أزمة العقل المسلم

    • أزمة العقل المسلم


      أزمة العقل المسلم
      إن العقل هو أساس ومناط التكليف والمحاسبة على الأعمال التي يقوم بها الإنسان، وهو مصنع الإنتاج البشري الذي يتمثل في أقواله وأفعاله وما يقدمه للمجتمع وللأمة...
      فالعقل يشغل حيّزاً ضخماً وكبيراً من الأهمية، فالأمم لم تقم وتحرز قصبات السبق في المجالات المختلفة إلا عن طريق إعمال وتشغيل العقول وتحكيمها في كثير من الأمور...
      والعقل المسلم هو خير العقول وأفضلها وأطهرها، فلا مكان فيه لحبك الدسائس على المجتمع والأفراد بل لإنتاج ما يفيد المجتمع والأمة...

      ولكن وبمرور الزمن أخذ العقل المسلم – شيئاً فشيئاً – بالتّنحّي جانباً عن دائرة إعمال العقل، وانزوى في زاوية ضيقة، لا يستطيع أن يبث آراءه ومنتجاته، وإنما أخذ يتلقّف المطبوخ الجاهز من إنتاجات غيره مما أدّى به إلى التخلّف والتأخر عن قافلة التقدم والتطور...
      وقد تجول في أذهان كثير من الناس بعض الأسئلة عن أسباب تقهقر العقل المسلم وتنحّيه عن دائرة إعمال العقل... فالعقل المسلم في مشواره الطويل واجه صعوبات وعقبات، في بداية الأمر لم يأبه بها بل قضى عليها دون أيّ تردد أو ضعف، ولكن بتعاقب الأيام وسيرها الحثيث انقلبت الموازين فصار العقل المسلم عرضة للنهش والاستبداد ومن الأسباب الموصلة إلى ذلك، هو تطفل العقل الغربي على العقل المسلم مما نشأ صراع بينهما أدّى إلى ضعف العقل المسلم وانهزامه أمام العقل الغربي، فأخذ العقل الغربي الوافد يستقي من إنتاجات العقل المسلم حتى استطاع أن ينتج ويُعمل عقله بنفسه فحرّك عجلة التطور والتقدم، بعد أن كان العقل المسلم يقودها ويسوسها...
      وبُعْد العقل المسلم عن النبع العذب الصافي ألا وهو القرآن الكريم من الأسباب التي أدّت به إلا ما هو عليه اليوم... فالبعد عن القرآن يعني التخلف والتقهقر والضعف والرّجعيّة؛ لأن القرآن الكريم هو كالماء للكائن الحي فمن الماء جعل الله كل شيء حي ) وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ ( (الأنبياء:من الآية30) وكذلك أحيا الله بالقرآن العقول بعد أن كانت تغوص في مستنقع ووحل الجاهلية العمياء، وأنار الله به الظُّلَم، وأنشأ به عقل المسلم...
      فواجب علينا أن نعضّ على القرآن الكريم والثابت من السنة المطهرة بالنواجذ، وأن نسعى إلى تطبيق كل حرف، فالقرآن الكريم ) يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ( (الإسراء:من الآية9)...
      وهناك أسباب أخرى كثيرة كانت سبباً في تهميش العقل المسلم وإضعافه، وما علينا إلا أن نبحث عن الدواء الناجع لتلك المصاعب والعقبات التي تواجه العقل المسلم، فننتشله من بين تلك المعوّقات ونضعه على الطريق المستقيم فيعمل وينتج ويسعى إلى إدارة عجلة التطور عند المسلمين...
      إعادة صياغة العقل المسلم

      إن القيام بإعادة صياغة العقل المسلم تتطلب منّا جهداً متواصلاً دؤوباً، وسعياً حثيثاً لكي نحقق تلك الغاية، ومن المقترحات لإعادة بناء وصياغة العقل المسلم ما يلي :
      أولاً : من الناحية الدينية :
      ~ لو رجعنا إلى الوراء إلى حيث ظهور هذا الدين الحنيف، لرأينا بأن المسلمين اهتموا بما يسمى بـ (البحث العلمي والكوني)، ولكن بمرور الأيام وبعد العقل المسلم عنه، ونسيان العقل لماضيه الزاخر بالمعرفة والإنتاج، جعل الغرب يقومون بهذا الدور – البحث العلمي والكوني – أما نحن فقد أرخينا الهمة في هذا المجال، وإنما اتكلنا على ما ينتجه الغرب لنا، فاستطاع الغرب بذلك أن يبلغ القمة في التطور التكنولوجي والثقافي، ونحن المسلمون ما زلنا نتقلب يميناً وشمالاً في الفرش الوثيرة لا نعلم أن هناك شيئاً أو أمراً اسمه (البحث العلمي والكوني)
      فعلينا أن نقلّب صفحات الماضي لنرى بأم أعيننا ما أحرزه آبائنا وأجدادنا من تقدم ورقي حينما أعملوا عقولهم في هذا الكون الواسع، واهتموا ببناء عقولهم بناء صحيحاً وسليماً يقوم على أسس رصينة قويمة شعارها "أعْمِل عقلك"...
      ~ المقترح الثاني : هو توجيه العقل المسلم الوجهة الصحيحة في فهم النصوص الإلهية، وفهم مقاصد الشريعة فهماً صحيحاً، بحيث لا يقف العقل المسلم في حيرة عاجزاً أمام "إشكالية تطبيق النص الشرعي وإنزاله في الواقع المتغيّر"، بل يسعى لفهم مقاصد الشريعة الإسلامية، ووعي المراد من النص الإلهي(1) فحينها يستطيع أن يواجه تقلبات الزمن وتحوّلاته...
      وهناك مقترحات أخرى كثيرة ناقشها بعض العلماء والمفكرين والباحثين... كقضية عدم إعمال العقل في بعض القضايا الفقهية والعقدية، وإنما الاتجاه مباشرة إلى ما أنتجه السابقون في تلك القضايا!!... بل علينا أن نضع آراءنا وحلولنا، لا أن نتّكل فقط على ما خلّفه الآباء والأجداد من تراث فقهي وثقافي، فنحن لنا عقول تعمل وتفكر وتنتج... ولا يعني ذلك أن نغفل عمّا ورثناه من آباءنا وأجدادنا من تراث فقهي وثقافي وفكري... بل نأخذ من أقوالهم وآراءهم ونرد، فهم بشر مثلنا فكّروا واشتغلوا وأعملوا عقولهم، ويجب علينا أن نقتدي بهم ونسلك خطاهم في ذلك... والكلام في هذا المجال واسع ولا داعي للإطالة والإسهاب...
      ثانياً : من الناحية العلمية :
      الناظر في حال العقل المسلم اليوم يرى أنه لا يساوي ذرة أمام هذه التطورات والتقدم العلمي والتقني الذي يشهده العالم، فلا إنتاج له أو ينحصر في هذا المجال، حتى ما يستصغره الإنسان ويحتقره من الصناعات لم يكن للعقل المسلم إمكانية أن يأتي بمثله... فوا أسفاً من أمة ضحكت من جهلها الأمم...

      فهل من عقول تُحرّك وتُعمَل لتُقوّم حال أمتنا ؟؟؟ وهل من عقول مسلمة تنتج لتنهض بالأمة كي تواكب ركب التقدم والتطور ؟؟؟ وهل...؟؟؟ وهل...؟؟؟
      نشعر بالأسف حينما يكون جواب هذه الأسئلة بـ"لا" .
      فهذه دعوة للعقول المسلمة بأن تتحرك في ميادين الإنتاج المختلفة، وأن تسعى لإحراز قصبات السبق في كل المجالات، ليس الرضاء فقط بالقليل الهيّن، وإنما بصعود القمم في مجال العمل والإنتاج
      ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
      ختاما
      هذا هو حال العقل المسلم اليوم، ولكن لا يعني ذلك أن نقف مكتوفي الأيدي، لنرى ما يصل إليه العالم من تطور وتقدم، ونبقى نحن المسلمون في تخلّف وتأخّر... لا وألف لا، ولكن علينا أن ننهض بالأمة، ونوقظها من سباتها، ونوقفها على أقدامها لكي تمضي تواكب بل تسابق الزمن للوصول بالعقل المسلم إلى ما يجب أن يكون عليه من وعي وفهم وحركة مستمرة بحثاً عن الحقيقة والأفضلية في هذه الحياة لأن المسلم كريم حُرّ لا يرضى بأن تحكّمه عقول فاسدة، لا تصلح أصلاً لأن يكون لها أي سيادة وقيادة على العقل المسلم...

      لا بد من إعادة صياغة العقل المسلم ليكون مفكرا واعيا منتجا مبدعا، حتى يقود ركب الحضارة والتقدم...



      منـــــــــــــــــــــــقـــــــــول