من كتاب شهيد الامه عبدلله عزام ( م)

    • من كتاب شهيد الامه عبدلله عزام ( م)

      الرعب العالمي من الجهاد الأفغاني

      نرجو الله عزوجل أن يتقبل منا ومنكم الهجرة والإعداد والرباط والجهاد. ونرجو الله عزوجل أن يحيينا سعداء وأن يختم لنا بخاتمة الشهداء، وأن يجمعنا مع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. ونرجو الله عزوجل أن يحفظ علينا هذه النعمة نعمة الجهاد في سبيله، نعمة الرباط إبتغاء مرضاته، نعمة النفير لوجهه الكريم، وهذه نعمة لا يرزقها الله عزوجل إلا لمن أحب، والذي لا يحبه الله عزوجل لا يرزقه هذه النعمة.
      (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين)
      (التوبة: 64)
      هذا فضل من الله، ونعمة أن يدعو الله فتلبي وأن يأمر فتنفر في سبيل الله وإذا نفرت في سبيل الله، ونويت الإستمرار على هذا الطريق -ونرجو الله أن يرزقنا صدق النية- إذا نويت الإستمرار على هذا الطريق فمت حيث مت فأنت شهيد.
      من وضع رجله في الركاب فاصلا فوقصته دابته فمات -أي رمته دابته فمات- أو لدغته هامة -أفعى- فمات أو مات بأي حتف مات فهو شهيد وإن له الجنة (1)[حديث حسن رواه أبو داوود وأورده الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح الجامع الصغير بمثله في رقم (6413)].
      إن الشيطان قد قعد لابن آدم في أطرقه كلها، قعد له في طريق الإسلام قال: تسلم وتترك دين آبائك وأجدادك فعصاه فأسلم، وقعد له في طريق الهجرة قال: تهاجر وتترك أرضك وسماءك فعصاه وهاجر، وقعد له في طريق الجهاد وقال: تقتل ويقسم المال وتنكح الزوجة فعصاه وجاهد. فمن فعل ذلك فقتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن مات كان حقا على الله أن يدخله الجنة .(2) [صحيح الجامع الصغير رقم (6152)].
      فهي نعمة عظيمة لا يدركها إلا الذي يهبها ويمنحها له رب العالمين سبحانه، ولا يدرك نعمتها إلا من ذاقها وعاشها.
      أهمية الهجرة والاعداد:
      فأما الهجرة...فإنها نعمة عظيمة من الله....
      (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم).
      (الحج: 85-95)
      (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا) -يعني يستوي القتل والموت- في أثناء الهجرة. فعن فضالة بن عبيد كانوا في الغزوة في البحر فقتل أحدهم بقذيفة منجنيق، ومات أحدهم ودفنوا ودفنوهم; فجلس فضالة بن عبيد -وهو أحد الصحابة المجاهدين المعروفين- فوق رأس الميت فقالوا: تجلس فوق رأس الميت وتترك الشهيد؟ قال: والله لا أبالي من أي الحفرتين بعثت; من هذه الحفرة: حفرة الميت أو حفرة الشهيد -لا أبالي يعني: لا أهتم سواء بعثني الله من قبر ميت في الهجرة أو من قبر مقتول في الهجرة- لأن الله عزوجل يقول:
      (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا ، وإن الله لهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم).
      قال: فإذا كان الله عزوجل سيرزقني رزقا حسنا ويدخلني مدخلا أرضاه -يعني الجنة- فماذا أريد بعد ذلك سواء من هذه الحفرة أو من هذه الحفرة.
      وأما الإعداد: فهو كالوضوء للصلاة، وهو علامة نية الإستمرار في الجهاد (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة) الإعداد: هو علامة العزيمة الصادقة على الجهاد. وهذا المكان الذي أنت فيه خير مكان للإعداد، وكل يوم يمر عليك إنما يمر عليك بأجر وخبرة، فلا تستعجل على الجبهة ولا تستعجل على القتال، فأنت إن شاء الله في ثواب وخير، ولعل الله عزوجل يرزقك الأجر في النوم والنبه في النوم واليقظة.
      نحن في هذا المكان نقوم بفريضتين: فريضة الإعداد في سبيل الله، وفريضة الرباط في سبيل الله. ونحن لا نعتبر مرابطين كاملا لكننا شبه مرابطين، فلو اعتبرنا أننا في نصف رباط; فنحن نقوم بفريضة وبنصف فريضة، بينما الذين يذهبون إلى القتال بدون إعداد هؤلاء قد عصوا من ناحية أنهم: تركوا الأخذ بالأسباب وتركوا الإعداد الذي هو فريضة.

      قيمة الرباط:
      والله عزوجل أمرنا بالإعداد كما أمرنا بالصلاة والصوم فقال:
      (واعدوالهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)
      (الأنفال: 06)
      فالإعداد يرهب أعداء الله عزوجل ويرعبهم ويخيفهم، يرعبهم كثيرا ويرهبهم، ولعلنا نرجع إلى هذه النقطة فنقف عندها طويلا .
      ثم الرباط; والرباط: أن تقيم في ثغر تخيف فيه عدو الله ويخيفك أعداء الله، وتكون على خطر أن يهاجمك أعداء الله، وعلى استعداد أن تهاجم أعداء الله. فالذين في داخل حدود أفغانستان الآن يعتبرون مرابطين، (ورباط يوم في سبيل الله خير مما طلعت عليه الشمس وغربت)(3)[رواه مسلم]. يعني: أفضل من صنعاء وما فيها، وعمان وأموالها، والقاهرة وأبنيتها، ودمشق وبساتينها، والرياض وكنوزها... رباط يوم واحد!!.
      فلا تأسف يا أخي على وظيفة تركت بها راتبا قدره أربعة آلاف أو خمسة آلاف درهم، والله لا تساوي لحظة واحدة في سبيل الله... لا والله، وما الوظيفة؟ الوظيفة: أنك تخدم عند فلان وفلان شهرا كاملا لا تجرؤ أن تتكلم كلمة حق لا ترضي صاحب الشركة أو صاحب السلطان أو صاحب الإدارة، لا تجرؤ أن تخالفه، كل شهر يعطيك في آخره أربعة أو خمسة آلاف درهم وهنا (لغدوة -أي ذهاب في الصباح إلى الجهاد- أو روحة -ذهاب في المساء- إلى الجهاد خير من الدنيا وما عليها)(4) [قطعة من الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما]. مساكين الناس... والله ما محروم أكثر ممن حرم نعمة الجهاد، والله وما من مصيبة تحل على مسلم أعظم على قلبه من أن يحرم الإيمان، ثم بعد الإيمان; أن يحرم نعمة تذوق حلاوة الجهاد.
      ما من مصيبة تحل على قلب إنسان أعظم من أن يرى عرضه ينتهك ولا يدافع عنه، أو ماله وأرضه أو دينه يداس ويهان ولا يتمعر وجهه غضبا لله عزوجل، ما في مصيبة أكثر من هذه المصيبة..
      ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
      وأعراض المسلمات كلها عرضنا; كل المسلمات أعراضهن عرض واحد، لأن المسلمات كلهن أخواتك وأمهاتك وبناتك; إن كانت أكبر منك فهي أمك وإن كانت أصغر منك فهي ابنتك، وإن كانت في عمرك فهي أختك (والمسلمون تتكافأ دماؤهم).(5)[المسلمون تتكافئ دماؤهم ... حديث حسن رواه أبو داوود، انظر صحيح الجامع الصغير رقم (9712)].
      وعرض الفلسطينية ليس أقل من عرض اليمنية، وعرض السعودية ليس أشرف من عرض الأفغانية، كلها أعراض مسلمات. وكما يقول بن المبارك:
      كيف القرار وكيف يهدأ مسلم والمسلمات مع العدو المعتدي
      القائلات إذا خشين فضيحة جهد المقالة ليتنا لم نولد
      إذا كان الجاهليون يفدون أعراض جيرانهم بأرواحهم; الواحد منهم يموت ولا ينتهك عرض جارته وهو جاهلي، ولا يطمع في شيء من الآخرة; إنما هو الشرف والإباء والرجولة فكيف وأنت تطمع في جنة عرضها السموات والأرض. على أي شيء حريص؟
      فالرباط: هو الإنتظار الطويل للمعركة، وقد يرابط الإنسان سنة ولا يشهد معركة، والرباط ثقيل على النفس ومتعب لها -انتظار منتظر- ستة أشهر ما أطلقت طلقة، لكن هذا ليس عبثا وليس هدرا لا يذهب سدى، فإنما هو في ميزانك ثقيل يوم القيامة.
      رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل يصام نهارها ويقام ليلها .(6)[رواه النسائي والترمذي وقال حديث حسن غريب، انظر الترغيب والترهيب للحافظ المنذري المجلد الثاني صفحة 246]. كل يوم بألف، كأنك تصوم ألف يوم. عندما تجلس يوم في جاجي، في المأسدة تفطر على قيماق (قشطة) وعلى مربا وتتغدى على الأرز وعلى غيره وتتعشى على فول، لا تصوم; تلعب أو تمرح وتمزح وتلعب رياضة ما إلى ذلك وتطلق نار، أجرك أعظم من أجرك لو جلست في مكة أو جدة أو عمان أو دمشق أو غير ذلك (أفضل من صيام ألف يوم وقيام ألف ليلة) أي نعمة أعظم من هذا؟
      فيا بائعا هذا ببخس معجل كأنك لا تدري ولا أنت تعلم
      فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
      وأما القتال فقيام ساعة -ساعة واحدة- في الصف للقتال خير من قيام ستين سنة (7)[رواه الحاكم بمثله وقال صحيح على شرط البخاري، انظر الترغيب والترهيب المجلد الثاني صفحة 258]. وإذا مت وأنت مرابط لا يختم على عملك، ولا تعذب في القبر ولا تسئل.
      في الحديث الصحيح (أن الطائفة الأولى من المهاجرين يقفون على باب الجنة، فيسألهم خزنة الجنة هل حوسبتم؟ هل حوسبتم في الموقف وفي الميزان؟ مررتم على الصراط; عرفتم حسناتكم وسيئاتكم؟ فيقولون: على أي شيء نحاسب؟ -يوجد شيء نتحاسب فيه- حملنا سيوفنا على عواتقنا وقاتلنا حتى لقينا الله عزوجل. يوجد بعد هذا شيء بقي منا. يوجد حساب علينا، قال: فيدخلون الجنة ويقيلون فيها أربعين سنة قبل أن يأتي الناس).(8) [رواه الطبراني بنحوه وإسناده حسن].
      حامل سيفه على عاتقه، حامل الكلاشنكوف حيث ما سمع هيعة طار إليها. زوجتك في اليمن أين زوجتي؟ يوجد جهاد... حيث الحور العين تنتظر. أولادك لا يوجد أولاد جنة حيث الحور، وظيفتك، أرضك، بلدك ماذا؟ هناك جنة المهم أنا أبحث عن الجنة.
      سئل رسول الله ص هل يفتن الشهيد في قبره؟ قال: (كفى ببارقة السيوف فوق رأسه فتنة)(9)[صحيح الجامع الصغير رقم 4483]. ثم بعد المدفعية يوجد سؤال وجواب منكر ونكير؟! يكفي!.
      كل قذيفة كأنها سؤال من منكر ونكير، كل قذيفة هاون فوق رأسه. مرزبات الحديد هذه التي يضربون بها منكر ونكير -الملائكة- مرزبات الحديد، هذه سيتبعها في الدنيا، طن كامل يلقون فوق رأسه القذيفة، وهل بعد هذه القذائف فوق الرؤوس مرزبات حديد؟.
      نعم: صدقوا يا إخوة -في بعض المعارك- فعلا إن أحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته... السماء ترمي بشواظ من النار. حيثما تحركت تلحقك الحمم، نقاط المراقبة فوق هذه الجبال، والطيران نازل والراجمات ومدفعيات الميدان و (B .M . 14) (بي إم ل ويك وشصت ويك) ما إلى ذلك نازلة فيك.
      الدنيا كلها والجبال تهتزلله من تحت أقدامنا -الجبال العالية- ترون هذه الجبال العالية المكسوة بالثلج؟ هذه تهتز، هدير ليلا نهارا .ليل نهار صدى القذائف يتردد بين أوديتها وشعابها، هدير القذائف (كفى ببارقة السيوف فوق رأسه فتنة)(01)[قال الحافظ المنذري: رواه الطبراني في الكبير بإسنادين روات أحدهما ثقات، انظر الترغيب والترهيب المجلد الثاني صفحة (244)].
      وكل ميت يختم على عمله إلا الذي يموت مرابطا ، يبقى عمله ينمو إلى يوم القيامة. اللهم أمتنا في الرباط والشهادة في سبيل الله.
      علامة الخذلان:
      لا خسارة أكبر من خسارة أولئك الذين يصلون النهر عطشى ويرجعون عطشى، وهذه علامة عدم التوفيق، وعلامة الخذلان من الله عزوجل.
      من علامات عدم التوفيق والخذلان أن يسلط الله عليك واحدا من المرجفين -جهلا - قد يكون مخلصا لكنه جاهل أو غبي، وقد يكون غير مخلص فيكون حاقدا على دين الله أو على هذا الجهاد.
      من علامات الخذلان; أن يجمعك الله عزوجل مع واحد من هؤلاء، وبعد محاولات سنوات متواصلة سنتين أو ثلاث -ثلاث سنوات وأنت تحاول حتى وصلت إلى أرض الخير إلى أرض الثواب، إلى أرض الأجر- ثلاث سنوات فيلتقي بك ثلاث ساعات، ينهي كل شيء في عقلك، ويهد عزيمتك، ويغير إرادتك، وتتنكر لنفسك، وترجع إلى بلدك. هذه علامة الخذلان من الله عزوجل، وعلامة عدم التوفيق من الله وعلامة عدم الرضا من رب العالمين.
      والله لا يوجد مصيبة أكبر من مصيبة هذا الذي وصل النهر ورجع عطشان، رجع دون أن يذوق، دون أن يؤجر، دون أن يرابط، دون أن يطلق سهما واحدا في سبيل الله، طلقة واحدة في سبيل الله ما أطلقها ومن رمى بسهم في سبيل الله بلغ أو لم يبلغ كان له عدل محررة (11) [صحيح الجامع الصغير رقم6308]. كل طلقة كأنك أعتقت عبدا ، في الرباط، في الإعداد، في الجهاد كل طلقة بإعتاق عبد، فأي مصيبة أعظم من أن تحرم الأجر؟ وكانوا يقولون للذي يموت ابنه وللذي تفوته الجماعة هذا الكلام:
      ليس العزاء لمن فارق الأحباب إنما العزاء لمن حرم الثواب
      يقول ميمون بن مهران: لقد فاتتني صلاة العصر فوقفت ليعزيني الناس -فاتتني صلاة العصر جماعة وقفت ليعزيني الناس- فما عزاني إلا واحد أو اثنان; لأن مصيبة الدنيا على الناس أعظم من مصيبة الدين، قال: ولو مات ابني لعزاني الألوف، لماذا؟ لأن مصيبة الدنيا على الناس أعظم من مصيبة الدين.
      وكان عمر رضي الله عنه يقول إذا أصابته مصيبة: الحمد الله إن لم تكن أعظم، الحمد لله إن لم تكن في ديننا، الحمد لله أن ثبت الأجر فاشكروا الله على هذه النعمة، إنكم لن تحصوا ثناء عليه.
      (اعملوا آل داوود شكرا) من خطب الامام الشهيد عبدالله عزام