويًّا صهيونيًّا، وأحد أكبر عشرة علماء في داخل الكيان الصهيوني، وقتلوه وأطلقوا النار من وسط الشارع الرئيسي لطريق المستوطنين؛ لأنهم باتوا في داخل المستوطنة. وكانت هذه فاتحة خير لعمليات أخرى نفذها الشهداء بدوي، ومحمد عماد، وغيرهما.. وكانت العملية المشجعة لعملية الشهيد محمد فرحات.

      لا نقاتل اليهود لأنهم يهود

      * وما الضوابط التي تحكم اختياركم للأهداف؟ وماذا عن قتل المدنيين الإسرائيليين؟

      - نحن لا نستهدف الأطفال أو الشيوخ أو المعابد، رغم أن هذه المعابد تحرض على قتل المسلمين، ولم نستهدف المدارس؛ لأننا لا نأمر بقتل الأطفال، وكذلك المستشفيات، رغم أنها سهلة وأمامنا. فنحن نعمل وفق مبادئ جهادية نلتزم بها وشعارنا: إننا لا نقاتل اليهود لأنهم يهود، وإنما نقاتلهم لأنهم محتلون لأرضنا، ولا نقاتلهم لعقيدتهم، وإنما نقاتلهم لأنهم اغتصبوا أرضنا. ومن يسقط من الأطفال فذلك خارج عن إرادتنا.

      * كيف تحصلون على الأسلحة وكيف تنقل إلى مكان العملية؟

      - الإعلان عن تفاصيل العملية مضر جدًّا بالحركة؛ لذلك نحن سنحتفظ بتفاصيلها؛ وسنطرحها للجيل القادم؛ وكل ما أستطيع أن أذكره أنها استغرقت 3 أشهر ونصف شهر من الرصد، وأدخلنا كافة المعدات القتالية عن طريق أضخم وأدق وأصعب الحواجز العسكرية في القطاع الذي لا يستطيع الإنسان العادي أن يُدخل هاتفه الجوال من خلالها، ولكن بفضل الله تعالى استطعنا أن ندخل الرشاشات، والكلاشينات، وأمشاط الذخائر، واحتياجات العملية كافة.

      * كم تتكلف العملية الاستشهادية؟

      - تكاليف العملية تتفاوت حسب نوعها. فعملية هجوم بالسلاح الأتوماتيكي تكلفتها هي ثمن السلاح مع الذخيرة التي لا تقل عن 250 طلقة، بالإضافة إلى عشر قنابل يدوية تقريبًا. ولكن بعض العمليات تحتاج إلى تكاليف أكبر، تشمل عملية توصيل ودفع أموال وشراء سيارات وشراء ذمم من اليهود. وبعض العمليات تكلفنا ثمنًا باهظًا، بالإضافة إلى الأموال التي تترواح ما بين 3500 دولار إلى 50 ألف دولار أمريكي حسب المستهدف.

      * الأسلحة التي اشتُهرت كتائب عزّ الدِّين القسَّام بصناعتها مثل القسَّام 1 و 2 والبَنَّا.. كيف طورتموها؟

      - من الطبيعي أن حركة مثل "حماس" تطور سلاحها حسب المشكلات اليومية التي تواجهها من العدو الصهيوني من سياج أمني، وآخر واقٍ، فلا بد من اختراقها عبر الصواريخ والهاونات. واستطاعت بفضل الله أن تتوصل إليها بالاستفادة من التجربة العملية والعلمية. فلدينا أناس متخصصون من الناحية العلمية لتطوير الأسلحة، تطالع وتقوم وتجرب اليوم صاروخ البنَّا الذي يجمع ما بين "الآر.بي.جي"، و"اللاو"، وهو يختلف عن القسَّام 2 بأنه مخصص كمضاد للدروع المتوسطة.

      أما القنابل اليدوية فقد تمت صناعتها لتلبي حاجة الجهاز وأفراده. وبفضل الله أثبتت هذه القنابل مفعولها؛ وشهدت بذلك وزارة الدفاع الصهيونية بأن هذه القنابل قوية.. وجميع هذه القنابل والصواريخ يتم صناعتها محليًّا وبشكل سهل وبسيط. فالمادة المتفجرة في صواريخ قسَّام 1 و 2 والبَنَّا مصنعة من مواد أولية بسيطة، تستطيع النساء في البيت أن تحضرها؛ والله سبحانه يمنح هذا العلم لمن يستحقه "وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ الله".


      الهيكل التنظيمي للكتائب

      * وماذا عن الهيكل التنظيمي لكتائب القسام؟

      - الكتائب بشكل عام عبارة عن جيش صغير محكوم بقرار سياسي – كأي جيش في العالم – تتواجد فيه كافة تصنيفات الجيش والهيكل. نحن جنود، والجهاز السياسي لا يقول لنا افعل كذا أو كذا، ونفِّذ هذه العملية أو تلك، إنما رؤية الجهاز السياسي رؤية سيادية بالنسبة للجهاز العسكري، والقرار السياسي سيادي على القرار العسكري، دون أن يتدخل بالعمل العسكري.

      ونجاح العملية لا يُقيَّم بعدد القتلى في صفوف العدو، وإنما بإمكانية وصول مجاهدينا إلى الهدف، وآلية التنفيذ، والتخطيط الجيد مهم جدًّا لقياس نجاح العملية، أما عدد القتلى فهو بمشيئة الله وإرادته.


      * وكيف تقيمون مشاركة كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح في العمليات الاستشهادية؟


      - لم تكن مشاركة "شهداء الأقصى" في العمليات الاستشهادية مفاجأة لنا، وسعدنا جدًّا لدخولهم هذا الميدان، وتخطي حاجز أراضي 1967 وأراضي 1948. وأذكر أنه في شهر يوليو من عام 2001 صدر أول بيان مشترك في غزة لكتائب عزّ الدِّين القسَّام وشهداء الأقصى؛ تبنت كلتاهما عمليات في العمق الصهيوني. وأحدث هذا البيان هزة كبيرة؛ لأنه عبَّر عن توحّد ما بين رؤى ووجهات نظر كلتيهما في غزة للمستقبل، في حال توغل العدو الصهيوني وارتكاب مزيد من الجرائم. وتوعد بأن يكون الرد في العمق الصهيوني، مستهدفًا حتى المنازل، رغم أن شهداء الأقصى لم تكن موجودة في غزة في هذا الوقت. وقد عبَّر البيان عن توحد لرؤى سياسية بين قادة كتائب القسَّام، وإخوة لنا في حركة فتح. والحمد لله جاء الوقت الذي يمكن أن نصبح نحن وهم على قلب رجل واحد.

      * ما المعوقات التي تواجه كتائب القسام؟

      - أهم هذه المعوقات ندرة السلاح النوعي كالصواريخ المضادة للطائرات، الصواريخ بعيدة المدى، وضبابية الرؤية السياسية للسلطة الوطنية التي تربك العمل العسكري، وعدم تحديد موقفها من العمل العسكري، أهي معه أم ضده؟ وهل هي سلطة تحرر وطني أم سلطة حكم ذاتي؟ وبالتالي هذا الأمر حيَّر الكثيرين من المجاهدين.

      بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلاح من قبل مصاصي الدماء "تجار السلاح"، حيث بلغ ثمن قطعة السلاح (إم 16) خمسة آلاف دولار، وثمن الرصاصة الخاصة به 1.5 دولار، أما سلاح الكلاشنكوف 2000 دولار، والرصاصة الواحدة له بـ4 دولارات.

      وقد استطاع الجهاز العسكري أن يتجاوز محنة ندرة السلاح، عبر التغلب نوعًا ما على مشكلة المال من جمعها لبعض التبرعات الشخصية، أو من خلال تبرع أناس تحب دعم مسيرة الجهاد في سبيل الله. كما استطاعت الحركة تصنيع جزء من الأسلحة المتوسطة؛ وبالتالي قلَّلت من قيمة التكلفة. فتكلفة الصاروخ مثلاً لا تتجاوز واحد في المائة مقارنة بسعره إذا كانت الحركة ستشتريه!




      طوفان القسام قادم