وليس الذَّكَرُ كَالأنْثَى
بقلم: بسام جرار- مركز نون
جاء في الآية 36 من سورة آل عمران:" فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ...".
اللافت في الآية الكريمة تقديم لفظة الذّكَر على لفظة الأنثى. وهذا يعني أنّ المُشبّه هنا هو الذكر والمُشبّه به هو الأنثى. ومعلوم أنّ وجه الشبه يكون أقوى في المشبّه به، وهو هنا الأنثى. ولو قيل:" وليس الأنثى كالذكر..."، لوافق ذلك ميل الناس إلى تفضيل الذكر على الأنثى، ولأصبحت الآية من مستندات من يريد أن يُفاضل بين متكاملين. ونحن لا نشك بأنّ المرأة تفضل الرجل في أمور، وأنّ الرجل يفضل المرأة في أمور، وكل ذلك من مقتضيات الوظيفة التي شاءها العزيز الحكيم. وعليه لا يمكن المفاضلة بين الرجل والمرأة بالمطلق. ولكن لا بد عند كل مفاضلة من تحديد الوظيفة؛ فالمرأة مُفضّلة إذا كان المطلوب رعاية الطفل، مثلاً. والرجل مفضل إذا كان المطلوب نقل الأحمال الثقيلة.
جاء في تفسير ظلال القرآن لسيد قطب:"ولكنها هي تتجه إلى ربها بما وجدت، وكأنّها تعتذر أن لم يكن لها ولد ذَكر ينهض بالمُهمّة: وليس الذكر كالأنثى".
وكأن سيداً رحمه الله يعتبر أنّ هذا من كلام امرأة عمران. ويُشكِل على مثل هذا الفهم تقديم الذكر على الأنثى في نص الآية الكريمة. وقد تنبّه إلى ذلك بعض المفسرين، مثل الشوكاني في تفسيره فتح القدير؛ فهو يرى أنّ هذه الجملة هي من كلام الله تعالى، وبالتالي يكون المعنى عنده:" وليس الذكر الذي طلبتِ كالأنثى التي وضعتِ، فإنّ غاية ما أردتِ من كونه ذكراً أن يكون نذراً ... وأمر هذه الأنثى عظيم وشأنها فخيم ... واللام في الذكر والأنثى للعهد".
ويقول الصابوني في تفسير صفوة التفاسير:" والجملتان معترضتان من كلامه تعالى تعظيماً لشأن هذه المولودة وما علق بها من عظائم الأمور وجعْلها وابنها آية للعالمين".
بغض النظر عن كون جملة: "وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى"، من كلام الله تعالى أو من كلام امرأة عمران، فإنّ الذي يهمنا هنا أن نلفت الانتباه إلى كون الأنثى هي المشبه به، وبالتالي لا مجال لجعل هذه الآية مستنداً لتفضيل الرجل على المرأة، بل العكس هو الأظهر هنا.
جاء في الآيات 49 – 50 من سورة الشورى:" يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ".
ذهب بعض أهل التفسير إلى أنّ تعريف الذكور وتنكير الإناث يشير إلى شرف الذكور وتفضيلهم على الإناث. ويردّ الشوكاني على ذلك فيقول في فتح القدير:" إنّ التقديم للإناث قد عارض ذلك، فلا دلالة في الآية على المفاضلة، بل هي مسوقة لمعنى آخر".
إذا كانت الآية الكريمة قد قدّمت الإناث في قوله تعالى:" يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ "،فإنها أيضاً قدمت الذكور في قوله تعالى:"أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وإناثاً". إذا عرفنا هذا أدركنا أنّ التقديم والتأخير، والتعريف والتنكير، يرجع إلى أمور أخرى يجدر بنا أن نُعمل النظر فيها لعلنا نقتبس قبساً من بلاغة القرآن الكريم.
إنّ تنكير إناثاً وتعريف الذكور قد يشير إلى أنّ الأُسر التي يهبها الله تعالى إناثاً فقط هي أكثر عدداً من الأُسر التي يهبها الله تعالى ذكوراً فقط، وهذا أمر يلمسه الناس. ويمكن أن تُعزز هذه الملاحظة بإحصاءات يُراعى فيها الأسلوب العلمي في الإحصاء. أما تنكير الذكور والإناث في قوله تعالى: "أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وإناثاً"، فقد يشير إلى أنّ الأُسر التي تشتمل على ذكور وإناث هي الأكثر، وهذا ملموس بوضوح ولا يحتاج إلى إحصاء. وتقديم ذكراناً على إناثاً قد يشير إلى أنّ الأُسر التي يكون عدد الذكور فيها أكثر من عدد الإناث هي أكثر في المجتمعات البشرية. وهذه الحالة تحتاج منا، كمهتميّن، إلى دراسة إحصائيّة.