(1)
سؤال أهل الذكر
26 رمضان 1423 هـ ، 2/11/2002م
الموضوع : عام
سؤال :
امرأة متزوجة من رجل منذ أكثر من سبعة وعشرين عاماً ، ولديها أولاد كبار وصغار منهم يعملون وتزوجوا وأنجبوا ومنهم الصغار كذلك حيث أن زوج هذه المرأة لا يحافظ على الصلاة ، وبمعنى أصح لا يعرف الوضوء ولا الصلاة حتى أنه لا يذهب إلى المسجد لأداء الصلاة بحجة أنه غير قادر وأن به ألم في رجليه إلا أنه في حقيقة الأمر يعمل ويستطيع المشي والحركة ويذهب إلى أي مكان آخر يريده .
ما قولكم في هذا الرجل وما الحكم الذي ينطبق عليه ، وهل يجوز لزوجته أن تعاشره مع العلم أنها نصحته مراراً عديدة وهي غير راضية عن تصرفاته ، وأولاده غير راضين عنه ودائماً ينصحونه ويحثونه على أداء الصلاة ولكنه لا يقبل النصيحة ؟
يتبع بإذن الله تعالى
سؤال أهل الذكر
26 رمضان 1423 هـ ، 2/11/2002م
الموضوع : عام
سؤال :
امرأة متزوجة من رجل منذ أكثر من سبعة وعشرين عاماً ، ولديها أولاد كبار وصغار منهم يعملون وتزوجوا وأنجبوا ومنهم الصغار كذلك حيث أن زوج هذه المرأة لا يحافظ على الصلاة ، وبمعنى أصح لا يعرف الوضوء ولا الصلاة حتى أنه لا يذهب إلى المسجد لأداء الصلاة بحجة أنه غير قادر وأن به ألم في رجليه إلا أنه في حقيقة الأمر يعمل ويستطيع المشي والحركة ويذهب إلى أي مكان آخر يريده .
ما قولكم في هذا الرجل وما الحكم الذي ينطبق عليه ، وهل يجوز لزوجته أن تعاشره مع العلم أنها نصحته مراراً عديدة وهي غير راضية عن تصرفاته ، وأولاده غير راضين عنه ودائماً ينصحونه ويحثونه على أداء الصلاة ولكنه لا يقبل النصيحة ؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فنحن قبل كل شيء نوجه نصيحتنا إلى الرجل نفسه ، وإلى أمثاله من الذين يتهاونون في الصلاة ولا يبالون بها متى أدوها ، أو لا يبالون بها أدوها أو لم يؤدوها ، نوجه نصيحتنا إلى هؤلاء أن يتقوا الله ، وأن يدركوا أولاً أنه لا نصيب لهم في الإسلام ما داموا مضيعين لصلاتهم ، فإن الحق سبحانه وتعالى جعل الإسلام ليس أمراً نظرياً يعيش في عالم المثال فحسب ، وإنما هو حقيقة واقعية ، فالإسلام دين الله الحق جاء من أجل تطويع النفوس لرب العباد سبحانه تعالى ، ووصل هذه النفوس ببارئها عز وجل ، وهذه الصلة إنما تكون من خلال هذه الطاعة خلال هذه العبادة والانقياد المطلق لرب السموات والأرض الذي تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفورا .
فالإنسان على أي حال قبل كل شيء إن لم يكن مؤدياً لواجبه وقائماً بحق العبادة لله سبحانه وتعالى يكون نشاز بين طبيعته وحركته ، إذ للإنسان حركة فطرية اضطرارية وله أيضاً حركة اختيارية كسبية ، فالحركة الفطرية إنما هي حسب سنن الله تبارك وتعالى ، فللإنسان حركات تتجاوب مع نظام الكون ، هذه الحركات إن لم توازها حركات كسبية اختيارية تنسجم معها كان نشاز بين فطرة الإنسان وحركته الكسبية ، ولذلك يحدث ما يحدث من انفصام الشخصية ويحدث ما يحدث من تنكر الإنسان للكون وسخطه على الواقع بسبب ما يكون من ضيقه لإحساسه بأن فعله لا يتفق مع طبيعته التي طبع عليها وفطرته التي فطره الله تبارك وتعالى عليها ، وليس هذا فحسب بل الإنسان يكون عدواً للكون ويحس أن الكون عدواً له عندما يكون بعيداً عن عبادة الله سبحانه تعالى ، فلذلك نحن نرى في كلام الناس اليوم الذين بعدوا عن عبادة الله ما يدل على هذه العداوة الناشئة عن هذا الاضطراب النفسي والبعد عن منهج الله ، فكثيراً ما يردد الناس الذين بعدوا عن الله كلمات تنم عن عدائهم للكون وإحساسهم بعداوة الكون لهم كقولهم فلان استطاع أن يقهر الطبيعة أو أن قوماً غزوا الفضاء أو نحو ذلك مما يدل على أنهم يحسون بأن الكون عدو لهم فلذلك يحرصون على غزو ما يغزون منه ويحرصون على قهر ما يدعون أنهم يقهرونه منه ، بينما المؤمن بخلاف ذلك لأنه يشعر بأنه يتجاوب مع هذا الكون ، إذ الكون بأسره تسبح كل ذرة من ذراته بحمد الله وتسجد لجلاله وهذا ما أنبأ عنه القرآن الكريم في كثير من الآيات فالله تبارك وتعالى يقول ( تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفورا ) ويقول ( سبح لله ما في السموات والأرض ) ويقول ( سبح لله ما في السموات وما في الأرض ) ويقول ( يسبح لله ما في السموات وما في الأرض ) إلى غير ذلك من الآيات ، ويقول تعالى ( ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ) ، فالإنسان خلاياه التي يتكون منها جسمه لها حركات تنسجم مع هذه الحركة الكونية العامة ، ولكن عندما يكون هذا الإنسان شاذاً فإن حركته الكسبية تكون ضد هذه الحركة الاضطرارية فلذلك يحدث ما يحدث من الاضطراب ، ولا ريب أن الصلاة في مقدمة العبادات جميعاً إذ هي تجمع التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ، وهي أيضاً تجسد الخضوع المطلق لله عز وجل فلذلك قرنت الصلاة بالإيمان وجاءت رديف الإيمان في كثير من آيات الكتاب فالله تبارك وتعالى يقول ( هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ) أردف الإيمان بذكر إقامة الصلاة ، وكذلك يقول سبحانه ( هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ) ، ويقول أيضا ً( هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ) ، وقد بين القرآن الكريم أن إيمان الإنسان لا يتحقق إلا بهذه الصلاة فلذلك يكون حرباً على الإسلام إلا عندما يقيم الصلاة فقد قال تعالى ( فإن تابوا ) أي في المشركين الذين يحاربون المسلمين ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) ، ثم بين أن بهذه التوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تتحقق الأخوة ما بينهم وبين المؤمنين عندما قال ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ) ، وكذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى بين أن نصرة العباد لله إنما تتحقق بإقامة الصلاة وبإيتاء الزكاة فقد قال ( ولينصرن الله من ينصره إن لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) ، وعندما وعد عباده المؤمنين الاستخلاف والتمكين في الأرض ذكر ما يدل على أن هذا الاستخلاف إنما يكون للذين يقيمون الصلاة أي إقام الصلاة من أهم شروطه التي نيط بها فقد قال سبحانه وتعالى ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعدهم خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) ثم أتبع ذلك قوله ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) للتتننبه النفوس وتستيقظ الضمائر إلى أن هذا الاستخلاف لا يكون إلا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة .
على أن هذه الصلاة هي ذات الأثر البعيد في تطهير النفس من أدرانها وتصفية مرآتها من أكدارها وتمتين صلة الإنسان بربه سبحانه ، وتمتين صلته بمجتمعه وأسرته وأمته حتى يكون فرداً فاعلاً في هذه الأسرة أو هذا المجتمع أو هذه الأمة .
وكما أن الصلاة تأتي في مقدمة أفعال الخير وذلك كما تكرر كثيراً في القرآن الكريم نجد أيضاً أن التقصير في الصلاة أو إضاعتها أو عدم المبالاة بها من أسباب كون الإنسان يتردى والعياذ بالله في دركات الشر فالله سبحانه وتعالى قال ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) ، يعني أن إضاعة الصلاة هي مقدمة أعمال الشر بأسرها فهي تأتي أولاً قبل كل شيء في مقدمة أعمال الشر ولذلك يليها ما يليها من اتباع الشهوات وغيره .
كذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى عندما ذكر أصحاب الجحيم وأنهم يسئلون يوم القيامة عما سلكهم في سقر حكى إجابتهم إذ قال فيما يحكيه من إجابتهم ( قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ) فهم مع ما ارتكبوه من الجرائر الكثيرة التي من بينها التكذيب بيوم الدين جيء بإضاعتهم الصلاة وتركهم إياها في مقدمة أعمال السوء التي ارتكبوها .
وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم جاءت لتؤكد هذا الذي دل عليه القرآن وإن كان القرآن لا يحتاج إلى أن يؤكد بشيء ولكن على أي حال جاءت الأحاديث موضحة لئلا يبقى لبس في النفوس فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا ذلك فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ) ، ونجد أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام عندما ذكر الصلوات الخمس قال : من حافظ عليهن كن له يوم القيامة نوراً وبرهاناً ونجاة ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة وكان يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف ) ، وذكر بعض العلماء فائدة ذكر هؤلاء الأربعة كيف ذكروا هنا ؟ فقال بأن تارك الصلاة إما أن يتركها لأنه مشغول عنها بملكه فمن كان كذلك فهو يحشر يوم القيامة مع فرعون ويقرن به ، وإن كان مشغولاً عنها بماله حشر يوم القيامة مع قارون وقرن به ، وإن كان مشغولاً عنها بمنصبه حشر يوم القيامة مع هامان وكان مقروناً به ، وإن كان مشغولاً عنها بتجارته حشر يوم القيامة مع أبي بن خلف الذي هو أحد تجار كفار قريش بمكة وكان مقروناً به ، هكذا يؤدي ترك الصلاة بصاحبه إلى أن يكون من أمثال هؤلاء العتاة المتكبرين وأن يحشر معهم وإن لم يفعل ما فعلوا من الكبائر الأخرى ولكن حسبه تركه الصلاة فاحشة عظيمة وفعلاً منكرا .
ونجد الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن الصلاة هي عمود الدين ويقول عليه الصلاة والسلام : لكل شيء عمود وعمود الدين الصلاة وعمود الصلاة الخشوع . رواه الإمام الربيع رحمه الله من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ، ومثل هذا يتكرر في الأحاديث فلذلك كان من الضرورة على المسلم الذي يريد أن يصدق انتماءه إلى الإسلام أن يحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس ، كما أن عليه أن يحافظ على كل شيء من الواجبات ، ومن هذه المحافظة أن يؤديها بخشوع حتى تكون زاجرة له عن الشر باعثة له على الخير وأن يحافظ عليها في الجماعات .
فما بال هذا الإنسان يدعي أنه لا يستطيع الذهاب إلى المسجد ليصلي جماعة وهو ينطلق برجليه إلى أرض فسيحة وينتقل من مكان إلى مكان ذلك كله إنما دليل على أن الشيطان يثبطه عن المحافظة على هؤلاء الصلوات . ثم كيف لو كان معذوراً عن شهودها في المسجد هل يسمح له أن لا يصليها قط فهو بإمكانه أن يصليها حتى في البيت .
نعم الصلاة هي في الأهمية بهذا القدر ، ولذلك كان على المرأة المسلمة أن لا ترضى لنفسها أن ترتبط بشخص من أمثال هؤلاء الذين لا يبالون بالصلاة ، هذا مما يدل على أنهم ليسوا من الإيمان في شيء بل ليسوا من الإسلام في شيء ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر . ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام : ليس بين العبد والكفر إلا تركه الصلاة .
فلذلك أنا أدعو هذه المرأة إلى أن تحرص على أن تبلغ هذا الرجل إما أن يستقيم ويحافظ على الصلاة وإما أن تطالبه بالانفصال عنه ، والله تعالى الموفق .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فنحن قبل كل شيء نوجه نصيحتنا إلى الرجل نفسه ، وإلى أمثاله من الذين يتهاونون في الصلاة ولا يبالون بها متى أدوها ، أو لا يبالون بها أدوها أو لم يؤدوها ، نوجه نصيحتنا إلى هؤلاء أن يتقوا الله ، وأن يدركوا أولاً أنه لا نصيب لهم في الإسلام ما داموا مضيعين لصلاتهم ، فإن الحق سبحانه وتعالى جعل الإسلام ليس أمراً نظرياً يعيش في عالم المثال فحسب ، وإنما هو حقيقة واقعية ، فالإسلام دين الله الحق جاء من أجل تطويع النفوس لرب العباد سبحانه تعالى ، ووصل هذه النفوس ببارئها عز وجل ، وهذه الصلة إنما تكون من خلال هذه الطاعة خلال هذه العبادة والانقياد المطلق لرب السموات والأرض الذي تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفورا .
فالإنسان على أي حال قبل كل شيء إن لم يكن مؤدياً لواجبه وقائماً بحق العبادة لله سبحانه وتعالى يكون نشاز بين طبيعته وحركته ، إذ للإنسان حركة فطرية اضطرارية وله أيضاً حركة اختيارية كسبية ، فالحركة الفطرية إنما هي حسب سنن الله تبارك وتعالى ، فللإنسان حركات تتجاوب مع نظام الكون ، هذه الحركات إن لم توازها حركات كسبية اختيارية تنسجم معها كان نشاز بين فطرة الإنسان وحركته الكسبية ، ولذلك يحدث ما يحدث من انفصام الشخصية ويحدث ما يحدث من تنكر الإنسان للكون وسخطه على الواقع بسبب ما يكون من ضيقه لإحساسه بأن فعله لا يتفق مع طبيعته التي طبع عليها وفطرته التي فطره الله تبارك وتعالى عليها ، وليس هذا فحسب بل الإنسان يكون عدواً للكون ويحس أن الكون عدواً له عندما يكون بعيداً عن عبادة الله سبحانه تعالى ، فلذلك نحن نرى في كلام الناس اليوم الذين بعدوا عن عبادة الله ما يدل على هذه العداوة الناشئة عن هذا الاضطراب النفسي والبعد عن منهج الله ، فكثيراً ما يردد الناس الذين بعدوا عن الله كلمات تنم عن عدائهم للكون وإحساسهم بعداوة الكون لهم كقولهم فلان استطاع أن يقهر الطبيعة أو أن قوماً غزوا الفضاء أو نحو ذلك مما يدل على أنهم يحسون بأن الكون عدو لهم فلذلك يحرصون على غزو ما يغزون منه ويحرصون على قهر ما يدعون أنهم يقهرونه منه ، بينما المؤمن بخلاف ذلك لأنه يشعر بأنه يتجاوب مع هذا الكون ، إذ الكون بأسره تسبح كل ذرة من ذراته بحمد الله وتسجد لجلاله وهذا ما أنبأ عنه القرآن الكريم في كثير من الآيات فالله تبارك وتعالى يقول ( تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفورا ) ويقول ( سبح لله ما في السموات والأرض ) ويقول ( سبح لله ما في السموات وما في الأرض ) ويقول ( يسبح لله ما في السموات وما في الأرض ) إلى غير ذلك من الآيات ، ويقول تعالى ( ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ) ، فالإنسان خلاياه التي يتكون منها جسمه لها حركات تنسجم مع هذه الحركة الكونية العامة ، ولكن عندما يكون هذا الإنسان شاذاً فإن حركته الكسبية تكون ضد هذه الحركة الاضطرارية فلذلك يحدث ما يحدث من الاضطراب ، ولا ريب أن الصلاة في مقدمة العبادات جميعاً إذ هي تجمع التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ، وهي أيضاً تجسد الخضوع المطلق لله عز وجل فلذلك قرنت الصلاة بالإيمان وجاءت رديف الإيمان في كثير من آيات الكتاب فالله تبارك وتعالى يقول ( هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ) أردف الإيمان بذكر إقامة الصلاة ، وكذلك يقول سبحانه ( هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ) ، ويقول أيضا ً( هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ) ، وقد بين القرآن الكريم أن إيمان الإنسان لا يتحقق إلا بهذه الصلاة فلذلك يكون حرباً على الإسلام إلا عندما يقيم الصلاة فقد قال تعالى ( فإن تابوا ) أي في المشركين الذين يحاربون المسلمين ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) ، ثم بين أن بهذه التوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تتحقق الأخوة ما بينهم وبين المؤمنين عندما قال ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ) ، وكذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى بين أن نصرة العباد لله إنما تتحقق بإقامة الصلاة وبإيتاء الزكاة فقد قال ( ولينصرن الله من ينصره إن لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) ، وعندما وعد عباده المؤمنين الاستخلاف والتمكين في الأرض ذكر ما يدل على أن هذا الاستخلاف إنما يكون للذين يقيمون الصلاة أي إقام الصلاة من أهم شروطه التي نيط بها فقد قال سبحانه وتعالى ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعدهم خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) ثم أتبع ذلك قوله ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) للتتننبه النفوس وتستيقظ الضمائر إلى أن هذا الاستخلاف لا يكون إلا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة .
على أن هذه الصلاة هي ذات الأثر البعيد في تطهير النفس من أدرانها وتصفية مرآتها من أكدارها وتمتين صلة الإنسان بربه سبحانه ، وتمتين صلته بمجتمعه وأسرته وأمته حتى يكون فرداً فاعلاً في هذه الأسرة أو هذا المجتمع أو هذه الأمة .
وكما أن الصلاة تأتي في مقدمة أفعال الخير وذلك كما تكرر كثيراً في القرآن الكريم نجد أيضاً أن التقصير في الصلاة أو إضاعتها أو عدم المبالاة بها من أسباب كون الإنسان يتردى والعياذ بالله في دركات الشر فالله سبحانه وتعالى قال ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) ، يعني أن إضاعة الصلاة هي مقدمة أعمال الشر بأسرها فهي تأتي أولاً قبل كل شيء في مقدمة أعمال الشر ولذلك يليها ما يليها من اتباع الشهوات وغيره .
كذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى عندما ذكر أصحاب الجحيم وأنهم يسئلون يوم القيامة عما سلكهم في سقر حكى إجابتهم إذ قال فيما يحكيه من إجابتهم ( قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ) فهم مع ما ارتكبوه من الجرائر الكثيرة التي من بينها التكذيب بيوم الدين جيء بإضاعتهم الصلاة وتركهم إياها في مقدمة أعمال السوء التي ارتكبوها .
وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم جاءت لتؤكد هذا الذي دل عليه القرآن وإن كان القرآن لا يحتاج إلى أن يؤكد بشيء ولكن على أي حال جاءت الأحاديث موضحة لئلا يبقى لبس في النفوس فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا ذلك فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ) ، ونجد أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام عندما ذكر الصلوات الخمس قال : من حافظ عليهن كن له يوم القيامة نوراً وبرهاناً ونجاة ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة وكان يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف ) ، وذكر بعض العلماء فائدة ذكر هؤلاء الأربعة كيف ذكروا هنا ؟ فقال بأن تارك الصلاة إما أن يتركها لأنه مشغول عنها بملكه فمن كان كذلك فهو يحشر يوم القيامة مع فرعون ويقرن به ، وإن كان مشغولاً عنها بماله حشر يوم القيامة مع قارون وقرن به ، وإن كان مشغولاً عنها بمنصبه حشر يوم القيامة مع هامان وكان مقروناً به ، وإن كان مشغولاً عنها بتجارته حشر يوم القيامة مع أبي بن خلف الذي هو أحد تجار كفار قريش بمكة وكان مقروناً به ، هكذا يؤدي ترك الصلاة بصاحبه إلى أن يكون من أمثال هؤلاء العتاة المتكبرين وأن يحشر معهم وإن لم يفعل ما فعلوا من الكبائر الأخرى ولكن حسبه تركه الصلاة فاحشة عظيمة وفعلاً منكرا .
ونجد الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن الصلاة هي عمود الدين ويقول عليه الصلاة والسلام : لكل شيء عمود وعمود الدين الصلاة وعمود الصلاة الخشوع . رواه الإمام الربيع رحمه الله من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ، ومثل هذا يتكرر في الأحاديث فلذلك كان من الضرورة على المسلم الذي يريد أن يصدق انتماءه إلى الإسلام أن يحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس ، كما أن عليه أن يحافظ على كل شيء من الواجبات ، ومن هذه المحافظة أن يؤديها بخشوع حتى تكون زاجرة له عن الشر باعثة له على الخير وأن يحافظ عليها في الجماعات .
فما بال هذا الإنسان يدعي أنه لا يستطيع الذهاب إلى المسجد ليصلي جماعة وهو ينطلق برجليه إلى أرض فسيحة وينتقل من مكان إلى مكان ذلك كله إنما دليل على أن الشيطان يثبطه عن المحافظة على هؤلاء الصلوات . ثم كيف لو كان معذوراً عن شهودها في المسجد هل يسمح له أن لا يصليها قط فهو بإمكانه أن يصليها حتى في البيت .
نعم الصلاة هي في الأهمية بهذا القدر ، ولذلك كان على المرأة المسلمة أن لا ترضى لنفسها أن ترتبط بشخص من أمثال هؤلاء الذين لا يبالون بالصلاة ، هذا مما يدل على أنهم ليسوا من الإيمان في شيء بل ليسوا من الإسلام في شيء ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر . ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام : ليس بين العبد والكفر إلا تركه الصلاة .
فلذلك أنا أدعو هذه المرأة إلى أن تحرص على أن تبلغ هذا الرجل إما أن يستقيم ويحافظ على الصلاة وإما أن تطالبه بالانفصال عنه ، والله تعالى الموفق .
يتبع بإذن الله تعالى