رحلة مع حادثة الإسراء والمعراج

    • رحلة مع حادثة الإسراء والمعراج

      ( الحلقة الأولى )

      اشتد إيذاء قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة بعد موت زوجته خديجة التي كانت نعم الزوجة الصالحة التي وقفت مع زوجها بنفسها ومالها ، وموت عمه إبي طالب الذي كان نعم السند والمحامي للنبي عليه الصلاة والسلام ، على الرغم من بقائه على الشرك .
      عند ذلك طفق النبي e يبحث عن مكان ينشر فيه دعوته فاتجه إلى الطائف ، إلا أن أهلها أمروا صبيانهم وسفهاءهم بإيذائه فقاموا بسبه وشتمه ورميه بالحجارة حتى أدموا قدمه الشريفة، فعاد إلى مكة كئيبا حزينا متألما ، فجلس بجانب بستان نخل لعتبة وشيبة ابني ربيعة ، وكانا من أشد قريش إيذاء للنبي e ، وقال : ((اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي..

      إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ..إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي.. ))
      وهنا بدأت كرامات الله تترى على نبيه الواحدة تلو الأخرى متلاحقة أتمها في تلك الفترة بحادثة الإسراء والمعراج ، وفي الحلقة القادمة سنتحدث عن بعض تلك الكرامات ، فإلى اللقاء
    • ( الحلقة الثانية )

      الكرامة الأولى : عندما راى عتبة وربيعة ما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم رق قلباهما له بعد إن كانا من أشد الناس إيذاءً له ، وأرسلا إليه بقطف من عنب مع خادمهما عداس .

      الكرامة الثانية : عندما مد الرسول عليه الصلاة والسلام يده ليأكل من العنب ، قال بسم الله ، فاستغرب عداس من ذلك وأخبر النبي عليه السلام أن هذه الكلمة لا تقال هذه الأرض ، فسأله الرسول عن بلده فقال أنه من نينوى ، فقال الرسول عليه السلام : بلد اخي يونس ، وعندما تأكد الخادم عداس وقد كا نصرانيا من صدق نبوة محمد عليه الصلاة والسلام ، أكب يقبل الرسول ودخل في الإسلام ، فكان اسلامه بشارة خير للنبي عليه الصلاة والسلام .

      الكرامة الثالثة : أرسل الله إليه ملك الجبال يستأذنه في إطباق الأخشبين على أهل مكة ـ وهما جبلان ـ إلا أن الرسول الرحمة المهداة رفض ذلك ، ولم يرض لهم العذاب ، بل قال : اللهم اهدِ قومي فانهم لا يعلمون .

      الكرامة الرابعة : مر الرسول عليه الصلاة والسلام في طريقه إلى مكة بمكان يدعى بطن نخله ، فوقف يصلي ويقرا بعض القرآن ، وتصادف أن سمع ذلك بعض الجن فامنوا بالرسول عليه الصلاة والسلام وهؤلاء الجن هم جن نصيبين وذلك في صلاة الصبح ببطن نخل، موضوع بين مكة والطائف، وهم الذين ذكروا في قوله تعالى : {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم} الأحقاف: 29-30. فقالوا ‏}‏ لقومهم لما رجعوا إليهم ‏{‏ إنا سمعنا قرآناً عجباً ‏}‏ يتعجب منه في فصاحته وغزارة معانيه وغير ذلك‏. وكأن لسان الحال يقول : يا محمد إن كذب بك البشر فإن الجن يصدقوك فابشر .

      الكرامة الخامسة : رحلة الإسراء والمعراج ، وهذه حديثنا عنها في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى .
    • رحلة الإسراء والمعراج : إنها الهدية الكبرى التي من الله بها على نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم والكرامة العظمى ...
      بعد ما لاقى رسول الله من الإيذاء والنفور من قومه أصابه هما وحزنا ، فجاءت تلك الحادثة المباركة لتفرج عنه ، وليرى بعض آيات ربه الكبرى ، وكأن لسان الحال يقول : إن كانت الأرض قد غلقت أبوابها فاهي السماء تفتح ابوابها لك ايها النبي الطاهر .
      وعلى ظهر البراق أسري بالرسول عليه الصلاة والسلام من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ن وكان في رفقته جبريل الآمين : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الاسراء:1) .
      ولنا هنا وقفتين ، وقفة مع البراق ، ووقفة أخرى مع المسجد الأقصى !!
      · أما وقفتنا مع البراق فإنها دابة دون الفرس وفوق البغل ، تضع طرفها عند أخر رؤية طرفها ، وهي ليست كما يتوهم البعض أن لها وجه حسناء ، فهذه مجرد أوهام وخرافات ، وإنما هي حيوان عادي خلقه الله تعالى ، فقام بمهمته خير قيام ، فيجب على المسلم أن يبعد نفسه عن الأساطير والخرافات .
      · أما وقفتنا مع المسجد الأقصى ، فإنها وقفة وأي وقفة .... المسجد الأقصى أولى القبلتين ، وثالث الحرمين ، ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم ... هاهو الآن في أيدي اليهود الخائنين أهل الغدر والفجور يعيثون فيه فسادا يحرقونه ويحاولن هدمه على مرأى ومسمع من المسلمين وحكامهم بل وجميع العالم ... دون أن يحرك احدا منهم ساكنا أو يغير منكرا ...
      بل ما يحز في النفس أن يتجه بعض المسلمين إلى طريق السلام الموهوم مع اليهود ضاربين بما أخبرهم الله به في كتابه عرض الحائط ، إذ يقول تعالى : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )(المائدة: من الآية82) فأي سلام وأي ذل .. إنما هي الخديعة والمكر ، والخيانة والغدر ، وتاريخهم الأسود شاهد عليهم ...
      وليتبين لنا مدى جبننا وذلنا وهواننا انظروا إلى ما قام به رئيس أمريكا بوش المأفون حيث وقع على قرار أن القدس عاصمة لإسرائل في وقت احتفال المسلمين بحادثة الإسراء والمعراج ... استفزازا ... واستهزاءا ، والله المستعان ..

      ألا متى يفيق المسلمون من ثباتهم ، ويسعون إلى تحرير الأقصى الذي ربط الله بينه وبين المسجد الحرام في كتابه ، تقرأ ابد الدهر كأنما هي ذكرى لنا ما حيينا ، إذ أن مسؤولية تحرير الأقصى في عنق كل مسلم ،،، وليس أقل ـ أخي المسلم ، إن لم تستطع حمل السلاح ، أن تدعو لإخوانك بالنصر والتأييد ، وتدعو الله أن يفك اسر الأقصى ... تدعو الله أدبار الصلوات وفي جوف الليل ... ليس اقل من أن تتبرع بجزء يسير من مالك لإخوانك المجاهدين ... ليس اقل من أن تقاطع منتجات كل دولة تؤذي المسلمين .
      نتوقف أخي هنا قليلا على أن نكمل في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى ، فإلى الملتقى .
    • ( الحلقة الرابعة )

      في المسجد الأقصى صلى الرسول عليه الصلاة والسلام إماما بالأنبياء والمرسلين بعد أن قدمه جبريل عليه السلام ، وفي ذلك إيذانا ليكون الدين الإسلامي هو المهيمن ، ولتكون رسالة الإسلام هي الخاتمة ، لذلك على المسلمين اليوم أن يعيشوا الإسلام واقعا في حياتهم يطبقون تعاليمه ويعملون بأحكامه ، إذ انه الدين الذي اختاره الله لهم ، وارتضاه لهم ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )(المائدة: من الآية3) ويقول تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)
      فما معنى أن يبقى كثير من المسلمين اليوم مسلمين بالاسم فقط ؟!!!

      ثم عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا ليرى من كرامات ربه وآياته وعجائب صنعه وقدرته ، كما ذكر الله ذلك في سورة النجم : ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ، مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ، أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (لنجم:1 ـ 18) ويقول تعلى : ( ولقد رآه بالأفق المبين )
      ، ويقصد به هنا جبريل عليه السلام ، إذ راه النبي صلى الله عليه وسلم ، في صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها مرتين ، مرة في بداية الوحي عند غار حراء ، ومرة أخرى عند سدرة المنتهى ، خلافا لمن قال أنه قد راى ربه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، إذ ان الله ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:103) ، وعندما سال مسروق السيدة عائشة رضي الله عنها بعد ما قالت : من زعم أن محمدا قد راى ربه فقد أعظم على الله الفرية ، عن المقصود بالآية : (( ولقد رآه بالأفق المبين ) ) ، اخبرته بأنها أول من سأل الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة عن ذلك وأخبرها بأنه جبريل عليه السلام .
      وفي السماء فرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة ورأى الجنة والنار ، وهذا ما سيكون عنه حديثنا في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى
    • ( الحلقة الخامسة ) :

      فرضت الصلاة على رسولنا الكريم وعلى أمته في السماء خمس مراتٍ في اليوم والليلة ، لتكون صلة بين العبد وربه ، ولتكون منقذا له من الشهوات ومطهرة له من الأرجاس ، ولتسمو به عن هذه الدنيا وضيقها ، ولكن كم نجد من الأشخاص من طلق الصلاة ثلاثا ، أو لا يقربها إلا قليلا ، أو لا يؤديها مع الجماعة ، أو لا يحسن ركوعها وسجودها ، ولا قيامها وخشوعها ، ولا بشروطها واركانها ، فعلى المسلم أن يهتم بجميع تلك الأمور لما لها من أهمية كبرى في قبول الصلاة ، ناهيك أن ألصلاة أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة ، فإذا صلحت صلح سائر عمله وإذا فسدت فسد سائر عمله ، وعليه أن يهتم بأدائها في أوقاتها ومع الجماعة ، بعد أن يحسن طهورها والإستعداد لها .

      ومر الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلته المباركة هذه بالجنة ورأى ما أعده الله فيها لعباده المؤمنين الطائعين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من مكرمات الله عز وجل ، فهذه سلعة الله الغالية الجنة ، لا ينالها الإنسان بمجرد الأحلام والأوهام ، وإنما تريد جدا واجتهاد ، وإخلاص وعمل : ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء:123 ـ 124)
      .
      ومر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أيضا بالنار ورأى ما أعده الله تعالى فيها لمن جانبوا الحق واتبعوا سبيل الشيطان ممن أشركوا بالله أو اقترفوا الزنا أو ركبوا الربا ، أو شربوا الخمور أو فعلوا المعاصي واصروا عليها وماتوا دون توبة منها ، وهم يصطرخون فيها ، ويدعون بالويل والثبور خالدين فيها ابدا : ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النساء:14) ، ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)(الجـن: من الآية23)

      لذلك على المسلم أن يؤدي ما أوجبه الله عليه ، ويبتعد عما نهاه الله عنه ، ويداوم على فعل النوافل والطاعات
      ثم يعود الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مكة المكرمة ، فما هو موقف قريش من هذه الرحلة المباركة ، وما ردة فعل من سمع بها ؟؟؟
      هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى ، فإلى اللقاء