{ دور فقهاء الإباضية في إسلام مملكة مالي } د. أحمد الياس كلية الأداب ، جامعة الخرطوم
السلام عليكم ورحمت الله وبركاته
يسرني أن أعرض عليكم هذا البحث القيم للدكتور أحمد الياس حسين كلية الأداب ، جامعة الخرطوم والذي تناول من خلاله دور من الادوار التاريخية والدعوية التي قام بها السادة علماء الإباضية الأجلاء في سبيل نشر هذا الدين العظيم ومبادئه السمحة الداعية إلى الخلق الحميد والمثل العليا ، ولا يسعني ألا الاشادة بالدكتور أحمد الياس حسين على هذه النزاهة الطيبة في عرضه للمواضيع المتعلقة بالمذهب الإباضي في الكثير من المجالات خاصتاً التاريخية منها .
مقدمة
تهتم هذه الدراسة بتاريخ مملكة مالي في الفترة السابقة لظهورها كإمبراطورية في القرن الثالث عشر الميلادي وذلك عن طريق الربط بين الروايات المحلية ــ التي جمعها الباحثون المهتمون بدراسات غرب أفريقيا ،، عن ملوك مالي وبين ما ورد في المصادر العربية وبخاصة المصادر الإباضية بهدف محاولة التوصل تحديد تاريخ قيام تلك المملكة وطرح بعض الفرضيات حول اتصالات الإباضية المبكرة بها ودورهم في إسلام ملوكها .
قيام مملكة مالي :
لا تزال المعلومات حول المراحل المبكرة لقيام مملكة مالي قاصرة على إعطاء فكرة واضحة لتاريخ تلك الفترة ، والمصادر الأساسية التي اعتمد عليها الباحثون في تاريخ مالي المبكر قبل عصر الإمبراطورية هي بعض المعلومات التي استخلصوها من التراث المحلي المتداول بين مجموعات المالنكي مؤسس المملكة .
وقد اتفق أغلب المؤرخين على تتبع أطوار ظهور مملكة مالي على مرحلتين :
أولهما مرحلة الزعامات الشمالية ، وتذكر الروايات المحلية أن هناك أسرتين توليتا الحكم في تلك الفترة هما أسرة التراورا (Traora) وأسرة كوناتي ( Conate) أو كامارا (Kamara).
والمرحلة الثانية ، هي التي نمت فيها مالي في الجنوب حتى أصبحت إمبراطورية قوية تحت أسرة كيتا .
ويؤرخ لبداية هذه الفترة بنهاية القرن الحادي عشر أو منتصف القرن الثاني عشر الميلادي ، وهو التاريخ نفسه ، الذي يحدد به نهاية فترة زعامات المرحلة الأولى في الشمال ، وتحديد تاريخ ظهور زعامات الشمال غير واضح ولكن لا يرجع إليه في الغالب قبل القرن العشر الميلادي (1).
وهذه الآراء تعطي تواريخاً متأخرة لتطور زعامات المالنك في الشمال وفي الجنوب ، لأن مجمل هذه الآراء لا يرجع إلى ما قبل منتصف القرن العشر الميلادي بصورة قاطعة بل ينحصر بين القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين ، وليس هناك تركيز على المرحلة السابقة لذلك وهي الفترة التي قطعت مالي شوطاً بعيداً من التطور قبل القرن الحادي عشر الميلادي بل تطورت بعض الزعامات إلى ممالك وساهمت بدورها في تاريخ غرب أفريقيا إلى جانب شقيقاتها غانة وكوكو وكانم .
إن تطور ممالك غرب إفريقيا ارتبط ارتباطاً وثيقاً ينمو العلاقات مع شمال إفريقيا غبر الصحراء ، وقد ارتبط تطور العلاقات بالتجارة وكان لذلك النشاط التجاري الكبير دوره في توطيد أركان مملكة السوننك في مرحلتها الأولى في أودغست ثم في مرحلتها الثانية بعد انتقالها جنوباً إلى كومبي صالح في منتصف القرن الثامن الميلادي (2).
ورغم إننا نفتقد المعلومات عن تجمعات المالنك في الفترة التي ظهرت فيها مملكة السوننك ( غانة) إلا أن الأوضاع العمة في المنطقة يمكن أن تلقي بعض الضوء على تلك الحقبة ، فقد توصل السوننك ( الفرع الشمالي لمتكلمي لغة الماندي ) إلى تطوير أساليب حياتهم الاقتصادية والسياسية فظهرت مملكتهم غامة في النصف الأخير من الألف الأول الميلادي ، وانتظمت علاقاتهم التجارية معبر الصحراء شمالاً فاتصلوا بحوض البحر المتوسط .
وكانت علاقات السوننك بالجنوب قوية من أجل التجارة ، لأن أغلب السلع التي اعتمدت عليها تجارتهم تتواجد على أرضي المالنك في الجنوب بما في ذلك السلعة الرئيسية وهي الذهب ، وقد أثبتت أعمال التنقيب الآثاري أن المناطق الواقعة بين أعالي السنغال والنيجر كانت مرتبطة بتجارة الصحراء منذ بداية الألف الميلادي الأول (3) ، وكان السوننك دائمي التحرك جنوباً لعوامل الجفاف التي بدأت تظهر في الجزء الغربي من الصحراء الكبرى وللضغط الذي تعرضوا له من القبائل البدوية بعد ظهور الجمل في الصحراء نحو نهاية النصف الأول من الألف الأول للميلاد (4) .
كل ذلك يوضح ارتباط منطقة أعالي نهري السنغال والنيجر ــ حيث عاش المالنك ــ ارتباطاً وثيقاً بحضارات السوننك ووصول المؤثرات الحضارية من حوض البحر المتوسط . وقد هيأت تلك الأوضاع المناخ الملائم لتطور مجتمعات المالنك ، ومن المحتمل أن تنظيماتهم السياسية قد بدأت في التطور منذو منتصف الألف الأول للميلاد حتى تتمكن تلك التجمعات من تنظيم تجارة الذهب .
ولا شك أن مجتمعات المالنك قد استفادت كثيراً في بناء تنظيماتها من الهجرات التي وصلت إلى إقليمهم والتي لم تقتصر على العناصر السوننكية فقط ، بل وصلت أيضاً بعض العناصر اليهودية التي ساهمت مجموعة منها في قيام مملكة غانة في الشمال . وتدل إشارات المؤلفات العربية إلى قدم تلك الهجرات لدرجة ذوبانها في المجتمعات المالنكية (5) .
يتبع أن شاء الله
الهوامش :
الهوامش :
1. L evetzION, N.:aneient Ghana and Mali.(London-1980)PP.56,58,60
Triminghan, J.S.:A History of Islam in West Africa(oxford 1970) P. 61 Laboure: Mali. (Eney .of Islam )Vol. 3, P. 240. De Lafosse, M. :Traditions Historiques at Legendaires du Soudan Occidental (Paris.1913) PP.19,20.
طرخان ، إبراهيم علي : دولة مالي الإسلامية _ الهيئة المصرية للكتب 1983 ) ص 32 ــ37.
2. حسين ، أحمد الياس : العلاقات بين مملكة غانة والمغرب العربي بين القرنين 8ــ11 / . رسالة دكتوراه بمعهد الدراسات الافريقية جامعة القاهرة ، ص58.
3. Murphy, J.:History of African Civilization(New York,1922)P.104.
4. Desire-vuilemin, Mme
5. الإدريسي : صفة المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس مأخوذة من كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ( ليدن 1964) ، ص4.
ابن سعيد: كتاب الجغرافية ، تحقيق إسماعيل العربي ( بيروت ، المكتب التجاري 1970) ص 90 ، 92.
السلام عليكم ورحمت الله وبركاته
يسرني أن أعرض عليكم هذا البحث القيم للدكتور أحمد الياس حسين كلية الأداب ، جامعة الخرطوم والذي تناول من خلاله دور من الادوار التاريخية والدعوية التي قام بها السادة علماء الإباضية الأجلاء في سبيل نشر هذا الدين العظيم ومبادئه السمحة الداعية إلى الخلق الحميد والمثل العليا ، ولا يسعني ألا الاشادة بالدكتور أحمد الياس حسين على هذه النزاهة الطيبة في عرضه للمواضيع المتعلقة بالمذهب الإباضي في الكثير من المجالات خاصتاً التاريخية منها .
مقدمة
تهتم هذه الدراسة بتاريخ مملكة مالي في الفترة السابقة لظهورها كإمبراطورية في القرن الثالث عشر الميلادي وذلك عن طريق الربط بين الروايات المحلية ــ التي جمعها الباحثون المهتمون بدراسات غرب أفريقيا ،، عن ملوك مالي وبين ما ورد في المصادر العربية وبخاصة المصادر الإباضية بهدف محاولة التوصل تحديد تاريخ قيام تلك المملكة وطرح بعض الفرضيات حول اتصالات الإباضية المبكرة بها ودورهم في إسلام ملوكها .
قيام مملكة مالي :
لا تزال المعلومات حول المراحل المبكرة لقيام مملكة مالي قاصرة على إعطاء فكرة واضحة لتاريخ تلك الفترة ، والمصادر الأساسية التي اعتمد عليها الباحثون في تاريخ مالي المبكر قبل عصر الإمبراطورية هي بعض المعلومات التي استخلصوها من التراث المحلي المتداول بين مجموعات المالنكي مؤسس المملكة .
وقد اتفق أغلب المؤرخين على تتبع أطوار ظهور مملكة مالي على مرحلتين :
أولهما مرحلة الزعامات الشمالية ، وتذكر الروايات المحلية أن هناك أسرتين توليتا الحكم في تلك الفترة هما أسرة التراورا (Traora) وأسرة كوناتي ( Conate) أو كامارا (Kamara).
والمرحلة الثانية ، هي التي نمت فيها مالي في الجنوب حتى أصبحت إمبراطورية قوية تحت أسرة كيتا .
ويؤرخ لبداية هذه الفترة بنهاية القرن الحادي عشر أو منتصف القرن الثاني عشر الميلادي ، وهو التاريخ نفسه ، الذي يحدد به نهاية فترة زعامات المرحلة الأولى في الشمال ، وتحديد تاريخ ظهور زعامات الشمال غير واضح ولكن لا يرجع إليه في الغالب قبل القرن العشر الميلادي (1).
وهذه الآراء تعطي تواريخاً متأخرة لتطور زعامات المالنك في الشمال وفي الجنوب ، لأن مجمل هذه الآراء لا يرجع إلى ما قبل منتصف القرن العشر الميلادي بصورة قاطعة بل ينحصر بين القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين ، وليس هناك تركيز على المرحلة السابقة لذلك وهي الفترة التي قطعت مالي شوطاً بعيداً من التطور قبل القرن الحادي عشر الميلادي بل تطورت بعض الزعامات إلى ممالك وساهمت بدورها في تاريخ غرب أفريقيا إلى جانب شقيقاتها غانة وكوكو وكانم .
إن تطور ممالك غرب إفريقيا ارتبط ارتباطاً وثيقاً ينمو العلاقات مع شمال إفريقيا غبر الصحراء ، وقد ارتبط تطور العلاقات بالتجارة وكان لذلك النشاط التجاري الكبير دوره في توطيد أركان مملكة السوننك في مرحلتها الأولى في أودغست ثم في مرحلتها الثانية بعد انتقالها جنوباً إلى كومبي صالح في منتصف القرن الثامن الميلادي (2).
ورغم إننا نفتقد المعلومات عن تجمعات المالنك في الفترة التي ظهرت فيها مملكة السوننك ( غانة) إلا أن الأوضاع العمة في المنطقة يمكن أن تلقي بعض الضوء على تلك الحقبة ، فقد توصل السوننك ( الفرع الشمالي لمتكلمي لغة الماندي ) إلى تطوير أساليب حياتهم الاقتصادية والسياسية فظهرت مملكتهم غامة في النصف الأخير من الألف الأول الميلادي ، وانتظمت علاقاتهم التجارية معبر الصحراء شمالاً فاتصلوا بحوض البحر المتوسط .
وكانت علاقات السوننك بالجنوب قوية من أجل التجارة ، لأن أغلب السلع التي اعتمدت عليها تجارتهم تتواجد على أرضي المالنك في الجنوب بما في ذلك السلعة الرئيسية وهي الذهب ، وقد أثبتت أعمال التنقيب الآثاري أن المناطق الواقعة بين أعالي السنغال والنيجر كانت مرتبطة بتجارة الصحراء منذ بداية الألف الميلادي الأول (3) ، وكان السوننك دائمي التحرك جنوباً لعوامل الجفاف التي بدأت تظهر في الجزء الغربي من الصحراء الكبرى وللضغط الذي تعرضوا له من القبائل البدوية بعد ظهور الجمل في الصحراء نحو نهاية النصف الأول من الألف الأول للميلاد (4) .
كل ذلك يوضح ارتباط منطقة أعالي نهري السنغال والنيجر ــ حيث عاش المالنك ــ ارتباطاً وثيقاً بحضارات السوننك ووصول المؤثرات الحضارية من حوض البحر المتوسط . وقد هيأت تلك الأوضاع المناخ الملائم لتطور مجتمعات المالنك ، ومن المحتمل أن تنظيماتهم السياسية قد بدأت في التطور منذو منتصف الألف الأول للميلاد حتى تتمكن تلك التجمعات من تنظيم تجارة الذهب .
ولا شك أن مجتمعات المالنك قد استفادت كثيراً في بناء تنظيماتها من الهجرات التي وصلت إلى إقليمهم والتي لم تقتصر على العناصر السوننكية فقط ، بل وصلت أيضاً بعض العناصر اليهودية التي ساهمت مجموعة منها في قيام مملكة غانة في الشمال . وتدل إشارات المؤلفات العربية إلى قدم تلك الهجرات لدرجة ذوبانها في المجتمعات المالنكية (5) .
يتبع أن شاء الله
الهوامش :
الهوامش :
1. L evetzION, N.:aneient Ghana and Mali.(London-1980)PP.56,58,60
Triminghan, J.S.:A History of Islam in West Africa(oxford 1970) P. 61 Laboure: Mali. (Eney .of Islam )Vol. 3, P. 240. De Lafosse, M. :Traditions Historiques at Legendaires du Soudan Occidental (Paris.1913) PP.19,20.
طرخان ، إبراهيم علي : دولة مالي الإسلامية _ الهيئة المصرية للكتب 1983 ) ص 32 ــ37.
2. حسين ، أحمد الياس : العلاقات بين مملكة غانة والمغرب العربي بين القرنين 8ــ11 / . رسالة دكتوراه بمعهد الدراسات الافريقية جامعة القاهرة ، ص58.
3. Murphy, J.:History of African Civilization(New York,1922)P.104.
4. Desire-vuilemin, Mme
5. الإدريسي : صفة المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس مأخوذة من كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ( ليدن 1964) ، ص4.
ابن سعيد: كتاب الجغرافية ، تحقيق إسماعيل العربي ( بيروت ، المكتب التجاري 1970) ص 90 ، 92.