

استعد كريم للذهاب إلى المدرسة، فحمل حقيبته التي تنوء بحملها الجبال، وتجهز للرحيل، فنادت الأم عليه: (كريم)، فأجابها: (نعم، يا أمي).
أمسكت بحقيبته التي يحمله على ظهره، ورفعتها قليلًا، ثم نظرت إليه متعجبة، وقالت: (لماذا تكدس حقيبتك بهذه الصورة؟! إنها ثقيلة جدًا).
فرد كريم: (إنه يوم مشحون بالدراسة يا أمي، وأنا لم أحمل معي إلا ما طلبه كل مدرس من كتب ودفاتر)!!
هنيئًا.
ما أشد فرحتك أيها الأب، وأنت تنظر إلى أبنائك ذاهبين إلى مدارسهم، وما أشد بهجتكِ أيتها الأم وأنتِ تشاهدين أبناءك يستذكرون دروسهم، فتلك واللهِ نعمة من الله علينا أن حبى أبناءنا التعليم؛ كي تنضج نفوسهم وعقولهم ليخلفونا في قيادة البشرية، نحو ما يحب الله ويرضى من الخير، فهنيئًا لك أيها الأب وأيتها الأم.
شمول التربية.

وإن كنا قد ألحقنا أبناءنا بأحد المدارس من أجل تربية نفوسهم وعقولهم، فعلينا أن ندرك أن التربية يجب أن تتسم بالشمول، فلا نهتم بجانب ونترك آخر، فالتربية هي النمو والنضج؛ في النفسية، والعقل، والصحة...، وكل جوانب الحياة المختلفة.
ومع بدايات العام الدراسي كان لزامًا علينا أن نلفت نظر الآباء إلى قضية صحية هامة وخطيرة بالنسبة لأبنائنا، وهي مسألة الحقيبة المدرسية، فمن الملاحظ أن المرحلة السنية لتلاميذ المدارس هي مرحلة لها حساسيتها وخطورتها؛ لأنها مرحلة نمو جسماني وعقلي وانفعالي.
وقد أثبتت أحدث الدراسات الطبية أن حمل الطالب للحقيبة المدرسية لمدة 15 دقيقةيوميًا فإنه من المؤكد أن يصاب باضطرابات في العمود الفقري خلال فترة لا تتجاوز سبعةأشهر، إذا زادت عن 15% من وزنه أو حملها بطريقة خطأ.
فحول هذه القضية سنتحدث أيها المربي الفاضل، لنبين لك مدى الخطر الناتج عن التعامل الخاطئ مع حقيبة المدرسة، وكيف يتجنب أبناؤنا تلك الأخطاء.
أنقذ طفلك.

إن حمل الحقيبة المدرسية زائدة الوزنيعرض التلميذ لآلام الرقبة والذراعين والكتفين والظهر وحتى القدمين؛ فقد ذكرت دراسة نشرت في فيينَّا أنََّ أمراضًا وتشوُّهات في العمود الفقري والمفاصل قد ظهرت بين طلبة المدارس نتيجةً لعدد الكتب والكرَّاسات التي يحملونها من وإلى المدرسة.
وأحصت الدِّراسة مجموع ما يحمله الطِّفل النمساوي سنويًّا من الكتب والدَّفاتر بما يعادل (2-3) أطنان، وقد طالب وزير التَّربية المعلمين والمعلمات بتقليل طلباتهم عن الطَّالب، وتقليل عدد الكتب التي يحملها الطَّالب بحيث لايزيد وزنها عمَّا يتراوح بين (10-12%) من وزن الطِّفل.
فمعظم الحقائب المدرسية التي يحملها الأطفال الآن تزن محتوياتها ما بين (25-40%) تقريبًا من وزن الطِّفل الذي لم يشتد عوده بعد لحمل مثل هذا الثقل، وفي الواقع فالحقيبة المدرسية زائدة الوزن وحملهاالخطأ المستمران؛ قد يسبب أيضًا ضغطًا على القلب والرئتين؛ نتيجة لتشويه الهيكل العظمي، والعمودالفقري.

كما أكدتالدراسات، أن نسبة الإصابة بأمراض الظهر لدى الأطفال، حاملي الحقائب الثقيلة على إحدىالكتفين، تبلغ 30%، وتتناقص هذه النسبة إلى 7% فقط، في حال حملها على كلاالكتفينن وقد أثبتت الأبحاث أن حمل الحقيبة على كتف واحدة؛ يسبب انحناءً جانبيًا،وقد يؤدي إلى مشي الطفل بطريقة مختلفة وغير طبيعية.
الوقاية خيرٌ من العلاج.
مما لاشك فيه أن وقاية أبناءنا من كل هذا الأضرار خير ألف مرة من مقاساة العلاج، فمن هنا يقع الدور على الأهل في توعية أبنائهم، بطريقة الحمل الصحيحة، وبوزن الحقيبة، ولا يكون هذا إلا بتضافر الجهود، فالأهل في البيت يعلمون أبناءهم الأسلوب الأمثل لحمل الحقيبة، والمدرس في مدرسته كذلك يترفق بالأطفال الصغار، الذين لم يشتد بعد عودهم، فلا يطالبهم بما لا حاجة له به من الكتب أو الدفاتر.
لذلك يجب تعويد الطِّفل على حمل الحقيبة بطريقةٍ صحيحة، بحيث لا يستسلم لثقل الحقيبة؛ ويميل بجسمه معها، بل يحاول دائمًا أن يحافظ على توازن واستقامة عموده الفقري.

وهذه بعض النصائح للحفاظ على صحة أبنائنا, يعطيها لنا خبراء العمود الفقري وآلام الظهر:
1. يجب ألا يتعدى وزن الحقيبة المدرسية 10% من وزن التلميذ في المرحلة الابتدائية.
2. يراعي الوالدان عند شراء الحقيبة لإبنهما ألا تزيد وهي فارغة أكثر من 500جرام بالنسبة للأطفال، وكيلو جرام واحد للبالغين
3. يجب ألا تكون أكبر من ظهر الطفل.
4. أن تلصق بشكل كامل بظهر الطفل، وأن تكون محشوة من عند الظهر.
5. ألا تكون كبيرة الحجم؛ حتى لا يضع فيها الطفل حاجيات غير ضرورية.
6. ألا تحتوي على جيوب؛ لكي لا يضع فيها الطفل أوزانًا زائدة.
7. اختيار حمالات الحقيبة محشوة جيدًا باللباد؛ لكي لا تشكل عبئًا على الكتفين أثناء حملها.
8. أن ينقل الحقيبة أثناء سيره من يده اليمنى إلى يده اليسرى، من فترةلأخرى، ثم يحملها على ظهره؛ وذلك للحفاظ على توزيع الثقل على الجسم.
9. أن يحمل التلميذ إلى المدرسة الكتب المقررة في يوم الدوام ـ أي الكتب التي يحتاجها فقط ـ، ولا يخفى أن هذا من واجب كل مدرس تجاه تلامذته الذين يقوم بتربيتهم، ويا حبذا لو استخدم كراسات ذات عددمتوسط من الصفحات، وإن توفر في المدرسة أدراج صغيرة أو ما شابه فلا بأس من استغلال الطفل لهذا الأدراج في حفظ كتبه وكراساته.
10. عمل تمرينات لجميع أعضاء الجسم، ولمدة (20) دقيقة، من جلوس على مقعد وسند الظهر، إلى الوقوف وثني اليدين على الصدر، وأيضًا وقوف وتشبيك الأيدي خلف الظهر والتعلق على الحائط مع سند الظهر، وبالتالي الوقوف مع فتح الذراعين وميل الجذع للأمام مع شد عضلات الجسم بأكملها للأمام والثبات.
وننصح كذلك الآباء إن لاحظ أي منهم تشوُّهات في العمود الفقري، أو اختلاف في مستوى كتفي طفلها، أو ميلٍ في الرَّقبة، أو عدم اتزان أثناء المشي، أو ظهور تقوُّس لأحد الأجناب في الظَّهر؛ عليها استشارة الطَّبيب فورًا.
ونسأل الله تعالى أن يديم الصحة والخير لأبنائنا، وأن يجعلهم قرة عين لنا.