(1)
الموضوع : الذكاة ، وأسئلة عامة
سؤال :
ما هي الطريقة الصحيحة في الذبح ؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فإن الله تعالى الذي استخلف الإنسان في الأرض بسط له من فضله ، وآتاه ما آتاه من آلائه ونعمه إذ يتجلى هذا الاستخلاف في هذا التمكين الذي مُكنه للإنسان بحيث كان كل ما في هذه الأرض مسخراً له ومخلوقاً من أجله فالله تعالى يقول ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (البقرة: من الآية29) ، ومع هذا أيضاً فإن ما حول الأرض بل كل ما في الكون هو مسخر للإنسان كما ينبئ بذلك قوله تعالى ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (الجاثـية: من الآية13) ، ومن بين ما سُخر له الحيوانات التي ذللت للإنسان ، فإن الله تبارك وتعالى وهب الإنسان هذا التمكين من الحيوانات ينتفع بها مطلق الانتفاع ، فمنها يأكل لحمه ومنها يأكل لحمه ويركب عليه ويحمل أثقاله ، ومنها أيضاً ما يتولى حمل الأثقال ، ومنها ما يمكن أن يسخر لأمور أخرى أو أن ينتفع به في جوانب مختلفة كالعلاج وغيره ، وقد أحل الله تعالى بهيمة الأنعام إلا ما استثني فقد قال الله سبحانه وتعالى ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) (المائدة: من الآية1) ، وما يتلى علينا هو ما جاء في قول الله تبارك وتعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) (المائدة: من الآية3) ، فهذا هو الذي استثناه الله كما جاء الاستثناء في قوله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام إذ قال تبارك وتعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) (الأنعام: من الآية145) .
وعلى أي حال هنالك أيضاً مخصصات خصصت هذا العموم من السنة النبوية ، ولا بد من العمل بمقتضى هذه المخصصات ، فإن الله سبحانه وتعالى جعل في السنة النبوية تبياناً لإجمال ما في كتابه الكريم ، ومن بين هذا الإجمال تخصيص العمومات وتقييد المطلقات ، وقد جاء ذلك في روايات عن النبي صلى الله عليه وسلّم دلت على حرمة على الحمر الأهلية ودلت على حرمة أكل كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ، وإن كان للعلماء في هذا الأمر خلاف عريض الحاشية ، إلا أننا نأخذ بما دلت عليه السنة من تخصيص عمومات الكتاب العزيز وهذا أمر واضح لأن السنة النبوية كما قلنا مبينة لمجملات القرآن ، فالله تعالى يخاطب النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام بقوله ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل: من الآية44) .
وهذا الحيوان الذي أحله الله تبارك وتعالى للإنسان هو في الحقيقة كائن حي يتألم كما يتألم الإنسان ، وفي القضاء على حياته نوع من إيذائه ، ولكن بما أن الله تبارك وتعالى الذي خلقه فسواه والذي هو مالكه هو الذي أحله كان للإنسان أن ينتفع به ، وأن يُقدم على ذبحه لا لقصد إيذائه وإنما لقصد الانتفاع الذي أحله الله تعالى له .
ولأجل هذا كان هذا الذبح لا بد من أن يكون وفق ضوابط معروفة ، هذه الضوابط هي تعبدية ، فليس للإنسان أن يعدو على الحيوان كما يعدو السبع الفتاك ويفترسه ثم يأكله ، وإنما يأتي إليه فيذبحه بطريقة فيها رفق وفيها رحمة وفيها تقيد بضوابط معينة ، هذه الضوابط هي أمور تعبدية ، ولذلك كان الذبح أمراً تعبدياً ، إذ ليس المقصود إزهاق الروح فحسب ، ولو كان المقصود إزهاق الروح لما حَرُمت الموقوذة ولما حرمت المتردية ، بل هذا الذبح الذي يقع وهو قطع أوداج الحيوان ليموت ، هذا الذبح نفسه لو وقع على الحيوان بطريقة لم يقصدها الإنسان بحيث خر من أعلى فوقع على سكين مثلاً وقطعت أوداجه لما قيل بأنه حلال وإنما هو في حكم المتردية التي حرمها الله تبارك وتعالى ، ويدل على هذا أن الله تبارك وتعالى في كتابه قرن بين النسك والصلاة ، والنسك هو يعني الذبح فقد قال تعالى ) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) ، ولذلك جاء التحذير البالغ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الذبح لغير الله تبارك وتعالى كما في حديث الإمام علي كرم الله وجهه وغيره ، كل ذلك مما يؤذن أن الذبح أمر تعبدي ، ولما كان الذبح أمراً تعبدياً فإنه لا بد من أن يكون وفق الطريقة الشرعية التي جاءت في كتاب الله وفي هدي رسوله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام ، فهناك في كتاب الله تبارك وتعالى ما يدل على النحر وما يدل على الذبح ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) (البقرة: من الآية67) ، وقال تعالى )فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) ، والذبح إنما هو بقطع الأوداج ، والنحر إنما هو في اللبة ، ولذلك جاء في الحديث ما يدل على أن الذكاة إنما هي في الحلق وفي اللبة هكذا تكون الذكاة.
وهناك أيضاً حيوانات غير أليفة وهي حيوانات وحشية لا يمكن للإنسان أن يتوصل إليها فيتمكن من ذبحها إلا بطريقة صعبة جداً ، هذه أبيح اصطيادها سواءً كان بإرسال السهام أو كان ذلك بإغراء الجوارح كالكلاب والطيور الجارحة فالله تعالى يقول ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ) (المائدة: من الآية4) ، هذا يدل على أن الذبح أحل بهذه الطرق فما كان من الحيوانات ينحر كالإبل مثلاً فإنه ينحر في اللبلة فقد قال تبارك وتعالى ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) (الحج: من الآية36) . وقد جاء مدونة الإمام أبي غانم بشر بن غانم الخراساني رحمه الله من رواية أبي المؤرّج عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : صواف أي معقولات . ومعنى ذلك أن تقف على ثلاث وتعقل اليد ، يد الناقة وتنحر على هذه الحالة .
وكذلك نجد أن الذبح جاءت السنة تدل على قطع الأوداج ، والأوداج تصدق على الحلقوم والمريء والودجين فهذه هي الأوداج ، وإن كان هنالك اختلاف في وجوب قطع الحلقوم وفي وجوب قطع المريء في ذلك خلاف بين أهل العلم ، هل هذا مما يجب أو مما لا يجب ، وعلى أي حال فإنه مما ينبغي للإنسان أن يخرج من عهدة الخلاف مهما أمكن ، ولما كانت السنة جاءت بقطع الأوداج ، ويغلّب لفظ الأوداج فتطلق كلمة الأوداج على الحلقوم والمريء والودجين فإنه مما ينبغي الأخذ بهذا بحيث يكون لا بد من قطعها جميعاً ، هذا مع ذكر اسم الله تبارك وتعالى .
وفي ذكر اسم الله تعالى خلاف بين أهل العلم وصل إلى ستة أقوال ، ونحن نعوّل على أنه لا بد من ذكر اسم الله ، وأن ما ترك ذكر اسم الله عليه سواء كان ذلك عمداً أو كان نسياناً لا يؤكل لقوله تعالى ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)(الأنعام: من الآية121) ، ولقوله سبحانه ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ )(الأنعام: من الآية118) ، فإن الآية الأولى من هاتين الآيتين دالة بمنطوقها على النهي عن ما لم يذكر اسم الله عليه ، ودالة بمفهومها على إباحة ما ذكر اسم الله عليه ، والآية الأخرى دلت بمنطوقها على ما دلت عليه هذه بمفهومهما ، ودلت بمفهومهما على ما دلت عليه هذه بمنطوقها ، فالآيتان كل واحدة منهما تؤيد مدلول الآية الأخرى .
وهناك من قال بأن قوله سبحانه وتعالى ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)(الأنعام: من الآية121) مقيد ، والتقييد بقوله تعالى ( وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) (الأنعام: من الآية121) ، ومعنى ذلك أن هذه لا تؤكل في حالة كونها فسقا ، لأن الواو هنا حسب ما يقول هؤلاء هي واو الحال وليست عاطفة ، والحال تفيد التقييد أي لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه حالة كونه فسقا ، والفسق بينته آية ) أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)(الأنعام: من الآية145) ، ولكن هذا مردود الأصل ألا تجعل الواو للحال إلا عندما يتعذر العطف ، إذ لا بد مما يدل على أن هذه الواو هي واو ححال ، وأي دلالة تدل على ذلك ؟.
أما قول من قال بأنه يمنع عطف الخبر على الإنشاء فلذلك حملت الواو على أنها للحال ليس بشيء ، إذ هو من المعهود أن يعطف الخبر على الإنشاء ويعطف الإنشاء على الخبر ، ومما يدل على أن هذه الواو ليست للحال قوله تعالى فيما بعد ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ )(الأنعام: من الآية121) ، فلو كانت هذه الجمل جملة حالية التي أخذت عليها بالواو وهي قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)(الأنعام: من الآية121) ، لكانت الجمل التي عطفت عليها جملاً حالية أيضا ، مع أن جعل تلك الجمل الأخرى جملاً حالية أمراً متعذر ، ولكان ذلك متعذراً هنالك فإن هذه الجملة أيضاً لا يمكن أن تكون جملة حالية . وهناك الكثير من الأدلة التي دلت على عطف الخبر على الإنشاء والعكس ، من ذلك قول الله تبارك وتعالى ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ )(البقرة: من الآية221) ، وكذلك قوله الله سبحانه وتعالى ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ )(البقرة: من الآية282) ، ذلك كله مما يدخل في ضمن عطف الخبر على الإنشاء وكذلك العكس جائز .
فإذن يتبين من هذا المنع من أكل مما لم يذكر اسم الله عليه سواء كان الترك عمداً أو نسياناً ، لا يقال بأن الناسي معذور ، لأنه في حالة أكله ليس بناسي وإنما هو ذاكر ، وقد نهي عن أن يأكل ما لم يذكر اسم الله عليه ، وهذا يعني أن ذكر اسم الله تبارك وتعالى شرط والشروط هي من خطاب الوضع ، وخطاب الوضع يختلف عن خطاب التكليف ، فخطاب الوضع الأصل فيه ألا يراعى فيه الذكر أو النسيان لأنه ليس من جنس خطاب التكليف ، وإنما الشرط هو الذي يلزم من عدمه العدم كما قالوا ولا يلزم من وجوده الوجود ولا العدم لذاته ، وهذا على أي حال إن لم تكن هنالك قرينة أو يكون هنالك دليل يدل على تقييد الشرط بحالة الذكر لا بحالة النسيان ، ومع عدم وجود هذا الدليل أو هذا التقييد فإن الشرط على إطلاقه ، لا يتقيد بحالة الذكر دون حالة النسيان .
وعلى أي حال هذا كله إنما هو بشرط أن يكون المذكي مسلماً أو أن يكون كتابياً ، أما كونه مسلماً فإن الأصل في المسلم أن يأكل ذبيحة المسلم كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلّم : ( من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا ) أي ذبيحة المسلمين ، وأما الكتابي فلقول الله تبارك وتعالى ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) (المائدة: من الآية5) ، وقد قال المفسرون إن المراد بالطعام هنا الذبائح .
غير أن العلماء اختلفوا هل ذبيحة الكتابي مباحة على الإطلاق أو بشرط أن يكون ذمياً ؟ ، منهم من اشترط أن يكون من أهل الذمة لا أن يكون من أهل الحرب ، وهذا القول له وجه وجيه ولكن نجد في صحيح البخاري ما يدل على خلافه وهو أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما كانوا محاصرين لخيبر ألقى اليهود الذي داخل حصن خيبر لهم جراباً من شحم فتغذى به الصحابة رضوان الله عليهم مع أنهم كانوا في ذلك الوقت محاربين .
ولكن لا بد من مراعاة أمر وهو أن يكون الذبح من الكتابي بطريقة شرعية لا بطريقة مخالفة للشرع ، فإن الله تبارك وتعالى حرّم الموقوذة سواءً كانت هذه الموقوذة موقوذة مسلم أو موقوذة كتابي ، وما كان الله تعالى ليحرم موقوذة المسلم ويبيح موقوذة الكتابي ، وحرم الله سبحانه وتعالى المنخنقة سواءً كان الانخناق بسبب أو بغير سبب ، فالسبب كأن يخنقها الإنسان وسواءً كان هذا الخانق مسلماً أو غير مسلم ، فلا تباح المنخنقة سواءً كانت بسبب أو بغير سبب ، ولا يعني هذا أن تباح المنخنقة إن خنقها كتابي فإن ذلك لا يسوغ أبداً ، هذا من الكلام العجيب أن يقال بأن المنخنقة التي خنقها الكتابي تباح ، والمنخنقة التي خنقها المسلم لا تباح لماذا ؟ إنما المنخنقة هي حرام على الإطلاق ، فلذلك من الأقوال المستبعدة التي لا ينبغي التعريج عليها ما قاله ابن العربي من أن النصراني مثلاً لو خنق الدجاجة فإن أكلها حلال ، مع أن ابن العربي ناقض نفسه بنفسه في نفس كتابه في كتاب ( أحكام القرآن ) إذ قال في مكان قريب مما نص عليه بهذا المعنى قال ما يدل على خلافه أن الذبيحة من الكتابي يشترط أن تكون موافقة للذبيحة الشرعية وألا تكون مخالفة للذبيحة الشرعية .
هذا ولا بد من التأكد أن الذابح كتابي إذ كثير من الناس الآن ربما ظُنوا كتابيين وليسوا بكتابيين بسبب تفشي الإلحاد ونبذ الدين ، فلذلك على المسلمين إن كانوا في بلاد أجنبية أن يتقيدوا بأكل ذبيحة المسلمين أو ذبيحة الكتابيين الذين تُيقنت كتابيتهم مع التزامهم الذبح بطريقة شرعية مباحة في الإسلام ، مع كون هذا الذابح قد قصد بهذا الذبح القربة إلى الله تبارك وتعالى فهو لا يرفع اسم الله تعالى ويذكر اسم الله تعالى عند الذبح إلا لأجل الإيذان بأنه إنما يذبح باسم الله الذي أحل له هذا الذبح وأحل له الانتفاع بهذا الحيوان مع أن في ذلك إزهاقاً لروحه وقضاءً على حياته وإيذاءً له ، ولكن ذلك بما أن ذلك من شرع الله تبارك وتعالى فإنه إنما يقدم على هذا الفعل بمقتضى شرعه وباسمه تعالى ، فلذلك لا يجوز أن يترك ذكر اسم الله تعالى عند الإقدام على الذبح ، وكذلك عند إرسال الكلب مثلاً أو عند إرسال أية جارحة أو عند إرسال السهم كما دل على ذلك قول الله تبارك وتعالى ( وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ) (المائدة: من الآية4) ، والله تعالى الموفق .
يتبع بإذن الله تعالى
الموضوع : الذكاة ، وأسئلة عامة
سؤال :
ما هي الطريقة الصحيحة في الذبح ؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فإن الله تعالى الذي استخلف الإنسان في الأرض بسط له من فضله ، وآتاه ما آتاه من آلائه ونعمه إذ يتجلى هذا الاستخلاف في هذا التمكين الذي مُكنه للإنسان بحيث كان كل ما في هذه الأرض مسخراً له ومخلوقاً من أجله فالله تعالى يقول ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (البقرة: من الآية29) ، ومع هذا أيضاً فإن ما حول الأرض بل كل ما في الكون هو مسخر للإنسان كما ينبئ بذلك قوله تعالى ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (الجاثـية: من الآية13) ، ومن بين ما سُخر له الحيوانات التي ذللت للإنسان ، فإن الله تبارك وتعالى وهب الإنسان هذا التمكين من الحيوانات ينتفع بها مطلق الانتفاع ، فمنها يأكل لحمه ومنها يأكل لحمه ويركب عليه ويحمل أثقاله ، ومنها أيضاً ما يتولى حمل الأثقال ، ومنها ما يمكن أن يسخر لأمور أخرى أو أن ينتفع به في جوانب مختلفة كالعلاج وغيره ، وقد أحل الله تعالى بهيمة الأنعام إلا ما استثني فقد قال الله سبحانه وتعالى ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) (المائدة: من الآية1) ، وما يتلى علينا هو ما جاء في قول الله تبارك وتعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) (المائدة: من الآية3) ، فهذا هو الذي استثناه الله كما جاء الاستثناء في قوله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام إذ قال تبارك وتعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) (الأنعام: من الآية145) .
وعلى أي حال هنالك أيضاً مخصصات خصصت هذا العموم من السنة النبوية ، ولا بد من العمل بمقتضى هذه المخصصات ، فإن الله سبحانه وتعالى جعل في السنة النبوية تبياناً لإجمال ما في كتابه الكريم ، ومن بين هذا الإجمال تخصيص العمومات وتقييد المطلقات ، وقد جاء ذلك في روايات عن النبي صلى الله عليه وسلّم دلت على حرمة على الحمر الأهلية ودلت على حرمة أكل كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ، وإن كان للعلماء في هذا الأمر خلاف عريض الحاشية ، إلا أننا نأخذ بما دلت عليه السنة من تخصيص عمومات الكتاب العزيز وهذا أمر واضح لأن السنة النبوية كما قلنا مبينة لمجملات القرآن ، فالله تعالى يخاطب النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام بقوله ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل: من الآية44) .
وهذا الحيوان الذي أحله الله تبارك وتعالى للإنسان هو في الحقيقة كائن حي يتألم كما يتألم الإنسان ، وفي القضاء على حياته نوع من إيذائه ، ولكن بما أن الله تبارك وتعالى الذي خلقه فسواه والذي هو مالكه هو الذي أحله كان للإنسان أن ينتفع به ، وأن يُقدم على ذبحه لا لقصد إيذائه وإنما لقصد الانتفاع الذي أحله الله تعالى له .
ولأجل هذا كان هذا الذبح لا بد من أن يكون وفق ضوابط معروفة ، هذه الضوابط هي تعبدية ، فليس للإنسان أن يعدو على الحيوان كما يعدو السبع الفتاك ويفترسه ثم يأكله ، وإنما يأتي إليه فيذبحه بطريقة فيها رفق وفيها رحمة وفيها تقيد بضوابط معينة ، هذه الضوابط هي أمور تعبدية ، ولذلك كان الذبح أمراً تعبدياً ، إذ ليس المقصود إزهاق الروح فحسب ، ولو كان المقصود إزهاق الروح لما حَرُمت الموقوذة ولما حرمت المتردية ، بل هذا الذبح الذي يقع وهو قطع أوداج الحيوان ليموت ، هذا الذبح نفسه لو وقع على الحيوان بطريقة لم يقصدها الإنسان بحيث خر من أعلى فوقع على سكين مثلاً وقطعت أوداجه لما قيل بأنه حلال وإنما هو في حكم المتردية التي حرمها الله تبارك وتعالى ، ويدل على هذا أن الله تبارك وتعالى في كتابه قرن بين النسك والصلاة ، والنسك هو يعني الذبح فقد قال تعالى ) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) ، ولذلك جاء التحذير البالغ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الذبح لغير الله تبارك وتعالى كما في حديث الإمام علي كرم الله وجهه وغيره ، كل ذلك مما يؤذن أن الذبح أمر تعبدي ، ولما كان الذبح أمراً تعبدياً فإنه لا بد من أن يكون وفق الطريقة الشرعية التي جاءت في كتاب الله وفي هدي رسوله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام ، فهناك في كتاب الله تبارك وتعالى ما يدل على النحر وما يدل على الذبح ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) (البقرة: من الآية67) ، وقال تعالى )فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) ، والذبح إنما هو بقطع الأوداج ، والنحر إنما هو في اللبة ، ولذلك جاء في الحديث ما يدل على أن الذكاة إنما هي في الحلق وفي اللبة هكذا تكون الذكاة.
وهناك أيضاً حيوانات غير أليفة وهي حيوانات وحشية لا يمكن للإنسان أن يتوصل إليها فيتمكن من ذبحها إلا بطريقة صعبة جداً ، هذه أبيح اصطيادها سواءً كان بإرسال السهام أو كان ذلك بإغراء الجوارح كالكلاب والطيور الجارحة فالله تعالى يقول ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ) (المائدة: من الآية4) ، هذا يدل على أن الذبح أحل بهذه الطرق فما كان من الحيوانات ينحر كالإبل مثلاً فإنه ينحر في اللبلة فقد قال تبارك وتعالى ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) (الحج: من الآية36) . وقد جاء مدونة الإمام أبي غانم بشر بن غانم الخراساني رحمه الله من رواية أبي المؤرّج عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : صواف أي معقولات . ومعنى ذلك أن تقف على ثلاث وتعقل اليد ، يد الناقة وتنحر على هذه الحالة .
وكذلك نجد أن الذبح جاءت السنة تدل على قطع الأوداج ، والأوداج تصدق على الحلقوم والمريء والودجين فهذه هي الأوداج ، وإن كان هنالك اختلاف في وجوب قطع الحلقوم وفي وجوب قطع المريء في ذلك خلاف بين أهل العلم ، هل هذا مما يجب أو مما لا يجب ، وعلى أي حال فإنه مما ينبغي للإنسان أن يخرج من عهدة الخلاف مهما أمكن ، ولما كانت السنة جاءت بقطع الأوداج ، ويغلّب لفظ الأوداج فتطلق كلمة الأوداج على الحلقوم والمريء والودجين فإنه مما ينبغي الأخذ بهذا بحيث يكون لا بد من قطعها جميعاً ، هذا مع ذكر اسم الله تبارك وتعالى .
وفي ذكر اسم الله تعالى خلاف بين أهل العلم وصل إلى ستة أقوال ، ونحن نعوّل على أنه لا بد من ذكر اسم الله ، وأن ما ترك ذكر اسم الله عليه سواء كان ذلك عمداً أو كان نسياناً لا يؤكل لقوله تعالى ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)(الأنعام: من الآية121) ، ولقوله سبحانه ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ )(الأنعام: من الآية118) ، فإن الآية الأولى من هاتين الآيتين دالة بمنطوقها على النهي عن ما لم يذكر اسم الله عليه ، ودالة بمفهومها على إباحة ما ذكر اسم الله عليه ، والآية الأخرى دلت بمنطوقها على ما دلت عليه هذه بمفهومهما ، ودلت بمفهومهما على ما دلت عليه هذه بمنطوقها ، فالآيتان كل واحدة منهما تؤيد مدلول الآية الأخرى .
وهناك من قال بأن قوله سبحانه وتعالى ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)(الأنعام: من الآية121) مقيد ، والتقييد بقوله تعالى ( وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) (الأنعام: من الآية121) ، ومعنى ذلك أن هذه لا تؤكل في حالة كونها فسقا ، لأن الواو هنا حسب ما يقول هؤلاء هي واو الحال وليست عاطفة ، والحال تفيد التقييد أي لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه حالة كونه فسقا ، والفسق بينته آية ) أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)(الأنعام: من الآية145) ، ولكن هذا مردود الأصل ألا تجعل الواو للحال إلا عندما يتعذر العطف ، إذ لا بد مما يدل على أن هذه الواو هي واو ححال ، وأي دلالة تدل على ذلك ؟.
أما قول من قال بأنه يمنع عطف الخبر على الإنشاء فلذلك حملت الواو على أنها للحال ليس بشيء ، إذ هو من المعهود أن يعطف الخبر على الإنشاء ويعطف الإنشاء على الخبر ، ومما يدل على أن هذه الواو ليست للحال قوله تعالى فيما بعد ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ )(الأنعام: من الآية121) ، فلو كانت هذه الجمل جملة حالية التي أخذت عليها بالواو وهي قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)(الأنعام: من الآية121) ، لكانت الجمل التي عطفت عليها جملاً حالية أيضا ، مع أن جعل تلك الجمل الأخرى جملاً حالية أمراً متعذر ، ولكان ذلك متعذراً هنالك فإن هذه الجملة أيضاً لا يمكن أن تكون جملة حالية . وهناك الكثير من الأدلة التي دلت على عطف الخبر على الإنشاء والعكس ، من ذلك قول الله تبارك وتعالى ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ )(البقرة: من الآية221) ، وكذلك قوله الله سبحانه وتعالى ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ )(البقرة: من الآية282) ، ذلك كله مما يدخل في ضمن عطف الخبر على الإنشاء وكذلك العكس جائز .
فإذن يتبين من هذا المنع من أكل مما لم يذكر اسم الله عليه سواء كان الترك عمداً أو نسياناً ، لا يقال بأن الناسي معذور ، لأنه في حالة أكله ليس بناسي وإنما هو ذاكر ، وقد نهي عن أن يأكل ما لم يذكر اسم الله عليه ، وهذا يعني أن ذكر اسم الله تبارك وتعالى شرط والشروط هي من خطاب الوضع ، وخطاب الوضع يختلف عن خطاب التكليف ، فخطاب الوضع الأصل فيه ألا يراعى فيه الذكر أو النسيان لأنه ليس من جنس خطاب التكليف ، وإنما الشرط هو الذي يلزم من عدمه العدم كما قالوا ولا يلزم من وجوده الوجود ولا العدم لذاته ، وهذا على أي حال إن لم تكن هنالك قرينة أو يكون هنالك دليل يدل على تقييد الشرط بحالة الذكر لا بحالة النسيان ، ومع عدم وجود هذا الدليل أو هذا التقييد فإن الشرط على إطلاقه ، لا يتقيد بحالة الذكر دون حالة النسيان .
وعلى أي حال هذا كله إنما هو بشرط أن يكون المذكي مسلماً أو أن يكون كتابياً ، أما كونه مسلماً فإن الأصل في المسلم أن يأكل ذبيحة المسلم كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلّم : ( من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا ) أي ذبيحة المسلمين ، وأما الكتابي فلقول الله تبارك وتعالى ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) (المائدة: من الآية5) ، وقد قال المفسرون إن المراد بالطعام هنا الذبائح .
غير أن العلماء اختلفوا هل ذبيحة الكتابي مباحة على الإطلاق أو بشرط أن يكون ذمياً ؟ ، منهم من اشترط أن يكون من أهل الذمة لا أن يكون من أهل الحرب ، وهذا القول له وجه وجيه ولكن نجد في صحيح البخاري ما يدل على خلافه وهو أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما كانوا محاصرين لخيبر ألقى اليهود الذي داخل حصن خيبر لهم جراباً من شحم فتغذى به الصحابة رضوان الله عليهم مع أنهم كانوا في ذلك الوقت محاربين .
ولكن لا بد من مراعاة أمر وهو أن يكون الذبح من الكتابي بطريقة شرعية لا بطريقة مخالفة للشرع ، فإن الله تبارك وتعالى حرّم الموقوذة سواءً كانت هذه الموقوذة موقوذة مسلم أو موقوذة كتابي ، وما كان الله تعالى ليحرم موقوذة المسلم ويبيح موقوذة الكتابي ، وحرم الله سبحانه وتعالى المنخنقة سواءً كان الانخناق بسبب أو بغير سبب ، فالسبب كأن يخنقها الإنسان وسواءً كان هذا الخانق مسلماً أو غير مسلم ، فلا تباح المنخنقة سواءً كانت بسبب أو بغير سبب ، ولا يعني هذا أن تباح المنخنقة إن خنقها كتابي فإن ذلك لا يسوغ أبداً ، هذا من الكلام العجيب أن يقال بأن المنخنقة التي خنقها الكتابي تباح ، والمنخنقة التي خنقها المسلم لا تباح لماذا ؟ إنما المنخنقة هي حرام على الإطلاق ، فلذلك من الأقوال المستبعدة التي لا ينبغي التعريج عليها ما قاله ابن العربي من أن النصراني مثلاً لو خنق الدجاجة فإن أكلها حلال ، مع أن ابن العربي ناقض نفسه بنفسه في نفس كتابه في كتاب ( أحكام القرآن ) إذ قال في مكان قريب مما نص عليه بهذا المعنى قال ما يدل على خلافه أن الذبيحة من الكتابي يشترط أن تكون موافقة للذبيحة الشرعية وألا تكون مخالفة للذبيحة الشرعية .
هذا ولا بد من التأكد أن الذابح كتابي إذ كثير من الناس الآن ربما ظُنوا كتابيين وليسوا بكتابيين بسبب تفشي الإلحاد ونبذ الدين ، فلذلك على المسلمين إن كانوا في بلاد أجنبية أن يتقيدوا بأكل ذبيحة المسلمين أو ذبيحة الكتابيين الذين تُيقنت كتابيتهم مع التزامهم الذبح بطريقة شرعية مباحة في الإسلام ، مع كون هذا الذابح قد قصد بهذا الذبح القربة إلى الله تبارك وتعالى فهو لا يرفع اسم الله تعالى ويذكر اسم الله تعالى عند الذبح إلا لأجل الإيذان بأنه إنما يذبح باسم الله الذي أحل له هذا الذبح وأحل له الانتفاع بهذا الحيوان مع أن في ذلك إزهاقاً لروحه وقضاءً على حياته وإيذاءً له ، ولكن ذلك بما أن ذلك من شرع الله تبارك وتعالى فإنه إنما يقدم على هذا الفعل بمقتضى شرعه وباسمه تعالى ، فلذلك لا يجوز أن يترك ذكر اسم الله تعالى عند الإقدام على الذبح ، وكذلك عند إرسال الكلب مثلاً أو عند إرسال أية جارحة أو عند إرسال السهم كما دل على ذلك قول الله تبارك وتعالى ( وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ) (المائدة: من الآية4) ، والله تعالى الموفق .
يتبع بإذن الله تعالى