سؤال أهل الذكر 15 من ذي الحجة 1423هـ ، 16/2/2003 م

    • سؤال أهل الذكر 15 من ذي الحجة 1423هـ ، 16/2/2003 م

      (1)

      الموضوع : عام

      سؤال :
      ما هي الحدود الممنوعة في التعامل بين الزوج وزوجته في عدة طلاقها الرجعي ؟

      الجواب :
      بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
      فإن المرأة عندما تكون مطلقة طلاقاً رجعياً تكون هناك صلة بينها وبين زوجها ، وإن كانت لا يحل له أن يستمتع بها إلا بعد أن يراجعها مراجعة شرعية ، والصلة إنما هي تظهر في كونه يرثها وترثه ، وفي كونها مأمورة بأن تبقى في نفس بيته كما دل على ذلك قول الله وتعالى ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) (الطلاق: من الآية1) ، وفي هذا ما يدل على جواز أن ينظر إليها ويراها ، وأن يخلو بها خلوة من غير استمتاع ، أما أن يستمتع بها فالمتعة غير جائزة ، أي متعة كانت ، فلا يحل له أن يواقعها ، ولا يحل له أن يضمها ، ولا يحل له أن يقبلها ، وإنما يجوز له النظر إليها لعل في هذا النظر ما يشجعه على مراجعتها ، ومن أجل ذلك استُحب لها أن تتزين حتى يكون في ذلك ما يدفعه إلى مرجعتها في خلال العدة ، أما الاستمتاع كما قلنا بأي وجه من الوجوه فهو لا يحل ، وإنما تُظهر له ظاهر زينتها دون باطن زينتها ، وليحذرا من الوقوع في محارم الله ، فإن مالت نفسه إليها فلا يأتينها إلا بعد أن يراجعها مراجعة شرعية ، والمراجعة الشرعية عندنا تتوقف على شهادة شاهدين أخذاً بما دل عليه قول الله تعالى ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (الطلاق: من الآية2) ، فلا بد من أن يشهد شاهدين على مراجعتها ، على أن يكون ذلك إبان عدتها قبل أن تنسلخ عدتها ، أما بعد أن تنسلخ عدتها فإنه في هذه الحالة يكون كواحد من الخطاب وهي أملك بنفسها منه ، فلا تحل له إلا بعقد جديد مع جميع لوازمه الشرعية وهي رضاها وإذن وليها وصداق جديد وبينة ، والله تعالى أعلم .


      سؤال :
      يوصي البعض بأن يكفن من ماله ولا ينتبه لذلك إلا بعد أن يدفن الميت ، فكيف يتصرف الوصي في هذه الحالة ؟

      الجواب :
      في هذه الحالة أي عندما يتعذر تنفيذ الوصية فإن الوصية ترجع إلى الورثة ، فإن كان الورثة كلهم بُلّغاً عُقّالاً بحيث يسوغ لهم أن يتصرفوا في التركة كما يشاءون فإنه ينبغي لهم أن ينفقوا ذلك في الخير من غير أن يكون ذلك لازماً عليهم ، ولكن ذلك أبر لميتهم وأفضل لهم ، وإن لم يفعلوا ذلك فإن هذا الأمر يرجع إليهم . أما إن كان الورثة أيتاماً أو كان بعضهم يتامى فإن ذلك لا يسوغ في مال اليتامى وإنما يسوغ في مال البُلّغ العقلاء المالكين لأمرهم ، والله تعالى أعلم .


      سؤال :
      ما رأي سماحتكم فيما يوصي به البعض من إعطاء مبلغ معين لمن شارك في الدفن أو الحفر لقبره حيث إن عدد المشاركين في ذلك كبير يشق على الوصي معرفتهم ؟


      الجواب :
      عندما يتعذر الوصول إلى الموصى لهم فإن الوصية ترجع إلى الورثة ، إلا إن كانت هذه الوصية من ضمان ففي هذه الحالة لا بد من البحث عن الموصى لهم أو عن ورثتهم إن كانوا قد ماتوا ، فإن تعذر ذلك فحكم ذلك حكم المال الذي جُهل ربه ، وكل مال جُهل ربه فإن فقراء المسلمين أولى به ، والله تعالى أعلم .



      يتبع بإذن الله تعالى
    • (2)

      سؤال :
      كيف يمكن أن تكون مصائب الأمة المسلمة سبيلاً لتوحيد وجمع كلمتها ؟


      الجواب :

      نعم ، الأمة المسلمة هي قبل كل شيء مطالبة بأن تكون أمة واحدة ، أمة لا تختلف ولا تتنازع لأن دينها دين وحدة كما أنه دين توحيد ، فالله تبارك وتعالى كما دعاها إلى أن توحده وأن تفرده بالعبادة ، كذلك دعاها إلى أن تتوحد فيما بينها فقد قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (آل عمران: 102-103) ، وحذّر الله تعالى هذه الأمة من التفرق والتنازع كما تفرقت الأمم من قبل وتنازعت وقد قال سبحانه وتعالى ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (آل عمران:105) ، وبيّن أن التفرق صفة للمشركين وذلك عندما قال ( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (الروم:31-32 ) ، وكذلك بيّن أن النبي صلى الله عليه وسلّم بريء من أولئك المتفرقين المختلفين الذين فرقوا أمر دينهم فقد قال سبحانه ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ) (الأنعام: من الآية159) ، وحذّر الله سبحانه وتعالى هذه الأمة من التنازع والتفرق وبيّن أن ذلك سبب لذهاب الريح فقد قال سبحانه ( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم ْ) (الأنفال: من الآية46) ، كل ذلك مما يدعو هذه الأمة إلى أن تتوحد ، فضلاً عن كون جميع التعاليم التي جاء بها دينها تقتضي الوحدة فيما بينها ، فالعبادات كل عبادة من العبادات تؤدي إلى الوحدة ، فالصلاة مؤدية إلى الوحدة ، إذ كل كلمة من الكلمات التي ينطق بها المصلي في صلاته إنما هي كلمة حية تنبض بمعاني إيمانية تدعو المسلم إلى المسلم ليتوحدا في ظل العبودية لله سبحانه وتعالى ، كما أن هذه الصلاة في جمعها للمصلين وانتظام صفوفهم وانتظام حركاتهم جميعاً وراء الإمام بحيث يركعون معاً ويسجدون معاً ويرفعون من الركوع والسجود معاً كل ذلك مما يدعو إلى أن تتوحد لأن ذلك يقتضي توحد مشاعرها ، وما هذا التوحد في الحركات إلا مظهر للوحدة الإيمانية التي هي مطلوبة من هذه الأمة . على أن هذا الاجتماع الذي يجمع شتيتاً من المصلين إنما هو في الحقيقة أيضاً مظهر للوحدة نظراً إلى أن الأمة على اختلاف أحوالها تتوحد في هذا ، فالغني يقف إلى جانب الفقير ، والقوي يقف إلى جانب الضعيف ، والحاكم يقف إلى جانب المحكوم ، والعربي يقف إلى جانب الأعجمي ، والأبيض يقف إلى جانب الأسود ، فلا فارق بين هذا وذاك فكل من ذلك يدل على الوحدة الواجبة .
      كما أن الزكاة كذلك تجمع المشاعر وتوحد المؤمنين لأنها تفجر مشاعر الرحمة في نفوس الأغنياء الذي يسخون بمالهم ، ومن عادة الإنسان إذا سخا بماله أن يتألم لأحوال الفقراء والمساكين إلا عندما يجود بماله فهذا الألم الذي ينبعث في نفسه لما يراه من أحوالهم لا يشفيه إلا أن يجود بماله ، وهذا مما يدعو أيضاً الفقراء والمساكين إلى أن يشعروا تجاه إخوانهم الأغنياء بمشاعر الوحدة الإيمانية التي تجمع هؤلاء وهؤلاء جميعاً في ظل العبودية لله .
      والصيام كذلك ، الصيام فيه أكثر من معنى يدعو إلى الوحدة ما بين عباد الله تعالى الصائمين ، من ذلك نفس هذا الانتظام في تناول الطعام بحيث لا يكون أحد أسبق إلى تناوله من الآخر ، وإنما يتناولونه جميعاً في وقت واحد ، يفطرون جميعاً في ساعة واحدة في لحظة واحدة ، كما يكفون عن الطعام في وقت واحد ، ويشرعون في الصيام في لحظة واحدة ، كل ذلك مما يوحد الأمة ، فضلاً عما في الصيام من التربية على الأخلاق التي يدل عليها قول النبي صلى الله عليه وسلّم : إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم . فإن هذا أعظم خلق ، أسمى خلق يربي عليه النبي صلى الله عليه هذه الأمة ، فالإنسان ليس مطلوباً منه أن يكف أذاه عن الغير فحسب ، بل المطلوب منه أن يتحمل أذى الغير ، وألا يقابل الإساءة بمثلها ، فإن تعامل المؤمنون بمثل هذه الأخلاق كان ذلك داعيا إلى الاتحاد .
      والحج أيضاً يجمع شتيت الأمة ، يجمع الوفود التي تأتي من كل صوب وحدب ، من مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها ليلتقوا جميعاً في صعيد واحد لا يفرق بين هذا وذاك شيء ، إنما الكل يظهر في مظهر واحد ، لا فرق بين القوي والضعيف ، ولا بين الغني والفقير ، ولا بين العربي والأعجمي ، ولا بين القاصي والداني إنما الكل يظهر في مظهر واحد ، ويرددون جميعاً بلسان واحد لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، هذا مما يدعو الأمة إلى الاتحاد ، ويدعو إلى إزالة الفوارق بينهم وكسر الحواجز التي تفصل بعضهم عن بعض ، وهكذا المعاملات بأسرها إنما هي مبنية على الأخلاق ، فإن المعاملات تدعو إلى الوحدة ، فنحن نجد كيف شرعت الحقوق في الإسلام ، شرع حق الوالدين وحق الأولاد وحق الأرحام وحق الجوار وحق المسلم على المسلم كل ذلك من أجل التوحد .
      كما أن المعاملات المالية وغيرها مبنية على الأخلاق ، فقد نُهي الإنسان يساوم على سوم أخيه ، أو يخطب على خطبته وهذا مما يدعو إلى اتحاد مشاعرهم . والنبي صلى الله عليه وسلّم يجسد هذه المشاعر الإيمانية التي تجمع شتيت الأمة عندما يقول : ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر .
      ولما كان ذلك هو الدين وهذه هي القيم التي يدعو إليها الإسلام ، وهذه هي الحلية التي تتحلى بها هذه الأمة فإذاً هي مطالبة بأن تكون أمة وحدة ، ولئن كانت المصائب تنزل بهم فإن لك أحرى أن تكون باعثة إلى الاتحاد وقاضية بالتآخي . المسلم عليه أن يشعر بمشاعر الألم عندما يتألم أي مسلم من أي مسلم آخر ، لو تألم أحد في مشارق الأرض فعلى من في مغاربها أن يتألم لألمه وكذا العكس ، والمسلم يشعر أيضاً بالفرحة بفرح المسلم ، فانتصار المؤمنين مما يجعل كل مؤمن في الأرض يشعر بالفرحة الغامرة التي تغمر القلوب بسبب هذا الانتصار ، وكذلك عندما يصاب المسلمون بنكبة .
      فإذن كون هذه الأمة مستهدفة في عقيدتها ، ومستهدفة في سياستها ومستهدفة في أخلاقها وفي آدابها ومستهدفة في ثقافتها وقيمها ومستهدفة في قوتها وحريتها كل ذلك مما يدعو الأمة إلى الاتحاد فيما بينها ، وأن يعطف بعضها على بعض ، وأن يكون الكل متحابين في الله ساعين إلى الرابطة المقدسة التي تربط بينهم . على أن هذا الحب في الله لا يتم إلا في إطار تقوى الله تبارك وتعالى وطاعته والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر ، ونحن نرى ذلك واضحاً فيما وصف به الحق سبحانه وتعالى المؤمنين والمؤمنات يقول تعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (التوبة: من الآية71) ، معنى ذلك أن هذه هي أسباب الموالاة بين المؤمنين والمؤمنات ، فعندما يكون هؤلاء المؤمنون والمؤمنات يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله في اتباع ما أمرا به وفي الازدجار عما نهيا عنه فإن ذلك داع إلى الواحدة فيما بينهم ، وداع إلى أن تكون حبال الموالاة تشد بعضهم إلى بعض بحيث يتآخون في مشاعرهم وفي أحاسيسهم ، فلا يكون بينهم فرق قط ، وهذا على أي حال لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داعيتان لأجل أن تتوحد الأمة ، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لتنقية الأمة من الشوائب ، شوائب الخلافات ، شوائب الخروج عن الحق والشذوذ عنه ، شوائب عدم المبالاة بحقوق الآخرين ، فعندما يكون هنالك تآمر بالمعروف وتناه عن المنكر تنقى الأمة من هذه الشوائب فتكون أمة متآخية مترابطة متوادة في الله ، وإقام الصلاة عامل مهم في ذلك لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والزكاة كذلك لأن الزكاة تزكي هذه النفوس بحيث تنمي فيها الفضائل وتطهرها من الرذائل كما يقول الله تبارك وتعالى ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة: من الآية103) ، وطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلّم تستوجبان أن يتقى الحق سبحانه وتعالى باتباع ما أمر به ، والازدجار عما نهى عنه ، وباتباع ما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلّم ، والازدجار عما نهى عنه ، وبذلك تكون الأمة أمة قوية ، أمة متآخية مترابطة يوالي بعضها بعضاً في ظل تقوى الله تبارك وتعالى وطاعته .




      يتبع بإذن الله تعالى
    • (3)


      سؤال :
      كيف يكون اختلاف علماء المسلمين رحمة للأمة الإسلامية ؟

      الجواب :
      نعم ، اختلاف علماء المسلمين هو رحمة بالأمة الإسلامية فيما إذا كان هذا الاختلاف في الفروع ، أي لم يصادم نصاً قطعي الدلالة وقطعي المتن ، أما إن صادم نصاً قطعي الدلالة وقطعي المتن ففي هذه الحالة يكون هذا الاختلاف سبباً للنقمة لأنه لا يجوز لأحد أي كان أن يخالف أمر الله ، أو أن يخالف أمر رسوله صلى الله عليه وسلّم ، فالله تبارك وتعالى يقول ) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) (الأحزاب:36) ، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بأن يطيعوه ، وأن يطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلّم ، ثم أن يطيعوا أولياء أمورهم ولكن مع ذلك نبه أنه عند الاختلاف والتنازع يجب أن يرد الأمر كله إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلّم فقد قال الله سبحانه وتعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (النساء:59) ، فأمر الله تعالى إنما هو أمر رب السموات والأرض خالق الكون مصرف الوجود الذي أسبغ على العبد نعمه ظاهرة وباطنة ومنه مبدأه وإليه منتهاه فهو جدير أن يطاع ولا يعصى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلّم إنما هو أمر المبلغ عن الله الذي هو معصوم من الخطأ والزلل الذي وصفه الله تبارك وتعالى بقوله ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (النجم:3-4) ، وقد جعل الله طاعته صلى الله عليه وسلّم من طاعته عز وجل فقد قال ) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) (النساء:80) ، فإذاً لا يجوز أن يأتي أحد أياً كان ليرد حكماً جاء عن الله تبارك وتعالى أو جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلّم مع ثبوت ذلك الحكم وصحته .
      وهذا على أي حال كما قلنا عندما يكون النص قطعي الدلالة وقطعي المتن ، أما عندما يكون غير قطعي الدلالة كأن يكون عاماً فإنه قد يختلف العلماء في تخصيصه بالمخصصات المتنوعة ، هناك مخصصات كثيرة تخصص العمومات حتى قيل ما من عموم إلا وقد خصص ما عدا الأشياء التي لا يجوز أن تخصص أي التي يقتضي العقل استحالة تخصيصها ، فهذه العمومات تكون عموماتها قطعية الدلالة ولا تكون ظنية الدلالة فحسب لأن العقل يقضي باستحالة تخصيصها كقول الله تبارك وتعالى ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً ) (الجـن:3) فلا يجوز أبداً أن يخصص هذا العموم ، وكقوله سبحانه ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) (الاخلاص:3) ، فلا يجوز أن يقال بأن هذا العموم مخصوص وأن الله تعالى ولد أحداً أو ولده أحد تعالى الله عن ذلك ، وكذلك قوله ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (الاخلاص:4) ، وكذلك قوله ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (الشورى: من الآية11) ، إلى غير ذلك من الآيات التي يقتضي العقل استحالة تخصيصها .
      أما العمومات التي تتعلق بأفعال العباد فإن هذه هي التي خصصت حتى قيل ما من عموم إلا وقد خصص ذلك إنما يرجع إلى العمومات التي تتعلق بأفعاال العباد ، فنحن نجد في القرآن الكريم التخصيص لكثير مما جاء من عموماته ، نجد القرآن يخصص القرآن ، ونجد حديث النبي صلى الله عليه وسلّم يخصص أيضاً عمومات القرآن حتى ولو كان آحادياً لأن دلالة العام دلالة ظنية .
      وقد يختلف العلماء في تخصيص المخصصات لهذه العمومات وذلك بأن ينظر بعضهم إلى أن هذا المخصص جاء لسبب وأن هذا السبب قد فقد ، ولا يعتبر إذاً مخصصاً للعموم ، ونظر بعضهم إلى أنه لم يأت لسبب خاص وأنه لا يزال على تخصيصه للعموم مثال ذلك أن الله تبارك وتعالى قال ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) (الأنعام: من الآية145) ، هذا عام وقد جاء تخصيصه بكثير من المخصصات من ذلك تحريم الصيد على المحرم فهو مخصص لهذا العموم ، ومن ذلك أيضاً تحريم الخمر لأن الخمر من ضمن المطعومات وهو مخصص لهذا العموم .
      ولكن مع هذا كله أيضاً هناك مخصصات اختلف العلماء فيها كتخصيص هذا العموم بتحريم الحمر الأهلية لأنه ورد النهي عن الحمر الأهلية ، ولكن كثيراً من العلماء قالوا بأن هذا النهي إنما هو لأجل حملها متاع الناس وحاجة الناس إليها وإلا لما نهي عنها ، فنظراً إلى هذا اختلف العلماء ، ولا يعنف أحد ممن يقول برأي في مثل هذا الأمر .وكذلك تخصيص هذا العموم بتحريم ذوات الناب من السباع والمخالب من الطير .
      ومثل هذه المخصصات أيضاً المخصصات التي طرأت على قول الله تبارك وتعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ) (النساء: من الآية24) ، هنالك مخصصات مجمع عليه لا يجوز الخلاف فيها بأي حال من الأحول لأن الأمة أجمعت عليها كتخصيص هذا العموم بتحريم كل ما هو حرام من قبل النسب إذا كان من جهة الرضاع بحيث يلحق الرضاع بالنسب ، جاءت أحاديث بذلك والأحاديث أجمع عليها وبسبب هذا الإجماع عليها كان ذلك مما لا يسوغ لأحد أن يخالف .
      وهناك بعض المخصصات الأخرى قد تكون بسبب النظر والاختلاف كخطبة المرأة في عدتها إلى غير ذلك ، هذه الأمور إنما هي أمور راجعة إلى أدلة ظنية ، وما كان الاختلاف فيه بسبب الرجوع إلى الأدلة الظنية فإنه لا يسوغ التفسيق فيه ، وفي هذا تكون الرحمة بالعباد ، أما أن يخالف أحد نصاً قطعياً في كتاب الله فذلك مما يسوغ أبداً ، والله تعالى أعلم .





      يتبع بإذن الله تعالى
    • (4)


      سؤال :
      هناك من يتمسك بهذه المقولة وهي أن اختلاف العلماء رحمة ، ثم يردف هذه المقولة بمقولة أخرى : من أخذ بقول من أقوال المسلمين فهو سالم ، ألا ترون سماحة الشيخ أن هذه المقولة مع تلك تؤدي إلى نوع من الانسياب في السلوك المسلم ؟


      الجواب :
      على أي حال لا ريب أن اختلاف العلماء رحمة ، ولكن لا يعني هذا أن تتسيب الأمة بحيث تتتبع الرخص فيأخذ المسلم بهذا الرأي وبهذا الرأي وبهذا الرأي حتى يركب من عمله مجموعة من آراء لا تعود هذه الآراء إلى قول أحد من علماء الأمة ، هذا مما لا يسوغ ، ولذلك ضبط كثير من العلماء مثل هذه الأحوال بوجوب أن يرجع العامي الجاهل الذي لا يستطيع أن يرجح رأياً على رأي إلى رأي العالم المعاصر القادر على الترجيح والنظر والاستدلال حتى يوجهه إلى الأخذ بالدليل الراجح فلعله يبين له الدليل فيكون بذلك هذا العامي قد أخذ بالدليل متابعة لذلك العالم الذي بيّن له الدليل . أما أن يُترك الحبل على الغارب ويفسح المجال لأي أحد يأخذ بما شاء من الآراء ويدع ما يشاء فقد يفضي هذا الأمر إلى أن يجمع شتيتاً من الآراء بحيث يتبع هذا العالم فيما ترخص فيه ويترك بتشدداته ، ويأخذ برخصة العالم الآخر ويدع أيضاً تشدداته ، ويأخذ برخصة العالم الآخر في المسألة الأخرى ويدع تشدداته ، فيجمع مزيجاً غريباً وخليطاً عجيباً من الآراء الشاذة التي لا ينبغي لأحد أن يعول عليها ، لا ريب أن اختلاف علماء الأمة أيضاً رحمة لكن لا على هذا الأساس ، فإن كان هذا العامي مقلداً لعالم فليأخذ بقوله في المسائل الفرعية من غير أن يخرج عن رأي ذلك العالم ، هكذا ينبغي ، والله تعالى أعلم .


      سؤال :
      من صلى جماعة بأناس في يوم العيد وأيام التشريق ولكنه لم يكبر عقب الصلاة ، فماذا عليه ؟


      الجواب :
      التكبير ذلك اليوم أو في تلكم الأيام إنما هو شعار ، وليس ذلك من ضمن الصلاة ، فلا يدخل في واجبات الصلاة ، وإنما هو شعار ينبغي أن يردد لأنه من ذكر الله تبارك وتعالى في الأيام المعدودات متابعة للحجاج في ذكرهم لله تبارك وتعالى وهم بمنى ، فلا ينبغي للمسلم أن يتركه ، ولكن لو تركه ليس عليه في صلاته شيء ، والله تعالى أعلم .



      سؤال :
      من نوى أن يصوم عرفة ولكن ظروفه حالت دون ذلك فهل عليه ما يلزمه أن يصوم ؟


      الجواب :
      من نوى أن يصوم عرفة ولم يدخل في صيامه فليس عليه أن يقضي صيامه قولاً واحدا ، ولكن لو نوى أن يصوم ذلك اليوم وأصبح صائماً ثم طرأ عليه ما سبب إبطاله لصيامه فهل عليه أن يعيده ؟ في ذلك خلاف بناء على الاختلاف في صيام النافلة ، هل من شرع فيه كان لزاماً عليه أن يتمه أو ليس عليه أن يتمه ، فالذين قالوا بالقول الأول نظروا إلى قول الله تبارك وتعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) (محمد: من الآية33) ، فإن الآية الكريمة تنهى عن إبطال العمل ، ومعنى ذلك إن دخل الإنسان في العمل فعليه أن يستمر عليه وأن لا يبطله ، والذين قالوا بالرأي الآخر نظروا إلى الحديث الذي جاء بأن صائم النفل أملك بنفسه ، والله تعالى أعلم .



      سؤال :
      هل سيدنا إبراهيم ولوط عليهما السلام بعثا في زمن واحد ، وإذا كانا كذلك فهل هما في مكان متقارب ؟


      الجواب :
      نعم ، كان بعث إبراهيم سابقاً على بعث لوط ، وبعث لوط في وقت إبراهيم عليه السلام ، بدليل أن الحق سبحانه وتعالى عندما ذكر دعوة إبراهيم عليه السلام قومه أن ينبذوا عبادة الأصنام ، وأن يتركوا ما كانوا من أمر الجاهلية ، أتبع ذلك قوله ( فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ) (العنكبوت: من الآية26) ، ومعنى ذلك أن لوطاً عليه السلام قبل أن يُشرف بالرسالة آمن بإبراهيم عليه السلام ، ثم يدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِين قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) (العنكبوت:31-32) ، فإبراهيم عليه السلام ذكر أن في تلكم القرية لوطا وهذا يدل على اتحاد زمنهما وتقارب مكانهما ، والجميع كانوا ببلاد الشام ، وإبراهيم عليه السلام كان في الأرض المقدسة ، ولوط عليه السلام كان في أرض مدين كما توحي بذلك بعض الأدلة التي جاءت بهذا ، والله تعالى أعلم .


      يتبع بإذن الله تعالى
    • (5)

      سؤال :
      ما حكم قراءة المولد والمالد ؟


      الجواب :
      على أي حال أما بالنسبة إلى قراءة المولد هذا هو الاحتفال بذكرى ميلاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وهذا أمر لم يكن عند السلف الصالح إذ لم يكن معهوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم ولا في عهد الصحابة رضوان الله عليهم ، وإنما حدث ذلك بعد قرون ويقال بأنه حدث في إبان الدولة الفاطمية ، ولذلك وقف العلماء موقفين منه ، منهم من نظر إلى أنه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعلى هذا هو غير جائز أي الاحتفال بمناسبة ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلّم .
      ومنهم من قال بأنه سائغ لأن فيه تذكيراً بنعمة بعثة النبي صلى الله عليه وسلّم ، وهذا على أي حال رأي وجيه ، ولكن لا بد من أن نعتبر بعض الاعتبارات ، ربما بالغ بعض الناس في ذلك في الاحتفال بذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلّم وأحدثوا أشياء لم تكن ليرضى بها الرسول صلى الله عليه وسلّم ، من بين هذه الأشياء الاختلاط بين النساء والرجال ، ومن بين هذه الأشياء الإسراف الذي ينهى عنه الإسلام ، وكذلك تقديس كلام أحد بعينه لأن القدسية لكلام الله ، فلا حرج أن يقرا الإنسان الكتاب الذي ألف في حكاية قصة مولد النبي صلى الله عليه وسلّم ولكن هذا على أن لا يكون يعتقد في قراءة ذلك الكلام التعبد الذي في قراءة كلام الله تبارك وتعالى ، فإن كلام الله تعالى تعبدنا بتلاوته بل لو قرأ القرآن الكريم شخص أعجمي لا يعرف من العربية شيئاً ، فإنه يكون بذلك متعبداً بهذه التلاوة التي يتلوها لكتاب الله ، بينما كلام غيره من كلام أهل العلم بل حتى الأحاديث النبوية لا يتعبد أحد بتلاوتها لذاتها ، وإنما لأجل فهم دلالات الحق ومقاصد الشرع وإرشاد الإنسان إلى سبيل الحق والدين ، أما أن يعتبر الإنسان كلام أحد له قدسية بحيث يقرأه متبركاً به كما يتبرك بقراءة كلام الله تبارك وتعالى فهذا غير سائغ . ولذلك نحن نقترح في تذكير الناس بمثل هذه المناسبة العظيمة أن تلقى محاضرة يدعى فيها الناس إلى اتباع السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، وإحياء ما اندرس من هذه السنة ، والقيام بالدعوة التي دعا إليها الرسول صلى الله عليه وسلّم حتى لا يكون الناس يشتغلون بمجرد الأمور الظاهرة ، ويشتغلون بالشكل ويتركون الحقيقة والمضمون .
      ومن ناحية أخرى ما يسمى بالمالد هذا أمر آخر ، هذا أمر أنا بنفسي لا أعرفه ولكن حسبما قيل لي بأنهم يعتقدون اعتقادات خارجة عن الحق ، ويستحضرون الشياطين إلى آخره ، هذه أمور لا تجوز أبداً ، ولا يجوز لأحد أن يدعو غير الله تبارك وتعالى ، فإن دعاء غير الله يدخل من اتخاذ غير الله تبارك وتعالى إله يعبد ، والحق سبحانه وتعالى شددّ في ذلك كثيرا ًفي كتابه فقد قال ( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد:16) ، ويقول سبحانه وتعالى ( مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (فاطر:2) ، ويقول ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (الزمر:38) ، ونجد أن الله سبحانه وتعالى يخاطب في كتابه الرسول صلى الله عليه وسلّم وهو أشرف الخلق وأعلاهم منزلة وأعلاهم قدرا فيقول له )قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) (الأعراف: من الآية188) وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلّم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا فكيف بغيره عليه أفضل الصلاة والسلام ، بل كيف يملك ميت أو يملك أحد أياً كان حياً أو ميتاً لأي أحد نفعاً ولا ضرا ، أو أن يلجأ إنسان إلى مردة الجن أو الشياطين أو نحو ذلك فيطلب منهم قضاء حاجة أو دفع مضرة أو تحقيق منفعة ذلك كله مما يعد من الشركيات ، والله تعالى المستعان .


      سؤال :
      هل يجوز الدعاء في السجود حيث أن النبي صلى الله عليه وسلّم يقول : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ؟


      الجواب :
      نعم في صلاة النفل ذلك جائز ، أما في صلاة الفرض فنحن نرى بأنه يقتصر على الذكر الوارد ولا يعدل عنه إلى ما زاد عليه ، لأن هذه الصلاة كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلّم لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين ، فيقتصر على المنصوص عليه ، ويترك ما زاد عليه ، أما في صلاة النفل فلا مانع من ذلك ، والله تعالى أعلم .


      سؤال :
      من هم أصحاب الفترة ، وإلى أين مأواهم ؟

      الجواب :
      أصحاب الفترة هم الذين كانوا بين نبيين من أنبياء الله ، ومعنى هذا أن أصحاب الفترة هم الذين سبقوا بعثة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحيث لم تصل إليهم دعوته ، وما كانوا معايشين أيضاً لدعوة نبي من الأنبياء الذين هم قبله أي جاءوا بعد النبوات السابقة ، هؤلاء اختلف العلماء فيهم هل هم معذورون أو هم غير معذورين ، أما الذين قالوا بأنهم معذورون فإنهم نظروا إلى قول الله تبارك وتعالى ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: من الآية15) ، معنى ذلك أنه قبل أن يبعث رسول من الرسل أو قبل أن يبعث رسول يوجه إلى أمة من الأمم فإن تلك الأمة تكون معذورة بسبب جهلها وعدم معرفتها .
      والآخرون اعتمدوا على روايات جاءت تدل على أن هؤلاء يسألون يوم القيامة ويعذبون وقالوا بأن المراد بقول الله تعالى ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: من الآية15) عذاب الدنيا أي لا يرسل الله تعالى نقماً على الأمم بسبب عدم عملها بالحق إلا بعد أن يرسل إليهم رسولاً فيكذبوا ذلك الرسول ، عندئذ يرسل الله تبارك وتعالى عليهم نقماً بسبب هذا التكذيب ، وأما الأمم فإنها هي مسئولة عن اتباع الحق الذي جاء به المرسلون من قبل ، إذ ما من أمة إلا وهي مسبوقة برسالة ، فقبل كل شيء آدم كان رسولاً إلى بنيه كما هو شائع ، ثم بعد ذلك جاء نوح عليه السلام فكان رسولاً ، ثم هلم جرا أرسل الله تبارك وتعالى المرسلين متوالين كل واحد منهم يلي الآخر ولو بعد فترة بعد الزمن ، ولكن مواكب النبوات لم تنقطع عن هذه الأرض فكانت حجة الله تعالى قائمة ، على أن كثيراً من الأمور التي كان عليها أهل الجاهلية تتنافى مع العقل السليم ومع الفطرة السليمة ، كانوا يتخذون آلهة من دون الله ، يعبدون آلهة يصنعونها بأيديهم وهذا مما تأباه العقول السليمة ، فلذلك قالوا بأن هؤلاء غير معذورين ، وحقيقة الأمر الأدلة في هذا متعارضة ونحن نكل ذلك إلى أمر الله سبحانه ، فنحن لسنا مسئولين عن هذا الأمر إذ لم يأت نص قطعي لنكون متعبدين به ، والله تعالى أعلم .



      يتبع بإذن الله تعالى
    • (6)

      سؤال :
      المكلف بالرمي هل يقدم في الرمي نفسه أو يقدم من كلفه بالرمي ؟
      الجواب :
      أولاً يرمي عن نفسه ، ثم يرمي عمن طُلب منه أن يرمي عنه .


      سؤال :
      ما حكم إيداع مبلغ من المال ثم أخذ زيادة عليه ؟

      الجواب :
      لا يجوز أخذ زيادة على مال إلا أن تكون المضاربة مضاربة شرعية مضبوطة بضوابط الشرع ومقيدة بقيود الحق ، والله تعالى أعلم.


      سؤال :
      ما هي ضوابط الخلوة المحرمة بين الرجل والمرأة ؟

      الجواب :
      نعم ، حقيقة الأمر الخلوة التي تكون بين الرجل والمرأة هي داعية الفتنة ، ولذلك جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : ألا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم وقال عليه أفضل الصلاة والسلام : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة إلا مع ذي محرم . وقال : إياكم والدخول على النساء فقال له رجل من الأنصار : أرأيت الحمو يا رسول الله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : الحمو الموت . وذلك لخطورة دخوله على امرأة أخيه ، والمقصود بالحمو هو أخ الزوج ، فأخ الزوج هو الموت لأن دخوله على امرأة أخيه أمر فيه من الخطر ما ليس بعده ، فهو من المحارم التي يجب أن تتقي ، ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس لا يبالون بهذا الأمر ، لا يبالون بهذا التوجيه النبوي الشريف ، ولا يبالون بهذا الضابط الشرعي الذي ينفي عن الأمة كل ريبة وكل خطر أخلاقي ، فلذلك تقع أمور سلبية ناتجة عن هذه الخلوة التي تكون بين الرجل والمرأة الأجنبية . والخلوة هي أن يكون رجل وامرأة في مكان يمكن أن يتصرفا فيه من غير أن تمتد إليهما عين ومن غير أن يراقبهما أحد ، ففي هذا المكان لا يجوز لرجل أن يكون معه امرأة أجنبية إلا أن يكون معها محرم لها ، أما مع عدم وجود محرم المحرم فإن ذلك أمر فيه من الخطورة ما ليس بعده فيجب أن يتقى ذلك ، والله تعالى أعلم .


      سؤال :
      قد يكون لمسجد أموال فائضة عن حاجته في حين توجد مساجد أخرى هي بحاجة لهذه الأموال ، فهل يصح نقل هذه الأموال إلى غير المسجد الموقوف له ؟

      الجواب :
      أما نقل الأصل إلى غير المسجد الموقوف له فلا يجوز ، وإنما يجوز على رأي جماعة المسلمين أن ينتفع بالفائض من ريع وقف المسجد عن حاجته ليصرف في منفعة مسجد آخر ، ذلك لا مانع منه ، أما أن يحول الأصل فإن ذلك من التبديل الذي هو محرم شرعا فإن الله تعالى قال في الإيصاء ) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) (البقرة: من الآية181) وللوقف حكم الوصية ، والله تعالى أعلم .



      سؤال :
      في ظل تواصل العمران إلى مسافات طويلة كما هو الحال الآن في بعض المناطق من أين يبدأ المسافر حساب الفرسخين ؟

      الجواب :
      يبدأ الحساب من آخر نقطة وطّنها ، وينبغي أن تكون هذه النقطة مفصولة عن ما بعدها بفاصل ، بحيث يكون هنالك واد ، فإن الوادي مثلاً يمكن أن يكون مثلاً يعتبر فاصلا ، واختلف في الوادي هل يعتبر فاصلاً مطلقاً أو بشرط أن يكون معه خراب ، أو يفرّق بين الوادي الصغير والوادي الكبير ، فالوادي الكبير يمكن أن يعتبر فاصلاً والوادي الصغير لا يمكن أن يعتبر فاصلاً ، هذا مما اختلف فيه الفقهاء ، والله تعالى أعلم .



      سؤال :
      تشترط بعض محلات الذهب لتشتري الذهب القديم أن يقوم صاحب الذهب القديم بشراء الذهب منها ، فهل في هذا الشرط من باس ؟

      الجواب :
      هذا من باب البيعين في بيع ، فلا يجوز بيعان في بيع ، أن يكون بعني لأبيع لك ، هذا تشارط أن يكون بيع هذا لهذا مشروطاً ببيع ذلك لهذا ، هذا أيضاً من الشرط الفاسد الذي لا يجوز .



      سؤال :
      أشار الشيخ علي يحيى معمر إلى نظرية المعرفة والتعارف والاعتراف ، وبيّن أنها هي أهم ما يمكن يوصل الناس إلى صهر الخلافات المذهبية فيما بينهم ، فنريد كلمة حول هذه النظرية ، وكيف تصل بنا إلى هذا المبدأ الوحدوي العظيم .

      الجواب :
      نعم ، المعرفة أن لا يُصدر أحد حكماً ضد غيره إلا بعد معرفته بأحواله ، فلا بد للناس من أن يطلع كل فريق منهم على ما عند الفريق الآخر ، حتى يمكن أن يتصوره تصوراً صحيحاً تاماً ، ثم بعد هذا أن يكون التعارف ما بين هؤلاء وهؤلاء ، هذا مما ينتج عنه التآلف وزوال الوحشة والفرقة التي تفصل بعضهم عن بعض ، والله تعالى أعلم .



      تمت الحلقة بحمد الله تعالى وتوفيقه