الزمرد الفريد

    • محمود يعاني من قلق دائم ، صورة أمه لا تفارقه ، لا يشعر بالأمان بين إخوانه ، لذا فإنه انزوى على نفسه ، لا يأنسه أحد سوى حماره وعناقيد عنب المزرعة ، يخاطب السماء كلما جنّ به خوف المستقبل ، ويُسِمع أنينه للظلام الحالك الذي يكتنف بيتهم الصخري ، لم يهنأ بسعادةٍ من نهار ولم يجد حلاوةً في ليل ، ولم يعلم بأنه طبيب نفسه ، وأن نفسه الوجلة المضطربة هي من جعلته يعيش هذه الدوامة التي لا انفكاك منها إلا كما قال تعالى " إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم " ، وقد قال له ضميره يوماً :
      كن جميلاً ترى الوجود جميلا ، وابدأ عقد صلحٍ مع الحياة ، "فالحياة حلوة بس نفهمها " .
      في المقابل فإن الأخ الأصغر وآخر النسل "سليمان " كان يحمل كل صفات التضاد لدى محمود فهو ضحوك السن بسام العشيات ، حينما تراه تخاله وكأنه ملك الدنيا بحذافيرها ، لا تغادر البشاشة محياه ، ولا تجده مكفهراً أبداً ، ويمتلك من الظرف والدعابة نصيباً كبيراً ، إذ أنه حسن النادرة وبديع الحديث وجميل الوصف ، يعشق الجمال ويهوى محادثة الطيور وصيد الغزلان .
      أما أوسط العقد " محمد " كان الأكثر دهاءً وحكمة ، يميلُ إلى مجالسة الأدباء وكبار السن ، فله وجاهةٌ بين الناس وقوله مسموع على صغر سنه ، حباه الله بالبصيرة النافذة والرأي السديد ، يرجع إليه العامة في فصل الخطاب وعقد الصلح ، يهوى السفر والترحال ، وعلى خلقٍ كريمٍ واستقامةٍ في الدين ، ولو وجد اهتماماً لكنّا اليوم نقرأ له الكثير من المؤلفات والنوادر .


      "منكم العذر" ،، يتبع ،،،
    • "المحطة الأولى"
      طوال النهار يعمل الأب في المزرعة ، يحرثها ويعتني بها ، يهذب أغصان أشجارها الذابلة ، ويمهد لعروق العنب طريق الإنتشار في الشبكة الخشبية ، سليمان يتجول بالخيل في ربوع المزرعة الشاسعة ، محمد يصارع أشواك الورد ، ومريم العجوز تأخذ الجزر والبصل توزعه على الجيران بتوجيهٍ من محمد ، ويد صالح دوماً سخية على الفقراء والمحتاجين .
      هذه المزرعة الجميلة ذاع سيطها بين الناس ، لما تحويه من الخير الوفير ، ولذا فإنها دوماً تتعرض للسرقة والنهب ، وما كان يقضّ مضجع الرجل صالح أن يدَ المخربين تطالها كل يوم ، ولم يجد وسيلةً لحفظها ، فالسياج الصغير لا يحميها ، ولكبر حجمها لا يمكن حراستها بحالٍ من الأحوال ، فظلمة الليل تمهد الطريق لكل سارقٍ وعابث .
      بالرغم من الحنان والأبوة المتدفقة التي يوليها صالح لابنه محمود إلا أن الأخير يشعر بالغربة بين أهله ، حتى في المزرعة تجده يعمل وكأنه عامل مزرعة لا من أصحابها ، يجهد نفسه في الأعمال الشاقة من حرث وبذرٍ وسقي ، يفيق قبل صياح الديك ، ويحتضن الفأس قبل أن تطلَّ الشمسُ بأشعتها الذهبية وبوجهها المشرق ، انكسر ظهره من حمله للأخشاب الثقيلة ، يداه متورمتان من عناء حرث الحقل المخصص للزرع ، رجلاه لا تتوقفان من الحراك هنا وهناك .
      الجميعُ يشفق على محمود ، ونصائح محمد المستمرة لا تجد قبولاً ، الكل يسأل الله بأن يتبدل حال هذا البائس ، وأن يخالط الناس ويأخذ من تجارب الحياة ، حتى سليمان الأقرب إلى نفس محمود لا يستطيع مجالسته كثيراً ، فهو ينفر من الناس جميعاً ، ويزيد من معاناة أبيه المسكين .
      وفي المساء ، بعدما أرخى الليل سدوله ، اشتاق محمود لأمه ، خاطب النجوم والسماء فلم يجد ما ينسيه ، حاول النوم فما استطاع ، إنه الشوق والوجد والحنين ، يذرف دموعاً ويزفر آهات ، آهٍ أماه الجميع يبحث عن دواءٍ لي ، ولا يعلمون بأنكِ طبي ودوائي ، غفر الله لهم لا يحسون بما أشعر ، تباريح الوجد يا أماه تدميني، وسياط البعد تلفحني ، ما عدتُ أطيق الفراق ، إيهٍ إيه لو يشعرون أو يذوقون كأس المرارة لأعذروني ، أماه قلبي تَخْتَلِجُ أعضاؤه ويندى جبيني ، أمي الراحلة يقولون بأن كبد العاشق ثقيلة ، ولكني أجد كبدي تتمزق ، ومرارة الأسى تطيح به إلى قعر الفاجعة ، اعلمي أنني ثكِلتُكِ.
      لم يطق محمود الفراش ، فالتسهيد والأرق ليس لهما علاج ، خرج يمشي في عتمة الليل ، ولم يشعر إلا وقدماه تسوقانه نحو المزرعة ، فهي الأم الثانية والملاذ الآمن الذي يهجع إليه ، تعالت أصوات الكلاب بالنباح فقام الأب مسرعاً ظناً منه بأن المزرعة تتعرض للسرقة ، حمل معه سلاحه ، وصرخ مراراً وتكراراً من هنالك ؟!!
      لم يجب محمود إذ أنه في عالم آخر ينسيه كل أصوات الدنيا وضجيجها .


      ***يتبع***
    • قمرٌ ونجوم ، فضاءٌ يطرزه جمال السكون ، نسمات الصحراء تلقي بأريحية باردة على قلب محمود ، طيف الأم يراوده ، يخاطبها وكأنه تتمثل أمام ناظريه ، حياة مفعمة لم يحس بها من قبل ، فراشات الربيع تتجلى في رؤى صباحية ، كل علماء النفس لن يستطيعوا تشخيص نفسية محمود حينها ، إلا أن صاحب المزرعة يصرخ ويصرخ من بعيد : " إن لم تخرج لأقتلنك يا صاح " .
      محمد وسليمان يشعران بخوفٍ شديد ، من يكون السارق العنيد الذي لا يخشى الموت ؟ ما باله لا يبالي بالتهديد وصيحات الإنذار ؟ أهنالك بشرٌ لا يخشى الموت ساعة الخطيئة ؟ أم أنه استمدّ العون من الجن وعوالم الأسرار ؟ حيرةٌ وقلق ، وقد تكون ساحة قتالٍ بعد قليل ، فالمزرعة هي كنز صالح الثمين ولن يرضى بالعبث بجوهرته المصونة .
      الإبتسامة لا تفارق ثغر محمود ، روحٌ تتغلغل في كيانه ، ريحانٌ يزكم أنفه ، كل جوارحه تشعر بقرب اللقاء ، يترنم بالأغنيات ، ويردد أجمل العبارات ، الرحلة الآن ستبدأ ، نعم ستبدأ الآن الرحلة الأخيرة يا محمود ، فيد أبيك تضغط على الزناد ، لتنطلق الرصاصة مسرعةً نحوك ، وقد وجدت ظهرك مستقبلاً لها .
      ويحك يا صالح كيف يخونك الشعور ؟ ألم يتحرك إحساس الأبوة بداخلك ؟ كيف لم تفتقد ابنك الأكبر ؟ ألم تتجمد أضلاع صدرك حينما سمعت صوت محمود وهو يستقبل رصاصة سلاحك القوي ؟ يالله لقد سقط محمود على الأرض صريعاً ، وقد أطلق صرخةً رجّت كل أرجاء البلد ، وأيقظت كل النائمين ، حتى حمار محمود أطلق عنان النهيق مستنكراً الحادث الأليم .
      تقدم صالح ببطىءٍ شديد ليرى ضحيته ، أواه ماذا أرى ؟ ولدي حبيبي !!
      عين محمود تغمض وهي تئن بخروج الروح ، يتنهد "أبوي حد قتلني وأنا ما سويت شي "
      انطفأ نور القلب والعين إستئذاناً برحيلٍ أبدي .

    • محطتنا الأولى شارفت على النهاية ، نهاية لم يتمناها أي قارىء ، وليتها من نسج الخيال حتى نفعل بها ما نريد ، ولكنها واقعاً مؤسفاً ، قدر الله لا يُرد ، وهذا قضاء الجليل وتلك حكمته ، اسّودت الدنيا بوجه صالح ، مصابٌ جلل ، وخسارةُ فادحة ، من يصدق أن الوالد الرحيم يزهق روح ابنه البكر ، في الوقت الذي كان محمود ينتظر اليد الحانية التي تمسح عنه عناء المعاناة أتت يدٌ أحبها وأحبته ولكنها ألقت به إلى قبرٍ سحيق .
      كان الله في عونك يا صالح ، وجمٌ وغم ، حيرة تسري بأعماقه ، يحتضن ابنه وهو يردد عبارات الندم وكره الذات ، محمد وسليمان لم يستوعبا الأمر بعد ، موت الأخ بيد الأب وإن كان خِطئاً فإنه خطلٌ لا يغفر أبداً ، ورجال الوالي في أهبة الإستعداد للقبض على المجرم بعد تشيع جنازة ضحيته .
      القرية كلها تبكي محموداً وتستنكر الحدث ، يومٌ دامٍ ، ذرات دم محمود تحكي قصةً من الغرابة لا مثيل لها ، وضعاف النفوس بدأوا يحيكون قَصصاً من الإفتراءات ، وما أسرع الإشاعة إذ بلغت كل القرى في سويعات بأن الصالح صالح قتل ابنه بدون رحمة لخلافٍ بينهما .
      أحضر سليمان الكفن ، وتم تغسيل محمود في جنازةٍ مهيبة تنفطر لها الأكباد وتنشق جبال الصمود ويهوي كبرياء البشر ، لهذا الحادث قسوة قدر وظلم التعجل ، ما ضرَّ صالح لو تأنّى أكثر ، وأي قانونٍ يبيح له سفك الدماء بأي جرمٍ كان ؟
      حفيف الأشجار وانبعاث نسماتٍ باردة من ضفة الوادي النضير ، وعويل الجارة العجوز مريم ، وهتافات الضمير لدى صالح ، رعونة التفكير في كل الأمور في خيال محمد ، وحنين الحمار لمحمود ، ضجيج الإندهاش وعجيج البوح النازف ورائحة المصير المؤلم ، وتبعيات الحادثة ، زادت من هول الأمر ، وأعطت نكهةً أخرى لمذاق الجنازة المريرة .
      صلّى المحبون على الميت الفقيد وأكثروا من الدعاء ، حملوه على الأعناق ، وأسكنوه داره الباقية ومثواه الأخير إلى قيام الساعة ، وبعدما نثروا التراب على قبره ، وقف صالحاً يبكي ابنه بكاء الثكلى الموتورة ويأنّ أنين المفجوع ، خاطب الجسد الموارى تحت الثرى :
      ( أي بني ، غذوتكَ صغيراً ، ورأيت فيك طفولتي ، كنت حلماً من أحلامي ، بل زهو عمري وزهر أيامي ، أرقب نموك السريع فتُسرّ نفسي ، أتألم حينما تلتفع بثوب الوحدة ، رجوت بأن تخرجك الأيام من عزلتك ، وقد سألت الله لك خير الدنيا والأخرة ، ولكني اليوم ، فعلتُ فعلتي وأنا من النادمين ، ولم يكن لي ذنبٌ في ذلك .
      ما أوحشني اليوم بفراقك ، كل الحياة لن تعيد لي بسمتي ، فلقد سلبنيها بعدك ، ولا أدري إن كنتُ سألحقك قريباً أم يؤخر الله في أمدي ، اغفر زلتي ، فإني لن أنقطع من الدعاء لك بالمغفرة ، وسأتصدق بكل ما أستطيع من أجل أن يغفر الله ذنبي .
      أيها الحبيب الراحل ، لو أفنيتُ عمري في البكاء والنحيب فلن يبلغ ذلك شيئاً من حزني وحجم فظاعة فعلتي ، ولكني أستمد العون من الله أن يرزقك الجنة لتهنأ فيها ، وترتاح من عناء الدنيا وأوزارها ، اللهم الطف به واعفو عنه واغفر له وكن به باراً رحيماً ، واجعل الجنة داره وقراره ) .

      أيها الطيبون ، غداً بإذن الله ننهي محطتنا الأخيرة بالنظر في عاقبة صالح ومحاكمته في فعلته ، هل يكون القصاص نفساً بنفس ؟ أم أن لدى محمد وسليمان رأياً آخر
      لكم عظيم محبتي
    • ربما قبيل عصر النهضة ، كان القتل منتشراً في كل أنحاء الرقعة الشاسعة لعمان الحبيبة ، إذ البلد في تحجرٍ وصلف ، إلا أن قتل الأب لابنه شيءٌ غريب ، لم يعتد عليه أهل عمان ، حيث أثارتِ الحادثة ضجة عارمة في كل البلدان والقرى المجاورة ، وصالح الآن مقيدٌ بالأغلال في سجن الوالي ، ينتظر المحاكمة ، فالوالي هو يملك جميع السلطات آنذاك ، هو القاضي والوزير والحاكم الصغير ، وبيده الأمر والنهي والتصرف .
      الجميع ينتظر حكم الوالي بشغف ، الجارة مريم والفقراء وكل الأطهار والأنقياء يدعون الله بأن لا تحدث كارثةً جديدة بالقصاص من صالح وقتله ، فالخاسر الأكبر هم أولاده ، ومن الصعب على النفس خسارة روحين عزيزتين في وقتٍ متقارب ، ويبقى الأب أباً وإن أجرم أو أخطأ ، فمحمد وسليمان بحاجةٍ لأبيهما في هذا الوقت أكثر من أي وقتٍ مضى .
      ما لم يكن في الحسبان أن أخوال الراحل محمود يطالبون بالقصاص من صالح وتنفيذ الحد فيه ، فالقاتل يقتل وإن أخطأ ، وصالح المسكين يقاسي آلام فراق ابنه وتأنيب الضمير ، وفوق كل هذا فإن الروح غالية ، ويدعو الله بأنه يخرجه من هذا المأزق حياً ، ويثق بحلم ورجاحة عقل أبنائه ، فهو لم يكن طاغيةً يوماً ولا جباراً ، بل سمحاً كريماً حكيماً ، وهذا ما زرعه في محمد وسليمان طيلة حياتهما .
      استدعى الوالي محمد وسليمان فهما المعنيان بالأمر أكثر من أخوالهما ، وخيَرهما الوالي في ثلاثة أحكام :
      أولها : القصاص وقتل صالح .
      وثانيها : السجن عشرة أعوام لصالح .
      وثالثها : دفع الدية المقدرة بالعرف وتسلم لمحمد وسليمان .
      هنا نطقت حكمة محمد ، وأزال اللبس والجهل من رأس الوالي ، صادحاً بصوت العقل :
      " سعادة الوالي ، أنت تملك سلطة التنفيذ ، وكلنا نذعنُ لك بذلك ، فلا سلطة أقوى من سلطتك ، ولكن أمر الحكم يُترك للقضاء ، ولديك قاضياً نزيهاً ، هلا تركته يحكم بما أنزل الله في كتابه من حكمٍ وشريعة ؟ فإني وعلى جهلي الشديد أشعرُ بأن لا قصاص في القتل الخطأ ، فوالدنا لم يقتل متعمداً ، ومن ثم لا دية ولا قصاص للولد من أبيه ، ولأن أخينا الراحل - رحمه الله - لم يكن له أولاداً إذ أنه لم يتزوج ، وأمه سبقته للدار الآخرة ، فإن كان ولا بد من دية فإنها تقسّم على الفقراء والمحتاجين ، وقد اتفقتُ مع أخي سليمان على أن نقتطع جزءً من المزرعة ونهبُ ريعها صدقةً لكل محتاج ، والأمرُ متروكُ لكم ، فقد أبديت رأيي وإن جانبني الصواب فعليكم توجيهي نحن الرأي السديد " .
      أُعجب الجميع برجاحة عقل محمد ، فقرر الوالي إستدعاء قاضيه الذي أقصاه يوماً عنه ، وبذلك رجع القاضي ينظر في أمور الناس ويحكم بشرع الله وقد جاء حكم القاضي موافقاً تماماً لرأي محمد ، تمَّ الأمر وعاد الأب يزاول مهنته الرئيسة ، فالزراعة هي مصدر الدخل لهذه العائلة .
      انتظروا خاتمة المحطة الأولى ، ولكم عظيم ودي .
    • خاتمة المحطة الأولى
      تمرُّ الأيام ، محمد وسليمان يخططان للزواج ، فالعمر يمضي ، وذكرى محمود لا تخطر كثيراً على أذهانهما ، فنعمة النسيان تمنحُ الحياة طعماً أجمل ، إلا أن صالح المسكين يموتُ كل يومٍ ألف مرة ، فالمشهد المؤسف عالقٌ بذهنه ، ونظرات الوداع الأخيرة من محمود تقتل كل ذرة فرحٍ بداخله ، يكثرُ من التهجد والنافلة ويهب كل صلواته ودعواته للحبيب محمود ، يرجو الله بأن يسكنه فسيح جناته .
      اقتطع صالح جزءً كبيراً من مزرعته ، وزرع أغلب البقوليات ، وجعل الثمار صدقةً لكل فقير ، فهو لا يزال ينفق من أعزِّ ماله ولا يبخل بشيء من الزكاة ، بل يده ممدودة بالعون والمساعدة ، حتى ذاع سيطه بين أوساط البلدان المجاورة وأصبح مضرب الأمثال في الكرم والشهامة ، كل ذلك ليكفر عن خطيئته ، وهو لا ينقطع عن الدعاء ليلاً ولا نهاراً لمحمود وأمه .
      أشرقت شمسُ النهضة المباركة ، وانجلى الظلم عن الأرض الطاهرة ، وها هو الفتى الأسمر يطلَُ بابتسامته وحزمه في بناء دولةً حضارية ، استبشر الجميع خيراً ، وبدأت عجلة العمران تتحدى الزمن ، مدارسٌ هنا ، مستشفياتٌ هنالك ، التعليمُ ليس حكراً على أحدٍ دون الآخر ، ولا على فئة عمرية ، وبدأ التعليم تحت الشجرة ، تحت شعار: " لا للأمية ، العلم يمحوها ، علموا أولادكم ولو تحت ظل شجرة " ، فانخرط الصالح في حلقات التدريس متعلماً ، وبدأت الشفاه تلفظ كلمات العلم وتقرأ القرآن ، كم انشرح صدره وسعدت نفسه .
      ومع هذه الطفرة الرائعة تنتهي محطتنا الأولى ، راجياً رفقتكم المباركة لي في المحطة الثانية القادمة .
      دمتم أحبة
    • المحطة الثانية ،، قصة عمي وأبي

      *** مدخل بسيط جداً ***

      رجل يتوفاه الله ، يحزن عليه أهله ، ويُقام العزاء ، وبعد مضي أربعين عاماً يعود للحياة من جديد ، هذا ملخص محطتنا الثانية ، فكونوا معنا لتعرفوا هذه التفاصيل الغامضة ، وكأنها من قصص الخيال .
    • والدي اسمه سيف ، وعمي اسمه راشد .
      سيف وراشد شابان صغيران لم ينبت لهما شنبٌ بعد ، إلا أنهما يحبان العمل واثبات الذات ، وعلى صغر سنهما قررا البحث عن عملٍ يكسبان منه أجراً لينفعا به أنفسهما وأهلهما ، فلم يجدا مهنةً يمتهنانها ، فالبلد آنذاك تشحّ بالموارد والرزق ، فما كان أمامهما سوى الترحال والسفر إيماناً بقول الإمام الشافعي - رحمه الله - :
      سافر تجد عوضاً عمّن تفارقهُ *** وانصب فإن لذيذ العيش في النصبِ .
      إني رأيتُ وقوفَ الماءِ يفسدهُ *** إن سالَ طابَ وإن لم يجرِ لم يطبِ .
      سافرا لدولة خليجية معروفة ، والتحقا بالجيش ، وبدأ بالغوص في أعماق العسكرية ، فقويت أجسادهما واستوى عودهما ، وأصبحت لهما درايةٌ في القتال والحرب ، ومضتِ الأيام والأعوام ، وتعرض ذلك البلد لغزوٍ من دولةٍ مجاورة ، فانخرط سيف وراشد في الحرب يقاتلان عن البلد الذي يعملان فيه ، ولأن الحرب طاحنة وبدائية ، فلا يكاد تعرف صديقك من عدوك في تلك الساعة ، فوضى عارمة وتداخل واشتباكات ، وبعد حربٍ دامية ، تم إعلان القتلى في الإذاعة .
      سمع سيف إسم أخيه الأكبر راشد من ضمن الموتى ، وأن جميع القتلى تم دفنهم في معسكر الحرب ، حزن سيف حزناً شديداً على موت أخيه ، وقرر العودة إلى الوطن ، فبعد فقد أخيه لا مكان له هنا ، وعليه أن يبحث عن عملٍ في بلده وبين أهله وعشيرته ، وبالفعل رجع سيف إلى أهله وأقام العزاء لأخيه ، وبعدها بدأ اهتمامه ينصب على الزراعة ، وعليه أن يعتني بأراضيه فهي وبلا أدنى شك ستدرُّ عليه رزقاً ، وخصوصا وأنها كنت مهنة أغلب العمانيين في ذلك الوقت .
      وبعد سنوات من وفاة أخيه ، قرر الدخول إلى القفص الذهبي ، وأن يعلن نفسه أسيراً للحياة الزوجية ، مقيداً بالمسؤلية ، وتناط به الكثير من الواجبات ، تزوج سيف ورزقه الله بالأبناء ، وبدأت النفس تنشغلُ بأمور الحياة ، وهذا يعني بأن سيف بدأ ينسى أخيه راشد .
      أما راشد المسكين فقد سقطت بطاقته العسكرية في الحرب فأخذها أحد الجنود فقُتل ، ووجدوا بطاقة راشد في حوزته فتمّ إعلان موت راشد ، وتنامى إلى سمع راشد أن أخاه سيف تم قتله ، فانقلب على نفسه حزيناً كسيفاً ، فقرر أن لا يرجع إلى البلد أبداً ، فكيف له أن يقابل أهله حينما يتهمونه بعدم المحافظة على روح أخيه الأصغر .
      أصيب راشد في الحرب في عينيه وأصبح أعمى ، وكان له صديق عزيز من الإمارات شارك معه في الحرب ، فقرر أخذه معه إلى بلده " خور فكان " ، وهنالك بدأ مشوار حياةٍ جديدة لراشد ، فقد كان يقيم في مزرعةٍ كبيرة بجوار البحر منحته إياها الحكومة الإماراتية بعد مطالبة من صديقه "عيسى".

      *** يتبع ***
    • الأبناء زينة الحياة الدنيا تأنس النفس بقربهم ، ويشتاقُ القلبُ كلما كثرة مشاغل الحياة ، بدأ أبناء سيف يكبرون ، وفي دلال أبيهم يرتعون ، ووسط غمرة الأحداث لا تمرُّ ذكرى راشد إلا فيما ندر ، وتمضي الأعوام وتنقضي الأيام ، وتتغير كثيرٌ من المعالم ، فلا شيء يدوم على حاله .

      في يومٍ باسمٍ ضحّاك ، يلتحق ابن عم سيف في عملٍ لدى مؤسسة إماراتية بالفجيرة ، ومع طول الوقت بدأ يتعرف على المحيطين به، كثُر الأصدقاء ، واتسعت دائرة المعارف ، ومضى ابن عم سيف في حياته الجديدة ، وأصبح معروفاً في المؤسسة كلها .

      وقد باغته أحدهم يوماً بقوله أن رجلاً أعمى من بلده يقطن هنا وأن اسمه راشد ويدّعي أن له أهلاً في عمان وأخوه سيف قد مات في إحدى المعارك الحربية ، استغرب ابن عم سيف من هذا الخبر وقرر زيارة راشد والتعرف عليه عن قرب .

      وفعلاً قام بزيارته في إحدى الليالي الجميلة ، تبادل معه أطراف الحديث فاندهش بأنه لا يزال على قيد الحياة وأنه لم يمت ، فأصابته حيرةٌ شديدة ، وأصبح مذهولاً لم يستطع سوى أن يعرك عينيه ، فهل يعقل أن يعود راشدٌ إلى الحياة بعد أربعين عاماً ؟ .

      انتظر يوم عودته إلى البلد بفارغ الصبر ليزف البشرى إلى سيف ، فهذا الخبر يساوي الكثير لدى سيف ، وعلى الأرجح بأنه يعدلُ الدنيا وما فيها ، فأي فرحٍ ساقته الحياة لك يا سيف ، وأي شعورٍ يخالجك الآن بعودة أخيك إلى معتركِ الحياة من جديد ؟ وكيف حال البلدة كلها بمعرفة الخبر الذي سيصبح وبلا شك حديث الساعة وأقصوصة الغرابة .



      *** عذراً أحبتي يتبع ****


    • قصه جميله تشد القارئ منذ بدايتها

      فهاهما الاخوين يغتربان ثم يفرق بينهما القدر ليجمع بينهما بعد مرور الزمن

      وانقضاء مدة اربعون عاما على فراقهما وكل منهما يظن ان الاخر قد فارق الحياه

      فكيف ستكون لحظة لقاءهما ؟؟

      وهل ستعقد الدهشه لسان حالهما ؟؟؟

      نحن في انتظار بقية الفصول لنستمتع بأحداث الروايه اخي رقيق المشاعر

      :)


    • لم يتمكن قلمي الا ان يضع خربشاته على
      متصفحك الجميل هذا.......

      رائعه ....وجميله اناملك التي خطت تلك

      الكلمات الرقيقة جدااااا.........




      الامل اول حروفكـ والشوق يتراقص بين ثناياها

      وروعة مشاعرك وتدفقها هي اخر الحروف

      دوما تمتعنا بعذب كلماتكـ التي نتمنى الا تنضب



      أمام هذا الابداع المنحوت

      على لوحة شاعرية

      فلله درك

      رائع

      رائع

      رائع بحق

      سلم لنا فكرك

      وبوحك

      ودام حضورك

      الراقي



      عزيزي رقيـــق المشــــــــاعـــر

      اشكـــرك على دعوتك لقراءة اسطرك الذهبية

      تحياتي القلبية لك سيدي

      ودمت سالما


      :)لازلت متابعة وفي انتظار الاجمل:)