برنامج سؤال أهل الذكر
حلقة الأحد 24 من شوال 1423 هـ ، 29 /12/2002 م
الموضوع : الحج
(1)
سؤال :
ما هي الآثار الروحية والسلوكية التي تطبعها فريضة الحج على المؤمن ؟
يتبع بإذن الله تعالى
حلقة الأحد 24 من شوال 1423 هـ ، 29 /12/2002 م
الموضوع : الحج
(1)
سؤال :
ما هي الآثار الروحية والسلوكية التي تطبعها فريضة الحج على المؤمن ؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فإن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان خلقاً سويا ، وجعل خلقه جامعاً لجوانب شتى نفسية ، فهو كائن عاقل ، وبسبب هذا العقل كُلّف ما كلف من الواجبات لأنه بدون عقل يكون أشبه ما يكون بالكائنات التي تشاركه البقاء والوجود في هذه الأرض ولا تشاركه العقل والتكليف . ولكنه بجانب هذا فإن الله سبحانه وتعالى لم يحرمه من العاطفة ، هذه العاطفة تجعله يتشوق ويتطلع ، وهذا الشوق قد يكون شوقاً إلى خير ، وقد يكون شوقاً إلى شر ، إلا أن الله تبارك وتعالى جعل فيما شرع في الدين الإسلامي ما يتلاءم مع فطرة هذا الإنسان ، فهو يملأ جميع تطلعات الإنسان سواء ما يرجع منها إلى العقل أو ما يرجع منها إلى العاطفة . فالأشواق التي ترجع إلى عاطفته إنما هذه الأشواق يجد الإنسان ما يشفيها من خلال ما شرع الله تعالى وما أمر به .
فلا ريب أن الإنسان وهو يؤمن بالله تبارك وتعالى ، ويؤمن برسله المصطفين الأخيار ، ويؤمن بدينه الحق الذي شرعه لجميع عباده وأرسل به جميع رسله وهو دين الإسلام ، ويؤمن بوحي الله سبحانه وتعالى ، لا ريب أن هذا الإنسان مع إيمانه بهذا كله تنطبع في نفسه انطباعات تدعوه إلى أن يرتبط بأماكن في هذه الأرض .
والله سبحانه المعبود وهو منزه عن المكان والزمان لأنه كما قلنا أكثر من مرة قد كان قبل خلق الزمان والمكان وهو على ما عليه كان ، لا يُدرك بعين ولا يُطلب بأين ، فلذلك كان الإنسان وهو يتوجه إلى ربه سبحانه وتعالى المنزه عن الأمكنة والأزمنة لا بد له من أن يجد ما يملأ فراغ نفسه من حيث إنه يرتبط بأماكن ذات قدسية وذات مكانة ولها تاريخ وتتطلع النفوس إليها وتشتاق القلوب إلى أن تصل إلى جنباتها لتنعم بالخلود فيها ، فجعل الله سبحانه له بيتاً من أمّه أحس من أعماق نفسه أنه يؤم نحو أمر الله تبارك وتعالى ويتجه إلى ربه عز وجل ، فلذلك كان الاتجاه إلى هذا البيت اتجاه إلى الله ولا أدل على ذلك مما جاء في الحديث الصحيح عن النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام من الأمر بعدم البصاق عندما يكون الإنسان يصلي تجاه قبلته لأن الله بينه وبين قبلته أي لأنه اتجه إلى ربه باتجاهه إلى تلكم القبلة ، ولا يعني ذلك أن الله تبارك وتعالى حال فيما بينه وبين قبلته ، ولكن يحس الإنسان وهو يناجي ربه بهذه الصلاة أنه متجه إليه بروحه وبأعماق نفسه فهو سبحانه وتعالى وإن تكن لم جهة إلا توجه هذا العبد إلى مكان مقدس ومكان معظم عند الله سبحانه وتعالى وقد أُمر العبد بتعظيمه وتقديسه يحس الإنسان بأنه متجه إلى ربه فضلاً عما يرتبط به هذا المكان من تاريخ عظيم ، هذا التاريخ نحن لا نستطيع أن نبدأ من أوله لأن بدايته غير واضحة لنا ، فالله سبحانه أخبرنا بأن البيت الحرام هو أول بيت وضع للناس يقول عز من قائل )إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ) (آل عمران:96-97) ، بين الله سبحانه وتعالى أنه أول بيت وضع للناس ، وذكر أن من الآيات العظيمة التي فيه مقام إبراهيم ، ولكن مع هذا نجد في ثنايا ما أنزل الله تعالى في كتابه ما يدل على أن هذا البيت الحرام سابق على عهد إبراهيم ، فإن إبراهيم عليه السلام عندما جاء بابنه إسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام إلى هذا المكان المقدس كان فيما حكاه الله تعالى عنه في ضراعته وتوجهه إلى ربه أنه قال )رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) ( إبراهيم:37) ، ومعنى ذلك أن البيت الحرام كان موجوداً قبل أن يقوم بتشييده وبنائه إبراهيم عليه السلام ، لأن إبراهيم عليه السلام إنما بناه بعدما كبر إسماعيل ، وبعدما تردد مرتين من أرض الشام إلى أرض الحجاز ليزور إسماعيل عليه السلام ولم يره كما دل على ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري من طريق ابن عباس رضي الله عنهما وهذا مما يدل دلالة واضحة على أن بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام للبيت العتيق كان بعد هذا الدعاء الذي توجه به إبراهيم عليه السلام إلى ربه عندما أسكن إسماعيل عليه السلام في ذلك المكان المقدس . فإذن بداية بناء هذا البيت الحرام أمر غير معروف عندنا ولكن بُني بأمر الله ، وبناه من بناه من صفوة خلقه الله سبحانه الذين اختارهم الله تعالى على علمه ليكونوا حملة لمشعل الهداية بين الناس ، ويكفينا أن من أمّ هذا البيت الحرام يستذكر تلكم العهود ، يستذكر إبراهيم عليه السلام وهو يجأر إلى ربه سبحانه وتعالى بالدعاء )رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) ( إبراهيم:37) ، ويستذكر أيضاً ما كان من أمر إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر عليها السلام وقد تركهما إبراهيم منفردين في ذلك المكان وإسماعيل لا يزال صبيا ، وكيف اشتد الأمر بهاجر وبابنها إسماعيل عندما كان إسماعيل يكابد ما يكابد من الظمأ حتى تداركتهما عناية الله ففجّر الله تبارك وتعالى لهما العين التي لا تزال بركتها باقية إلى الآن ، وكان ذلك سبباً لأن يأتي إليهما من يأتي من قبيلة جرهم ليسكنوا في ذلك المكان الذي كان متروكاً ومهجورا ، هذا كله مما يستذكره الإنسان ، وإيمانه بأن عناية الله تبارك وتعالى هي التي تداركت الطفل الصغير وهو في ذلك الموقف الحرج وتداركت أمه وهي أيضاً في تلكم الحالة العصيبة كيف كانت تشاهد ولدها يقاسي ألم العطش ، هذه العناية يرجوها المسلم في كل مكان ، فعندما يتوجه إلى ذلك المكان ويأتي إليه ويطوف بذلك البيت لا ريب أنه يشعر بهذه العناية التي يحوط الله تبارك وتعالى بها عباده المؤمنين فيرجو أن يكون له نصيب وافر من هذه العناية الربانية ليشق طريق حياته غير لاو على شيء من تحدياتها ، ويمتثل أمر ربه سبحانه وتعالى كيفما كلفه ذلك من المشقة والتعب .
هذا وبجانب هذا أيضاً فإن الدعوة التي انبعثت من ذلك المكان على يدي عبدالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلّم ليجلجل صداها في أنحاء العالم بأسره حتى يمتد هذا الصدى عبر الأجيال المتعاقبة والقرون المتتابعة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، هذه الدعوة انطلقت من النبي صلى الله عليه وسلّم في ذلكم المكان ، فعندما يأتي الإنسان بعد طوافه بالبيت الحرام إلى الصفا ليبدأ السعي بين الصفا والمروة تتفاعل في نفسه أحاسيس متنوعة فهو يذكر كما قلنا مأساة إسماعيل وهاجر عليهما السلام وكيف كانا يكابدان المشقة حتى تداركتهما عناية الله ولا سيما عندما يبدأ السعي فيستذكر كيف كانت هاجر تتردد في ذلك المكان ذاهبة وآئبة وهي ترجو رحمة الله تعالى بها وبابنها ، وكذلك يتذكر ما كان من دعوة النبي صلى الله عليه وسلّم عندما جاء إلى الصفا بعدما أنزل الله تبارك وتعالى عليه )وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ) (الشعراء:214) فصعد على الصفا ونادى في قريش واصباحاه فاجتمعت حوله وقال لهم : أرأيتم أن لو أخبرتكم أن خيلاً وراء هذا الجبل مغيرة عليكم أكنتم مصدقي ؟ فقالوا له : ما جربنا عليك كذبا . فقال لهم : إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد . فابتدرته عمه أبو لهب قائلاً له : تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فكان ذلك سبباً لنزول الوعيد الشديد الذي تضمنته سورة بأسرها أنزلها الله تبارك وتعالى من أجل توعد أبي لهب في مقابل هذا العنت وهذا الشقاق إذ كان إمام الكافرين فكان هو الرائد لهم في تكذيب النبي صلى الله عليه وسلّم ، وعلى أي حال هذا مما يبعث في نفس الإنسان الأمل فإن تلك الدعوة مع ما واجهته من التحديات من أقرب الأقرباء وأخص الخاصة الذين كانوا حول النبي صلى الله عليه وسلّم هذه الدعوة آتت ثمارها ولو بعد حين وأخذت تنتشر وسط أنواع التحديات فهكذا الدعوة إنما هي دعوة إلى الحق هي دعوة تحتاج إلى تضحية وإلى فداء طريقها غير مفروش بالياسمين والورود وإنما هو مفروش بأشواك القتاد فلا بد للمسلم أن يصبر ويصابر حتى تؤتي هذه الدعوة ثمارها بمشيئة الله تعالى ، والله المستعان .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فإن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان خلقاً سويا ، وجعل خلقه جامعاً لجوانب شتى نفسية ، فهو كائن عاقل ، وبسبب هذا العقل كُلّف ما كلف من الواجبات لأنه بدون عقل يكون أشبه ما يكون بالكائنات التي تشاركه البقاء والوجود في هذه الأرض ولا تشاركه العقل والتكليف . ولكنه بجانب هذا فإن الله سبحانه وتعالى لم يحرمه من العاطفة ، هذه العاطفة تجعله يتشوق ويتطلع ، وهذا الشوق قد يكون شوقاً إلى خير ، وقد يكون شوقاً إلى شر ، إلا أن الله تبارك وتعالى جعل فيما شرع في الدين الإسلامي ما يتلاءم مع فطرة هذا الإنسان ، فهو يملأ جميع تطلعات الإنسان سواء ما يرجع منها إلى العقل أو ما يرجع منها إلى العاطفة . فالأشواق التي ترجع إلى عاطفته إنما هذه الأشواق يجد الإنسان ما يشفيها من خلال ما شرع الله تعالى وما أمر به .
فلا ريب أن الإنسان وهو يؤمن بالله تبارك وتعالى ، ويؤمن برسله المصطفين الأخيار ، ويؤمن بدينه الحق الذي شرعه لجميع عباده وأرسل به جميع رسله وهو دين الإسلام ، ويؤمن بوحي الله سبحانه وتعالى ، لا ريب أن هذا الإنسان مع إيمانه بهذا كله تنطبع في نفسه انطباعات تدعوه إلى أن يرتبط بأماكن في هذه الأرض .
والله سبحانه المعبود وهو منزه عن المكان والزمان لأنه كما قلنا أكثر من مرة قد كان قبل خلق الزمان والمكان وهو على ما عليه كان ، لا يُدرك بعين ولا يُطلب بأين ، فلذلك كان الإنسان وهو يتوجه إلى ربه سبحانه وتعالى المنزه عن الأمكنة والأزمنة لا بد له من أن يجد ما يملأ فراغ نفسه من حيث إنه يرتبط بأماكن ذات قدسية وذات مكانة ولها تاريخ وتتطلع النفوس إليها وتشتاق القلوب إلى أن تصل إلى جنباتها لتنعم بالخلود فيها ، فجعل الله سبحانه له بيتاً من أمّه أحس من أعماق نفسه أنه يؤم نحو أمر الله تبارك وتعالى ويتجه إلى ربه عز وجل ، فلذلك كان الاتجاه إلى هذا البيت اتجاه إلى الله ولا أدل على ذلك مما جاء في الحديث الصحيح عن النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام من الأمر بعدم البصاق عندما يكون الإنسان يصلي تجاه قبلته لأن الله بينه وبين قبلته أي لأنه اتجه إلى ربه باتجاهه إلى تلكم القبلة ، ولا يعني ذلك أن الله تبارك وتعالى حال فيما بينه وبين قبلته ، ولكن يحس الإنسان وهو يناجي ربه بهذه الصلاة أنه متجه إليه بروحه وبأعماق نفسه فهو سبحانه وتعالى وإن تكن لم جهة إلا توجه هذا العبد إلى مكان مقدس ومكان معظم عند الله سبحانه وتعالى وقد أُمر العبد بتعظيمه وتقديسه يحس الإنسان بأنه متجه إلى ربه فضلاً عما يرتبط به هذا المكان من تاريخ عظيم ، هذا التاريخ نحن لا نستطيع أن نبدأ من أوله لأن بدايته غير واضحة لنا ، فالله سبحانه أخبرنا بأن البيت الحرام هو أول بيت وضع للناس يقول عز من قائل )إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ) (آل عمران:96-97) ، بين الله سبحانه وتعالى أنه أول بيت وضع للناس ، وذكر أن من الآيات العظيمة التي فيه مقام إبراهيم ، ولكن مع هذا نجد في ثنايا ما أنزل الله تعالى في كتابه ما يدل على أن هذا البيت الحرام سابق على عهد إبراهيم ، فإن إبراهيم عليه السلام عندما جاء بابنه إسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام إلى هذا المكان المقدس كان فيما حكاه الله تعالى عنه في ضراعته وتوجهه إلى ربه أنه قال )رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) ( إبراهيم:37) ، ومعنى ذلك أن البيت الحرام كان موجوداً قبل أن يقوم بتشييده وبنائه إبراهيم عليه السلام ، لأن إبراهيم عليه السلام إنما بناه بعدما كبر إسماعيل ، وبعدما تردد مرتين من أرض الشام إلى أرض الحجاز ليزور إسماعيل عليه السلام ولم يره كما دل على ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري من طريق ابن عباس رضي الله عنهما وهذا مما يدل دلالة واضحة على أن بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام للبيت العتيق كان بعد هذا الدعاء الذي توجه به إبراهيم عليه السلام إلى ربه عندما أسكن إسماعيل عليه السلام في ذلك المكان المقدس . فإذن بداية بناء هذا البيت الحرام أمر غير معروف عندنا ولكن بُني بأمر الله ، وبناه من بناه من صفوة خلقه الله سبحانه الذين اختارهم الله تعالى على علمه ليكونوا حملة لمشعل الهداية بين الناس ، ويكفينا أن من أمّ هذا البيت الحرام يستذكر تلكم العهود ، يستذكر إبراهيم عليه السلام وهو يجأر إلى ربه سبحانه وتعالى بالدعاء )رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) ( إبراهيم:37) ، ويستذكر أيضاً ما كان من أمر إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر عليها السلام وقد تركهما إبراهيم منفردين في ذلك المكان وإسماعيل لا يزال صبيا ، وكيف اشتد الأمر بهاجر وبابنها إسماعيل عندما كان إسماعيل يكابد ما يكابد من الظمأ حتى تداركتهما عناية الله ففجّر الله تبارك وتعالى لهما العين التي لا تزال بركتها باقية إلى الآن ، وكان ذلك سبباً لأن يأتي إليهما من يأتي من قبيلة جرهم ليسكنوا في ذلك المكان الذي كان متروكاً ومهجورا ، هذا كله مما يستذكره الإنسان ، وإيمانه بأن عناية الله تبارك وتعالى هي التي تداركت الطفل الصغير وهو في ذلك الموقف الحرج وتداركت أمه وهي أيضاً في تلكم الحالة العصيبة كيف كانت تشاهد ولدها يقاسي ألم العطش ، هذه العناية يرجوها المسلم في كل مكان ، فعندما يتوجه إلى ذلك المكان ويأتي إليه ويطوف بذلك البيت لا ريب أنه يشعر بهذه العناية التي يحوط الله تبارك وتعالى بها عباده المؤمنين فيرجو أن يكون له نصيب وافر من هذه العناية الربانية ليشق طريق حياته غير لاو على شيء من تحدياتها ، ويمتثل أمر ربه سبحانه وتعالى كيفما كلفه ذلك من المشقة والتعب .
هذا وبجانب هذا أيضاً فإن الدعوة التي انبعثت من ذلك المكان على يدي عبدالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلّم ليجلجل صداها في أنحاء العالم بأسره حتى يمتد هذا الصدى عبر الأجيال المتعاقبة والقرون المتتابعة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، هذه الدعوة انطلقت من النبي صلى الله عليه وسلّم في ذلكم المكان ، فعندما يأتي الإنسان بعد طوافه بالبيت الحرام إلى الصفا ليبدأ السعي بين الصفا والمروة تتفاعل في نفسه أحاسيس متنوعة فهو يذكر كما قلنا مأساة إسماعيل وهاجر عليهما السلام وكيف كانا يكابدان المشقة حتى تداركتهما عناية الله ولا سيما عندما يبدأ السعي فيستذكر كيف كانت هاجر تتردد في ذلك المكان ذاهبة وآئبة وهي ترجو رحمة الله تعالى بها وبابنها ، وكذلك يتذكر ما كان من دعوة النبي صلى الله عليه وسلّم عندما جاء إلى الصفا بعدما أنزل الله تبارك وتعالى عليه )وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ) (الشعراء:214) فصعد على الصفا ونادى في قريش واصباحاه فاجتمعت حوله وقال لهم : أرأيتم أن لو أخبرتكم أن خيلاً وراء هذا الجبل مغيرة عليكم أكنتم مصدقي ؟ فقالوا له : ما جربنا عليك كذبا . فقال لهم : إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد . فابتدرته عمه أبو لهب قائلاً له : تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فكان ذلك سبباً لنزول الوعيد الشديد الذي تضمنته سورة بأسرها أنزلها الله تبارك وتعالى من أجل توعد أبي لهب في مقابل هذا العنت وهذا الشقاق إذ كان إمام الكافرين فكان هو الرائد لهم في تكذيب النبي صلى الله عليه وسلّم ، وعلى أي حال هذا مما يبعث في نفس الإنسان الأمل فإن تلك الدعوة مع ما واجهته من التحديات من أقرب الأقرباء وأخص الخاصة الذين كانوا حول النبي صلى الله عليه وسلّم هذه الدعوة آتت ثمارها ولو بعد حين وأخذت تنتشر وسط أنواع التحديات فهكذا الدعوة إنما هي دعوة إلى الحق هي دعوة تحتاج إلى تضحية وإلى فداء طريقها غير مفروش بالياسمين والورود وإنما هو مفروش بأشواك القتاد فلا بد للمسلم أن يصبر ويصابر حتى تؤتي هذه الدعوة ثمارها بمشيئة الله تعالى ، والله المستعان .
يتبع بإذن الله تعالى