الباحث العماني .. آماله .. وآلامه

    • الباحث العماني .. آماله .. وآلامه

      الباحث العماني .. آماله .. وآلامه*




      "إسرائيليات بيننا" هي مقالتي التي من المفترض أن تكون اليوم، ولكن ما حدث لي _كالعادة وكالكثيرين غيري_ دفعني بكل أمل ٍ وألم ٍ لكتابة ِ هذه المقالة، والصراخ ُ فيها بكل حروف الاستنجاد من الألف ِ إلى الدال، والإفصاح بكل ِّ شفافية ٍ وواقعية ٍ عن واقع ِ الباحث العماني وما يصطدم ُ به ِ من عوائق َ تجبرهُ _في أغلب الأحيان_ أن يغير اتجاهه ليجد َ نفسه ُ لم يحقق هدفه ُ البحثيّ. ويختلف ُ الحال إذا كان الباحث ُ مقتدرا ً ويستطيع ُ أن يبتاع َ ما تلذ ّ له ُ نفسه من الكتب أو الدوريات ِ أو الصحف ِ عن طريق الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) أو المكتبات داخل و خارج بلدي الحبيب.

      مذ بزغت على عمان َ شمس ُ النهضة ِ المباركة قـُشعت دياجير الجهل ِ بدأب ٍ دونما أي ّ كلل، ونشرت نور العلم ِ في كل ّ منطقة ٍ وولاية ٍ وبيت. وتكاد ُ لا تخلو الثلاثة كيلو في المنطقة السكنية من مدرسة ٍ واحدة ٍ على الأقل، ولا تخلو منطقة في السلطنة ِ من جامعة ٍ أو كلية. وهذا ما كان يحلم فيه ِ المثقف قبل عصر النهضة المباركة.

      تحركت ِ الأقلام ُ وبدأت ِ الصحافة ُ النشر ودأبت ِ المطابع ُ في الطبع، والثقافة ُ تجتاح الوطن َ بخطى ثابتة ٍ ومستمرة ٍ ويشهد العالمُ بكل ما فيه ِ على ذلك. وساهمة ِ التكنولوجيا في نشر الثقافة ِ بسرعة 299,792,458 متر في الثانية (أي بسرعة الضوء). رغم هذا الهجوم ِ الثقافة الملائكيّ على شيطان ِ الجهل ِ، إلا أن هذا الكثير الذي أنتج َ _وبكل ِّ أمانة ٍ_ لم يرض ِ طمعي، والسبب الرئيسُ هو أن الكثير من الباحثين َ لدينا لم يأتوا بالجديد. ولا حاجة َ عزيزي لتسأل نفسك َ لم َ، فأنا سأجيبك َ _بعون الله_ عن السبب من تجربة ٍ شخصية ٍ وسؤال ٍ لمن سلف َ من الذي كانوا يستطيعون _وأنا على يقين_ من إنتاج الأكثر كما ً والأجود نوعا ً وهو ما تستطيع عزيزي القارئ أن تسميه ِ وبكل ِّ فخر ٍ (إبداع). وقد أوقد َ غيرتي وغضبي قبل فترة ٍ أحد الطلبة الجامعيين حين قال متفاخرا ً ناقلا ً عن أستاذه ِ:"أن الباحث العماني جاهل ٌ إلى حد ِّ السذاجة." فأجبته ُ :"أنا على يقين ٍ أن أستاذك لم يعرف غيرك.". لدينا _أيها الكرام_ من الباحثين العباقرة، وكلي ثقة ٌ بهم، ولكن هناكَ خطأ ٌ ما.

      لم أجد أقسى من البحث في مكتبات ِالسلطنة، وأذكر ُ كم عانيت ُ وأنا في سنواتي الأولى من الدراسة الجامعية، حيث ُ أن كليتنا لا تحتوي على تلكَ الموارد التي أطمع فيها، فألجأ في كثير ٍ من الأحيان إلى مكتبة ِ المعرفة ِ أو كما يسميها البعض مكتبة PDO، ولم أكن أملك السيارة، لذا علي ّ بسيارة ِ أجرة توصلني إليها. لم تكن المشكلة _غالبا ً_ في الذهاب وإنما في الإياب، فالمكتبة ُ تؤصد ُ أبوابها في حوالي الواحدة والنصف ظهرا ً وبيتنا قصيّ وأنا لم أكمل بحثي والاستعارة ممنوعة، لذا كنت ُ أبحث ُ عن مسجد ٍ لأرتاحَ فيه حتى الساعة الرابعة (ساعة فتح ِ المكتبة). في تلك َ الساعة لا سيارات أجرة بسبب مكان المكتبة الذي هو أشبه ُ بكنز ٍ في آخر مغارة ٍ طويلة في جبل ٍ كبير، والشمسُ _آه ٍ من شمس عمان_ لا ترحم أبدا ً، حتى أني أشعر في بعض الأوقات ِأني سأتحول ُ إلى (كباب أوادم). ولم تكن العودة مرة ً أخرى أيسر، ولك َ أن تطلق َ العنان َ لمخيلتك َ في لون الإرهاق والجهد الذي الذي أنفقه. لم أتحدث عن هذه ِ المسألة كمسألة ٍ شخصية ٍ أبدا ً، فمن لا يجرب الحياة بألوانها لن ترتسم في مخيلته ِ صورة ُ العالم الجميلُ ولكن لأني متأكد ٌ أن هناك َ باحثون يعانون الآن مثل َ ما عانيت ُ قبل َ أن يمن َّ الله علي بسيارة.

      مسقط التي تضم في حضنها أكثر من 630,000 لا تحتوي على مكتبات ٍ تليق ُ بعظيم ِ مكانها وجميل ِ وصفها إلا مكتبة َ الجامعة الجديدة في المبنى الثقافي، وهل هذه المفردة كما ً ونوعا ً تكفينا؟! لا أعتقد أخي الكريم ذلك. ومما يؤلمني أكثر من ذلك َ أنك َ لو دققت َ البحث عيانا ً _على سبيل المثال لا الحصر_ وأنتَ منطلقا ً من مسقط متجها ً إلى ولاية صحم، لن تجد _مع الأسف الشديد_ ولا مكتبة تقر ُّ بها الأقلام ويستندُ على مواردها الباحث والقارئ. في هذه المسافة الطويلة التي تبلغ قرابة 170 كيلو يسكن قرابة َ 401,1738 (عدد سكان ولاية بركاء والمصنعة والعوابي ووادي معاول ونخل والسويق والخابورة وصحم حسب َ الإحصائيات المدونة في موقع وزارة الإعلام.). إن من يؤلف كتابا ً فكريا ً في هذه الظروف في هذه المناطق لا أستطيع إلا أن أقول له: (كـَفـُو والله).

      وقد أرسل لي أحد الشباب المثقف رسالة بعنوان "الأرقام والنسب تتحدث"، وتحدث الرسالة عن سبب تفوق الـ14 مليون يهودي في العالم على 1.5 مليار مسلم، وقد سرد البحث أكثر من 50 عالم يهودي كانوا الأساس في تغيير مجرى العالم، وصناعة الصيت ِ الصلد لليهود. وذكر أن في 105 عام فاز الـ14 مليون يهودي بـ 180 جائزة نوبل، وفي الفترة ِ ذاتها فاز المليار ونصف مسلم بـ3 جوائز نوبل. والمعدل يكون جائزة نوبل يهودية لكل 77778 يهودي، وجائزة نوبل عربية لكل 500000000 عربي، وأعتذر لمن خانتهُ عيناهُ في عد الأصفار، الرقم هو (خمسمائة مليون). ولا عجب من هذا البين المزعج، ففي العالم الإسلامي كله هناك َ 500 جامعة عربية فقط. بينما في الولايات المتحدة الأميركية وحدها توجد 5758 جامعة. وعجبا ً أن من قائمة الـ500 جامعة عربية لم تحتل أيّ منها قائمة أفضل 500 جامعة في العالم. بينما هناك 6 جامعات إسرائيلية في قائمة أفضل 500 جامعة في العالم. ومما يؤلم ُ له، أن الدول الإسلامية تصرف ما يعادل 0.2% من مجموع دخلها القومي على الأبحاث والتطوير، بينما تصرف الدول الغربية ما يعادل 5% من مجموع دخلها القومي.

      الحديث في هذا الأمر ِ ذو شجون، وقد وضعت ُ في هذه المقالة َ رؤوس الأقلام ِ وأساس الفكرة وبعض ٌ الأمل ِ والألم ِ فأسس عليها كيف َ ما شئت َ حديثا طويلا عن الصعاب التي تواجه ُ الباحث العماني، بالأخص حينما تتذكر أن أساس الباحث في بحثه ِ يقوم على شيئين، الوقتُ ومادة ُ البحث. لا أعلم كيف َ سينظم الباحث ُ الذي يسكن خارج َ مسقط ْ وقته ُ لكتابة ِ بحثه ِ إذا كان بحثه ُ يعتمد ُ على التفتيش التنقيب بين الكتب، والمكتباتُ ليست قريبة ً منه؟! أو من أين َ سيأتي المغلوب ُ على أمره ِ ماديا ً بالكتب ِ لكتابة ِ بحثه ِ إن كان لا يستطيع القدوم إلى مسقط؟ سؤالان أرجو أن أجاب َ عليهما.

      ربما سيجيبني البعض بوعود، وقبل أن أوعَد، دعني أخبرك _سيدي المثقف_ طرفة ً مؤلمة ً كنت ُ أنا فيها شاهد عيان. في الصف العاشر أي قبل حوالي ثمان سنوات. أخذنا في رحلة ٍ إلى أحدى مكتبات ِ السلطنة، بلا شك هي في مسقط، وكان في استقبالنا بحفاوة ٍ أحد أمنائها الكرام، ومن حديث طويل ٍ خاضه عن المكتبة قال لنا بما معناه: "إننا موعودون أن يزاد حجم المكتبة وسوف يكون فيها دورا ً أرضيا وطابقا ًعلويا ...إلى آخره.". قبل سنة أو أكثر بقليل، كنت ُ عاكفا ً على قراءة ِ كتاب في تلك المكتبة وكان الشخص ُ نفسه خلفي، وقد استقبل َ وفداً طلابيا ً من إحدى المدارس وسمعته ُ يقول الكلام نفسه. بدون أدنى شك (لا تعليق).



      منقول للمناقشة






      *نشرت ُ هذه المقالة في (مجلة مرافيء) التي تصدر في جريدة الوطن كل أربعاء
      في العدد الرابع في أكتوبر الماضي.
      __________________
      " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ "
    • الكاتب والكتاب والمكتبه وعوائق الكتابه
      كلها أركان تدعم الفكر وتخلق المفكر
      ولكنها كما يبدو لا تعدو كونها كماليات مختاره لا أسس وأعمده ترتكز عليها
      أهرام التأليف ونتاج الإبداع

      وطالما أن المقالة المنقوله تمثل عوائقا تشل من نهضة الكتاب العمانيين بوجه الخصوص
      فسأنقل الموضوع لساحة نبض عمان

      مع الشكر الجليل لناقلة المقال
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ