سجل دخولك بمقالة أعجبتك في موسوعة أراء وقضايا

    • ربما يصبح الحلم حقيقة



      توماس فريدمان



      12/8/2009
      توماس فريدمان :

      من المؤكد أن الرئيس أوباما أبدى قدرة وتحمل في القيادة عندما ذهب معاكسا قاعدته الحزبية، وأصدر قراره بزيادة أعداد القوات في أفغانستان. ليس هذا فحسب، بل سيضطر الرئيس إلى أن يكون أكثر صلابة ليتأكد من أن سياسته تُنفذ بالشكل المناسب. وكنت قد وضحت بالفعل في مقالي السابق سبب معارضتي تصعيد العمليات في أفغانستان. لكن طالما أن القرار قد صدر – وأنا لا أريد لبلدي – أمريكا – أن تفشل، ولرئاسة أوباما أن تغرق في أفغانستان- لدي بعض الأفكار حول كيفية تقليل احتملات أن ينتهي الأمر على سوء. ودعونا نبدأ برؤية اعتقد فيها كل من الرئيس جون كينيدي و والتر كرونكيت، الذي أجري معه لقاء في الثاني من سبتمبر لعام 1963: وقتها قال كرونكيت:" الحرب الوحيدة الدائرة رحاها الآن، بالطبع، هي حرب فيتنام، ونحن نواجه صعوبات هناك." وقال كنيدي:" أنا لا أعتقد أنه بدون أن تبذل الحكومة الفيتنامية جهدا أكبر للفوز بالدعم الشعبي، يمكننا أن نفوز في تلك الحرب. ففي الأخير هذه حربهم. وهم الطرف الذي سينتصر أو يخسر في تلك الحرب. وبالطبع يمكننا مساعدتهم، يمكننا أن نزودهم بالتجهيزات، يمكننا إرسال جنودنا إليهم. لكن شعب فيتنام هو الحري به أن يتنصر في تلك الحرب على الشيوعية. ونحن مستعدون لمواصلة دعمنا لهم، لكني لا أظن أنه ممكن الفوز في هذه الحرب إن لم يدعم الشعب الجهود. ومن وجهة نظري الشخصية، فقدت الحكومة الفيتنامية التواصل مع الشعب في الشهرين الأخيرين. " فسأل كرونكيت:" ألا ترى أنه مازال هناك وقت أمام الحكومة الفيتنامية لتسترد دعم الشعب؟" فأجاب كنيدي:" أرى هذا. ومع بعض التغيرات في السياسة، وربما في الأشخاص، أعتقد أن الحكومة قادرة على فعل ذلك. وإن لم تقم الحكومة الفيتنامية بتلك التغييرات لن تكون فرص الفوز بدعم الشعب جيدة كثيرا."

      لقد غرقت أفغانستان في فوضى، والسبب في ذلك بشكل كبير هو أن حكومة الرئيس حامد كرزاي صارت متوقفة عن العمل وفاسدة بشكل هائل- تركز أكثر على استخلاص العوائد للربح الشخصي أكثر من تركيزها على الحكم. وهذا هو السبب وراء أن الكثير من الأفغان الذين ابتهجوا لوصول كرزاي في 2001، هم الآن يرحبون بقضاء الطالبان وأمنها. يقول باشتون عاطف، عامل مساعدات سابق من إقليم قندهار، في اللوس أنجلوس تايمز، مؤخرا إنه" في عام 2001، نظر معظم الشعب الأفغاني لأمريكا ليس فقط على أنها "مراقب" ، بل على أنها نموذج للديمقراطية الناجحة. لكن الذي حدث هو أن قادتنا وكأنهم حصلوا على تسوق مجاني، وتدافعوا بنهم شديد وبأسلوب متبجح للانتفاع من ثروة المساعدات الأجنبية." ومن ثم، يجب أن يكون هدفنا الرئيسي والأول في أفغانستان هو بناء حكومة أفغانية – بالتعاون مع كرزاي- "معتدلة بما يكفي" لتتمكن من اكتساب ولاء الشعب الأفغاني، وبذا، يشعر "كتلة حرجة"- مقدار كبير – من الشعب الأفغاني بملكيتهم للحكومة، ومن ثم، يكونون مستعدين للقتال من أجل حماية هذه الحكومة. لأنه حينها فقط، يمكن أن يكون هناك جيش أفغاني "قادر على حماية نفسه"، ودولة، حينها، يمكننا أن نبدأ في الخروج من هناك بحلول الموعد الأقصى الذي حدده الرئيس بيوليو 2011- دون أن نخلف ورائنا حمام دم.

      ولنركز أكثر على تلك الكلمات الرئيسة: (حكومة) " معتدلة بما فيه الكفاية" و (شعور الأغلبية بـ) "ملكيتها" (للحكومة) و( جيش أفغاني قادرعلى ) "الحفاظ على نفسه". فبدون حكومة أفغانية معتدلة بما يكفي لن يشعر الأفغان بملكيتهم لها، ولو لم يشعر الشعب الأفغاني بملكيته للحكومة، لن يحارب من أجلها. وإن لم يحاربوا بأنفسهم من أجل الحكومة لن يمكن لأي تقدم نحرزه أن يصون نفسه. فقط، سينهار بمجرد رحيلنا. لكن إليكم ما يقلقني حقا: قال روبرت جيبس ، الناطق باسم الرئيس، وبشكل فاتر:" لا يمكن لهذا أن يكون بناء." ,وقال الرئيس في مأدبة الغذاء التي نظمها لكتاب الأعمدة في الصحف الأمريكية، يوم الثلاثاء الماضي،قال إنه يريد أن يتجنب "تحول المهمة" إلى مهمة بناء أمة في أفغانستان. وأنا آسف إذ أقول: هذا فقط بناء أمة. فلا يمكن أن يتم تدريب جيش وشرطة أفغانستان ليحلوا محل قواتنا لو لم يكن هناك دولة يشعر رجال الجيش والشرطة أنها تستحق أن يحاربوا من أجلها. لكن هذا يتطلب تحولا يقوم به كرزاي، بدءا من طرد معاونيه الأكثر فسادا من الخدمة، وتعيين مسؤولين يثق بهم الأفغان.

      زيادة أعداد القوات هذه أيضا، وكما أشار الرئيس، تعتمد على إنهاء باكستان عداوتها مع الهند. فهذه العدوات أدت بباكستان إلى أن تدعم الطالبان للسيطرة على أفغانستان كجزء من " عمقها الاستراتيجي" مقابل الهند. فباكستان تقاتل الطالبان الذين يهاجمونها، لكنها لا تفعل ذلك مع الطالبان الذين يريدون السيطرة على أفغانستان. لذا نحن في حاجة الآن إلى أن تتوقف باكستان الهشة عن النظر إلى العمق الاستراتيجي مقابل الهند، وذلك من خلال إحياء اقتصادها ونظام المدارس فيها ومنع الجهاديين من تحقيق أي سيطرة هناك. وهذا هو السبب وراء أن أوباما سيضطر لأن يتأكد ، كل يوم، من أن كرزاي لا يتملص من الإصلاح، وأن باكستان عازمة على التخلص من معاقل وملاذات الطالبان الآمنة لديها. ولنضع الأمر بإحكام: نقول إن هذا أمامه فرصة لأن ينجح فقط لو أن كرزاي صار رجلا جديدا، لو أن باكستان صارت دولة جديدة، ولو أننا نجحنا في أمر يقول عنه الرئيس أنه لا ينوى فعله على الإطلاق، وهو بناء الأمة في أفغانستان.
    • عراة فى كابول !

      جيل كولينز



      12/14/2009
      جيل كولينز :

      هل تتذكرون أفراد حراسة السفارة الامريكية فى كابول، الذين خلعوا ملابسهم وانخرطوا فى ممارسة طقوس غامضة متوحشة؟ أنا أحاول تذكيركم بهذا الموضوع لأني سأتحدث هنا عن التعاقدات الحكومية. وعندما يغامر المرء بالحديث عن مواضيع كهذه، من الجيد دوما أن يحاول البدء بأحد طقوس اللهو. لقد كان أفراد الحراسة فى السفارة الأمريكية فى أفغانستان تابعين لشركة حراسات خاصة تعاقدت معها الحكومة الامريكية اسمها "أرمور جروب". وقبل بضعة أشهر صدر تقرير عن إحدى المنظمات غير الربحية العاملة فى مجال حقوق الإنسان، قال بأن بعض أفراد الحراسة تم إجبارهم على ممارسة طقوس شاذة غريبة، من قبل بعض زملائهم. وعموما كان الحراس من دول مثل أستراليا ونيوزيلندا وامريكا هم المتورطون فى السلوك الشرير. ولحسن الحظ، كان القسم الأكبر من الحراس من النيبال وهم تناولوا مهمتهم بجدية بالغة. لكن للأسف، لم يستطع النيباليون فهم اللغة الانجليزية. وهذا معناه أن السفارة الامريكية فى واحدة من أخطر الأماكن فى العالم تحت حماية جماعة من الأشخاص غير قادرين على التواصل مع الامريكان.

      أما المفاجأة الكبرى فكانت أن أمريكا لا يتوافر لديها جنود امريكان ليحرسوا سفارتها فى منطقة حرب. وكانت تلك مفاجأة لنا – الامريكان- لكنها جاءت بعد وقتها بزمن طويل. والكثير من القصص الأسوأ بها شركة بلاك ووتر، شركة الخدمات الأمنية الخاصة، والتى غيرت من اسمها الى "إكسي "للخدمات الأمنية، بعد سلسلة من الأخطاء الفادحة التى ارتكبتها فى العراق، والتى كان من بينها إطلاق النار بعشوائية فى أحد ميادين بغداد ، ما نتج عنه مقتل 17 مدنيا. وفى يوم الجمعة الماضي، قال جيمس رايسن ومارك مازيتي فى النيويورك تايمز أن موظفي بلاك ووتر اشتركوا فى عمليات هجمات وكالة الاستخبارات المركزية فى العراق وأفغانستان، والتى تم فيها اعتقال متمردين مشتبه بهم واستجوابهم. وكان ذلك بالطبع فى الماضي. وفى الواقع، تم الكشف يوم الجمعة الماضي عن أن مدير الاستخبارات المركزية الامريكية، ليون بانيتا، قام بإلغاء عقد بناء عليه (فى السابق) استخدمت بلاك ووتر الصواريخ فى هجمات شنتها فى باكستان- نشاط آخر للشركة كان له وقع المفاجأة الكبيرة عندما تم الكشف عنه لأول مرة من خلال ما ذكرته التايمز للمرة الأولى فى الصيف الماضي.

      فماذا فى رأيكم كان سيقول الرئيس أيزنهاور عن هذا كله؟ فى آخر خطاب له كرئيس، حذر امريكا من "الاستخدام الكارثي المحتمل للقوة التى فى غير محلها" لو أن الصناعية العسكرية تضخمت كثيرا. وكان ذلك فى فترة ماضية من الزمن عندما باع المقاولون العاملون فى الصناعة العسكرية طائرات نفاثة باهظة الثمن. وتخيلوا ردة فعل ايزنهاور الآن عندما يعلم أن المقاولين يشتركون الآن مع الاستخبارات المركزية فى عمليات هجومية. دعونا نفترض للحظة أنه ليس من الغباء وعدم المسؤولية أن ندع المقاولين يحلون محل عسكريتنا فى المواقف الحساسة والخطرة فى الخارج. وحتى لو كانت تلك فكرة مرعبة، لايزال علينا أن نسأل هل الوكالات الحكومية الضخمة،، والتى تواجه عادة أوقاتا عصيبة فى إيجاد طرق بتكلفة معتدلة لشن عملياتها، هل تعرف هذه الوكالات كيف تشترى الخدمات التى تنجح فعلا.

      فهذه الأيام، تقريبا، لاشيء لا تتعاقد عليه الحكومة. ففى ذروة الحرب فى العراق، كان هناك 190 ألف شخص من المتعاقدين مع الشركات عليهم، أن يشاركوا فى جهود الحرب هناك- 32 مرة ضعف عدد قوات الحلفاء المشاركة بقوات لها هناك. يقول بى دبليو سينجر، الخبير فى التعاقدات الخارجية للبنتاجون، فى معهد بروكينجز، يقول : ما أسسناه لم يكن تحالف إرادات، هو تحالف "فواتير" مطلوب دفعها هذه زيادة حقيقية، بأعداد مراقبين ومشرفين عليها تتناقص. ففى 1997، قال سينجر أن كل عملية تدقيق مالي تابعة للدفاع، كانت مسؤولة عن قرابة 642 مليون دولار فى شكل تعاقدات مع الشركات الخاصة. أما آخر رقم فقد كان 2.2 مليار دولار. وما من مبرر لنعتقد أن الحكومة لديها القدرة لتحدد مدى مستوى جودة العمل الذى يقوم بها كل هؤلاء المقاولين. وكل هذا يعود بنا الى موضوع السفارة فى كابول. فقبل وقت طويل من نشر أخبار الحراس الذين أصابتهم لوثة وذهبوا فى طقوس غريبة عبر الميديا، كان الشيوخ يصدر منذ فترة طويلة الكثير من التحذيرات لشركة أرمور جروب بخصوص انتهاكات تقع فيها تتراوح من حرمان العمال من النوم الى المديرين الفاسدين. وطالب الشيوخ الشركة بأن تفي بالتزامها حسب العقد الموقع مع البنتاجون وتقدم حراسا يتحدثون الانجليزية، ورفض الشيوخ طلب الشركة المزيد من الوقت لعلاج المشكلة.

      وانتشر خبر الحفلات الجنسية والماجنة التى كان يقيمها الحراس. وكان الجميع فى وضع محرج. وأعلنت الخارجية أنها تشهد حالة خطيرة جدا تتعلق بالإخلال ببنود العقد. وقرر المسؤولون الإبقاء على الوضع الراهن لأنه ما من أحد ليحل محل هؤلاء فى السفارة. لكن الخبر السار هو أن أحد الناطقين باسم الخارجية الامريكية قال إن الوزارة تعمل الآن على " توحيد نموذج تعاقد مع شركات الأمن الخاصة، من المتوقع أن يتم اعتماده والعمل به بحلول يونية 2010.
    • بناء السلام دون تدخل أوباما

      توم جروس



      12/14/2009
      توم جروس :

      من الصعب أن تدير جهاز التلفاز أو الفيديو أو تلتقط صحيفة هذه الأيام دون أن تجد ناقدا أو آخر يستنكر الآفاق القاتمة لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية أو أحوال المعيشة الرديئة للفلسطينيين. بل إنه حتى الصحفيين الذين يفترض أنهم محايدون يكررون باستمرار هذه القصة الحزينة. "قليل جدا هو الذي يتغير في حياة الفلسطينيين على الأرض،" كما سمعت مراسلة البي بي سي وورلد سرفيس في القاهرة، كريستيان فراسر، تقول للمستمعين ثلاث مرات في غضون 45 دقيقة. في الحقيقة، ليس هناك شيء بعيد عن الحقيقة. لقد قضيت ذلك اليوم في مدينة نابلس، أكبر مدن الضفة الغربية. وهذه المدينة تتفجر بالطاقة والحياة وعلامات الرخاء، بشكل لم أشهده من قبل خلال سنوات عديدة من تغطيتي لأخبار المنطقة. عندما جلست في مكتبه الفخم، أخبرني أحمد عويضة، المصرفي ذو التعليم البريطاني والذي يرأس سوق الأوراق المالية الفلسطينية، أن سوق نابلس للأوراق المالية هو ثاني أفضل سوق في العالم من حيث الأداء حتى الآن في عام 2009، بعد سوق شنجهاي. (يطل مكتب عويضة مباشرة على المسكن الفخم للملياردير الفلسطيني منيب المصري، أغنى رجل في الضفة الغربية.)

      وفي وقت لاحق، التقيت بشير الشكعة، مدير سينما نابلس الجديدة اللامعة، حيث كان يتم عرض أربعة من أفلام هوليوود في ذلك اليوم. لقد تم بيع معظم الأفلام، كما أشار الشكعة الذي أضاف متفاخرا أن دار السينما استضافت سلفا مهرجانا سينمائيا منذ افتتاحها في يونيو الماضي.

      وفي تجولي وسط مدينة نابلس، كانت المحلات والمطاعم التي رأيتها مكتملة العدد. وكان هناك الكثير من السيارات غالية الثمن في الشوارع. في الحقيقة أحصيت عددا من سيارات بي إم دبليو ومرسيدس أكثر مما شاهدت، مثلا، في وسط مدينة القدس أو تل أبيب.

      وربما الأكثر أهمية هو أننا سافرنا بالسيارة من القدس إلى نابلس دون المرور بأي نقاط تفتيش إسرائيلية. لقد أزالت حكومة بنيامين نتانياهو هذه النقاط منذ أن تم السماح لخدمات الأمن الإسرائيلية (بتشجيع ودعم من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش)، على مدى السنوات الأخيرة الماضية، بسحق الانتفاضة واستعادة الأمن في الضفة الغربية وتوفير الظروف الملائمة للازدهار الاقتصادي الحادث الآن. (كانت هناك نقطة واحدة على الحدود في رحلة العودة، في ضواحي القدس، ولكن الحارسة الشابة قامت فقط بالإيماء لي أنا والاثنين الفلسطينيين المرافقين لي.)

      كانت المحلات والمطاعم ممتلئة أيضا عندما زرت مدينة الخليل مؤخرا، وفوجئت عندما رأيت "فيلات" لا يقل حجمها عن تلك الموجودة في كوت دازور أو بيل إير، وقد ارتفعت على التلال حول المدينة. بل إن الحياة أفضل في رام الله، حيث من الصعوبة أن تجد طاولة في مطعم جيد. فهناك يمكنك أن ترى المجمعات السكنية والبنوك وشركات الوساطة ووكالات السيارات الفخمة والنوادي الصحية. أما في قلقيلية، إحدى مدن الضفة الغربية أيضا والتي كانت في السابق مرتعا للإرهابيين وصانعي القنابل، يتم الآن حصد أول محصول للفراولة في وقته للاستفادة من أسواق عيد الميلاد المربحة في أوروبا. وقد تم تدريب المزارعين الفلسطينيين على أيدي خبراء زراعة إسرائيليين وزودتهم إسرائيل بآلات الري والمبيدات.

      ومن المقرر بناء مدينة فلسطينية جديدة تسمى "روابي" في وقت قريب شمال رام الله. وفي الشهر الماضي، ساعد الصندوق الوطني اليهودي، وهو جمعية خيرية إسرائيلية، في زراعة ثلاثة آلاف من شتلات الأشجار لمنطقة جرداء يقول المخططون الفلسطينيون إنهم يودون تنميتها على حدود المدينة الجديدة. كما يقوم الخبراء الإسرائيليون أيضا بمساعدة الفلسطينيين على تخطيط الحدائق العامة والمرافق المدنية الأخرى.

      وقد بدأ الأجانب يلاحظون التغير أيضا. فقد قالت وكالة أنباء وفا التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية الأسبوع الماضي إن الربع الثالث من عام 2009 شهد نشاطا سياحيا يقترب من القياسي في السلطة الفلسطينية، حيث يقيم 135939 نزيلا في 89 فندقا، التي هي مفتوحة الآن. ويأتي نصف السائحين تقريبا من الولايات المتحدة وأوروبا.

      لقد نما الاقتصاد الفلسطيني حتى الآن هذا العام – في عام سيطرت عليه الأزمة الاقتصادية في أماكن أخرى – بنسبة رائعة بلغت 7% حسب صندوق النقد الدولي، رغم أن رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، والذي هو نفسه عمل سلفا في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، يقول إن النمو في الحقيقة بنسبة 11%، وأدى إليه الأداء الاقتصادي القوي في إسرائيل المجاورة.

      وفي غزة أيضا، المحلات والأسواق مكتظة بالغذاء والسلع – انظر، مثلا، إلى صور صحيفة "فلسطين اليوم" التي تصدر في غزة، والتي تخص احتفالات العيد الأخيرة في غزة. هذه ليست هي الصور التي كنت تتوقع أن تراها أبدا في البي بي سي ولا صحيفة لوموند ولا النيويورك تايمز. لا، غزة ليست مثل "معسكر تركيز"، كما أن الأزمة الإنسانية في غزة ليست بحجم الأزمة في دارفور، كما تقول الصحفية البريطانية لورين بوث.

      في يونيو الماضي، روى الصحفي بصحيفة الواشنطن بوست، جاكسون ديهيل، كيف أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أخبره لماذا رفض عرض إيهود أولمرت العام الماضي بإقامة دولة فلسطينية على 97% من أراضي الضفة الغربية (مع إضافة 3% من الأراضي الإسرائيلية قبل عام 1967 لتعويض النقص). "في الضفة الغربية، لدينا واقع جيد. فالناس يعيشون حياة طبيعية،" كما قال عباس لديهيل، في لحظة صراحة نادرة لصحفي غربي.

      وقد ذهب رئيس سوق نابلس للأوراق المالية، أحمد عويضة، إلى أبعد من ذلك عندما وضح لي لماذا ليس هناك استعجال في إعلان الدولة الفلسطينية، قائلا إن الفلسطينيين العاديين يحتاجون إلى قوات الدفاع الإسرائيلية للمساعدة على حمايتهم من حماس، حيث إن قواتهم الأمنية ليست جاهزة بعد للقيام بهذه المهمة بنفسها.

      الحقيقة هي أن هناك دولة فلسطينية مستقلة قيد البناء بهدوء الآن، بمساعدة إسرائيل. وطالما أن إدراة أوباما والسياسيين الأوروبيين لا يتدخلون بطريقة خرقاء كما فعلوا في الماضي، ولا يقدمون مطالب غير عملية ولا واقعية من أجل إكمال العملية أسرع مما يمكن أن تتم، فأنا على ثقة أن الناتج سيكون إيجابيا. (كانت آخر مرة حاول فيها رئيس أمريكي – بيل كلينتون عام 2000 – استعجال الأمور بشكل غير واقعي، نتج عن ذلك إعاقة عملية السلام لمزيد من السنوات.)

      قد لا يتفق الإسرائيليون والفلسطينيون مطلقا على الحدود التي ترضي الجميع. ولكن ذلك لا يعني أنهم لن يعيشوا في سلام. فليس كل الألمان والفرنسيين يتفقون على من يجب أن يسيطر على الألزاس واللورين. كما أن البولنديين والروس، والسلوفينيين والكروات، والبريطانيين والأيرلنديين، وشعوب كثيرة في كل أنحاء العالم لديها نزاعات حدودية. ولكن ذلك لا يعيقهم عن التعايش مع بعضهم البعض. وكذلك هذا النزاع الحدودي بين الإسرائيليين والفلسطينيين – طالما أن الصحفيين الحزبيين ومجموعات حقوق الإنسان لا يضللون السياسيين الغربيين لدفعهم إلى اتخاذ قرارات سيئة – لن يمنعهم من التعايش أيضا.
    • خيانة المثقف

      د. خالد الحروب



      12/14/2009
      د. خالد الحروب

      من جوليان بندا الفرنسي, إلى أنطونيو جرامشي الإيطالي, إلى إدوارد سعيد الفلسطيني وبينهم وحولهم قائمة تطول من الكتاب والمفكرين والنقاش محتدم حول دور المثقف في مجتمعه. يختلفون في أشياء كثيرة, لكنهم يتفقون في أن المهمة الأساسية للمثقف تكمن في "النقد". المثقف الحقيقي هو المثقف الناقد, وأولا الناقد لذاته ولجماعته الأولية. نقد العدو هو أسهل أنواع النقد وأرخصه. نقد الذات, الفردية والجماعية, هو المهمة والتحدي. التخلي عن هذه المهمة هو, تبعا لوصف بندا وتوكيد سعيد, "خيانة المثقف" – حيث يخون المثقف دوره النقدي الأساسي.

      كلما تجتاح أمورنا السياسية أو الثقافية عاصفة شعبوية تتطلب من المثقفين وأصحاب الرأي والكتاب والمفكرين والإعلاميين وقفة عقلانية ورصينة وشجاعة ضد التيار نرى كثيرا منهم يقومون بعكس ما هو متوقع منهم. يستسهل هؤلاء ركوب موجات الهيجان الشعبي وتصدرها بل وتسعير نارها, على حساب المنطق والموضوعية وتعميق الوعي. بعضهم يحول مؤسسات كاملة إلى آليات تدغدغ عواطف الناس وتزيد من إغراقهم في الجهل والتمنيات. أحد الزملاء تسلم إحدى كبريات المؤسسات الإعلامية في العالم العربي تحت شعار "تنوير لا تثوير" فكان أن حولها ما كان فيها من تثوير إلى تهييج شعبوي ناهيك عن الانتقال بها إلى التنوير الفعلي. في الأسابيع الماضية تلاحق سقوط مثقفين كثر وفنانين ومبدعين في بركة الشعبوية الآسنة, خلال متابعة قضيتي التلاسن المصري الجزائري على خلفية مباريات كرة القدم, والتصويت السويسري على حظر المآذن.

      في القضية الأولى رأينا إعلاميين كبارا وقرأنا لمثقفين مرموقين ما لم نصدقه من انحدار في مهاوي الشعبوية, والتحريض, والتعميم, والاتهام, وصولا إلى العنصرية. عوض أن يكون موقف هؤلاء جميعا هو استسخاف الانجراف الشعبي العام وإدانة افتعال عدوات تنبش من حقب ما قبل التاريخ المدون, استمرأ كثيرون لوثة الجنون العام وامتطوها. حوادث الشغب والاعتداءات بعد مباريات كرة القدم الحساسة صارت من الأمور المعتادة في العالم. وهي يجب أن لا تخرج من سياقاتها المحددة: اعتداءات جنائية من اختصاص الشرطة المعنية في البلد الذي تُقام به المباراة. لا يجوز لأي سياسي انتهازي, أو مثقف متسلق, أو إعلامي باحث عن شهرة على حساب تسعير العداوات أن يخرج بتلك الاعتداءت من إطارها الجنائي. كيف يقبل مثقف أو ربع مثقف تعميمات وإطلاقات على كل الشعب المصري أو على كل الشعب الجزائري انطلاقا من مباراة كرة قدم, ومواقف جماعات الغوغاء من المؤيدين الذين لا يتقنون سوى الصراخ والشتائم؟ كيف يقبل ربع فنان أو ربع روائي, ناهيك عن روائي فاز بجائزة عالمية للرواية العربية, أن ينحط إلى استخدام تعبيرات عنصرية تصف شعباً بأكمله بالدونية والتخلف وعدم الأهلية؟ الفنان والمُبدع والمثقف الحقيقي هو راعي القيم الإنسانية السامية, والمُدافع (افتراضا) عن الجوهر المُتعالي عند البشر, الرافض للتقسيمات الإثنية, أو الدينية, أو العنصرية, والمُنحاز للعدل والمنطق والموضوعية من دون اعتبارات مُسبقة. المثقف الحقيقي هو الضد الموضوعي لـ" مثقف قبيلة غزيّة" – ما أنا إلا من غزيّة إن غوتْ غويتُ, وإن تعدل غزيّةُ أعدلُ. جحافل المثقفين والإعلاميين والمبدعين المصريين والجزائريين الذين أنحازوا لـ "غزيّة" من دون تفكير, وبالغريزة القبلية لا يستحقون الأوصاف التي يحملون, وهم أمثلة لـ "المثقف الخائن".

      القضية الثانية كانت في تناول كثير من المثقفين والكتاب العرب مسألة حظر المآذن التي صوت عليها الشعب السويسري. مرة أخرى كانت الهبة الأكبر هي في مناصرة "غزيّة" من دون التمحيص في جوانب المسألة قبل الخروج بالتعميمات والإطلاقات والتهويلات الجامعة. قراءة بعض ما كُتب تحيل إلى الاستنتاج بأن المسلمين في سويسرا أصبحوا على مقاصل الموت, ويساقون إلى مذابح جماعية. بشعبوية بالغة ولاقتناص التصفيق وركوب موجة الغضب تغافل كثير من أولئك على أن بناء المساجد وحرية العبادة فيها وحرية لباس الزي الإسلامي مصانة في سويسرا وفي أوروبا عموما أكثر بكثير من بعض البلدان الإسلامية. كما أن حرية العمل السياسي الإسلامي وخاصة للتنظيمات الإسلامية التي لا تحلم بأن تجد موطىء قدم في أي بلد عربي أو إسلامي مُصانة وكاملة, بما في ذلك حزب التحرير وبعض الجماعات السلفية التي تؤيد بن لادن والقاعدة, ناهيك عن جماعات الأخوان المسلمين وغيرها. مع ذلك فإن التصويت على حظر المآذن كان خطأ مرفوضا وينم عن تصاعد عنصرية وخوف كامنين إزاء الإسلام والمسلمين. ووقفت الحكومة السويسرية وكثير من الأحزاب ضده, كما تقف المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضده أيضا. ما كان مطلوبا من المثقفين والكتاب الذي ركبوا موجة الغضب الشعبوي وسعروها هو معالجة الموضوع بالمنطق والموضوعية والحجم الذي يستحق, وليس بالتعميم والتهويل. مسلمو أوروبا يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية فيما آلت إليه أمور النظرة إليهم والخوف منهم من قبل المجتمعات الأوروبية العريضة. الجاليات المسلمة تعيش في معازل سكنية وثقافية وغير منخرطة في مجتمعاتها, وتترك للرأي العام أن يتشكل وفق ما يصوغه الإعلام الشعبوي الأصفر الباحث عن الإثارة. هذا كله من دون التذكير بالحالة الرثة والعنصرية السائدة في بلداننا إزاء حرية اتباع الديانات الأخرى في بناء معابدهم.

      المثقف الحقيقي هو الذي يواجه مجتمعه بالحقيقة, ولا يبحث عن التصفيق الشعبوي. قول الحقيقة تمرين صعب, وبلعها أمر مرير, لكن التغاضي عنها, ودفنها تحت السطح هو خيانة مزدوجة: خيانة الدور وخيانة الحقيقة نفسها. عندما كان الإعلامي سيء الصيت أحمد سعيد خلال الحقبة الناصرية يبيع الوهم للمستمعين ويبشرهم بأن الطائرات المصرية تقصف تل أبيب فيما كان الجيش الإسرائيلي يحتل كامل سيناء في حرب 1967, كان يقوم بتلك الخيانة المزدوجة. كان يهيج الناس ويكذب عليهم. كانت النتيجة هي تكوين أساس عريض من الثقافة الشعبوية مبني على الكذب والوهم والتهويل والتعميم, وتلك كلها أعداء العقلانية والعقل والتنوير. في الساحة العربية الآن هناك نوعان من المثقفين: المثقف الشعبوي, الانتهازي وبائع الوهم, والمثقف العقلاني, التنويري وقائل الحقيقية حتى لو كانت ضد قومه وجماعته, ومهما بلغت مريرة.
    • هيلاري .. صقر إدارة أوباما

      12/15/2009
      جون هوجيه :

      الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون كلاهما يؤمن بالحوار مع الخصوم الخارجيين، لكن الوزيرة تؤمن أكثر بالانخراط في الحوار مع الخصوم الأجانب من موقف القوة. وهيلاري كلينتون ذكية، تتحدث بما يجول ببالها، وكلامها خارج منها هي، وليس من عقل شخص آخر. والكثيرون يحبونها ويرون أنها هي التي كان لها أن تصبح رئيسة أمريكا. لكن وزيرة الخارجية الأمريكية، المسوق رقم واحد للدبولماسية الأمريكية في العالم، تتحول سريعا إلى "صقر" في إدارة ديمقراطية، بينما يبطئ الرئيس أوباما من خطواته، حسبما يبدو منه. وكلاهما يعتقد في جدة الحوار مع الخصوم خارج أمريكا، لكن هيلاري تعتقد في جدوى فعل هذا من موقف قوة. وعلى النقيض منها، الرئيس أوباما الآن يحملونه خطأ الحوار انطلاقا من موقف ضعف.

      ويبدو أن وزيرة الخارجية تعيد العمل بالتكنيك الذي وظفته عندما صارت عضوة في مجلس الشيوخ الأمريكي. ففي الشهور الأولى لها في الشيوخ، أبقت بنفسها على نجمها خافتا، تسير على خطوات زملائها في المجلس، وتتعرف على طرق وخبايا تلك الغرفة التشريعية التاريخية قبل أن تتحول إلى لاعب كبير فيها. وعلى نحو مشابه، في وزارة الخارجية، أمضت هيلاري الشهور الأولى لها هناك تَدرُسُ محتويات التقارير المختصرة المرفوعة إليها، وتدرس اللاعبين الأجانب الكبار قبل أن تظهر كوزيرة ثقيلة التأثير.

      هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية هي نفسها المرأة التي قامت خلال حملتها الانتخابية الرئاسية بانتقاد المرشح المنافس لها وقتها، الرئيس الحالي، باراك أوباما، بأنه لا يمتلك من الخبرة ما يؤهله للتعامل مع اتصال طارئ بخصوص أزمة يأتيه في الثالثة فجرا. رغم هذا، وكعضوة في الحكومة التي شكلها أوباما، أبدت هيلاري الولاء للرئيس ولسياساته المعلنة، بينما تبدي الصرامة في دعمها لهذه السياسات وفي تطبيقها. وبهذا، وفي أول زيارة لها لآسيا، حذرت بحدة كوريا الشمالية من أن تصلح من طرقها نحو السلاح النووي. وواجهت على الملأ المسؤولين الباكستانيين في مسألة التستر على الإرهابيين، وعلى الملأ أيضا دعمت الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، بينما حذرته في السر من الفساد المستشري في حكومته ونصحته بتغيير الوضع.

      لكن النقاد غير المتعاطفين أعلنوا أن ما يتعلق بزيارة الصين من بين الجولة الآسيوية التي قام بها الرئيس أوباما هو يقارب الكارثة الدبلوماسية. فالحكمة التقليدية تقول ألا يدع ( مسؤولو الخارجية) الرئيس يدخل في مثل تلك المتاعب دون أن تكون هناك قرارات نهائية متفق عليها. ففي رحلة أوباما لم يكن هناك أية انتصارات، أو نجاحات، والمؤتمر الصحفي المهندس صينيا لم يتح للرئيس الأمريكي الفرصة للحديث في قضايا حقوق الإنسان، مثل مسألة التبت، كما أن الاجتماع الذي أعقب المؤتمر كان لعناصر معينة محددة سلفا من الشيوعيين الشباب.

      ولو نظرنا إلى الرئيس نجد أن إسرائيل "عارضته"، وتجاهلته كوريا الشمالية، واتهم بالتردد بسبب طول الوقت الذي استغرقه للخروج بقراره حول زيادة إعداد القوات الأمريكية في أفغانستان، وتعطل وعده المفرط في التفاؤل بإغلاق معتقل جوانتنامو، "وضايقته" الخطة التى أعلنت عنها إيران والرامية لبناء عشر منشآت تخصيب يورانيوم جديدة. وبدا الصينيون مندهشين بإعلان الإيرانيين، كما هو الحال مع الروس، لكن بينما أشار الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف، في الماضي إلى أنه ربما يدعم العقوبات التي تطالب بها أمريكا لفرضها على إيران، أشار رئيس الوزراء إلى أنه لن يفعل ذلك. وما من شك، أنه مع مرور الوقت سيظهر من الذي يحكم روسيا فعلا.

      وبكل الحسابات، كانت هيلاري كلينتون طرفا رئيسا، بجوار وزير الدفاع روبرت جيتس، في الضغط على أوباما لكي يتخذ موقفا أكثر حزما وقوة من إرسال القوات الإضافية إلى أفغانستان. فمن الناحية الأخرى من ذلك الجدل في هذا الموضوع، كان نائب الرئيس جوزيف بايدن، والذي طبقا لما قالته زوجته وعلى الرغم من خبرته المعترف بها في العلاقات الخارجية، هو الذي اتخذ قراره بقبول منصب نائب الرئيس، والابتعاد عن وزارة الخارجية في إدارة أوباما.

      والمأخذ الحالي على الرئيس أوباما، هو أنه من بلاغته وحصافته ولباقته ورقة حديثه وطلاوته، وهي كلها أمور تمت تجربتها في أراض خارج أمريكا ولاقت نجاحا كبيرا، يبدو الرئيس في نظر العالم خارج أمريكا وكأنه شخص يفتقد الحزم ويعوزه القدرة على الاستقطاب السياسي في الداخل، في مسائل مثل إصلاح الرعاية الصحية.

      وطبقا لماورين دوود، كاتب العمود في النيويورك تايمز، أشار أوباما في اجتماع وزاري قريب إلى هيلاري كلينتون بمزيد من التحية وخصها بالمديح من بين المسؤولين الذين "يسافرون في كل أنحاء العالم، من أجل امريكا، ولا يعرفون في أي منطقة زمنية هم موجودون". وقتها ابتسمت وزيرة الخارجية- هذا حسبما جاء في العمود. ولأن هيلاري في مجال الدبلوماسية منذ فترة طويلة الآن، هي تعرف أن الدبلوماسيين الناجحين قادرون على التواءم بمرونة وعلى إخفاء ردات فعلهم وعواطفهم في كل الظروف.
    • عندما يختارون ظواهرنا السيئة طريقة لإضعافنا



      عبداللـــه عباس



      12/15/2009
      عبداللـــه عباس :

      قبل أيام انشغل ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني في عالمنا الشرقي بذكرى سميت باليوم العالمي لإتفاقية سيدار كيوم عالمي ضد استعمال(( العنف ضد المرأة )), لا بأس ولكن الملفت ان التركيز على هذهِ الظاهرة جرى بشكل يعطي انطباعا بأن المرأة تعيش في جنة من النعيم في الجهة الغربية من العالم وهي مضطهدة ومنكوبة ومظلومة وفي الجهة الشرقية من العالم والعالم الاسلامي على وجه الخصوص علماً ان المرأة وصلت الى موقع قيادة الدولة اكثر من خمس مرات في العالم الشرقي وكانت اثنين من هذهِ المرات في الدول الاسلامية وقبل ان تصل (( مارجريت تاتشر )) الحديدية البريطانية الى الحكم في الامبراطورية التي غابت عنها الشمس والحمدلله.

      الظاهرة المأساوية في هذه المناسبة ان منظمات المجتمع المدني في شرقنا المسكين تتحدث عن برامج مستهلكة واعلام باهت عن العنف ضد المرأة بدون فهم لمعنى العنف وقد تشارك بالعنف على الاطفال والمحيط والبنات, وهذهِ المنظمات تكرر ما ينسجه ( اكثرها كذباً ) الجهات الغربية وتبيعها بدون ثمن الى منظماتنا المدنية كأن كل كلمة في هذا النسيج منزلة لا تقبل الخطأ, ينشرون أرقاما عن اضطهاد المرأة في العالم الإسلامي ولا نقرأ رقماً عن تجارة النساء في الغرب أبسطها التجارة بأجسادهن من خلال الإعلانات الخلاعية .

      لا أدري كيف تجرأ أحد الأفلام الغربية التي حصل فيها حوار يؤكد كذب الرجال في الحديث عن الحرية والمساواة للمرأة حيث قالت (( فتاة )) بطلة الفلم ل((فتى )) بطل الفلم : عندي انطباع انكم لا تقصدون في الحديث عن الحرية والمساواة للمرأة الا في شيء واحد وهو أن تستسلم المرأة لكم بدون قيد أو شرط ولكن تحت شعار اننا أحرار!!.

      اننا نختار الوسط في حديثنا عن الموضوع عليه نقول إن المرأة في مجتمعاتنا مضطهدة ..... صحيح ..... ولكن ذلك ناتج من الرجل نفسه ليس حراً في الإختيار في جميع المجالات الحياتية وعندما يريد الغرب أن يربط اضطهاد المرأة عندنا بموضوع الدين فإن الغرب بذلك يمارس الكذب والنفاق الإستعماري لأن ظاهرة اضطهاد المرأة في المجتمعات الإسلامية ليس اضطهاداً ( لاسامح الله ) فرضه الدين الاسلامي, انما نابع من الثقافة احادية الجانب ضمن التراث الاجتماعي والثقافي ليس لها بالاسلام أي صلة , الرجال والنساء في الإسلام عليهم الواجبات والمسؤوليات ذاتها أمام الله وكذلك فيما يتعلق بحقوق المرأة فلها الحق في الطلاق والميراث وقد مارست المرأة في المجتمعات الإسلامية هذه الحقوق قبل تمتع النساء في الدول الغربية بهذهِ المعايير وفي هذا الاطار كما قلنا علينا أن نعرف ان الانتهاكات التي تمارس في حق المرأة بإسم الإسلام اليوم هي ممارسات نابعة من الثقافة وليس لها بالدين أي صلة .

      ففي حين أدت الحرية المفتوحة في النظام الغربي الى أن تحيل المرأة الى سلعة في أكثر مجالات الحياة نرى في المجتمعات الاسلامية الحقيقية ان الحرية هي طريقة لتنظيم الحياة الانسانية للمرأة والرجل وفي ضوء الشعور بالمسؤولية الأخلاقية تتعلق بحقوق الاخر من حرية الحياة وحرية الفرد والملكية والاختيار .

      اننا لا نخاف من الحديث عن وجود ظاهرة العنف ضد المرأة لأننا نرى انها ناتجة عن الأزمات الإجتماعية المعقدة في الشرق المثقل بتركات التخلف التي تركتها عهود التخلف واحتلالات الغرب حيث تركوا قشور التطور ومنعوا طريقة التطور الواعية الثقافي والاجتماعي لقتل روح التطور المطلوب نحو الآفاق الرحبة من الدراسات والاحصاءات لتحديد الطريق نحو المستقبل.

      من المسائل التي يركز عليها الغرب في اتهام المجتمع الاسلامي باضطهاد المرأة وعدم الإعتراف بحقوقها هي قضية الميراث في الإسلام. بين الرجل والمرأة ولكن عندما ندرس الواقع لنظرة الإسلام في هذا المجال نرى ان هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة ميراثاً مثل الرجل أو أكثر أو ترث هي ولا يرث نظيرها الرجل عند استقراء حالات ومسائل الميراث يتضح أن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف ما يرث الرجل واضعاف هذه الحالات ترث مثل نصيب الرجل تماماً, في حين ان الاديان الاخرى لا ميراث للمرأة الا في حالة واحدة وهي ان لا تكون لها اخوة ذكور وجعل الانجيل الميراث كاملاً للإبن الذكر فإن لم يكن للمتوفي ابن في هذهِ الحالة فقط ترث المرأة .
    • نفط العراق ... قوة أم ضعف؟

      12/15/2009
      جيمس دينسيلو

      ما كان للتوقيت أن يكون أسوأ مما كان عليه. في يوم الثلاثاء الماضي بعد الظهر، في أحد فنادق لندن الأنيقة، صرح نائب رئيس لجنة النفط والغاز العراقي، عبد الهادي الحسني، لمحطة الـ"بي بي سي" قائلا: إن الوقت مناسب الآن للاستثمار في العراق حيث إن "الحكومة تسير من قوة إلى قوة".

      وعلى بعد مسافة صغيرة في المدينة، رفض السير جون سكارليت، رئيس مجموعة "MI6" الاستخباراتية والحارس على بعض أهم المعلومات الاستخباراتية التي أشعلت الحرب في العراق، رفض تأكيد أو إنكار الخبر بأن سائق سيارة أجرة عراقيا كان هو المسؤول عن زعم أن صدام حسين يستطيع امتلاك أسلحة دمار شامل في غضون خمس وأربعين دقيقة.

      في الوقت الذي كانت تتم فيه مناقشة مستقبل وماضي العراق في لندن، كانت بغداد تحترق في الحاضر، حيث كانت معدات إطفاء الحريق مازالت منغمسة في حطام السيارات المشتعلة وكانت سيارات الإسعاف مازالت تقوم بحرص بتجميع أشلاء 127 ضحية تم تفجيرهم في التفجيرات المنسقة التي ضربت العاصمة.

      وعلى الرغم من إحراز تقدم في تقليل مستويات العنف، مازال العراق بوضوح مكانا عالي الخطورة وبعيدا عن التنمية إلى حد كبير. في الأشهر الستة الأولى من هذا العام عاد 25000 عراقي فقط إلى العراق، ومازال 4.6 مليون عراقي مشردين داخليا وخارجيا. وفي السنوات الست الماضية ازدادت مؤشرات سجلات حرية الصحافة والفساد سوءا. وقد أظهرت إحصائيات شهر فبراير أن نسبة 20% فقط من العراقيين يستطعيون الوصول إلى الصرف الصحي، ونسبة 45% يستطيعون الوصول إلى المياه النظيفة.

      ربما يكون العراق قد تجاوز المنعطف وهو في طريقه إلى الاتجاه الصحيح، ولكن مازال هناك طريق طويل يجب السير فيه. ولكي يحدث التغيير والتنمية الحقيقيان، سيلعب نفط العراق دورا كبيرا بوضوح. ينتج العراق حاليا 2.5 مليون برميل يوميا (بعد أن كان 2.8 مليون برميل قبل الغزو) وهو ما يمثل نسبة 90% من ميزانية الحكومة.

      وبقليل من الضجة، تحدث الجولة الثانية من التقدم بالعروض للعمل في حقول نفط العراق هذا الشهر، وهناك اتحاد بقيادة شل حصل الآن على حقوق تطوير حقل نفط "مجنون" العملاق. وفي الوقت الذي يسعى فيه الدبلوماسيون إلى إنقاذ العالم في كوبنهاجن، فإن هذا المؤتمر التقليدي سيسعى لمنح الامتيازات بتوزيع ثالث أكبر احتياطيات النفط، والذي به ما يقدر بحوالي 115 مليار برميل من النفط.

      وقد قدر وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني أنه باستثمار 50 مليار دولار في تحديث البنية الأساسية، سيكون العراق قادرا على إنتاج ستة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2017.

      ومع ذلك، تحولت الجولة الأولى من مناقصات النفط في يونيو الماضي لتصبح شبه كارثة، حيث طلبت شركات النفط الكبرى أكثر كثيرا لكل برميل تنتجه من المبلغ الذي عرضته الشركات العراقية البالغ 2 دولار. وللمفارقة، بالنسبة لمن يجادلون بأن الحرب كلها تخص النفط، كان الصينيون جزءا من الامتياز الوحيد الذي تمت الموافقة عليه. وقد وقع اتحاد مكون من شركة النفط الوطنية الصينية والشركة البريطانية للبترول صفقة مدتها عشرون عاما تَعِدُ بالحفاظ على النفقات منخفضة باستخدام قوى عاملة ومعدات صينية منخفضة التكلفة. كان كثير من العراقيين مستاءين بسبب طول مدد هذه العقود التي "ستقيد الاقتصاد العراقي وتعوق استقلاله لمدة عشرين عاما قادمة. إنهم يهدرون عائدات العراق".

      لقد كان النفط – ومازال - شيئا يشبه اللعنة في التاريخ العراقي، جالبا معه مستويات أكبر من التدخل الأجنبي وتاريخا من الحكومات التي تستطيع استغلال نظرية "لا مشاركة بدون ضريبة". هناك سابقة واضحة لمخاطر "الدولة الريعية" الموجودة في الدول المجاورة مثل الكويت والمملكة العربية السعودية.

      في عام 1925صادق البرلمان العراقي على اتفاقية امتياز نفط مع شركة النفط التركية، والتي أصبحت في وقت لاحق شركة النفط العراقية، بشروط غير مواتية له هو نفسه. وبحلول عام 1953، كان النفط يمثل 94.3% من الدخل القومي، رغم أن كلا من الإنتاج والأسعار كانت تسيطر عليهما شركة النفط العراقية. وفي عام 1961 استعاد القانون النفطي رقم 80 الذي أصدره عبد الكريم قاسم المساحات غير المستغلة التي كانت قد منحت كامتياز لشركة النفط العراقية، ولكن لم يتم تأميم هذه الصناعة بالكامل إلا عام 1972. وقد نتج عما تلا ذلك من أزمة النفط عام 1973 الزيادة الضخمة لأسعار النفط، مما عزز بشكل كبير سلطة الدولة وشجع صدام حسين الذي قاد بعد ذلك بلاده إلى حروب كارثية مع إيران والكويت

      . وفي مارس عام 2003، قال بول وولفويتز، الذي كان حينئذ نائب وزير الدفاع الأمريكي، إن العراق يستطيع تمويل بنائه في فترة ما بعد الحرب، وكانت وزارة النفط هي أحد المباني القليلة التي تمت حمايتها بعد سقوط صدام

      . وفي حين أن فشل المحافظين الجدد في التنبؤ بما سوف يحدث في عراق ما بعد الغزو هو أمر موثق جيدا، إلا أن مستقبل دور النفط في العراق بعيد تماما عن التأكيد. إن هذه الدولة التي تستطيع بالكاد إطعام وتأمين شعبها وظلت تحارب تفشي وباء الكوليرا، تنظر في بناء نظام نقل جماعي في بغداد وشراء طائرات حربية إف 16، والأدهى من ذلك نظرا لعدم إمكانية التنبؤ بما يحدث في المنطقة، شراء محطات قوة نووية.

      إن النفط، بالتزامن مع كل هذا الإنفاق غير الخاضع للمساءلة، قد يعوق النمو المتفاوت للديمقراطية العراقية. وحقيقة أن الشخصيات الكبيرة بالحكومة العراقية تقدم امتيازات النفط رغم الفشل في الاتفاق على قانون هيدروكربون وطني هي مثال على ذلك. وقد أوضح الحسني على نحو أخرق هذا الأسبوع كيف أنهم كانوا يلجأون إلى القوانين التي تم تمريرها في عهد صدام من أجل تشجيع الاستثمار.

      ومع كون الانتخابات الآن قد تقرر إجراؤها في مارس القادم، يبقى أن نرى إذا ما كانت الحكومة العراقية لديها رؤية أو قوة كافية لتجنب إغراءات المكاسب قصيرة المدى على حساب تأمين المصالح بعيدة المدى.
    • الصعود التركي ليس معجزة



      فهمى هويدى



      12/15/2009
      فهمى هويدى

      الشق السهل في المسألة أن نتحلى بقليل من التواضع وكثير من التجرد لكي نفسر الصعود التركي الذي خطف الأبصار وأسر القلوب، أما الشق الصعب حقا فهو أن نتعلم منه.

      ــ1ــ

      حين كتب زميلنا غسان شربل رئيس تحرير صحيفة «الحياة» اللندنية مقالة تحت عنوان «لا تتركنا أوجلو» «عدد 2/11/2009» فإنه عبر عن الإحباط الذي ينتاب المثقف العربي إزاء الفشل في التعامل مع مختلف الملفات المطروحة في الساحة العربية. وقتذاك كان الدكتور أحمد داود أوجلو وزير الخارجية التركي في زيارة أربيل عاصمة كردستان العراق، وقد وصل إليها قادما من الموصل حيث افتتح قنصليتين في المنطقتين العربية والكردية. فكتب صاحبنا موجها إليه كلامه قائلا: «قتلتني الغيرة حين شاهدت صورتك مع بارزاني. منذ شهور ونحن نتحرق لنرى ودا مشابها في صورة تجمع محمود عباس وخالد مشعل». تحدث أيضا عن أزمة لبنان التي كان تشكيل حكومته متعثرا منذ خمسة أشهر، ثم ختم مناشدا الدكتور أجلو أن يتدخل لإنقاذ الموقف استنادا إلى مهارته في حل الخلافات، وإلى كون تركيا أصبحت ذات كلمة مسموعة في الإقليم.

      كثيرة هي الكتابات المماثلة التي تحدثت عن النجاحات التي حققتها السياسة الخارجية التركية، حتى إن بعضها تحدث عن دخول الشرق الأوسط إلى «العصر التركي» (بول سالم مدير مركز كارنيجي للشرق الأوسط ببيروت ــ الحياة 29/9). وقد لفت صاحب المقال الأنظار إلى المتحولات الاستراتيجية المهمة في المنطقة التي أسهم فيها الموقف التركي. فأشار إلى أنه طيلة معظم القرن العشرين كانت إسرائيل وتركيا وإيران في معسكر واحد، لكن الثورة الإسلامية في إيران غيرت من تلك الحقيقة. وجاء الموقف التركي الأخير ليجعل إسرائيل خالية من أية تحالفات إقليمية للمرة الأولى منذ تأسيسها. في هذا المعنى سجل الصحفي التركي البارز جنكيز شاندار ملاحظة مهمة في مقالة نشرتها له صحيفة «راديكال» (عدد 22/10)، قال فيها إن تركيا سعت يوما ما إلى استمالة أمريكا عن طريق التقرب من إسرائيل، لكن الموقف اختلف الآن بحيث أصبحت إسرائيل تسعى إلى استمالة تركيا عن طريق وساطة واشنطن. وختم هذه النقطة قائلا إن «إسرائيل وواشنطن مدعوتان إلى إدراك أن من يحاول التقرب من إسرائيل لخطب ود واشنطن سيلقى مصير محمود عباس، أي إنه سيحكم على نفسه بالإعدام.

      الذين يتابعون الشأن التركي من الخارج قدروا إنجازات حكومة حزب العدالة والتنمية على ذلك الصعيد، وهذا التقدير مستحق لا ريب، لكن كثيرين لا ينتبهون إلى أن إنجازات الخارج ما كان لها أن تتم إلا بعد اجتياز امتحان الداخل بدرجة عالية من النجاح. وهو ما يسوغ لى أن أقول إن ما تحقق في الداخل من نجاحات كان الأساس الذي انطلقت عنه واتكأت عليه الإنجازات المتلاحقة التي تحققت في الخارج.

      ــ2ــ

      في زيارتي الأخيرة لأنقرة تناولت الغداء مع أحد الأصدقاء في مطعم أقيم فوق تلة تطل على واد فسيح مليء بالخضرة التي توزعت على سلسلة من الحدائق بديعة المنظر. وحين وجدني الصديق مأخوذا بالجو المحيط بادر إلى القول إن ذلك الوادي الفسيح كان قبل سنوات قليلة «مقلبا» لقمامة العاصمة، ولكن يد البلدية امتدت إليه وأحدثت فيه ذلك الانقلاب. ضمن السياسة التي اتبعتها لمضاعفة مساحات الخضرة في المدينة، وتوفير فرص أوسع لتجميلها وللترويح عن السكان في الوقت ذاته. أضاف محدثي قائلا: إن البلدية حرصت على أن تخصص في كل حديقة ركنا متميزا زودته بلعب الأطفال، بحيث أصبحت الأسر التركية ترتاد تلك الحدائق وهي مطمئنة إلى أن أطفالها سيجدون فيها ما يمتعهم طول الوقت.

      قال الصديق الخبير إن قصة مقلب القمامة تعد رمزا للانقلاب في ساحة الخدمات التي عرفتها الساحة التركية. وأن النجاح الحقيقي لحكومة حزب العدالة تمثل في أنها استطاعت أن تقنع الناس بأنها جاءت لتلبي احتياجاتهم وترفع مستوى الخدمات المقدمة إليهم. وهذه المهمة تتصدى لها بالدرجة الأولى 81 بلدية عامة بالمحافظات، غير آلاف البلديات الفرعية بالأحياء السكنية والقرى. وهذه صلاحياتها تتجاوز الاهتمام بالمرافق العامة، لتشمل مختلف الأنشطة الأخرى الاجتماعية والتعليمية والثقافية والسياحية.

      إننا إذا ضربنا مثلا ببلدية اسطنبول ــ الأكبر في تركيا ــ سنجد أنها خلال 5 سنوات في الفترة ما بين عامى 2004 و2009 استثمرت مبلغ 22.6 مليار دولار في العديد من الأنشطة المتعلقة بخدمة الناس، منها على سبيل المثال: مد 28 كيلو مترا لخطوط الترام والمترو (60 كم أخرى تحت الإنشاء) ــ شق عشرة أنفاق وإقامة مرائب (جراجات) تسع خمسة آلاف سيارة وإضافة 3278 كم لشبكة المجاري والصرف الصحي وألف كيلو متر لشبكة المياه، وزيادة 55٪ للمساحات الخضراء، وافتتاح 8 شواطئ صيفية، وتجميل 18 ميدانا عاما، وجمع 15 مليون طن نفايات يوميا، وإسكان 30 ألف عائلة.

      إضافة إلى هذا الجهد المتعلق بالمرافق، فإن بلدية اسطنبول أنجزت في الفترة ذاتها ما يلي: أنشأت 18 مركزا ثقافيا وقاعة للمؤتمرات، و11 مكتبة عامة، وقامت بترميم 81 أثرا تاريخيا. كما أنشأت 32 مركزا للرعاية الصحية والطبية و18 بيتا للمسنين و17 مركزا للتأهيل الصحي و17 مركزا رياضيا و14 مركزا اجتماعيا. علاوة على تزويد 220 حديقة عامة بالآلات الرياضية المجانية وبناء 120 مدرسة متنوعة ومشروع إنترنت مجاني في الأماكن العامة. وأقامت معسكرات صيفية لعدد 73 ألف شاب وفتاة، و146 مركزا للتدريب والتثقيف المجاني. كما تولت توزيع 550 ألف أطلس جغرافي على الطلاب، وقدمت 187 منحة دراسية مجانية، للشباب، وتولت مساعدة 170 ألف أسرة فقيرة، وقامت بإنتاج 1.7 مليون رغيف خبز يوميا بسعر رخيص.

      حين تقوم البلديات بمثل هذه الجهود المتنوعة فلابد أن تكسب ثقة الناس وتأييدهم. وبوسع الحكومة المنتخبة في هذه الحالة أن تتحرك في الخارج وهي مطمئنة إلى أنها مؤمنة الظهر وواقفة فوق أراض صلبة ومتماسكة.

      ــ3ــ

      الإنجاز في الداخل عنصر مهم في نجاح النموذج التركي، لكنه ليس العنصر الوحيد. ذلك أن هناك عناصر أخرى أسهمت بأدوار مختلفة في صناعة ذلك النموذج. فالمجتمع التركي يتمتع بحيوية خاصة جعلته حاضرا ومساهما بشكل فعال في محاولات النهوض وصناعة التقدم في البلد. وكان لنظام الوقف الإسلامي دور المحرك لتلك الحيوية التي لازمت التاريخ التركي في مراحله الثلاث: السلجوقية والعثمانية والجمهورية أي طوال القرون العشرة الأخيرة إذ خلال تلك الفترات كانت الجماعات الأهلية التي ضمت خليطا من القادة الروحيين والحرفيين والتجار لها مؤسساتها الوقفية التي تمول أنشطتها، وظلت تلك هي الصيغة التي من خلالها أسهم المجتمع في تحقيق التنمية بصورة مستقلة عن الحكومة، وإن كانت مكملة ومعينة لها. وكان النجاح الذي حققه الوقف على ذلك الصعيد حافزا للأوروبيين لكي يقتبسوا نظامه من الدولة العثمانية إلى بلادهم ويطوروه. تماما كما فعلوا مع نظام «الملل» الذي ابتدعه العثمانيون في تطبيقهم للشريعة، ونقل إلى الغرب ليكون أساسا لفكرة التعددية التي لم تكن معروفة لديهم من قبل.

      في تركيا الآن ما بين 50 إلى 60 ألف جمعية خيرية تمولها الوقفيات (البعض يرتفع بالرقم إلى 90 ألفا) ــ وهذه الجمعيات تغطي كل مجالات النشاط الإنساني، من الأنشطة الخيرية التقليدة إلى ميادين العلوم والفنون والبيئة وحقوق الإنسان ورجال الأعمال. وحسب فتحي جونجور رئيس اتحاد المنظمات الأهلية فإن ميزانية تلك الجمعيات بلغت 7 مليارات دولار في سنة 2007. بل إن جماعة النور التي أسسها الشيخ فتح الله جولن قدر رأسمالها بخمسة مليارات دولار، وتدير مشروعات في داخل تركيا وخارجها تشمل المدارس والجامعات والشركات وتملك مجموعة صحف ومجلات ومحطات تليفزيونية وإذاعية. وقد أسست ألف مدرسة في 140 دولة خارج تركيا.

      إنك إذا ضممت الدور الكبير الذي تقوم به المؤسسات الوقفية إلى جانب الهمة العالية التي تعمل بها البلديات، فستجد أن الجهد كله يصب في وعاء عافية المجتمع ورصيد نهضته.

      وإلى جانب تلك الخلفية ذات الجذور الضارية في عمق التاريخ التركي، فإننا لا نستطيع أن ننسب النجاح الراهن إلى جهود حكومة حزب العدالة وحدها التي تولت السلطة في عام 2002، ذلك أن الإنصاف يدعونا لأن نقرر أن قادة الحزب حققوا ما حققوه حينما ساروا على الطريق الذي مهده لهم الرئيس الأسبق توركوت أوزال، مؤسس حزب الوطن الأمم، الذي تولى رئاسة الحكومة ثم رئاسة الجمهورية في الفترة ما بين 1983 و1993 (الشائع أنه مات مسموما). وهو ما يدعونا إلى القول بأنه إذا كان البروفيسور نجم الدين أربكان مؤسس حزب الرفاه ذي الخلفية الإسلامية هو الأب الروحي لقادة حزب العدالة والتنمية، فإن توركوت أوزال هو أستاذهم في مجال الإصلاح السياسي والاجتماعي. إذ يعزى إليه الفضل في إطلاق محاولات بناء الجمهورية التركية الثانية، المتحررة من هيمنة العسكر، والمنفتحة سياسيا واقتصاديا على الداخل والخارج.

      ــ4ــ

      هناك عاملان آخران لا نستطيع أن نتجاهل دورهما في نجاح النموذج التركي؛ الأول يتمثل في تطبيق النظام الديمقراطي، الذي ساعد على نمو دور المجتمع الأهلي وعلى إنضاج خبرات المشتغلين بالعمل السياسي، وأتاح فرصة إخضاع السلطة للحساب والتداول بناء على قرار الجماهير في الانتخابات العامة، وكان الالتزام بمبادئ الممارسة الديمقراطية وراء تقليص دور العسكر في القرار السياسي، الأمر الذي جعل إرادة الشعب هي المرجعية الأهم في صناعة ذلك القرار وحمايته. البعض يحاول نسبة ذلك الإنجاز إلى العلمانية، وذلك فيه الكثير من التبسيط والتغليط.

      ذلك أن التجارب أثبتت أن الربط ليس حتميا بين الديمقراطية والعلمانية، علما بأن أكثر النظم العلمانية في العالم العربي هي أقلها ديمقراطية، ثم إن العلمانية التي فرضها كمال أتاتورك في تركيا أخضعت البلاد لحكم العسكر وعرضتها لانقلاباتهم، وعمدت إلى سحق الأكراد، ولم يحسن من صورتها سوى إصلاحات توركوت أوزال. وإذا كان النموذج التركي قد أثبت أن في العلمانية تطرفا قمعيا وإقصائيا واعتدالا ديمقراطيا ومتسامحا مع الآخر، فإن ذلك ينفي فكرة «الحتمية» التي سبقت الإشارة إليها. فضلا عن أنه يضع العلمانية على قدم المساواة مع غيرها مع الأفكار المطروحة، التي يتوزع أنصارها أيضا بين جناحي التطرف والاعتدال.

      العنصر الثاني المهم في نجاح النموذج التركي هو وضوح الرؤية الاستراتيجية لدى النخبة الحاكمة. وهذا الوضوح لم يكن من نصيب الأهداف فحسب، وإنما انسحب على الوسائل أيضا. ولم يعد سرا أن منظّر ومهندس هذه المرحلة من التاريخ التركي هو الدكتور أحمد داود أوجلو، وزير الخارجية الحالي والمستشار السياسي الأول، الذي كان يحلم في مؤلفاته منذ كان أستاذا للعلوم السياسية بأن تصبح تركيا دولة محورية في المنطقة، وأدرك أنها لا تستطيع أن تقوم بذلك الدور إلا إذا نجحت في أمرين أساسين هما: تحويل تركيا إلى دولة قوية ومستقرة في الداخل، ومتصالحة مع كل محيطها في الخارج. ومن هذين المبدأين انطلقت سياسات تعزير التصالح مع المجتمع بجميع فئاته ــ خصوصا الأكراد ــ والتقدم على طريق الإصلاح السياسي، والسعي الحثيث لتعزيز القدرة الاقتصادية. وفي ظل هذا المسعى الأخير أصبح الاقتصاد التركي يمثل المرتبة السابعة عشرة في العالم الصناعي. وهم يتطلعون إلى إيصاله إلى المرتبة العاشرة في عام 2022، في ذكرى مرور مائة سنة على تأسيس الجمهورية. وكانت تلك هي الرؤية التي تبنت سياسة «زيرو» مشاكل. التي بمقتضاها حلت تركيا مشكلاتها مع كل جيرانها حتى أوصلتها إلى درجة الصفر، الأمر الذي فتح لها الطريق لكي تنتقل من دول «الجسر» الهامشية في المنطقة، لتصبح دولة مركزية مؤهلة للعب دور محوري في الساحتين الإقليمية والدولية.

      ليس في كل ذلك سر، ولكنه بمقدور كل أحد إذا أخذ بالأسباب واستوفى شروط اللياقة والجدارة، وأولها توافر الإرادة المستقلة التي أصبحنا في العالم العربي نفتقدها ونسمع عنها فقط، تماما كالغول والعنقاء والخل الوفي، التي تحدث عنها بعض شعراء العرب.


    • فيكتوريا بريتين



      12/15/2009
      عنوان رفيع فيكتوريا بريتين

      من بين كل الحلول المعقدة طويلة المدى التي يتم السعي من أجل التوصل إليها في كوبنهاجن لتجنب كارثة بيئية في كل أنحاء العالم، هناك مكان حدثت فيه الكارثة بالفعل، ولكنه يمكن معالجتها في الحال بخطوة سياسية بسيطة واحدة.

      في غزة، لا توجد الآن مياه غير ملوثة؛ من بين الأطفال حديثي الولادة البالغ عددهم ما يقرب من أربعين ألفا، نصفهم على الأقل معرضون لخطر داهم للتسمم بالنيترات - فالإصابة بحالة "الطفل الأزرق" – المعروفة بالميتهيموجلوبينيميا – مرتفة بشكل كبير؛ وهناك عدد غير مسبوق من الناس معرضون للتسمم بالنيترات على مدى عشر سنوات؛ وفي بعض الأماكن، تبلغ نسبة محتوى النيترات في المياه ثلاثمائة ضعف معايير منظمة الصحة العالمية؛ والاقتصاد الزراعي يموت بسبب المياه الملوثة والمالحة؛ وطبقة المياه الجوفية أُرهقت وأوشكت على الانهيار؛ ومياه المجاري والنفايات تتدفق إلى الفراغات العامة والمياه الجوفية.

      لقد استمر الحصار على غزة لمدة أربع سنوات تقريبا، وتصدعت البنية الأساسية للمياه والصرف الصحي إلى حد الانهيار الفعلي أثناء الهجوم الذي استمر ثلاثة أسابيع على القطاع منذ ما يقرب من عام.

      ما المطلوب من أجل البدء في اثنين من مشروعات الأمم المتحدة لإصلاح الصرف الصحي اللذان وافقت عليهما إسرائيل؛ ومشروع الأمم المتحدة للمياه والصرف الصحي، الذي لم توافق عليه إسرائيل بعد؛ وشبكتي صرف صحي داخليتين برعاية الأمم المتحدة أيضا، لم توافق عليهما إسرائيل بعد؟ في الوقت الراهن، يمكن رفع ركن واحد فقط من الحصار لدخول مواد ومعدات البناء إلى غزة، من أجل البدء في أعمال المياه لإعطاء الأطفال فرصة للحياة. مكالمة هاتفية واحدة فقط من وزير الدفاع الإسرائيلي يمكن أن تفعل ذلك – هدية مبكرة في الكريسماس يتم تقديمها لموظفي الأمم المتحدة على الأرض الذين ظلوا مستعدين للعمل على مدى أشهر وأصبحوا يائسين على هذه الجبهة، كما هو الحال على جبهات أخرى كثيرة.

      في وقت مبكر من هذا العام، كان سؤال واحد فقط وجها لوجه إلى الحكومة الإسرائيلية وجهه السيناتور جون كيري بعد زيارته لغزة، هو الذي سمح للمعكرونة أن تدخل إلى غزة. فمن من أوروبا أو الولايات المتحدة سوف يسأل وزير الدفاع الإسرائيلي السؤال المتعلق بـ "الأطفال الزرق" وجها لوجه؟ ربما تكون سارا براون، زوجة رئيس الوزراء البريطاني، هي المرشح المثالي لهذا الأمر – فهي شخصية مستقلة تمتلك أذن الشخصية القوية، وهي أم تعرف شيئا عن حزن الأطفال الرضع. ويمكن أن يصحبها اللورد مانديلسون في حالة وجود أي استهداف لها بالنقد.

      والعلم في كل ذلك واضح لا ينازع فيه أحد. ففي سبتمبر الماضي، وضح تقرير للأمم المتحدة الأمر بتفصيل كامل، وشمل النتائج الإقليمية على كل من إسرائيل ومصر إن لم يتم إصلاح شبكة الصرف الصحي المشتركة وإيجاد موارد مياه بديلة. وقد قدر برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة أن المطلوب هو 1.5 مليار دولار على مدى عشرين عاما لاستعادة شبكة الصرف الصحي، بما في ذلك إنشاء محطات تحلية لتخفيف الضغط عن موارد المياه الجوفية.

      اعتادت شواطئ غزة الرملية الشاحبة أن تكون ملعبا للمجتمع وضمانا للسعادة والحياة الطبيعية، حيث تتنزه بها العائلات ويمارسون ركوب الخيل ويقوم الصيادون بإصلاح شبكاتهم والأطفال بالسباحة والشباب بممارسة الرياضة في الصباح الباكر، ولكنها أصبحت فارغة في هذه الأيام، وليس ذلك لمجرد أن الفصل هو فصل الشتاء. لقد تدفق ما بين 50 إلى 60 مليون لترا من مياه الصرف غير المعاجلة إلى البحر المتوسط كل يوم من هذا العام منذا انتهاء الغزو الإسرائيلي لغزة في يناير الماضي، ورائحة البحر كريهة وقليل من الأسماك هو المتوفر في مساحة الثلاثة أميال البحرية المسموح للفلسطينيين بدخولها. ويبدو هذا المورد وقد تحطم تماما مثل حطام البرلمان والوزارات في غزة.

      والزائر لغزة يمكن أن لا ينتبه لهذه الكارثة عندما يرى ما جلبه اقتصاد الأنفاق السوريالي من مصر إلى غزة: مقهى حديث أنيق مع أثاث جديد وملصقات على الجدران، لن يكون غريبا على بيكاديللي، وأسماك من عُمان للمطاعم، وأغنام وماعز سمينة لعيد الأضحى، وسيارات جديدة تم تجميعها بعد أن كانت كل منها مقسمة إلى أربعة أجزاء، ودراجات نارية ضخمة من "إيزي رايدر"، وأسواق مزدهرة مليئة بالأغذية والملابس والثلاجات والغسالات والمستحضرات الصيدلانية، وغيرها الكثير. وبعض الناس يصبحون أثرياء على كلا جانبي حدود رفح.

      ولكن الأنفاق هي شريحة ضئيلة من الواقع. "لقد نفدت الكلمات التي يمكن أن نصف بها سوء الأحوال هنا،" كما يقول جون جينج، مدير العمليات بوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين في غزة. ويرأس جينج فريقا مكونا من عشرة آلاف معظمهم من العاملين الفلسطينيين الذين يديرون موارد المساعدة التي هي كل شيء يقف بين أغلبية السكان في غزة وبين العوز. "لدينا نسبة 80% باحثين عن عمل واقتصاد في مستوى الكفاف وبنية أساسية محطمة، إلخ، ولكن الأسوأ من الكارثة الإنسانية هو تدمير المجتمع المدني."

      ويكمن الشغل الشاغل لجينج في "الأطفال البالغ عددهم 750000 عرضة للتأثر ببيئة تتحرك فيها الأمور بسرعة في الاتجاه غير الصحيح، حيث الظلم كبير وكل يوم أسوأ من سابقه."

      هناك مشكلة كبيرة تتمثل في انعدام الأمن والعنف هنا، والأمر يسير إلى الأسوأ. ويظهر معظم البالغين مرونة في الصبر على البلوى ويتشبثون إلى الإيمان بالقيم التقليدية، ولكن هناك خطابا قاهرا من جانب المتطرفين يصبح أكثر صعوبة على مواجهته. ورفع الحصار فقط هو الذي من شأنه أن يغير الديناميكية.

      إن المجتمع الدولي الذي قبل "الحياة الطبيعية" ذات اقتصاد الأنفاق المهين في غزة يجلب علينا جميعا العار. يجب أن يكون إنهاء كارثة المياه في غزة هو أول خطوة من خطوات كسر الحصار.

    • أشباح الماضي تطارد أوباما



      اوليفيا هامبتون



      12/15/2009
      اوليفيا هامبتون

      عندما يعود الجنرال ستانلي ماكريستال والسفير الامريكي كارل إكينبيري، الى افغانستان، بعدما ينتهيان من "حفلة العذاب" فى الكابيتول هذا الأسبوع، سيواجهان فى أرض الحرب فرصة زمنية تتقلص كثيرا، مع آخر موعد ( للبدء فى سحب القوات الإضافية) يأتي بعد 18 شهرا فقط. وكان خفض مستشاري أوباما من قيمة قرار أوباما بانسحاب القوات المشروط، أسرع من احتفال أوباما بالقرار. فبعد يوم من خطاب أوباما حول زيادة أعداد القوات والذى ألقاه فى حضور الجنود الامريكان فى قاعدة ويست بوينت، والذين من المحتمل أن يتم إرسالهم الى افغانستان، أكد وزير الدفاع روبرت جيتس على أن الموعد المحدد لسحب القوات هو قرار من أجل دفع الهمم أكثر منه التزام راسخ من قبل امريكا، ,إنه بذلك يؤثر فقط على عدد محدود من القوات. واختلف عدد من كبار معاوني وزير الدفاع حول ما إذا كان الوزير قد حدد بالفعل استراتيجية للخروج.

      وكان القرار محاولة من الإدارة لتعزيز موقفها هى. فعلى الصعيد الداخلي، كان هذا القرار (قرار الانسحاب) معنيا به تطمين "الحمائم" القلقين من تصعيد العمليات فى واحدة من أطول الحروب الامريكية، من خلال وضع حد زمني. لكن أيضا كان معنيا به التوكيد على أن الموعد ليس ثابتا ، وهو رسالة موجهة "للصقور" المعارضين لوضع أي موعد ثابت لخروج القوات. وعلى الصعيد الدبلوماسي، كان القرار يعني طمأنة باكستان والتى تخشى من نفس نمط الخروج الامريكي من أفغانستان قبل عقدين. بالإضافة الى الضغط من خلال القرار هذا على حكومة حامد كرزاي الفاسدة لتحول اتجاهاتها. وربما يكون كرزاي متعطشا لإزاحة صورته كرئيس حرب من مخيلة الناس، رغم هذا، الكيفية التى سيفعل بها اوباما ذلك هى التى ستحدد. عموما، زيادة أعداد القوات فى أفغانستان محكومة بعدد من المتغيرات التى يمكن للإدارة الامريكية ان تؤثر فيها لكنها غير قادرة على السيطرة عليها. هى ايضا تعتمد بشدة على مسار الحرب فى العراق الذى هو أكثر استقرارا الآن، لكنه لا يزال محكوما بالصراعات العرقية، والزعزعة السياسية و الهجمات الانتحارية، مثل تلك الهجمة التى راح ضحيتها 127 فى بغداد قبل أسبوع.

      والشيء الواضح فى تلك الصورة المربكة هو أنه على الرغم من أن بعض القوات الامريكية ستغادر أفغانستان كما وعد أوباما بعد صيفين من الآن، ستبقى الطغمة الكبيرة ربما لسنوات قادمة. فقد حذر كرازي من ان أفغانستان قد تحتاج الى خمس سنوات على الأقل قبل أن تستطيع أن تتولى حماية نفسها بنفسها، وستحتاج من 10 الى 15 سنة قبل ان تكون قادرة على "صون" قواتها الأمنية دون مساعدة مالية أو اقتصادية أو تدريب من الشركاء الأجانب. ولو كان إرسال 30 ألفا من القوات الإضافية وقرابة 3 آلاف أخرى من قوات الدعم والمساندة هو من " صميم المصلحة القومية الضرورية" لامريكا، كما قال اوباما، هو من المحتمل ان يبقي على أكبر عدد ممكن من تلك القوات قدر ما يستطيع حتى يتمكن فعلا من هزيمة القاعدة وحلفاءها، الذين تتراكم وتتزايد قوتهم كحركة تمرد، ما يتسبب فى المزيد من هدر الدماء وهدر الموارد الآن أكبر من أي وقت مضى فى السنوات الثماني من الحرب.

      رغم هذا، اعترفت إدارة اوباما أنها لا تستطيع أن تضع محو الطالبان هدفا لها وفى نفس الوقت تأمل فى أن تغادر أفغانستان سريعا. ولاتزال الأهداف المحدودة أكثر – مثل عكس حركة التمرد واستقطاب العناصر المعتدلة ومساعدة الحكومة الافغانية- أهدافا طموحة. وهذا كله جعل إدارة اوباما تحارب مقارنة الوضع الحالي بأشباح حروب الماضي، والتى من بينها الاحتلال السوفييتي لأفغانستان فى الثمانينيات والحرب الامريكية فى فيتنام. لكن بعض المقارنات المزعجة لا يمكن تلاشيها، ومن بينها عدم التأكد من أن أفغانستان قادرة على تولي مسؤولية أمنها الخاص، ذي الحدود الملتهبة و تمويل الحرب. لقد سحقت فيتنام أجندة الرئيس ليندون جونسون المحلية،وبعدها سحقت رئاسته. وربما يمر أوباما، والذى يخوض معركة بالفعل ضد الديمقراطيين المتباطئين بخصوص الرعاية الصحية والتغير المناخي والإصلاح المالي، وملفات أخرى رئيسة، ربما يمر بنفس المصير.
    • ماذا يعني الرد الإسرائيلي السريع على البيان الأوروبي؟



      غازي السعدي



      12/15/2009
      عنوان رفيع غازي السعدي

      بعد يوم واحد فقط من اتخاذ الاتحاد الأوروبي قراره باعتبار أن القدس يجب أن تصبح عاصمة مستقبلية لدولتين "فلسطين وإسرائيل"، رغم الضغوط التي تعرض لها من قبل إسرائيل، وقوى الضغط الموالية لها، ورغم التعديل الذي ادخل على المشروع الأساسي المقدم من "السويد"، ورغم أن العالم لا يعترف بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وأن هذا القرار يعطيها نوعاً من الاعتراف إلى جانب الاعتراف بأن القدس أيضاً عاصمة للدولة الفلسطينية، بعد يوم واحد فقط ردت إسرائيل الغاضبة على القرار الأوروبي فوراً بتشريع من قبل الكنيست، لقانون غير قانوني وغير شرعي، يتعارض مع القانون الدولي، ومع قرارات الشرعية الدولية، ومع الاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل والفلسطينيين، وهذا التشريع يقضي ما بين إجراء استفتاء عام بين الإسرائيليين حول أي قرار حكومي للانسحاب من القدس أو هضبة الجولان، أو أن يحظى قرار قد تتخذه الحكومة بالانسحاب، بأغلبية (80) نائباً من أصل (120) عدد نواب الكنيست، هذا التشريع الذي حظي بتأييد (68) نائباً، ومعارضة (22) وامتناع نائب واحد عن التصويت، من أصل (91) نائباً حضروا جلسة الكنيست، جاء لتقييد قرارات الحكومة، أمام أية انسحابات مستقبلية، وإذا كان هذا التشريع لا يكفي، فقد جاء في اليوم الثالث من القرار الأوروبي باعتبار القدس عاصمة للدولتين، أن اتخذت الحكومة الإسرائيلية ما أسمته "بالخارطة الجديدة لمناطق التفضيل الوطني"، التي سيتم دعمها بالموازنات المالية، وبالعديد من المميزات لدعم (110) آلاف مستوطن، يستوطنون (110) مستوطنات خارج نطاق الكتل الاستيطانية، في الضفة الغربية المحتلة، مما يؤكد كذبة تجميد البناء في المستوطنات، فهذه الـ (110) مستوطنات المبعثرة في مناطق نائية، سبق وأعلنت إسرائيل عن تخليها عنها في إطار التسوية مع الفلسطينيين، فيعودون لإحيائها ورصد ملياري شيكل لها، لتعود إسرائيل إلى التوسع والتمسك بما تسميه بأرض إسرائيل التوراتية، وانتظار الفرصة المواتية لضمها لإسرائيل، لمنع إقامة دولة فلسطينية.

      إن القرارين الإسرائيليين آنفي الذكر، إضافة إلى قرارات وإجراءات سابقة، وما تمارسه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية وبخاصة في القدس، هي رسالة هذه المرة موجهة للأوروبيين، بأنه لا اعتبارات لقراراتهم عند إسرائيل، مما يضعها مرة أخرى خارجة عن القانون وعن الشرعية الدولية، وأن إسرائيل لا تعير أي اهتمام للقرار الأوروبي، بل أنها تؤكد من جديد، بأنها عدوة للسلام، وأنها والسلام نقيضان، بل أنها تعمل على إضاعة جميع فرص السلام، بل وتضع جميع العراقيل بصورة منهجية أمامه، ولنستشهد بما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتانياهو"، ضمن النقاش الإسرائيلي-الإسرائيلي الداخلي، حول قراره الكاذب بتجميد البناء الاستيطاني حيث قال: "لو كنت أعرف أن الفلسطينيين سيوافقون على قرار التجميد، ويوافقون على استئناف مفاوضات السلام، دون تجميد البناء في القدس، لما أقدمت على اتخاذ هذا القرار، ولو كنت أعرف أن الفلسطينيين سيوافقون على إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ويعترفون بيهودية إسرائيل، لما عرضت عليهم إقامة دولة فلسطينية، فالصورة والنوايا والإجراءات واضحة لا تحتاج إلى توضيح أكثر.

      لقد كانت "السويد" الدولة التي بادرت بطرح مشروعها على المجموعة الأوروبية التي تضم (27) دولة، لإقامة دولة فلسطينية على أراضي عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كحل لمشكلة مكانة القدس كعاصمة للدولتين، غير أن بعض الدول الأوروبية، بينها فرنسا وإيطاليا عارضتا الاقتراح السويدي، فحاولتا تخفيف الصيغة وتعديل الاقتراح "السويدي"، فطرحتا صيغة معدلة لا تتطرق علنا للقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية، بل طالبتا باستبداله بنص معدل على ضرورة العثور على وسيلة عبر المفاوضات لحل مشكلة مكانة القدس كعاصمة لدولتين، ويشمل التعديل إقامة دولة فلسطينية، تقوم على الأراضي الواقعة غربي نهر الأردن بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، دون الإشارة إلى أن الدولة الفلسطينية تقام في الأراضي المحتلة عام 1967، وذلك لهدف خبيث وهو ترك هامش لإجراء تعديلات حدودية لصالح إسرائيل، فماذا تعني الدعوة الفرنسية بأنه يجب التركيز حالياً على العودة إلى طاولة المفاوضات، وتوجيه جميع الجهود للاتحاد الأوروبي بهذا الاتجاه، وقول وزير الخارجية الإيطالي أنه لا يجوز اتخاذ قرار بشأن القدس من جانب واحد، أما ما تقوم به إسرائيل من جانب واحد فهم لا يتصدون له، وقول الناطق بلسان وزارة الخارجية الأمريكية، رداً على بيان الاتحاد الأوروبي، القائل بأن القدس عاصمة مستقبلية لإسرائيل ولدولة فلسطين، بأن هذه المسألة يجب أن تترك لمفاوضات الحل النهائي، التي ستعالج الموضوع بشكل أفضل، في إطار مفاوضات مباشرة بين الجانبين، فالولايات المتحدة فشلت في إلزام إسرائيل بتجميد شامل للبناء وبشكل كامل بما في ذلك القدس الشرقية، كما طالب بذلك الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، بل إن الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وغيرها هي التي تشجع إسرائيل على عدم احترام القرارات الدولية ولو كانت جادة وصادقة لكان عليها ربط مواقفها بتجميد شامل للبناء، ووقف هدم المنازل في القدس، وطرد المقدسيين من منازلهم وإحلال المستوطنين مكانهم، ومصادرة مواطنة المقدسيين، وتغيير معالم المدينة ووضعها الديمغرافي الذي تعمل إسرائيل من أجله علناً، وهو غير خاف عن هذه الدولة، فمواقفها تحملها مسؤولية تاريخية عن استمرار الصراعات والتوتر في هذه المنطقة، وبتشجيع إسرائيل في مراوغتها وخداعها وتهربها من استحقاقات السلام.

      لقد نشطت السفارات الإسرائيلية ودبلوماسيوها العاملون في الدول الأوروبية، ببذل كافة الجهود، من أجل إحباط المشروع السويدي، أو تعديله، لكي تكون صيغته النهائية مقبولة على إسرائيل، حتى أن الخارجية الأمريكية تدخلت لتعديل الصيغة، كما أن أعضاء من الكونجرس الأمريكي تدخلوا لدى الأوروبيين بحجة أن المشروع الأوروبي سيلحق أضراراً جسيمة بمسيرة السلام، وكأن هناك مسيرة سلام أصلاً، متهمين "السويد" بالتسرع، وبينما -وكما ذكرنا- التحرك الدبلوماسي الإسرائيلي ينشط بل وقد حضروا إلى مقر انعقاد الاجتماع، فإننا نتساءل ماذا عملت السفارات والدبلوماسيون العرب لتشجيع الأوروبيين على التمسك بمشروعهم الأساسي؟ فالبيان الأوروبي رغم التخفيف من حدته، يؤكد على رفضه للقرار الإسرائيلي بتوحيد القدس واعتبارها العاصمة الأزلية لإسرائيل، ويرفضون ضم القدس الشرقية لإسرائيل ويعتبرونها جزءاً من الدولة الفلسطينية العتيدة، ويرفضون الاعتراف بهذا الضم، كما يرفضون التغييرات التي تجري في القدس، والتغييرات التي طرأت بعد عام 1967 ككل، ومع ذلك فإن القرار له أهمية سياسية ومعنوية، وينضم إلى عشرات القرارات الدولية الأخرى، التي لا تبالي إسرائيل بها، ومع أنه يُسجل باحترام بالغ لموقف "السويد" التي دافعت وبقوة عن مشروعها حول القدس، إلى جانب دول أوروبية أخرى إلا أننا لا نفهم النفاق من بعض الدول الأوروبية، ومسايرتهم لإسرائيل، بدلاً من أن يكون العكس هو الصحيح، إذ أن نحو 70% من التصدير الإسرائيلي الخارجي، تستوعبه الأسواق الأوروبية، فالأوروبيون يتلقون الصفعة تلو الأخرى من إسرائيل، ويواصلون الرضوخ لها.

      وأخيراً .. أين اختفت اللجنة الرباعية، التي كانت على الدوام تطالب الفلسطينيين باحترام الاتفاقات دون مطالبتها إسرائيل؟ وأين طارت خارطة الطريق التي أخذت موافقة دولية؟ فإذا كان الأوروبيون، وحتى الأميركان، معنيين بقضية السلام، وحل الصراع العربي - الإسرائيلي، وبإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، عليهم أن يحملوا جميع قرارات الشرعية الدولية حول هذا الصراع إلى مجلس الأمن الدولي، لاستصدار قرار من مجلس الأمن، وفقاً للبند السابع، ودون ذلك فإنهم غير جادين في تحقيق السلام، وسنبقى نسير في دوامة مستمرة لا نهاية لها.
    • حديث عن الوطن



      زاهر بن حارث المحروقي



      12/15/2009
      زاهر بن حارث المحروقي

      " 1 "

      من الظواهر الإيجابية أن الكثير من الكتاب والمدونين وكثيرا من مواقع الحوار في شبكة الأنترنت وبعض الجمعيات الأهلية بدأت تهتم وتركز على قضايا الوطن وهموم المواطنين ويأتي في مقدمة ذلك ، الاهتمام بالوحدة الوطنية والقضاء على الفساد من السرقات والرشاوى والواسطات والمحسوبيات والتلاعب بالمال العام بهدف الوصول إلى وطن مثالي يحلم به كل مواطن شريف على هذه الأرض وهو حلم بالتأكيد مشروع أرى أنه من الواجب على الكل أن يعمل على تحقيقه كل في موقعه مع إعطاء الحرية لوسائل الإعلام لتناول الأخطاء ومحاربة الفساد دون المساس بوحدة الوطن أو التشهير لأن محاربة الفساد أولوية من أولويات جلالة السلطان المعظم كما أعلن ذلك في مجلس عمان ، فتناول قضايا الوطن والمواطنين عبر قنوات رسمية سيؤصل لقيم الحوار الرشيد والجدال الحميد الحكيم والشراكة المسؤولة والمتكافئة بين الطرفين في تبادل الأفكار والآمال والتطلعات كما أشار إلى ذلك الكاتب العماني والباحث في الشؤون السياسية سعيد بن سلطان الهاشمي الذي ركز على أهمية مساحة النقد الحر والموضوعي واتساع الصدور ورحابة القلوب ويقظة العقول للرأي الآخر المخالف لما تحبه مسامعنا والمفكك لما تخشاه مصالحنا ، ومن أجمل ما قرأت في هذا الشأن ما كتبه سعيد الهاشمي في ملحق ( ن ) الذي تصدره الشبيبة بالاشتراك مع الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في العدد الخامس عندما وصف الجهود المبذولة لتحقيق المواطنة الصالحة والعلاقة الصحية بين المسؤولين والمواطنين بأنه لا مفاضلة بين جهد هنا واجتهاد هناك في مجال توعية الناس بحقوقهم وتنمية ثقافتهم القانونية فالوطن يحتاج لجهد الجميع ولا فضل لأحد على أحد في ميدان العمل الوطني لا بوظيفة أرفع ولا بنَسب أقدم ولا بثروة أكبر ولا بسلطة أقوى .

      وكلام سعيد الهاشمي يجرنا إلى نقطة أخرى أراها جوهرية وأساسية وهي أنه يجب على المسؤولين أن يتحلوا بالوطنية الصادقة ويبتعدوا عن الأنانية والشخصانية ، فإذا انتقد مواطن مّا جهة حكومية أو جهازا حكوميا مّا فليس معنى ذلك أن المواطن ينتقد الوزير أو المسؤول على رأس ذلك الجهاز وبالتالي يتشنج المسؤول وكأن كرامته الشخصية قد أهينت ويعمل على التستر على المشكلة حتى لا تنتشر الفضيحة ، ثم إن الإنسان الواثق من نفسه دائما هو الذي يقبل النقد ويعمل على إصلاح العيب أو الخلل ، والعرب تقول ( صديقك من صدَقك لا من صدّقك ) لكن النفس البشرية بفطرتها تحب سماع المديح ولو كان كاذبا وتكره سماع النقد ولو كان صادقا وبناء ، ورحم الله من أهدى إليّ عيوبي.

      " 2 "

      لقد كان يدور همسا بين الناس وخاصة الأجانب ، بعض التجاوزات في بعض مؤسسات الدولة المختلفة وصارت نبرة الحديث ترتفع رويدا رويدا وصرنا نسمع ونقرأ عن الكثير من التجاوزات تركزت معظمها في أنه لا يمكن لأحد أن ينجز أي معاملة الآن إلا بإحدى الوسيلتين إما بالواسطة أو بالرشوة ، ووصل الأمر إلى البعض أن يتساءل في منتديات الحوار إذا كنا نحن المواطنين نسمع هذا الكلام فهل يعقل أن لا يصل إلى مسامع المسؤولين ؟ وفي حقيقة الأمر فإن السؤال منطقي وفي محله ، ومن هنا يحسب لمعالي الفريق مالك بن سليمان المعمري المفتش العام للشرطة والجمارك حين قال للزميل محمد بن علي البلوشي في جريدة الشبيبة يوم الأربعاء 9/12/2009 إنه لن يتهاون أمام أية تجاوزات قد تحدث في جهاز الشرطة فيما إذا ثبتت صحة أية ادعاءات قد تثار حول أداء بعض منتسبي الجهاز، وكشف معاليه عن تقديم عدد من الأفراد من جهاز الشرطة للقضاء بعد إدانتهم وصدور أحكام ضدهم وهذا شيء يثلج الصدر.

      إن الأجهزة الأمنية في أي مكان في العالم وخاصة الشرطة بحكم تعاملها مع المواطنين مباشرة إذا أصابها الفساد فهذا مؤشر خطير ينذر بشؤم وبمستقبل قاتم إذ إن الوطن سيكون مهددا من الداخل ، وأذكر أني شاهدت موقفا أنا وأحد الإخوة في إحدى دول المنطقة - لم يستسغه عقلي حتى الآن - حيث وقف مواطن آسيوي رافعا صوته مهددا ضابطا بلباسه العسكري وقال له لو لم تكن بلباسك الرسمي لضربتك فيما الضابط لم ينبس ببنت شفة ، فلما استفسرت عن الأمر من العالمين ببواطن الأمور قالوا لي إن الضابط لم يرد لأنه يأخذ الرشاوى من هؤلاء العمال ليغض الطرف عنهم في كثير من الأمور منها انتهاء الإقامة وبيع الخمور وغير ذلك من الأمور مما جعله بالتالي في موقف الأضعف ، لذا فإن معالي المفتش العام للشرطة والجمارك كان محقا عندما أكد على خطورة أي تجاوز من المنتسبين للشرطة وتداعياته بقوله : "هذا أمر خطير جدا ويتعلق بثقة المواطنين والمقيمين بهذا الجهاز ونحن عازمون على بتر كل عضو فاسد إذا كان ما قيل صحيحا" ، ومن شأن تصريح كهذا أن يزلزل قلوب من تسول له نفسه استغلال وظيفته وتشويه سمعة البلد من أجل حفنة بسيطة من الريالات ، ونتمنى أن تحذو بقية الوزارات والهيئات النهج نفسه .

      " 3 "

      إن المسألة لها جانب آخر فتصريح معالي المفتش العام للشرطة والجمارك جاء ردا سريعا على ما نشره الأخ عاصم الشيدي في جريدة عمان بتاريخ 7 /12 / 2009م تحت عنوان ( مخالفة حائرة بين ألوان ليست قزحية ) تحدث فيها عن أحد المواطنين الذي قال لعاصم إنه جدد سيارته وتخلص من مخالفاته التي زادت على ضعفي راتبه دون أن يدفع شيئا لأن أحدهم في جهاز الشرطة وزع المخالفات على أرقام سيارات مجهولة .

      إن الأخ عاصم الشيدي لم يؤكد الواقعة أو ينفها بل أكد أن محدثه إن كان صادقا فقد جدد سيارته ولم يدفع مخالفاته وانتهى الأمر، وبالتأكيد فإن عاصم لم يهدف من وراء نشر هذه القصة إلا الإصلاح ما استطاع وما توفيقه إلا بالله ، ومن هذا المنطلق بالذات أتمنى أن يعامل عاصم الشيدي وغيره من الكتاب أو الصحفيين أو الإعلاميين الذين يكتبون ما قد يظن بعض المسؤولين أنه تهجّم شخصي لأن مهمة ورسالة الإعلام هي إنارة الطريق وخدمة الوطن وإظهار الحق والحقيقة بل إن الإعلامي الحقيقي مطالب أن يكون حارسا للوطن حاله كحال أي شرطي أو جندي في الثغور وأن يكون مترجما لنهج جلالة السلطان المعظم في محاربة الفساد .

      وفي ظني أننا يجب أن نعمل على إقامة علاقة صحية بين المسؤولين والمواطنين وهذا شبه مفقود الآن وبدوره أدى بالبعض أن يسكت عن الكثير من التجاوزات - إن حدثت - خوفا من المحاسبة أو الجرجرة إلى مكاتب الادعاء العام والمحاكم مما جعل من المشكلة تكبر وتنتقل من طور السر والكتمان إلى الظهور والإعلان ، فما هو المطلوب ؟ مطلوب من المسؤولين أن يوسعوا صدورهم ويفتحوا قلوبهم لسماع المواطنين وأن يبتعدوا عن التلويح بالعصا الغليظة ، وبالمقابل مطلوب من المواطنين أن يكونوا صريحين مع المسؤولين وأن يتحلوا بالشجاعة نفسها التي تحلى بها معالي المفتش العام للشرطة والجمارك حين أعلن أنه سيقف بحزم ضد من تجاوز حده إذا ثبت أن ذلك صحيحا .

      كنت أتمنى - بل هناك غيري كثيرون – أن لا يتم تحويل عاصم الشيدي إلى الادعاء العام وأن يتم البحث في حقيقة الموضوع الذي كتبه بأساليب أخرى لأن الصحفي يجب أن يحمي مصادره أولا وثانيا لأن الصحفيين الآخرين سيغضون الطرف عن الأخطاء والتجاوزات مستقبلا وفي هذا فرصة أن تنمو وتزداد وتكبر ، وبالتأكيد فإن عاصم أراد خيرا وهو الذي قال عن القصة ( لا أستطيع أن أتيقن إن كانت حدثت أم لا لكني أستطيع أن أرسم مشهدا في خيالي لذلك الذي سيدفع قيمة مخالفة لا ذنب له إلا أنه صدق الجهاز ولم يبرئ نفسه من الخطأ وتجاوز السرعة ، ولا نشك أن الأجهزة المعنية لديها صورة ذهنية عن مثل هذه الخروقات التي قد تحدث نتيجة الاستغلال السلبي للأمانة والتي ربما لم تكن ظاهرة على المشهد نتيجة محدوديتها لكن تداولها على نطاقات أكبر أظهرها وأخرجها للتداول الجمعي ).

      " 4 "

      إننا بحاجة إلى تأهيل المواطنين خاصة الجيل الجديد وإننا بحاجة إلى تربية وطنية تزرع مبادئ الإخلاص والوفاء والأمانة وتعوّد هذا الجيل على البذل والعطاء لا على الأخذ فقط لأن من يفقد كل شيء يحصله بسهولة سيلجأ إلى أي أسلوب في سبيل الكسب حتى عن طريق الحرام ، والحديث عن الوطن لا تكفيه مقالة واحدة ولكني أرى أن هناك من كتب ولخّص ما يدور في فكري بل وفي بال الكثيرين من الغيورين والحريصين على سمعة ووحدة الوطن حيث كتبت منى بنت سالم جعبوب وهي كاتبة وباحثة تربوية كتبت في ملحق ( ن ) العدد الخامس بجريدة الشبيبة تقول :

      ( شئنا أم أبينا فإننا نمر بأزمة حقيقية قد يدركها بعضنا وقد يحتاج بعضنا سنينا وشهورا وربما تمزقا وويلات حتى يدركها ، ونحن التربويون إدراكنا لها ممزوج بتأنيب الضمير فالمسألة مرتبطة بدور التربية ووظيفتها الحقيقية فالأزمة هي أن روح المواطنة لدينا ليست جلية .. روح المواطنة والتي تعني أن تحب الوطن ليس لأنك تعيش فيه وتعمل فيه وتدرس وتأكل وتشرب بل لأنه الوطن وأن تجعل هذا الحب فوق مصلحتك ومصلحة جماعتك الشخصية أي أن يكون حبك للوطن فوق حبك للجماعة والمنصب ولذاتك وأن يكون الوطن فوق الجميع في عالم الماديات الضاجة بالصخب ، فعلا نحن نرتكب جريمة عندما نختصر الوطن في منطقة أو في مذهب أو قبيلة أو مصلحة ذاتية لأن جميعها – رغم أهميتها – لا تصل بنا للمعنى الحقيقي للوطنية ، إن علينا أن نعمل وبشكل منتظم ومدروس على تربية روح المواطنة من خلال دروس التاريخ ومؤسسات المجتمع المدني )

      أما طيبة المعولية فإنها تتناول الوطنية من زاوية أخرى حيث تقول في الملحق نفسه ( إن الكثيرين من أعضاء الحكومة لا يقبلون بأي نقد لأدائهم وأداء مؤسساتهم التي يرأسونها ويعتبرون ذلك انتقاصا من شخوصهم ، ولقد أثبتت تجربتي للأسف صحة وجهة نظري في إبداء الرأي والدفاع عن مبدأ يؤمن به الفرد ونقد بعض موظفي الدولة أو المسؤولين بمثابة الجرم الذي يحاسب عليه مرتكبه وإن كانت قد ظهرت بوادر لتغيير هذا المفهوم بعدما دفعنا ثمن انتقادنا وآرائنا).
    • الاحتباس الحراري وضع الأرض على صفيح ساخن



      ناصر اليحمدي



      12/16/2009
      ناصر اليحمدي :

      اجتمع نحو 35 ألف شخص من 192 دولة في مدينة كوبنهاجن الدنماركية في مؤتمر دولي تعقده الأمم المتحدة كفرصة أخيرة لإنقاذ كوكب الأرض والاتفاق على طريقة مثلى لمكافحة التغير المناخي الخطير الذي يهدد الكوكب .. ويحدونا أمل عظيم في أن يسفر المؤتمر عن التزامات وتعهدات تطبق لإنقاذ الأرض قبل فوات الأوان.

      لقد خلق الله سبحانه وتعالى كوكب الأرض ووضع فيه من المعطيات المناسبة التي تجعله صالحا لسكن الإنسان من هواء وماء ودرجة حرارة وتربة صالحة للزراعة وغيرها من قوى الطبيعة التي حبانا الله بها وسخرها لخدمة البشر .. كما أمر الإنسان أن يحقق الإعمار الذي استخلف من أجله في هذه الأرض لذلك يجب الحفاظ عليها والعودة للبيئة النقية التي خلقها الله وأن نعلم أولادنا قيمة المحافظة عليها حتى نضمن لهم الصحة الجيدة والسعادة .

      ثم بدأ الإنسان يصنع الأدوات التي تسهل له سبيل العيش ومع ظهور الثورة الصناعية انقلبت الأحوال وتطورت حياة الإنسان بشكل سريع وأصبحت حافلة بالآلات التي وفرت الكثير من الجهد ولكنها للأسف أدت إلى اختلال نظام الكوكب خاصة بعد استخدام الوقود الأحفوري وإزالة الغابات التي تعتبر رئة الأرض فاختلفت نسب الغازات الموجودة بالجو وازدادت نسبة ثاني أكسيد الكربون وظهر ما يعرف "بالاحتباس الحراري" و"ثقب الأوزون" وغيرها من المشاكل التي يعاني منها غلافنا الجوي وازدادت نسبة ضوء الشمس الساقط على الأرض التي كان ينعكس منها جزء كبير للفضاء الخارجي مرة أخرى وتسبب ذلك في انصهار الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي ووقوع كوارث لم تحدث من قبل والبقية تأتي لو لم نقف يدا واحدة ونسعى لإنقاذ الأرض مما تعانيه من خلل.

      لاشك أن تحدي تغير المناخ هو تحد عالمي ولا يعني أناسا أو دولا بعينها فالغلاف الجوي يحيط بالأرض جميعا وبالتالي فإن حلول المشكلة تتطلب جهدا عالميا جماعيا لأنه كما للدول المتقدمة دور في حل هذه المعضلة كذلك للدول النامية دورها في خفض انبعاثاتها .. والحلول يجب أن تكون ملائمة للجميع ومرنة بحيث تتواءم مع التكنولوجيا المتغيرة لاسيما وأن النشاطات البشرية هي التي تسبب في حدوث هذه المشكلة وسياسة تجاهل الأمر برمته التي تنتهجها الدول الصناعية الكبرى سوف تأتي على الأرض جميعها بالخراب والدمار.

      إن تغير المناخ يهدد أهداف التنمية لمليارات البشر بل يعد واحدا من أخطر التهديدات التي قد تواجهها الإنسانية على الإطلاق فتغير المناخ له تأثير سلبي على كافة مناحي الحياة بدأ بالظهور على أرض الواقع فإلى جانب حدوث الفيضانات والعواصف وارتفاع منسوب البحار فإنه يسبب كذلك شح المياه وجفاف الأنهار وتلوث مياه الشرب وفساد الأغذية أو حدوث المجاعات إلى جانب انتشار الأوبئة وتدهور صحة الإنسان والحيوان واختلال التنوع البيولوجي الذي لن يتحمل تأثيرات المناخ الجديد بالإضافة لدمار البنية التحتية للدول والسياحة.

      في رأيي أن قضية تغير المناخ العالمي أخطر من قضية الإرهاب أو الأزمة المالية لأن الكوارث الناجمة عنها قد تحصد دولا كاملة بشعبها وأرضها وخيراتها .. ولقد عقدت من قبل عشرات المؤتمرات الدولية وللأسف لم يتم التوصل لنتائج حاسمة ونرجو أن تستطيع في مؤتمر كوبنهاجن أن تتوصل لأرضية مشتركة تتفق عليها جميع الدول لأن المسؤولية مشتركة والحلول أصبحت معروفة لدى الجميع ولكن ما يلزمنا هو الوضوح في الطرح والعمل على إزالة العقبات التي تقف في طريق تحقيقها .. فالمخططات التفصيلية للإنقاذ متوافرة .. والنفقات المطلوبة لتعديل التقنيات المستخدمة في المصانع التي تخرج ثاني أكسيد الكربون متوافرة وأقل مما تم صرفه لمنع انهيار المراكز المالية الكبرى .. والبديل النظيف للطاقة – الطاقة الشمسية – متوافر .. إذن فالحلول موجودة ولكن المشكلة في الالتزام بتنفيذها .. فلماذا لا تلتزم كل دولة بما عليها من واجب من أجل إنقاذ الأرض من احتضارها ؟

      لا شك أن الاهتمام بالبيئة يشكل جانبا مهما من جوانب التنمية فالحفاظ عليها لم يعد رفاهية أو ترفا بل أصبح ضرورة ملحة نظرا لصلتها المباشرة بالإنسان وعلاقتها بمستقبل الأجيال القادمة وحقها في الثروات الطبيعية كذلك لمواجهة الكوارث الطبيعية بكل أنواعها وأشكالها .. فتوفير بيئة صحية في ظل الظروف والمتغيرات المناخية القادمة سوف تنعكس على كل الموارد الاقتصادية الأخرى وبدون بيئة سليمة تكافح التلوث بكل صوره وتحد من أخطاره التي تكبد أية دولة خسائر فادحة لن تكون هناك نهضة حقيقية أو تقدم.

      يجب على الدول الصناعية الكبرى أن تسعى من أجل مكافحة ارتفاع حرارة الأرض والعمل على خفض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري حتى ولو كان ذلك من شأنه إلحاق بعض الأضرار بالاقتصاد والصناعة ففي ذلك حماية لسكان الأرض جميعا والمحافظة على البيئة التي وهبها الله للإنسان لكي يعمرها ويحميها لا أن يدمرها ويلوثها. لقد سمحنا لكل أشكال التلوث أن تنال من صحتنا واقتصادنا لذا يجب علينا بعد الآن ألا نغمض أعيننا عن هذه المشكلة حتى لا تزداد تفاقما وألا نكتفي بالحلول الوقتية حتى لا نندم بعد فوات الأوان في وقت لا ينفع فيه البكاء على اللبن المسكوب.

      * * *

      تبرير الحرب من معقل السلام

      أقل ما يقال عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه خطيب مفوه من الدرجة الأولى .. فهو يسحر مستمعيه بكلامه المعسول الذي يمكن أن يوصف بأنه ضجيج بلا طحن حيث إن وعوده التي يطلقها أثناء خطبه لا يخرج منها سوى بالأمل ولا يتحقق منها شيء.

      والخطاب الذي ألقاه أثناء تسلمه لجائزة نوبل جاء متناقضا مع المناسبة فبينما هو يتسلم جائزة للسلام فإنه في نفس الوقت يسوق المبررات لخوض الحرب التي يشنها على أفغانستان وإرساله للمزيد من القوات الإضافية هناك كما أن قواته ما تزال رابضة على صدر الشعب العراقي المحتل.

      لقد اعترف أوباما أنه "لا يستحق الجائزة لأنه لم يحقق الكثير من المكاسب لصالح السلام في ظل مواجهته تحديات الحرب في أفغانستان والعراق والمواجهة النووية مع كل من إيران وكوريا الشمالية إضافة إلى معضلة التغير المناخي" فإذا كان هذا رأي أوباما نفسه فعلى أي أساس تم منحه الجائزة الدولية السامية ؟.. هل يتم منحها لمجرد النوايا الحسنة والوعود الفضفاضة أم من المفترض أنها تمنح لإنجازات تحققت على أرض الواقع ؟

      الغريب أن أوباما وصف حرب بلاده في أفغانستان "بالعادلة" فأي عدل هذا الذي يتسبب في مقتل الأبرياء وتشريدهم وترويع الآمنين والذي يتحدث عنه الرئيس الأمريكي ؟.. فما أشبه اليوم بالبارحة .. إن دفاع أوباما عن حربه في أفغانستان ذكرنا بغير المأسوف عليه سلفه بوش الذي كان يتخذ من الحروب الاستباقية وسيلة لتحقيق السلام وأن استخدام القوة العسكرية له ما يبرره إنسانيا وأخلاقيا !!.

      كما أن تحقيق السلام المنشود الذي يتشدق به أوباما منذ أن وطأت قدماه سدة الحكم في البيت الأبيض يتطلب جهودا أكبر مما يتخيلها هو نفسه .. لاسيما الخاص بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي فرغم دعواته المتكررة للوصول لاتفاق مبدئي على السلام بين الطرفين وإيقاف المستوطنات وإنهاء حصار غزة والدخول في مفاوضات بين الجانبين إلا أن الطرف الإسرائيلي يتجاهل كل هذه الدعوات وأصبح أكثر تشددا وتعنتا بطريقة ربما لم يتوقعها الرئيس الأمريكي.

      جميعنا يعلم أن القرار في أمريكا مؤسسي وليس فرديا وأن أوباما لا يستطيع أن يحقق فكره بمفرده دون دعم من الكونجرس وسواء جاء أوباما أو أي شخص آخر فإن السياسة واحدة لا تتغير مادامت نفس الأيدي الخفية التي تديرها موجودة.. لكن مادام لا يستطيع أوباما أن يحقق ما يقوله فخيرا له أن يصمت ولا يعطينا آمالا زائفة ويجعلنا نعيش بالأوهام. إن الوجه الحقيقي لأوباما يتكشف شيئا فشيئا ورداء السلام الذي كان يرتديه بدأ ينخلع عنه ليظهر لنا الوجه المخفي الذي لا يختلف كثيرا عن سلفه بوش .. فالوعود التي أطلقها في خطابه من القاهرة وحبه للعالم الإسلامي ودفاعه عنه لم يعد يذكر منها شيئا الآن وكل ما يهمه كيف ينتصر في حرب مبهمة المعالم والنهاية والتي ينفق عليها ببذخ دون حدوث أي تقدم ليصبح كمن يحارب طواحين الهواء أو يجري خلف سراب.. فالشعب الأفغاني لا حول له ولا قوة ولا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يهدد الشعب الأمريكي بشيء وكل ما به من فساد ودمار يرجع السبب الرئيسي فيه للقوات الأمريكية وتدخلاتها السافرة في شؤونه.

      حان الوقت لكي يثبت أوباما أنه يستحق الجائزة التي نالها ويحقق نتائج إيجابية نحو تفعيل سلام شامل وعادل وينهي الحربين اللتين تخوضهما قواته في العراق وأفغانستان ويعمل على إيجاد حلول عادلة في قضية الشرق الأوسط حتى لا تصبح وعوده كفقاعات الصابون التي تنفجر عند ملامستها لأقل سطح وينال ساعتها جائزة أكبر مخادع في التاريخ.

      * * *

      من فيض الخاطر

      لاشك أن بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء أعظم المباني .. لأنه يراعى في هذا البناء خصائص الإنسان وقدراته وإمكاناته الجسدية والنفسية والفعلية بحيث لا تكون برامج توجيهه فوق مستوى الطاقة أو القدرة أو دونها فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها.

      لكي يؤدي الإنسان مهمة استخلافه على الوجه الأكمل لابد أن يتحقق توازن بين رغباته الروحية ونزعته العقلية .. وعواطفه وغرائزه تتوازن مع اهتماماته وتوجيهاته الدنيوية بحيث تتصالح هذه التوجيهات والاهتمامات ولا تتصادم أو تتحارب. إن في مراعاة القدرة والاستطاعة صيانة لطاقة الإنسان وحفاظا لها حتى لا تتبدد في دروب لا نفع فيها ولا ثمرة مرجوة منها كما أنها تجنب سوء التقدير وتساعد على استمرارية البناء والعطاء الجيد فيتواصل الماضي بالحاضر والمستقبل وتتفجر طاقة الإنسان مبدعة خلاقة.

      * * *

      آخر كلام

      أفضل تدريب للقلب أن تنحني لترفع الآخرين.
    • كوبنهاجن: كلنا في قارب واحد



      كوفى أنان



      12/16/2009
      كوفى أنان :

      الانحباس الحراري لا يعرف الحدود الجغرافية، لذا مطلوب أن يحدث تغيير في الذهنية، لو أن قادة العالم بالفعل يريدون أن ينقذونا من أنفسنا. ولو أن مؤتمر التغير المناخي هذا، المنعقد في كوبنهاجن يحمل في طياته امكانية الوصول الى اتفاقية سياسية صلبة، يدعمها قادة العالم، وتشهد عليها شعوبه، فهذا من شأنه أن يضع أهدافا واضحة وخطا زمنيا لترجمة ذلك الى قانون. فنحن في مركب واحد ، وثقب في احد اطرافه يعنى غرقنا جميعا.

      ولتكون تلك الاتفاقية إنجازا تاريخيا بالفعل، عليها أن تقوم بشيئين. أولا، عليها أن تضع الأسس لنظام عالمي واتفاقيات تابعة له للحد من ارتفاع درجات الحرارة الذي ثبت بالبرهان العلمي. ثانيا، على هذه الاتفاقية أن توفر الوضوح التام فيما يتعلق بحجم الموارد المالية لدعم الدول النامية في التوائم مع التغيرات المناخية. والجوائز ( في حال النجاح) كثيرة. فالنمو الاقتصادي يتحقق بكلفة بيئية واجتماعية أعلى، متسببا في عدم العدالة وتعريض البشر للخطر. التلف غير القابل لعكس مساره والواقع على النظم البيئية بما يؤثر سلبا عليها وعلى الإنتاجية الزراعية ونظم الغابات والمياه، يتسارع. والمخاطر التي تهدد الصحة والحياة والقدرة على البقاء تنمو. والكوارث أيضا تزداد في الحجم والتردد. لكن على الرغم من تراكم الأدلة على الآثار السلبية للتغير المناخي، لن يكون الوصول إلى اتفاقية مناخية بالأمر السهل. ستستلزم الاتفاقية شجاعة سياسية غير عادية - للوصول إلى الاتفاقية ولتوصيل أهميتها إلى الرأي العام.

      والتغير في الذهنية أمر ضروري. فعدم الثقة والتنافسية بين دول الأقاليم والدول، لا ينتج عنها سوى "لا" ، و" أظهر أوراقك أنت أولا"، وهذا ما قوض كل المفاوضات بشأن المناخ قبل هذا المؤتمر. علينا أن نتغلب على هذا. والاتفاقية التي لا تقوم على أفضل دليل علمي ليست أكثر من خط في الرمال وقت المد. لكن الاعتبارات القصيرة المدى، والتي من بينها تلك من منظور جماعات المصالح الخاصة، تعمل ضد الحلول طويلة المدى. وسيستلزم النجاح في الوصول إلى اتفاقية من القادة أن يفكروا في الأجيال القادمة في المستقبل، وفي المواطنين أكثر من تفكيرهم في أنفسهم. سيستلزم الأمر منهم التفكير في اتفاقيات وترتيبات شاملة ، وليس اتفاقية مهلهلة تحتوي على نتف من مصالح هذه الدول أو تلك.والاتفاقية التي لا توقف الخطب والكلام والبلاغة ولا تلبي بالفعل احتياجات الدول الأكثر فقرا والدول الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية، هي ببساطة لن تنجح. فالمناخ لا يمكن إصلاحه في قارة وتركه في قارة أخرى. فالتغير المناخي لا يعترف بالحدود الجغرافية القومية. وكلنا في نفس القارب، ولو هناك ثقب في طرف منه سنغرق جميعا. ولكي تنجح الاتفاقية المناخية يجب أن تحتل العدالة المناخية منها موقع القلب. فأي اتفاقية غير عادلة لن تنجح.

      والعثور على المصادر الإضافية الكافية وتوصيل أهميتها (للحاضرين) لن يكون أمرا سهلا، خاصة في الظروف الاقتصادية الراهنة، لكنه أمر واجب فعله. فالوصول إلى اتفاقية ناجحة لن يساعد فقط في التحفيز على الاستثمار في الغابات والاستخدام المستديم للأراضي الزراعية، بل أيضا سيحفز الاستثمارات الضخمة في النمو بكربون أقل وكوكب صحي في مجالات مثل توليد الطاقة والتشييد والبناء والمواصلات. بل يمكن لهذه الاتفاقية أن تكون بداية لعهد جديد من التعاون العالمي القائم على المسؤوليات المشتركة- ليس فقط من أجل السيطرة على التغير المناخي، بل من أجل التنمية البشرية والعدالة الاجتماعية والأمن العالمي. ويمكننا القول دون مبالغة أن ميراث ساسة اليوم مرهون بما سيتمخض عنه مؤتمر كوبنهاجن.
    • البيئة وأثرها على الفرد والمجتمع (2من2)



      تـركيـة الـبـوسعـيـــدية



      12/16/2009
      تـركيـة الـبـوسعـيـــدية :

      أما في المجال الزراعي فيمكننا أن نلمس تأثير تلوث البيئة في تلوث المحاصيل الزراعية وكذلك بالنسبة لتلوث الأسماك والتي تعد مصدرا غذائيا أساسيا في البلدان الأخرى ويستوجب ذلك المراعاة في استخدام المبيدات التي لا تؤثر في المجالات المذكورة إضافة إلى العمل على الحد من تلوث الشواطئ والبيئة البحرية .

      أما في المجال الصناعي فإن التنسيق بين الجهات المعنية يؤدي إلى تشييد المصانع في المواقع البعيدة عن المناطق السكنية بالإضافة إلى وضع معايير لاستخدام المواد الكيميائية في الصناعة .

      أما في مجال الإسكان فإن هناك التزاما ملحوظا في اختيار المناطق السكنية الجديدة التي تتوافر لها الظروف الصحية الملائمة بالتنسيق مع البلديات لتوفير كافة المرافق الصحية اللازمة من مياه نظيفة وشبكات مجار وغيرها... ويتمثل دور البيئة في اختيار الطرق الصحية المناسبة للتخلص من الفضلات الصلبة والقمامة التجارية والصناعية بشكل يحول دون الإضرار بالصحة العامة أو بالبيئة الطبيعية المتميزة بالسلطنة ، ومن المهام الملقاة على عاتق الوزارة الاضطلاع بجميع الاستقصاءات والاستبيانات التي يجب أن تسبق تحديد المعايير الوطنية للملوثات الرئيسية .

      3) المحافظة على الثروات البحرية.

      قال تعالى: ( وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) صدق الله العظيم إن البحر له أهمية عظمى للكائنات الحية ومع التقدم الحضاري الذي تشهده الدول وارتفاع معدلات التعداد السكاني وقد كان البحر دائما وابدأ مستودعا غذائيا للبشرية بما يدخره في داخله من موارد سمكية وحيوانية وطحالب تتعاظم قيمتها للإنسانية ... وأيضا البحر هو شريان خطير في نظام المواصلات الدولية وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول .. وهكذا نجد أن البحر في كوامنه الكثير من الحلول لمشاكل البشر الغذائية والاقتصادية مما يتطلب المحافظة على هذا المصدر الثمين ومع تقدم التكنولوجيا العصرية أصبح الإنسان لا يعي ما يفعله فعم الفساد في البر والبحر وأصبح التلوث يشكل خطرا على البيئة البحرية .

      والحمد الله أن عماننا الحبيبة تمتلك الشواطئ الجميلة وهي غنية بالمواد الغذائية وكلنا يعرف ان شواطئنا نظيفة إلى حد ما ولكن حتى نحافظ عليها أكثر ونقيها من شرور الملوثات ونحافظ على ما تمتلكه من ثروات غنية ... لا بد أن نعرف المسببات لتلوث البحار وما يمكن أن يخلفه هذا التلوث لثروتنا البحرية ؟ وما يجب أن نعمله حتى نحافظ عليها.. من ضمن هذه الملوثات :

      1- إذا اصطدمت سفينة بسفينة أخرى في البحر فلا بد أن يتسرب الوقود من تلك السفينتين مما يؤدي إلى تسمم الملايين من الأسماك .

      2- الأنابيب البترولية الموجودة في قاع البحر فعندما تحتك سفينة ثقيلة بهذه الأنابيب يؤدي إلى تسرب البترول من هذه الأنابيب .

      3- أيضا في البحر هناك شجيرات تسمى القرم تنمو جذورها في قاع البحر بينما سيقانها وجذوعها ترتفع في الهواء وحول هذه الشجيرات يوجد الروبيان وبعض القواقع البحرية فمعنى هذا أن تسرب أي غاز إليها يؤدي إلى اقتلاعها .

      4- المياه الساخنة تؤدي إلى معدل التفاعلات الكيميائية في الخلايا النباتية والحيوانية .

      5- الزيادة في الطحالب يحدث الضرر في الثروة السمكية وأيضا يؤدي إلى صعوبة توفير مياه الشرب .

      6- المياه العادمة من الاستعمال المنزلي .

      7- المياه العادمة من المنشآت الصناعية .

      8- أيضا النشاط الزراعي يؤدي إلى تلوث البر والبحر .

      9- مادة د.دت عند رشها في المنازل أو المزارع يؤدي إلى العقم عند النساء .

      10- الأملاح العادمة من الاستعمالات المنزلية أو رش الشوارع بالأملاح لإذابة الثلوج وبالتالي فإن هذه الأملاح تتدفق إلى مياه البحر ومن ثم تسبب التلوث البحري .

      11- وسائل النقل البحري عن طريق الزيوت المستخدمة في الشاحنات.

      بقي أن نقول أن السلطنة تمنح جائزة دولية باسم ( جائزة السلطان قابوس لحماية البيئة ) تمنح كل سنتين للأفراد أو المعاهد أو المنظمات التي تعمل في مجال البحوث الخاصة بالبيئة والموارد الطبيعية.

      أيضا انضمت السلطنة عام 2007م إلى اتفاقية الاتجار الدولي في أنواع الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض، وصدر بذلك مرسوم سلطاني رقم (117/2007) الصادر في 19نوفمبر2007م.

      أيضا لا ننسى أن السلطنة توجد بها (15) محمية طبيعية.

      نجد أن صاحب الجلالة حريص كل الحرص على المحافظة على البيئة ويؤكد دائما المحافظة عليها وهذا ما جاء في خطاب صاحب الجلالة بمناسبة المؤتمر العالمي للبيئة و التنمية 3 يوليو 1992م حيث قال جلالته: وكعالم يعيش معا ، على كوكبنا الأرضي هذا ، قد أهملنا كثيرا مسألة المحافظة على البيئة ، وموارد الطبيعة بغياب التنسيق الجماعي ، بل ذهبنا في الاتجاه المعاكس في تسابق عجيب بحثا عن الرفاهية والتقدم الصناعي ، دون مراعاة للتوازن المفترض بين البيئة ودون احتساب للآثار الوخيمة ، لهذا التقدم الصناعي ، على غلافنا الجوي وطبقات الأوزون ومياه الأنهار والبحار ، وانقراض الحياة والغابات وتلوث التربة الخصبة ، وإذا ما استمر الحال على هذا النحو فإن البشرية قد تشهد نوعا من الانتحار الجماعي ... أيها المؤتمرون ..

      إن الحفاظ على البيئة مسؤولية جماعية لا تحدها الحدود والسياسة للدول ، ثبت ذلك غير مرة ، وعليه فإن على الإنسان أينما كان أن يساهم في الحفاظ على البيئة وأن يتصالح معها ، وأن يتعامل معها بعقلانية وأن ينتبه للمسببات الكثيرة للتلوث سواء طبيعية وبيولوجية أو صناعية وكيميائية وفيزيائية ، وعلى كثير من الشعوب أن تحد من التكاثر العشوائي وتحافظ على ما تبقى لها من مراع ومياه .
    • نحن نمر بحالة طوارئ حقيقية



      ميخائيل جورباتشوف



      12/16/2009
      ميخائيل جورباتشوف :

      في الوقت الذي يمضي فيه اجتماع القمة حول تغير المناخ في كوبنهاجن قدما، من الواضح بشكل متزايد أنه ليست البيئة فقط هي التي في خطر. إن الأزمة البيئية العالمية تقع بشكل عملي في قلب كل المشكلات التي نواجهها الآن، بما في ذلك الحاجة إلى إقامة نموذج اقتصادي عالمي يركز على الصالح العام.

      وترتبط الأزمة البيئية العالمية بشكل مباشر بالقضايا الأمنية وبالصراعات العرقية والدولية التي تتزايد خطورتها يوما بعد يوم؛ وبالهجرات الجماعية وتشرد السكان، الأمر الذي يزعزع استقرار السياسة والاقتصاد؛ وبالفقر والتفاوت الاجتماعي المتنامي؛ وبأزمة المياه ونقص موارد الطاقة والغذاء.

      لم تعد الحجج والذرائع التي يتم تقديمها لعدم اتخاذ خطوة فيما يتعلق بالبيئة، والتأكيدات على أن هناك قضايا أهم، لم تعد ببساطة أمرا ذا مصداقية. ولو فشلنا في هذه القضية، فسوف نفشل في كل القضايا الأخرى.

      يجب أن يكون إنقاذ كوكبنا هو مهمة تشترك فيها كل الحكومات والمجتمعات العلمية ومجتمعات الأعمال والمجتمع المدني. فهناك دور لكل من له مصلحة في هذه القضية النبيلة يجب أن يلعبه. غير أن عبء المسؤولية الأساسي يقع على عاتق الحكومات ومؤسساتها.

      تستطيع الحكومات وضع معايير ومبادئ ثابتة تكون ضرورية لا غنى عنها لمواجهة التغير المناخي. والدولة فقط هي القادرة على تعبئة الموارد والمحفزات لتنفيذ أحدث التكنولوجيات. والدولة فقط هي التي تستطيع مساعدة من هم أكثر عرضة لآثار التغير المناخي.

      يجتمع ممثلو الحكومات في كوبنهاجن من أجل فتح مرحلة جديدة في التعاون الدولي حول التغير المناخي. وما إذا كانت هذه البداية قوية ومقنعة أو ضعيفة ومحبطة، فذلك أمر يرجع إليهم.

      إن البحث العلمي الأخير حول التغير المناخي مقلق للغاية. نحن نمر بحالة طوارئ حقيقية. ولكن الفجوة بين العلم والسياسة مازالت في اتساع، كما هو حال الفجوة بين المفاوضات ومدى إلحاح هذه القضية.

      يقرر العلم أن زيادة درجة الحرارة عالميا يجب أن يقتصر على درجة أو درجتين مئويتين. وكان قادة العالم قد صادقوا على هذه الفكرة في اجتماع قمة مجموعة الثماني في إيطاليا في شهر يوليو الماضي. وحتى مع هذا الحد، من المحتمل حدوث دمار كبير، يشمل اختفاء الشعاب المرجانية في العالم.

      ولكن التسويات السياسية التي تم الاتفاق عليها بين المتفاوضين المشاركين في محادثات كوبنهاجن تضمن بشكل افتراضي زيادة في درجة الحرراة بمقدار أربع درجات مئوية وهي درجة في نطاق المخاطرة بكارثة.

      لماذا يحدث هذا؟ لعدة أسباب، منها جمود النموذج الاقتصادي القائم، ذلك النموذج القائم على أساس الأرباح الباهظة والاستهلاك المفرط؛ وفشل القادة السياسيين والتجاريين في التفكير في المدى البعيد؛ والقلق من أن تقليل انبعاثات الكربون سوف يعيق النمو الاقتصادي. وهؤلاء الذين لا يريدون حدوث أي تغيير يستغلون هذا القلق.

      وكما أوضحت الأزمة المالية العالمية بما لا يدع مجالا للغموض، فإن الجهود الرامية لجعل العالم قابلا للبقاء لأجيال الحاضر والمستقبل لا تضعف الاقتصاد. ولكن المتهم هو شيء مختلف تماما: المنهج المتهور الذي يهدف إلى الربح بأي ثمن، والإيمان الأعمى بـ "يد السوق الخفية" والتقاعس الحكومي.

      ما نحتاجه هو البحث عن محركات جديدة للنمو ومحفزات للتنمية الاقتصادية. والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون قليل النفايات سوف يؤدي إلى قيام صناعات وتكنولوجيات ووظائف خضراء جديدة متنوعة. والاقتصاد منخفض الكربون هو فقط جزء من نموذج اقتصادي جديد، وهو نموذج يحتاجه العالم حاجته إلى الهواء الذي نتنفسه.

      إن التغيرات المفاجئة التي حدثت للنموذج الاقتصادي الذي ساد على مدى نصف قرن هي تغيرات ليست واقعية. والانتقال إلى نموذج جديد يتطلب تحولا في القيم. يجب أن يتم إعادة توجيه الاقتصاد العالمي نحو المصلحة العامة. ويجب أن يركز على قضايا مثل البيئة المستدامة والرعاية الصحية والتعليم والثقافة وتكافؤ الفرص والتماسك الاجتماعي بما في ذلك تقليص الفجوات الصارخة بين الأغنياء والفقراء.

      إن المجتمع بحاجة إلى ذلك، وليس فقط كإلزام أخلاقي. إن الكفاءة الاقتصادية التي تركز على الصالح العام كبيرة، حتى إن لم يكن الاقتصاديون قد تعلموا بعد كيفية قياسها. إننا بحاجة إلى تحقيق تقدم فكري لو أردنا بناء نموذج اقتصادي جديد.

      كما أننا بحاجة أيضا إلى إعادة تنظيم أخلاقية لمجتمع الأعمال. تميل الشركات ورؤساؤها التنفيذيون إلى تحديد مواقفهم من القضايا البيئية طبقا لصافي الأرباح قصيرة المدى، أو في أحسن الأحوال، متوسطة المدى. مازالت الأعمال المسؤولة اجتماعيا وبيئيا هي الاستثناء وليس القاعدة. هناك حاجة إلى التغيير في كامل نظام الضرائب والإعانات والحوافز.

      كما يجب أن يلعب المجتمع المدني أيضا دورا أكبر. إنه يجب أن يصبح ليس مجرد طرف له مصلحة ولكن مشارك كامل في اتخاذ القرارات التي ستشكل البيئة والاقتصاد لعقود قادمة.

      في كوبنهاجن سنراقب عن كثب القادة السياسيين. سيتعرض أكثر من ستين من قادة الدول لاختبار قيادة شخصي هناك. لقد رأينا مدى سهولة الفشل. غير أن الأسابيع والشهور المقبلة تقدم لهم فرصة لإثبات قدرتهم الحقيقية على القيادة.
    • يا فقراء الأرض...موتوا !



      سمير الجمل



      12/17/2009
      سمير الجمل

      لأن الفقراء على الأرض ليس لديهم ما يزرعون أو يصنعون يحاولون بكل السبل البحث عن أسباب للحياة حتى وإن كانت أدنى بكثير من المستوى الأدنى المتعارف عليه وتصر الدول الغنية الصناعية أن تمارس أنشطتها مهما كانت قاتلة ومدمرة للبيئة ومتلاعبة بالمناخ ..ونذكر في هذا كيف رفض الرئيس الأمريكي السابق بوش مجرد مناقشة خفض الانبعاث الحراري من المنشآت الأمريكية وهي الأعلى حسب الأبحاث والأرقام العلمية الموثوق بها.. والسؤال الآن: ما الجديد في قمة كوبنهاجن الأخيرة للمناخ؟

      لقد وعد الأغنياء بمساعدة الفقراء على استخدام طاقة نظيفة ولكنهم لم يعلنوا التعهد الحقيقي بعيدا عن التصريحات الصحفية في تلك القمة الضخمة التي شاركت فيها 192 دولة بحضور مائة من الزعماء وعلى مدى 15 يوما ؟

      ما الجديد في كوبنهاجن ؟ وقد مضى 17 عاما على بدء المفارقات المناخية التي بدأت لعناتها تصيب العالم كله بلا استثناء.. انهارت جبال الجليد واندلعت الفيضانات وارتفعت معدلات الحرارة والبرودة إلى مستويات مجنونة وكأن الأرض المسكينة قد فقدت أعصابها وبدأت تترنح بفعل عدم الاتزان وكل ما جرى من نقاش وتباحث انصب على الخطط طويلة الأجل من أجل خفض انبعاثات الكربون بحلول عام2050 .

      "إنها قمة الفرصة الأخيرة" كما قال لارس لوكي راسموسن رئيس الوزراء الدنماركي.. وربما لهذا تعهدت عدة دول بالعمل الجاد للمضي في عملية خفض انبعاث الغازات المسببة لارتفاع حرارة الأرض.. لكن متى وكيف؟ .. لا أحد يعلم على وجه الدقة ومع ذلك يرفض "راجندرا باشوري" رئيس فريق المناخ بالأمم المتحدة أسلوب نشر الرسائل الإلكترونية بين علماء المناخ في جامعة "ايست انجليا" الإيطالية لأنها تزيد الأمر تعقيدا وتجعل الناس تفقد الثقة في العلماء وفي إمكانية إنقاذ الأرض.

      "ما الجديد في كوبنهاجن ؟ ربما اعتراف الأغنياء بشكل واضح بأن مساعدة الفقراء لم تعد مجرد "منحة" فيها الكثير من السياسة وشيء من الإنسانية .. لكنها ضرورة استراتيجية لصالح الجميع وهكذا جاء في الافتتاحية التي اتفقت 56 صحيفة على نشرها في 45 دولة بعشرين لغة في وقت واحد وفيها أيضا التأكيد على تحويل البروتوكول الذي تم توقيعه عام 1997 إلى اتفاقية ملزمة للجميع للغني قبل الفقير .. الذي لا يمتلك سوى تدمير الغابات لكي تلبي احتياجاته من الطاقة وهو ما تحاول الدول الغنية العمل على وقفة بإيجاد بدائل آمنة مع التزام الدول الصناعية بخفض نسب الانبعاثات الكربونية من منشآتها المختلفة..

      وعلى جانب آخر تقول الأرقام التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي بأن الغازات الضارة هذه قد انخفضت في عام 2006/2007 نحو 1,2 بالمائة أي ما يساوي 60 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون ثم زادت الأرقام في السنوات التالية، ويقدم خبراء البيئة 10 نصائح للحياة اليومية التي تسهم في خدمة المناخ وتحسينه وهي أشياء يمكن للفرد العادي أن يسهم في ممارسته اليومية ومنها أن تناول كيلو جرام من اللحم البقري كل أسبوع أقل من المعتاد يؤدي إلى توفير 500 يورو في السنة و 700 كيلو جرام من ثاني أكسيد الكربون ( الفقراء لا يملكون هذه الرفاهية) وثانيا أن تخفيض درجة حرارة الغرفة درجة واحدة يوفر 6 بالمائة من تكاليف التدفئة وبالتالي يوفر 300 كيلو جرام من ثاني أكسيد الكربون سنويا وثالثا فإن استخدام المصابيح الموفرة للطاقة يحقق 330 كيلو جراما من ثاني أكسيد الكربون سنويا ونفس الرقم تقريبا يحققه إطفاء جهاز التكييف لمدة أربع ساعات يوميا .. وأيضا اسخدام ثلاجات حديثة ... (A++) يوفر 100 كيلو جرام من الكربون ..كما أن قيادة السيارة بوعي واستخدام غيارات السرعة بطريقة مناسبة يوفر ما يعادل 300 كيلو جرام من الكربون (طبعا الفقراء لا يمتلكون سيارات أصلا)..

      ومع ذلك علينا أن نواصل قراءة توصيات خبراء البيئة والتي جاء فيها أن الأسرة المكونة من أربعة أفراد تستطيع أن توفر 90 يورو سنويا و300 كيلو جرام من الغازات الضارة إذا ما تخلت نهائيا عن جهاز تجفيف الملابس ( مع ملاحظة أن الفقير لا يجد ما يلبسه).. كما أن جهاز التليفزيون والاستريو يوفران حوالي 100 كيلو جرام من ثاني أكسيد الكربون إذا تم فصل الكهرباء عنهما نهائيا بعد الاستعمال وبدون وضعهما في حالة "استاند باي" باستمرار المصباح الأحمر وكذلك عزل الجدران جيدا والأسقف يوفر 50% من تكاليف الطاقة..

      أي أن اللعبة كما هو واضح في يد الأغنياء سواء الأفراد أو الدول وأن الفقراء ينتظرون المساعدة في إيجاد أبسط سبل الحياة من مأكل وملبس ومسكن ورعاية صحية وهم يحاربون بشتى الطرق من أجل لقمة العيش ولا يحسبون حسابا لما يمكن أن يكون عليه المناخ لأن الموت بالنسبة لهم يقف على الباب وأقرب إليهم مما يتصورون وحتى تصل إليهم تلك الطاقة الخضراء التي وعدهم بها الأغنياء بالاعتماد على الطاقة الشمسية والرياح ..

      ولنا أن نعرف بأن انتباه العالم إلى صرخة الأرض من التغيرات المناخية قد بدأت عام 1992 في " ريودي جانيرو" البرازيلية ولم تصدر عنها اتفاقية هشة مع التأكيد على عقد قمة سنوية لهذا الغرض وحتى عام 1997 ظل الحال على ما هو حتى تم توقيع اتفاقية كيوتو.. ووقعت الدول الصناعية التزاما بهذا الخصوص وفي عام 2001 انسحبت أمريكا بوش من اتفاقية "بون" وظلت معاهدة كيوتو سارية المفعول حتى عام 2005 وإن كانت الأفضلية في ذلك تحسب لدول الاتحاد الأوروبي وكندا ونيوزيلندا والنرويج واليابان إلى جانب جنوب أفريقيا والبرازيل والصين والمكسيك والهند وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية وكانت معاهدة كيوتو تنص على خفض كميات الغازات العادمة.... في الفترة من عام 2008 الى2010بنسبة 21% والمفترض أن تأتي كوبنهاجن باتفاقية أو معاهدة أكثر إلزاما وأكثر عدلا وأن يتم الأخذ بأيدي الفقراء .. بحيث لا يصبحون ضحايا للجوع والبيئة والأغنياء في آن واحد وحتى إذا تم تفعيل المعاهدة فهل تدخل الولايات المتحدة إلى المنظومة؟ ذلك السؤال الذي ننتظره قبل كوبنهاجن وبعدها وإلا فإننا من الآن نقولها بكل وضوح :" يا فقراء العالم موتوا "!
    • ما فعله بلير بالعراق



      هانز بليكس



      12/17/2009
      هانز بليكس

      قبل شن حرب العراق في مارس 2003، كان لدى العالم انطباع شكلته أمريكا وبريطانيا بأن الهدف من هذه الحرب القضاء على أسلحة الدمار الشامل. رغم هذا، تشير التعليقات الأخيرة التي أدلى بها توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، تشير إلى أن تغيير نظام الحكم كان هو الهدف الرئيسي. وكان بلير سيسعى مباشرة إلى الإطاحة بصدام حسين حتى لو لم يكن هناك أسلحة دمار شامل. لكنه وقتها كان سيضطر إلى نشر حجج مختلفة. أليست حجج وجود أسلحة دمار شامل هي الأفضل للترويج للحرب؟ لكن تعليقات بلير لا تستثني اعتقاده القوي – والخاطىء في الوقت ذاته- بوجود أسلحة دمار شامل. رغم هذا، وبعدما لم يجد مئات المفتشين الدوليين أي أسلحة دمار شامل، وبعدما تداعى الدليل المهم هذا، يمكن القول أن اعتقاد بلير هذا كان مبنيا على نقص التفكير النقدي.

      فكيف ضلل موضوع أسلحة الدار الشامل - والتي لا وجود لها- العالم لأكثر من 10 سنوات؟ ففي نهاية حرب الخليج في عام 1991، أمر مجلس الأمن الأممي العراق أن يكشف عن كل أسلحة الدمار الشامل وتدميرها تحت إشراف دولي. رغم هذا، اختار العراق أن يدمر الكثير من المواد بحوزته دون إشراف دولي، ما أثار الشكوك بأن الأسلحة تم التخلص منها. ونمت تلك الشكوك من خلال رفض المسؤولين العراقيين خلال التسعينيات السماح لمفتشي الأمم المتحدة بالدخول إلى بعض المواقع ومن خلال ردات الفعل العنيفة تجاه طلبات المفتشين. فما كانت المبررات وقتها لمنع المفتشين الدوليين من العثور على الدليل القاطع على وجود أو عدم وجود أسلحة الدمار الشامل؟ ربما أراد صدام أن يوجد انطباعا – زائفا - بأنه لا يزال يمتلك أسلحة دمار شامل. لكن الأكثر احتمالا من وجهة نظري هو إحساس صدام بجرح كرامته ورغبته في تحدي المفتشين كان يعرف أن بعضهم يعمل لحساب الاستخبارات الغربية.

      فقط في سبتمبر 2002، عندما نقلت أمريكا بالفعل قوات إلى الكويت، قال العراق إنه يقبل عمليات التفتيش التي تطالب بها الأمم المتحدة. في ذلك الوقت، أعلنت استراتيجية جديدة لمجلس الأمن القومي التابع لأمريكا، أعلنت أنه قد يكون هناك تحرك عسكري( استباقي أو وقائي) دون تفويض من الأمم المتحدة؛ رأى الكثيرون في إدارة بوش أن اشتراك الأمم المتحدة في الأمر قد يكون معطلا. والكثيرون مقتنعون أن العسكريتان الأمريكية والبريطانية نقلتا طائرات بتحكم عن بعد بالفعل وقتها، وأن حكاية المفتشيين الدوليين كانت تمثيلية. وأنا واثق أن الكثيرين في إدارة بوش شعروا بنفس الشيء. و بدا أن القادة الأمريكان والبريطانيين توقعوا أن يقنع انتهاك العراق لقرار مجلس الأمن رقم 1441 بالتصديق على تحرك عسكري لتغيير نظام الحكم في العراق. ومن جانبي كانت أميل إلى التفكير في الاستعدادات لحرب العراق كقطار يسير ببطء إلى الأمام ويساعد في تحويل العراق إلى عراق متعاون. ولو أن أمرا ما أزال أو خفض من أهمية موضوع أسلحة الدمار الشامل، اعتقدت أن هذا القطار سيتوقف.

      وكان انضمام بريطانيا إلى أمريكا فيما يتعلق بموقف الأمم المتحدة الذي لم يكن من الممكن توقعه، كان هذا مقامرة من جانب بريطانيا - وفي النهاية فشلت المقامرة. فالمفتشون الدوليون لم يعثروا على فتيل الحرب في العراق لتشعله أمريكا وبريطانيا، بل أنهم على العكس من ذلك، قوضوا الكثير من الأدلة التي كانت تستند إليها أمريكا وبريطانيا. وصار العراق أكثر تعاونا ، ولم يبد أي تحد يمكنه أن يتسبب في التفويض من جانب الأممية بالتحرك العسكري ضده. وبذلك، وبينما قطار الحرب يتحرك، كانت الأمم المتحدة أقل وأقل – مع سير القطار- احتمالا أن تفوض بالتحرك العسكري. فما الذي كان من الممكن أن تفعله بريطانيا لتجنب هذا التطور في الوضع؟ كان يمكنها أن تضع شرطا لاشتراكها في ذلك المشروع ، وهو أن يكون تحرك قطار الحرب موازيا لتحرك قطار الأمم المتحدة نحو التفويض باستخدام القوة مع العراق.

      ومع بدء المفتشيين الدوليين ممارسة عملهم في خريف 2002، كان على قطار العسكرية أن يتحرك ببطء شديد. وسمعنا أن كارل روف قد قال إن خريف 2003 هو آخر وقت ممكن لغزو العراق. فلما كانت تلك العجلة في 2002 كما قال يوشكا فيشر، وزير خارجية ألمانيا وقتها: ما معنى أن تكون هناك مطالبة لمفتشي الأمم المتحدة بالتفتيش لمدة عامين ونصف العام، وتركهم بعدها يعملون لشهور قليلة. وبالطبع، لو كان تغيير الحكم – وليس أسلحة الدمار الشامل – هو السبب الرئيس للغزو، تصبح السرعة المتواصلة لسير قطار الحرب أمرا منطقيا. ومسؤولية إشعال الحرب يجب أن نحكم عليها من خلال المعرفة التي كانت للحلفاء عندما بدأوها بالفعل. وكان يجدر ببريطانيا أن تعترف بأنه ما من بنادق مشرعة في العراق، وأنه في الشهور الأخيرة قبل بدء الغزو، بدأت الأدلة على وجود أسلحة دمار شامل تتهمش. وكما سمعنا في فترة قريبة: عشرة مواقع من أصل 19 موقعا عراقيا مشتبه به من قبل بريطانيا – رفعت بريطانيا هذه المواقع إلى لجنة التفتيش والتحري والمراقبة التابعة للأمم المتحدة- تم بالفعل تفتيشها، ولم يظهر في أي منها أسلحة دمار شامل. لكن يبدو أن مثل هذه التحذيرات لم تلق صدى. وبدت الأجهزة الاستخباراتية مقتنعة 100 بالمائة بوجود أسلحة دمار شامل، لكنها جميعا لا تعرف أين هي.

      الأسوأ هو أن اتفاق تخصيب اليورانيوم بين العراق ونيجيريا والذي كشفه بوش عام 2002 ، واعتمد عليه كثيرا لإقناعنا بضرورة غزو العراق، وجدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مثل هذا الاتفاق زائف. ولم يمنع غياب الدليل القاطع على وجود أسلحة الدمار الشامل قطار الحرب من أن يسير. ووصل قطار الحرب إلى الجبهة قبل أن يصبح الطقس حارا جدا، وقبل أن ينفد صبر الجنود. وفي النهاية حاولت بريطانيا يائسة الحصول على بعض التفويض من الأمم المتحدة كقاعدة تنطلق منها نحو التحرك المسلح- لكنها فشلت. مؤكدا مخاوف ديك تشيني، نائب الرئيس بوش، صارت الأمم المتحدة والمفتشون قوى تعطيل- ليس للتحرك المسلح، بل لشرعيته. وبخلاف أمريكا، لم تكن بريطانيا وبعض الدول الأخرى في الحلفاء مستعدة لتدعي الحق في شن حرب وقائية ضد العراق بغض النظر عن تفويض مجلس الأمن الأممي. وفي مثل هذه الظروف طورت بريطانيا الحجج على أن الحرب مفوض بها من قبل مجلس الأمن طبقا لسلسلة من قراراته السابقة. وكما وضحت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها، أيد التحرك العسكري سلطة مجلس الأمن. وكان ذلك على النقيض من القول بأن روسيا والصين وفرنسا وألمانيا عارضوا التحرك العسكري، ومناقضا لحقيقة أن غالبية المجلس الاممي رفضوا إعطاء الضوء الأخضر للتحرك العسكري.
    • مبعوثون أمريكيون .. بلا جدوى !



      جويل برينكلي



      12/17/2009
      جويل برينكلي

      حول العالم، هناك ستة مبعوثين لإدارة الرئيس أوباما يروحون ويجيئون، يحاولون دفع التقدم في بعض أصعب قضايا الكوكب الأرضي. ولكنهم، واحدا بعد الآخر، يكتشفون أنه إن قمت بدفع جسم غير متحرك بقوة أكثر مما ينبغي فإنه سيتحطم.

      لقد عاد المبعوث الخاص، سكوت جريشن، لتوه من رحلة استغرقت أسبوعا في السودان، حيث كان يحاول تنظيم جولة أخرى من محادثات السلام بين الحكومة في الخرطوم ومتمردي دارفور. وإلى لحظتنا الراهنة، عمر الحرب في دارفور ست سنوات. وتقول الأمم المتحدة إن 300000 فرد ماتوا، وما يقرب من ثلاثة ملايين معظمهم من المقيمين في دارفور تم تسكينهم في مخيمات قذرة للاجئين على مدى سنوات.

      وفي شهر مارس الماضي، قامت الحكومة السودانية بطرد كل وكالات الإغاثة تقريبا التي كانت تبقي على اللاجئين أحياء، مباشرة بعد أن أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير. والآن تتفشى الأمراض وسوء التغذية والجريمة. وفي الشهر الماضي، قالت الأمم المتحدة إن الاغتصاب أصبح أمرا شائعا لدرجة أن كل امرأة قامت الأمم المتحدة بإجراء حوار معها قالت إنها خائفة. حسنا، كانت تبدو اتفاقية السلام منطقية بما يكفي للمبعوث الأمريكي جريشن. ولكنه قد يكون غفل عن حقيقة أن الأمم المتحدة قامت بدفع نفس الأطراف من قبل للتفاوض من أجل التوصل إلى اتفاقية سلام منذ ثلاث سنوات، بلا جدوى. وعندما حان وقت توقيع المستندات، خرج أحد قادة التمرد، عبد الواحد النور، من الغرفة واستنكر العملية برمتها. وقد اتبع نهجه قادة عدة مجموعات صغيرة، وانهارت الاتفاقية.

      وعند الضغط عليه بشدة للتفاوض من أجل اتفاقية جديدة، انهار الائتلاف الهش المكون من جماعات التمرد في دارفور مرة أخرى. وهذه المرة يرفض العديد من قادة التمرد حتى مجرد المشاركة. ولذا تستمر عمليات الاغتصاب والمجاعات والموت.

      وفي وقت مبكر من هذا العام، عينت الإدارة الأمريكية دينيس روس مبعوثا خاصا لإيران، ثم استبدلت به الشهر الماضي جون ليمبرت، الذي كان رهينة سابقة في إيران. والمبعوثون ليسوا بمفردهم في عملهم؛ فالرئيس أوباما والأمم المتحدة وقادة آخرون قاموا جميعا بتطويق إيران، دفعا وردا وتهديدا – وخاصة بعد الانتخابات الإيرانية التي تمت الصيف الماضي.

      ولم يجد كل هذا الضغط شيئا مع إيران، فقد أعلن الرئيس محمود أحمدي نجاد في أحد الأيام أن حكومته ستقوم ببناء عشر منشآت لتخصيب الوقود النووي. وقد جاء ذلك عقب شجب الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمحاولة إيران بناء منشأة تخصيب نووي بالقرب من مدينة قم.

      وقد لاقت ملاحظات أحمدي نجاد احتجاجات كبيرة من كل أنحاء العالم. وحتى روسيا التي كان حليفا لإيران في يوم من الأيام استنكرت قائلة إن الكريملين "قلق جدا بالطبع من البيان الأخير للقيادة الإيرانية". والأكثر من ذلك أن الرئيس أحمدي نجاد أعلن الأسبوع الماضي أن إيران ستبدأ بإنتاج درجة أعلى من الوقود النووي – وهي درجة تخصيب تكفي، كما يقول الخبراء، للاستخدام من أجل صناعة سلاح نووي.

      يقول المتخصصون في الطاقة النووية إنهم غير متأكدين من قدرة إيران على بناء كل هذه المنشآت الجديدة وتطوير جودة تخصيبها. ولا نستطيع أن نعرف إن كان ذلك صحيحا، لأن أحمدي نجاد قال منذ أيام قليلة إن الفنيين سيقومون بالعمل سرا.

      ثم يأتي بعد ذلك الضغط غير المحدود الذي تمارسه إدارة أوباما على كل من إسرائيل والفلسطينيين للبدء في التفاوض حول اتفاقية سلام، وهو ما قد أدى إلى انهيار الوضع الراهن. تحت الضغط من جانب جورج ميتشل، المبعوث الأمريكي الخاص، رفض رئيس الوزراء نتانياهو إصدار الأوامر بالتجميد الكامل للنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية. وعندما أصبح ذلك واضحا للعيان، نفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يديه من الموضوع وقال إنه سيستقيل. والرئيس عباس هو صديق للغرب، وليس هناك شخصية بنفس المواصفات ينتظر أن يحل محله.

      كيف حدث كل ذلك؟ ليس للمبعوث الخاص البارز من وظيفة سوى الضغط بقوة. ويميل الدبلوماسيون في واشنطن إلى التنحي جانبا. وبدون المبعوثين، يمكن أن تختار الحكومة أن تضغط في الوقت المناسب، ولكنها تتراجع في أوقات أخرى. ألم يحن الوقت لإعادة المبعوثين إلى الوطن؟
    • تساؤلات عويصة عن الحرب والسلام



      باراك أوباما



      12/17/2009
      باراك أوباما

      الرئيس: أصحاب الجلالة، أصحاب السمو الملكي، الموقرين أعضاء لجنة نوبل النرويجية، مواطني أمريكا ومواطني العالم: إنني أتسلم هذا الشرف بامتنان عميق وتواضع جم. هذه جائزة تدل على أسمى تطلعاتنا- وهي أننا، مع كل قساوة العالم ومشاقه، لسنا مجرد أسرى المصير. فأعمالنا ذات أهمية، وتستطيع أن توجه التاريخ في اتجاه العدالة.

      ومع ذلك فإنني سأكون مقصرا إن لم أقر بالجدل الكبير الذي ولّده قراركم السخي (ضحكات). ومرد ذلك جزئيا هو أنني في البداية، ولست عند نهاية نشاطي على المسرح العالمي. وبالمقارنة مع بعض من عمالقة التاريخ الذين تلقوا هذه الجائزة- شوايتزر وكنج؛ مارشال ومانديلا- فإن منجزاتي طفيفة. ثم هناك الرجال والنساء حول العالم الذين تعرضوا للسجن والضرب في سعيهم من أجل العدالة؛ أولئك الذين يعملون جاهدين في المنظمات الإنسانية للتخفيف من المعاناة؛ أولئك الملايين الذين لا يقدرون حق قدرهم ولكن أعمالهم الشجاعة الهادئة وحنوهم وتراحمهم تلهم أقسى المتشائمين الساخرين. وليس بوسعي أن أجادل الذين يرون أن هؤلاء الرجال والنساء- بعضهم معروف، والبعض الآخر لا يعرفه إلا من يتلقى العون منه- يستحقون هذا الشرف أكثر بكثير مني.

      ولكن ربما كانت أبرز قضية تحيط بتسلمي الجائزة هي حقيقة أنني القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة تخوض حربين، إحداهما تقترب تدريجيا من نهايتها. أما الحرب الأخرى فهي نزاع لم تسع إليه أمريكا؛ نزاع تشترك معنا فيه 42 دولة أخرى - من بينها النرويج - في محاولة للدفاع عن أنفسنا وعن كل الأمم من هجمات أخرى.

      ومع ذلك، فنحن في حرب، وأنا مسؤول عن نشر آلاف من الأمريكيين الشبان في ساحات الوغى في بلاد بعيدة. بعضهم سيَقتُلون وبعضهم سيُقتَلون. ولذا فإنني جئت هنا بإحساس حاد بالتكاليف الباهظة للنزاع المسلح- إحساس يفيض بأسئلة عويصة عن العلاقة بين الحرب والسلام، وعن جهودنا لاستبدال أحدهما بالآخر.

      وهذه الأسئلة ليست بأسئلة جديدة. فالحروب، بشكل أو بآخر، ظهرت مع الإنسان الأول. في فجر التاريخ، لم تتعرض أخلاقياتها للمساءلة والتشكيك؛ كانت مجرد حقيقة واقعة مثل القحط أو الجفاف أو المرض وكانت الحرب هي النمط الذي سعت به القبائل ثم الحضارات إلى اكتساب السلطة وسوت به خلافاتها.

      ومع مرور الزمن، وفيما سعت أحكام القانون إلى السيطرة على العنف بين الجماعات، سعى أيضا الفلاسفة ورجال الدين والساسة إلى تنظيم قوة الحرب المدمرة. وبزغ مفهوم "الحرب العادلة" الذي يقول إن الحرب لا يجوز تبريرها إلا عندما تلبي شروطا معينة: أي إن كانت تُشن كملاذ أخير أو دفاعا عن النفس؛ أو إذا استخدمت القوة بصورة متناسبة؛ أو إذا تم تجنيب المدنيين العنف، حيثما أمكن.

      وبالطبع، نحن نعلم أن مفهوم "الحرب العادلة" هذا نادرا ما روعي خلال معظم فترات التاريخ. فطاقة البشر على استنباط طرق جديدة لقتل بعضهم بعضا مَعِين لا ينضب، وكذلك طاقتنا على أن نستثني من الرحمة أولئك المختلفين عنا في المظهر أو الذين يصلون لإله آخر. والحروب بين الجيوش أخذت تفسح المجال لحروب بين الأمم- حروب شاملة طمس فيها الفرق بين المقاتلين والمدنيين. وفي فترة 30 سنة، غمر حمام الدماء هذه القارة مرتين. وفي حين من الصعب أن نتصور قضية أعدل من قضية إلحاق الهزيمة بالرايخ الثالث ودول المحور، فإن الحرب العالمية الثانية كانت نزاعا فاق فيه العدد الإجمالي للقتلى من المدنيين عدد القتلى من الجنود.

      وفي أعقاب مثل هذا الدمار، ومع إطلالة العصر النووي، أصبح واضحا للمنتصر والمهزوم على حد سواء أن العالم بحاجة لمؤسسات تمنع اندلاع حرب عالمية أخرى. وهكذا، وبعد ربع قرن من رفض مجلس الشيوخ الأمريكي عصبة الأمم- وهي الفكرة التي من أجلها نال وودرو ولسون هذه الجائزة- قادت أمر يكا العالم في بناء صرح لصون السلام: مشروع مارشال والأمم المتحدة، وآليات تحكم شؤون الحرب، ومعاهدات تحمي حقوق الإنسان، وتمنع الإبادة البشرية وتحد من أخطر الأسلحة.

      هذه الجهود نجحت بسبل شتى. نعم، شُنت حروب مروعة وارتُكبت فظائع. ولكن لم تندلع حرب عالمية ثالثة. وانتهت الحرب الباردة بجموع مهللة تحطم جدارا. وربطت التجارة الشطر الأكبر من العالم بعضه ببعض. وانتُشل البلايين من الناس من وهدة الفقر. وتقدمت بخطى مترددة مثلٌ ومبادئ الحرية وحق تقرير المصير والمساواة وحكم القانون. نحن ورثة صمود الأجيال السابقة وصبرها وبصيرتها، وهذا إرث يعتز به وطني عن جدارة.

      ومع ذلك، ونحن في أواخر العقد الأول من قرن جديد، فإن هذا الصرح العريق يرزح تحت وطأة مخاطر جديدة. لم يعد العالم يرتعد من احتمال اندلاع حرب بين دولتين عظيمتين نوويتين ولكن الانتشار النووي قد يفاقم خطر الكارثة. والإرهاب وإن ظل تكتيكا زمنا طويلا، لكن التكنولوجيا العصرية تتيح لحفنة من الرجال يستبد بهم الغضب أن يقتلوا الأبرياء على نطاق مروع.

      أضف إلى ذلك أن الحروب بين الدول أخذت تفسح المجال بصورة مطردة لحروب داخل الدول. فظهور النزاعات العرقية أو الطائفية بصورة متجددة؛ وتنامي الحركات الانفصالية، وحركات التمرد، والدول الفاشلة، كل هذه الأمور توقع المدنيين بصورة متزايدة في فوضى لا نهاية لها. ففي حروب يومنا الحاضر، يُقتل من المدنيين أكثر مما يقتل من الجنود؛ وتُغرس بذور النزاعات المستقبلية، وتُدمر الاقتصادات، وتتشرذم المجتمعات المدنية بعد تمزقها، وتتضاعف أعداد اللاجئين ويتشوه الأطفال.

      إنني لا أحمل معي اليوم حلا محددا لمشاكل الحرب. ولكن ما أعرفه هو أن مواجهة هذه التحديات سوف تتطلب نفس الرؤية والعمل الشاق والمثابرة التي تحلى بها أولئك الرجال والنساء الذين تصرفوا بجرأة وجسارة بالغتين قبل عقود من الزمن. وسوف تتطلب منا أن نفكر بطرق مختلفة إزاء مفاهيم الحرب العادلة وضرورات السلام العادل.

      وينبغي علينا أن نبدأ بالاعتراف بالحقيقة المرة: إننا لن نستأصل كل النزاعات العنيفة في حياتنا. ستكون هناك أوقات حينما تجد الدول- سواء منفردة أو مجتمعة- أن استخدام القوة ليس فقط ضروريا بل له ما يبرره أخلاقيا.

      أقول هذا وأنا واع لما قاله مارتن لوثر كينج الابن في هذا الاحتفال ذاته قبل سنوات عديدة وهو أن – "العنف لا يجلب السلام الدائم أبدا. إنه لا يحل أية مشكلة اجتماعية: فهو يصنع مجرد مشاكل جديدة وأكثر تعقيدا." وأنا كواحد يقف هنا كنتيجة مباشرة للعمل الذي كرس الدكتور كينج له حياته، أنا شاهد حي على القوة المعنوية للاعنف. وأنا أعلم أنه ما من شيء ضعيف وما من شيء سلبي وما من شيء ساذج في عقيدة غاندي وكينج.

      لكنني كرئيس دولة أديت اليمين لحماية بلدي والدفاع عنه لا أستطيع الاسترشاد بمثاليْهما فقط. فأنا أواجه العالم كما هو، ولا يسعني الوقوف جامدا في وجه الأخطار التي تهدد الشعب الأمريكي. فلا يخطئن أحد في أن: الشر موجود فعلا في العالم. فحركة اللاعنف ما كان ليكون بإمكانها أن توقف جيوش هتلر. والمفاوضات لا تقدر على إقناع زعماء القاعدة بإلقاء أسلحتهم. والقول بأن القوة قد تكون ضرورية أحيانا ليس دعوة للتشكك الساخربل هو إدراك للتاريخ ونواحي قصور البشر وحدود المعقول.

      أنا أثير هذه النقطة، أبدأ بهذه النقطة، لأن هناك ترددا عميقا في كثير من البلدان اليوم بالنسبة للعمل العسكري أيا كان السبب. ويكون هذا مقرونا أحيانا بشك انفعالي تجاه أمريكا، القوة العسكرية العظمى الوحيدة في العالم.

      لكنه ينبغي على العالم أن يتذكر أنه لم تكن مجرد المؤسسات الدولية – ولا المعاهدات والبيانات- هي فقط التي حققت الاستقرار في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومهما كانت الأخطاء التي ارتكبناها، فإن الحقيقة البسيطة الواضحة هي أن: الولايات المتحدة الأمريكية ساعدت في ضمان الأمن العالمي لأكثر من ستة عقود من الزمن بدماء مواطنينا وقوة أسلحتنا. فخدمة رجالنا ونسائنا في القوات المسلحة عززت السلام والرخاء، من ألمانيا إلى كوريا، ومكّنت الديمقراطية من الترسخ في أماكن كالبلقان. فلقد حملنا هذا العبء لا لأننا نريد فرض إرادتنا. فعلنا ذلك انطلاقا من مصلحة ذاتية مستنيرة، لأننا نسعى في سبيل مستقبل أفضل لأبنائنا وأحفادنا ونؤمن بأن حياتهم ستكون أفضل إذا استطاع أبناء وأحفاد الآخرين أن يعيشوا في حرية ورخاء.

      إذن نعم، إن لأدوات الحرب دورا تلعبه في الحفاظ على السلام. ومع ذلك، فإنه ينبغي لهذه الحقيقة أن تتعايش مع حقيقة أخرى وهي أنه – مهما كانت الحرب مبرَّرة، فهي تنذر بمأساة إنسانية. صحيح أن شجاعة الجندي وتضحيته مفعمتان بالمجد وتعبران عن الولاء للوطن وللقضية ولرفاق السلاح، لكن الحرب بحد ذاتها ليست عملا مجيدا، ويجب علينا ألا نشيد بها باعتبارها كذلك على الإطلاق.

      وهكذا فإن جزءا من التحدي الذي نواجهه هو التوفيق بين هاتين الحقيقتين اللتين تبدوان أنهما لا توافق بينهما، وهما أن الحرب ضرورية أحيانا؛ وأن الحرب، عند مستوى ما، تكون تعبيرا عن الحماقة الإنسانية. صحيح أنه ينبغي علينا أن نوجه جهدنا نحو المهمة التي دعا إليها الرئيس كينيدي منذ زمن طويل. قال "دعونا نركز اهتمامنا على سلام يكون عمليا أكثر، وأكثر قابلية للتحقيق لا على أساس ثورة مفاجئة في الطبيعة الإنسانية، وإنما على التطور التدريجي للمؤسسات الإنسانية." تطور تدريجي للمؤسسات الإنسانية.

      فما هو الشكل الذي يمكن أن يكون عليه هذا التطور؟ وما الذي يمكن أن تكونه تلك الخطوات العملية؟

      بداية، أعتقد أنه ينبغي على كل الدول – قويها وضعيفها على السواء – أن تلتزم بالمعايير التي تحكم استخدام القوة. وأنا – شأني شأن أي رئيس دولة – أحتفظ بحق التصرف من جانب واحد عند الضرورة للدفاع عن بلدي. ومع ذلك، فأنا على قناعة بأن الالتزام بالمعايير، المعايير الدولية، يقوّي أولئك الذين يلتزمون بها ويعزل – ويضعف – أولئك الذين لا يفعلون.

      لقد احتشد العالم مع أمريكا على أثر هجمات 11 سبتمبر ولا يزال يدعم جهودنا في أفغانستان وذلك بسبب هول تلك الهجمات الطائشة واعترافا بمبدأ الدفاع عن النفس. وبالمثل، أقر العالم بالحاجة إلى التصدي لصدام حسين عندما غزا الكويت – فكان ذاك إجماعا بعث برسالة واضحة للجميع عن ثمن العدوان.

      علاوة على ذلك، لا تستطيع أمريكا، ولا أي دولة، الإصرار على أن يتبع الآخرون قواعد الطريق إذا نحن أنفسنا رفضنا اتباعها. لأننا عندما نرفض يمكن أن تبدو أعمالنا اعتباطية وتنتقص من شرعية التدخل في المستقبل – مهما كان مبررا.

      تصبح لهذا أهمية خاصة عندما يمتد الغرض من العمل العسكري إلى أبعد من الدفاع عن النفس أو الدفاع عن دولة ما ضد معتد. ونحن جميعا نواجه أكثر فأكثر أسئلة صعبة حول كيفية تجنب مقتل المدنيين على أيدي حكوماتهم أو وقف حرب أهلية يمكن أن يجتاح عنفها ومعاناتها منطقة بأسرها.

      أعتقد أن بالإمكان تبرير القوة على أسس إنسانية كما كان الحال في البلقان أو في أماكن أخرى جرّحتها الحرب. فعدم العمل يمزق ضمائرنا ويمكن أن يؤدي إلى تدخل أكثر تكلفة فيما بعد. لهذا السبب يجب على كل الدول المسؤولة أن تتبنى الدور الذي تستطيع القوات العسكرية أن تلعبه في حفظ السلام بتفويض واضح.

      إن التزام أمريكا بأمن العالم لن يتزعزع أبدا. لكن أمريكا، في عالم تتوزع وتتباعد فيه الأخطار وتتعقد فيه المهام، لا تستطيع العمل وحدها. فأمريكا وحدها لا تستطيع تأمين السلام. وهذا صحيح في أفغانستان. هذا صحيح في الدول الفاشلة كالصومال حيث انضمت المجاعة والمعاناة الإنسانية إلى الإرهاب والقرصنة. ومن المحزن أن ذلك سيبقى صحيحا بالنسبة للمناطق غير المستقرة لسنوات طويلة قادمة.

      يدلل قادة بلدان منظمة حلف شمال الأطلسي وجنودها وغيرهم من الأصدقاء والحلفاء على هذه الحقيقة من خلال القدرة والشجاعة اللتين أظهروهما في أفغانستان. غير أن هناك في كثير من البلدان انفصالا بين جهود أولئك الذين يخدمون وبين تردد الجمهور الأعم. أنا أتفهم السبب في عدم شعبية الحرب، لكنني أعرف هذا أيضا وهو: أن الاعتقاد بأن السلام أمر مستحب ، نادرا ما يكون كافيا لتحقيقه. فالسلام يتطلب مسؤولية. السلام يقتضي تضحية. ولذا يجب علينا أن نقوّي الأمم المتحدة ونعزز المحافظة على السلام الإقليمي ولا نترك تلك المهمة لعدد قليل من البلدان. ولهذا السبب نحن نكرم أولئك الذين يعودون إلى الوطن من مهمات حفظ السلام والتدريب في الخارج، في أوسلو وروما وأوتاوا وسيدني، وفي داكا وكيجالي – نحن نكرمهم لا كصانعي حرب، بل كصانعين للسلام.

      دعوني أذكر نقطة أخيرة بالنسبة لاستخدام القوة. يجب علينا أيضا، حتى ونحن نتخذ القرارات الصعبة بالذهاب إلى الحرب، أن نفكر بجلاء كيف نخوضها. ولجنة نوبل أدركت هذه الحقيقة عند منحها أول جائزة للسلام لهنري دونانت، مؤسس الصليب الأحمر، والقوة الدافعة وراء اتفاقيات جنيف.

      وحيث تكون القوة ضرورية، فإن لدينا مصلحة استراتيجية وأخلاقية في إلزام أنفسنا بقواعد سلوك معينة. وحتى في الوقت الذي نواجه فيه خصما شرسا لا يلتزم بأية قواعد، فإنني أعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون رائدة في التمسك بمعايير سلوك الحرب. وهذا ما يميزنا عن أولئك الذين نقاتلهم. وهذا هو مصدر قوتنا. وهذا هو السبب في أنني حظرت التعذيب. وهذا هو السبب في أنني أمرت بإغلاق سجن جوانتانامو. وهذا هو السبب في أنني قد أكدت من جديد التزام أمريكا بالتقيد باتفاقيات جنيف. إننا نفقد أنفسنا عندما نعرّض للخطر المُثُل العليا ذاتها التي نحارب من أجل الدفاع عنها. (تصفيق) وإننا نكرم تلك المثل من خلال التمسك بها ليس فقط حينما يكون من السهل فعل ذلك، ولكن أيضا عندما يكون القيام بذلك أمرا صعبا.

      لقد تحدثت عن المسائل التي يجب أن تشغل عقولنا وقلوبنا حين نختار شن الحرب. ولكن اسمحوا لي أن أنتقل الآن إلى جهودنا الرامية إلى تجنب هذه الاختيارات المأساوية والتحدث عن ثلاث طرق يمكننا من خلالها بناء سلام عادل ودائم.

      أولا، بالنسبة للتعامل مع تلك الدول التي تنتهك القواعد والقوانين، أعتقد أنه يجب علينا تطوير بدائل للعنف تكون صارمة بما فيه الكفاية لتغيير السلوك - لأننا إذا ما أردنا تحقيق سلام دائم، عندها يجب يكون لكلمة المجتمع الدولي معنى. فتلك الأنظمة التي تخرق القواعد يجب أن تتحمل المسؤولية. والعقوبات يجب أن تترتب عليها تكلفة حقيقية. والعناد يجب أن يواجه بضغوط متزايدة - ومثل هذه الضغوط لن توجد إلا حينما يتضافر العالم ويقف صفا واحدا.

      ومن الأمثلة المهمة على ذلك الجهود المبذولة الرامية إلى منع انتشار الأسلحة النووية، والسعي من أجل تحقيق عالم خال منها. ففي منتصف القرن الماضي، وافقت الدول على الالتزام بمعاهدة كان الاتفاق فيها واضحا وهو: أن جميع الدول لها حق في الحصول على الطاقة النووية السلمية؛ وتلك الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية سوف تتخلى عن مسعاها؛ والدول التي تمتلك أسلحة نووية سوف تعمل من أجل نزع هذه الأسلحة. وأنا ملتزم بالتمسك بهذه المعاهدة. فهي تشكل نقطة محورية في سياستي الخارجية. وأنا أعمل مع الرئيس ميدفيديف للحد من مخزون الأسلحة النووية التي بحوزة أمريكا وروسيا.

      ولكن من اللازم علينا جميعا أيضا أن نصر على أن دولا مثل إيران وكوريا الشمالية لا تتلاعب بالنظام. إن أولئك الذين يدّعون أنهم يحترمون القانون الدولي لا يمكن أن يغضوا الطرف عندما يُضرب بتلك القوانين عرض الحائط. وأولئك الذين يحرصون على أمنهم لا يمكنهم أن يتجاهلوا خطر حدوث سباق تسلح في الشرق الأوسط أو شرق آسيا. وأولئك الذين يريدون السلام لا يمكنهم أن يقفوا مكتوفي الأيدي حين تسلح الدول الأخرى نفسها لحرب نووية.

      وينطبق المبدأ نفسه على أولئك الذين ينتهكون القوانين الدولية بارتكاب أعمال وحشية ضد شعوبهم. فعندما تُرتكب إبادة جماعية في دارفور، واغتصاب بشكل منتظم في الكونغو، وقمع في بورما - يجب أن تكون لهذه الأعمال عواقب. نعم، يجب الدخول في حوار؛ نعم، يجب ممارسة الدبلوماسية - ولكن يتحتم أن تكون هناك عواقب عندما تفشل هذه التدابير. وكلما كان تضافرنا معا وثيقا بدرجة أقوى ، كلما قل احتمال أن نواجه الخيار بين التدخل العسكري أوالتواطؤ مع القمع.

      وهذا يقودني إلى النقطة الثانية - وهي طبيعة السلام الذي نسعى إليه. إن السلام ليس مجرد غياب النزاع أو الصراع الظاهر. فالسلام العادل الوحيد الذي سيدوم حقا هو السلام الذي يقوم على الحقوق المتأصلة والكرامة لكل فرد.

      وهذه الرؤية كانت هي الدافع لمن وضعوا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية. ففي أعقاب الدمار، أدرك معدو الوثيقة أنه إذا لم تتم حماية حقوق الإنسان، فإن السلام لن يعدو كونه وعدا أجوف.

      ومع ذلك فإنه يتم في الكثير من الأحيان تجاهل هذه الكلمات. فبالنسبة لبعض البلدان، يُعتبر عدم احترام حقوق الإنسان أمرا يغفره الإيحاء الكاذب بأن هذه مبادئ غربية ودخيلة نوعا ما على الثقافات المحلية، أو على مراحل التنمية في البلاد. وداخل أمريكا، يوجد منذ أمد طويل توتر بين أولئك الذين يصفون أنفسهم بالواقعيين وبين المثاليين - وهو توتر يوحي بخيار واضح بين السعي الضيق من أجل المصالح أو شن حملة لا نهاية لها لفرض قيمنا في جميع أنحاء العالم.

      وإنني أرفض هذه الخيارات. وأعتقد أن السلام لا يستقر في الأماكن التي يحرم فيها المواطنون من حقهم في التعبير بحرية أو ممارسة العبادة كما يشاءون؛ واختيار زعمائهم أو التجمع دون خوف. إن المظالم المكبوتة تتقرح، وقمع الهوية القبلية والدينية يمكن أن يؤدي إلى العنف. ونحن نعلم أيضا أن العكس هو الصحيح. فلم تنعم أوروبا بالسلام إلا حين أصبحت حرة في النهاية. إن أمريكا لم تشن أبدا حربا ضد دولة ديمقراطية، وأقرب الدول الصديقة لنا هي الدول التي تحمي حقوق مواطنيها. ومهما كان التعريف قاسيا، فإنه لا مصالح أمريكا - ولا مصالح العالم – تستفيد من حرمان البشر من تطلعاتهم.

      ولذا حتى حين نحترم الثقافة والتقاليد الفريدة للبلدان المختلفة، فإن أمريكا ستظل على الدوام صوتا يدافع عن تلك التطلعات التي هي حقوق عالمية. وسوف نكون شهودا على الكرامة الهادئة للمصلحين من أمثال أونج سانج سو تشي؛ وعلى شجاعة الزمبابويين الذين أدلوا بأصواتهم رغم تعرضهم للضرب؛ وعلى المئات من الآلاف الذين خرجوا في تظاهرات صامتة عبر شوارع إيران؛ وهذا من الدلالات العميقة على أن زعماء هذه الحكومات يخشون تطلعات شعوبهم أكثر من خشيتهم من قوة أي دولة أخرى. ومن مسؤولية جميع الشعوب والدول الحرة أن توضح بجلاء أننا نقف إلى جانب هذه الحركات-- حركات الأمل والتاريخ هذه.

      اسمحوا لي أيضا أن أقول ما يلي: إن تعزيز حقوق الإنسان لا يمكن أن يتحقق بالدعودة إليها فحسب. ففي بعض الأحيان، يجب أن يكون ذلك مقرونا بدبلوماسية جادة ومضنية. وإنني أعلم أن التعامل مع الأنظمة القمعية يفتقر إلى النقاء المريح للاستياء والسخط. ولكنني أعلم أيضا أن العقوبات بدون التواصل - إدانات بدون مناقشات ومداولات- لا يمكنها إلا أن تجعل الوضع الراهن المسبب للعجز والشلل يمضي قدما. إنه لا يمكن لأي نظام قمعي أن يسلك طريقا جديدا ما لم يكن لديه خيار الباب المفتوح.

      وعلى ضوء أهوال الثورة الثقافية، فقد بدا اجتماع نيكسون مع ماو وكأنه لقاء لا يمكن اغتفاره أو تبريره. ومع ذلك فقد ساعد بالتأكيد في وضع الصين على درب مكّنها من انتشال الملايين من مواطنيها من الفقر وربطهم بالمجتمعات المنفتحة. لقد أحدثت مشاركة البابا يوحنا بولس الثاني في حوار مع بولندا مساحة ليس للكنيسة الكاثوليكية فحسب، وإنما أيضا لزعماء نقابة العمال أمثال ليخ فاوينسا. والجهود التي بذلها رونالد ريجان في سبيل الحد من التسلح وضبط الأسلحة وقبوله للبريسترويكا (الانفتاح)، لم تحسن العلاقات مع الاتحاد السوفييتي فحسب، ولكنها أيضا مكّنت المعارضين في عموم أوروبا الشرقية. لا توجد هنا معادلة بسيطة. ولكننا يجب أن نبذل كل ما في وسعنا لتحقيق التوازن بين العزل والمشاركة، وبين الضغوط والحوافز، حتى يتسنى الرقي بحقوق الإنسان وكرامته على مر الزمن.

      ثالثا، إن السلام العادل لا يقتصر على الحقوق المدنية والسياسية فحسب- وإنما يجب أن يشمل الأمن الاقتصادي وإتاحة الفرص. لأن السلام الحقيقي لا ينحصر في التحرر من الخوف، وإنما التحرر من العَوَز.

      ومن الحقيقي بدون أي شك، أن التنمية نادرا ما تتأصل جذورها في غياب الأمن؛ ومن الحقيقي أيضا أن الأمن لا يكون موجودا أينما لا يتوافر للبشر ما يكفي من الغذاء أو المياه النقية أو الدواء أو المأوى الذي يحتاجونه للبقاء على قيد الحياة. وهو لا يكون موجودا حينما لا يستطيع الأبناء أن يطمحوا في الحصول على تعليم جيد أو فرصة عمل لدعم الأسرة. إن غياب الأمل يمكن أن ينخر في المجتمع من الداخل.

      وهذا هو السبب في أن مساعدة المزارعين على إطعام شعوبهم- أو مساعدة الدول على تعليم أبنائها ورعاية مرضاها- ليس من قبيل الإحسان المحض. وهو أيضا السبب في ضرورة أن يتكاتف العالم لمواجهة تغير المناخ. ونادرا ما يكون هناك خلاف علمي على أننا إن لم نفعل أي شيء، فإننا سنواجه مزيدا من الجفاف والمجاعات والنزوح بأعداد كبيرة مما سيغذي المزيد من النزاعات والحروب لعقود طويلة. ولهذا السبب فإن الدعوة إلى اتخاذ إجراء قوي شامل لا توجَّه من الناشطين في الدعوة للمحافظة على البيئة والعلماء فحسب، وإنما من القادة العسكريين أيضا في بلدي وفي دول أخرى الذين يدركون أن أمننا المشترك أصبح في كفة الميزان.

      لذا فإن الاتفاقيات بين الدول، والمؤسسات القوية، ودعم حقوق الإنسان، والاستثمار في التنمية، كلها عناصر حيوية من أجل تحقيق التطور الذي تكلم عنه الرئيس كينيدي. ورغم ذلك فإنني لا أعتقد أنه ستكون لدينا الإرادة، ولا التصميم، ولا القوة الثابتة، لاستكمال هذه المهمة بدون إضافة شيء آخر، ألا وهو التوسع المستمر في نطاق معتقداتنا الأخلاقية؛ والإصرار على أن هناك شيئا مشتركا بيننا جميعا غير قابل للنقصان أو الاختزال.

      وفيما يصبح العالم أصغر فأصغر، فإنكم قد تفكّرون في أنه سيكون من السهل على بني البشر إدراك مدى التشابه فيما بيننا؛ وأن يدركوا أننا نسعى جميعا في الأساس لتحقيق الأشياء نفسها؛ وأننا جميعا نأمل في أن تُتاح لنا الفرصة لكي نحيا حياتنا في ظل قدر من السعادة والإنجاز لأنفسنا ولعائلاتنا.

      ورغم ذلك، فبطريقة ما، إن أخذنا في الاعتبار الوقع السريع المسبب للدوار في الاتجاه إلى العولمة، وما تؤدي إليه الحداثة من تساوي كل الثقافات، فربما تسري – وهو ما لا يمثل أي مفاجأة – الخشية بين الناس من فقدان ما يعتزون به في هوياتهم الخاصة- أي العرق والقبيلة وربما بالدرجة القصوى دينهم وعقيدتهم. وفي بعض المناطق أدت هذه الخشية إلى الصراعات والحروب. وفي بعض الأوقات سرى إحساس بأننا نتحرك نحو الوراء. وهو ما نراه في الشرق الأوسط، حيث تزداد صلابة النزاع بين العرب واليهود، على ما يبدو. ونراه في الشعوب التي تمزقت حسب الخطوط القبلية.

      أما الخطورة القصوى ، فإننا نراها في الطريقة التي يُستخدم بها الدين لتبرير قتل الأبرياء على يد أولئك الذين شوهوا وأساءوا إلى دين الإسلام العظيم، والذين هاجموا بلدي من أفغانستان. وأولئك المتطرفون ليسوا أول من قتل مستخدما اسم الله؛ فبشاعة الحملات الصليبية مسجلة بإسهاب. ولكنهم يذكروننا بأن أي حرب مقدسة لا يمكن أن تكون حربا عادلة على الإطلاق. لأنك إن كنت تؤمن حقيقة بأنك تنفذ إرادة إلهية، فليست هناك ضرورة لأي ضبط نفس- لا ضرورة لتجنيب أم حامل، أو متخصص في الرعاية الطبية، أو في الصليب الأحمر، أو حتى شخص يؤمن بعقيدتك. وهذه النظرة الملتوية للعقيدة الدينية لا تقتصر على كونها منافية لفكرة السلام، وإنما هي في اعتقادي تتنافى مع جوهر الإيمان – لأن القاعدة الكامنة في قلب كل عقيدة من العقائد الكبرى تتمثل في أن نتعامل مع الآخرين كما نود أن يتعاملوا معنا.

      والتمسك بقانون المحبة هذا كان دائما لب النضال للطبيعة البشرية. لأننا غير معصومين من الخطأ. ولأننا نرتكب أخطاء، ونقع ضحايا لإغراءات الزهو والقوة وأحيانا الشر. وحتى الذين يضمرون أحسن النوايا من بيننا سيخفقون في بعض الأحيان في تصحيح الأخطاء أمامنا.

      ولكن لا ينبغي علينا أن نتصور أن الطبيعة البشرية كاملة لدرجة أن يسارونا الاعتقاد في أن أحوال البشر يمكن إصلاحها وتوصيلها لدرجة الكمال. ولا ينبغي علينا أن نعيش في عالم مثالي لكي نستمر في محاولة تحقيق تلك المثل والمبادئ التي تجعل العالم مكانا أفضل. فعدم اللجوء إلى العنف الذي مارسه رجال مثل غاندي وكينج قد لا يكون عمليا أو ممكنا في كل الظروف والأحوال، ولكن المحبة التي دعوا إليها- وإيمانهم الراسخ بتقدم البشر- يجب أن يكون دائما النجم الهادي المرشد لنا في رحلتنا.

      لأننا إن فقدنا ذلك الإيمان- إذا استبعدناه كفكرة سخيفة أو ساذجة؛ وإذا فصلناه عن القرارات التي نتخذها بشأن قضايا الحرب والسلام- فإننا نكون فقدنا أفضل ما في البشرية. نكون فقدنا الشعور بإمكانياتنا. ونكون فقدنا بوصلتنا الأخلاقية.

      وكما فعلت أجيال قبلنا، فإنه ينبغي علينا أن نرفض مستقبلا كهذا. وكما قال الدكتور كينج في مثل هذه المناسبة قبل سنوات عديدة، "إنني أرفض تقبل فكرة اليأس كرد نهائي على ما يثير الالتباسات في التاريخ. وأرفض تقبل فكرة أن "الحالة الراهنة" لأحوال الإنسان تجعله غير قادر معنويا وأخلاقيا على التوصل إلى الحالة التي "ينبغي أن تكون عليها" التي تواجهه إلى الأبد."

      لنتواصل مع العالم الذي ينبغي أن يكون- الذي يومض من الطبيعة الأسمى من طبيعة البشر التي ما زالت تتحرك داخل أرواحنا جميعا. (تصفيق) ففي مكان ما اليوم، في مكان وزمان ما، في العالم كما هو الآن، يوجد جندي يعرف أنه قد يواجه نيرانا لا يستطيع التغلب عليها، ولكنه يقف صامدا للحفاظ على السلام. وفي مكان ما، في هذا العالم، توجد محتجة شابة تتوقع ارتكاب حكومتها أعمالا وحشية، ولكن لديها الشجاعة للخروج في مسيرة. وفي مكان ما اليوم، توجد أم تواجه الفقر المدقع ما زالت تكرّس الوقت لتعليم طفلها، وتجمع بجهد شديد ما تستطيع الحصول عليه من نقود قليلة لترسل ابنها إلى المدرسة- لأنها تؤمن بأن العالم القاسي ما زال فيه مكان لأحلام هذا الطفل.

      دعونا نحذو حذوهم. وبمقدورنا أن نعترف بأن القهر سيظل دائما بين ظهرانينا، ولكننا سنظل نكافح من أجل تحقيق العدل. وبمقدورنا أن نسلّم بالآلام الموجعة للحرمان ، ومع ذلك نواصل الكفاح من أجل الكرامة. ويمكننا أن ندرك بوضوح أنه ستكون هناك حرب، ولكننا نظل نكافح من أجل السلام. يمكننا أن نفعل ذلك –لأن هذه هي حكاية التقدم الإنساني؛ وهذا هو أمل العالم كله؛ وفي لحظة التحدي هذه، يجب أن تكون هذه هي مهمتنا على ظهر الكرة الأرضية. أشكركم شكرا جزيلا.

      * نص كلمة الرئيس عند قبوله جائزة نوبل في مبنى بلدية أوسلو بالنرويج.
    • تساؤلات عويصة عن الحرب والسلام



      باراك أوباما



      12/17/2009
      باراك أوباما

      الرئيس: أصحاب الجلالة، أصحاب السمو الملكي، الموقرين أعضاء لجنة نوبل النرويجية، مواطني أمريكا ومواطني العالم: إنني أتسلم هذا الشرف بامتنان عميق وتواضع جم. هذه جائزة تدل على أسمى تطلعاتنا- وهي أننا، مع كل قساوة العالم ومشاقه، لسنا مجرد أسرى المصير. فأعمالنا ذات أهمية، وتستطيع أن توجه التاريخ في اتجاه العدالة.

      ومع ذلك فإنني سأكون مقصرا إن لم أقر بالجدل الكبير الذي ولّده قراركم السخي (ضحكات). ومرد ذلك جزئيا هو أنني في البداية، ولست عند نهاية نشاطي على المسرح العالمي. وبالمقارنة مع بعض من عمالقة التاريخ الذين تلقوا هذه الجائزة- شوايتزر وكنج؛ مارشال ومانديلا- فإن منجزاتي طفيفة. ثم هناك الرجال والنساء حول العالم الذين تعرضوا للسجن والضرب في سعيهم من أجل العدالة؛ أولئك الذين يعملون جاهدين في المنظمات الإنسانية للتخفيف من المعاناة؛ أولئك الملايين الذين لا يقدرون حق قدرهم ولكن أعمالهم الشجاعة الهادئة وحنوهم وتراحمهم تلهم أقسى المتشائمين الساخرين. وليس بوسعي أن أجادل الذين يرون أن هؤلاء الرجال والنساء- بعضهم معروف، والبعض الآخر لا يعرفه إلا من يتلقى العون منه- يستحقون هذا الشرف أكثر بكثير مني.

      ولكن ربما كانت أبرز قضية تحيط بتسلمي الجائزة هي حقيقة أنني القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة تخوض حربين، إحداهما تقترب تدريجيا من نهايتها. أما الحرب الأخرى فهي نزاع لم تسع إليه أمريكا؛ نزاع تشترك معنا فيه 42 دولة أخرى - من بينها النرويج - في محاولة للدفاع عن أنفسنا وعن كل الأمم من هجمات أخرى.

      ومع ذلك، فنحن في حرب، وأنا مسؤول عن نشر آلاف من الأمريكيين الشبان في ساحات الوغى في بلاد بعيدة. بعضهم سيَقتُلون وبعضهم سيُقتَلون. ولذا فإنني جئت هنا بإحساس حاد بالتكاليف الباهظة للنزاع المسلح- إحساس يفيض بأسئلة عويصة عن العلاقة بين الحرب والسلام، وعن جهودنا لاستبدال أحدهما بالآخر.

      وهذه الأسئلة ليست بأسئلة جديدة. فالحروب، بشكل أو بآخر، ظهرت مع الإنسان الأول. في فجر التاريخ، لم تتعرض أخلاقياتها للمساءلة والتشكيك؛ كانت مجرد حقيقة واقعة مثل القحط أو الجفاف أو المرض وكانت الحرب هي النمط الذي سعت به القبائل ثم الحضارات إلى اكتساب السلطة وسوت به خلافاتها.

      ومع مرور الزمن، وفيما سعت أحكام القانون إلى السيطرة على العنف بين الجماعات، سعى أيضا الفلاسفة ورجال الدين والساسة إلى تنظيم قوة الحرب المدمرة. وبزغ مفهوم "الحرب العادلة" الذي يقول إن الحرب لا يجوز تبريرها إلا عندما تلبي شروطا معينة: أي إن كانت تُشن كملاذ أخير أو دفاعا عن النفس؛ أو إذا استخدمت القوة بصورة متناسبة؛ أو إذا تم تجنيب المدنيين العنف، حيثما أمكن.

      وبالطبع، نحن نعلم أن مفهوم "الحرب العادلة" هذا نادرا ما روعي خلال معظم فترات التاريخ. فطاقة البشر على استنباط طرق جديدة لقتل بعضهم بعضا مَعِين لا ينضب، وكذلك طاقتنا على أن نستثني من الرحمة أولئك المختلفين عنا في المظهر أو الذين يصلون لإله آخر. والحروب بين الجيوش أخذت تفسح المجال لحروب بين الأمم- حروب شاملة طمس فيها الفرق بين المقاتلين والمدنيين. وفي فترة 30 سنة، غمر حمام الدماء هذه القارة مرتين. وفي حين من الصعب أن نتصور قضية أعدل من قضية إلحاق الهزيمة بالرايخ الثالث ودول المحور، فإن الحرب العالمية الثانية كانت نزاعا فاق فيه العدد الإجمالي للقتلى من المدنيين عدد القتلى من الجنود.

      وفي أعقاب مثل هذا الدمار، ومع إطلالة العصر النووي، أصبح واضحا للمنتصر والمهزوم على حد سواء أن العالم بحاجة لمؤسسات تمنع اندلاع حرب عالمية أخرى. وهكذا، وبعد ربع قرن من رفض مجلس الشيوخ الأمريكي عصبة الأمم- وهي الفكرة التي من أجلها نال وودرو ولسون هذه الجائزة- قادت أمر يكا العالم في بناء صرح لصون السلام: مشروع مارشال والأمم المتحدة، وآليات تحكم شؤون الحرب، ومعاهدات تحمي حقوق الإنسان، وتمنع الإبادة البشرية وتحد من أخطر الأسلحة.

      هذه الجهود نجحت بسبل شتى. نعم، شُنت حروب مروعة وارتُكبت فظائع. ولكن لم تندلع حرب عالمية ثالثة. وانتهت الحرب الباردة بجموع مهللة تحطم جدارا. وربطت التجارة الشطر الأكبر من العالم بعضه ببعض. وانتُشل البلايين من الناس من وهدة الفقر. وتقدمت بخطى مترددة مثلٌ ومبادئ الحرية وحق تقرير المصير والمساواة وحكم القانون. نحن ورثة صمود الأجيال السابقة وصبرها وبصيرتها، وهذا إرث يعتز به وطني عن جدارة.

      ومع ذلك، ونحن في أواخر العقد الأول من قرن جديد، فإن هذا الصرح العريق يرزح تحت وطأة مخاطر جديدة. لم يعد العالم يرتعد من احتمال اندلاع حرب بين دولتين عظيمتين نوويتين ولكن الانتشار النووي قد يفاقم خطر الكارثة. والإرهاب وإن ظل تكتيكا زمنا طويلا، لكن التكنولوجيا العصرية تتيح لحفنة من الرجال يستبد بهم الغضب أن يقتلوا الأبرياء على نطاق مروع.

      أضف إلى ذلك أن الحروب بين الدول أخذت تفسح المجال بصورة مطردة لحروب داخل الدول. فظهور النزاعات العرقية أو الطائفية بصورة متجددة؛ وتنامي الحركات الانفصالية، وحركات التمرد، والدول الفاشلة، كل هذه الأمور توقع المدنيين بصورة متزايدة في فوضى لا نهاية لها. ففي حروب يومنا الحاضر، يُقتل من المدنيين أكثر مما يقتل من الجنود؛ وتُغرس بذور النزاعات المستقبلية، وتُدمر الاقتصادات، وتتشرذم المجتمعات المدنية بعد تمزقها، وتتضاعف أعداد اللاجئين ويتشوه الأطفال.

      إنني لا أحمل معي اليوم حلا محددا لمشاكل الحرب. ولكن ما أعرفه هو أن مواجهة هذه التحديات سوف تتطلب نفس الرؤية والعمل الشاق والمثابرة التي تحلى بها أولئك الرجال والنساء الذين تصرفوا بجرأة وجسارة بالغتين قبل عقود من الزمن. وسوف تتطلب منا أن نفكر بطرق مختلفة إزاء مفاهيم الحرب العادلة وضرورات السلام العادل.

      وينبغي علينا أن نبدأ بالاعتراف بالحقيقة المرة: إننا لن نستأصل كل النزاعات العنيفة في حياتنا. ستكون هناك أوقات حينما تجد الدول- سواء منفردة أو مجتمعة- أن استخدام القوة ليس فقط ضروريا بل له ما يبرره أخلاقيا.

      أقول هذا وأنا واع لما قاله مارتن لوثر كينج الابن في هذا الاحتفال ذاته قبل سنوات عديدة وهو أن – "العنف لا يجلب السلام الدائم أبدا. إنه لا يحل أية مشكلة اجتماعية: فهو يصنع مجرد مشاكل جديدة وأكثر تعقيدا." وأنا كواحد يقف هنا كنتيجة مباشرة للعمل الذي كرس الدكتور كينج له حياته، أنا شاهد حي على القوة المعنوية للاعنف. وأنا أعلم أنه ما من شيء ضعيف وما من شيء سلبي وما من شيء ساذج في عقيدة غاندي وكينج.

      لكنني كرئيس دولة أديت اليمين لحماية بلدي والدفاع عنه لا أستطيع الاسترشاد بمثاليْهما فقط. فأنا أواجه العالم كما هو، ولا يسعني الوقوف جامدا في وجه الأخطار التي تهدد الشعب الأمريكي. فلا يخطئن أحد في أن: الشر موجود فعلا في العالم. فحركة اللاعنف ما كان ليكون بإمكانها أن توقف جيوش هتلر. والمفاوضات لا تقدر على إقناع زعماء القاعدة بإلقاء أسلحتهم. والقول بأن القوة قد تكون ضرورية أحيانا ليس دعوة للتشكك الساخربل هو إدراك للتاريخ ونواحي قصور البشر وحدود المعقول.

      أنا أثير هذه النقطة، أبدأ بهذه النقطة، لأن هناك ترددا عميقا في كثير من البلدان اليوم بالنسبة للعمل العسكري أيا كان السبب. ويكون هذا مقرونا أحيانا بشك انفعالي تجاه أمريكا، القوة العسكرية العظمى الوحيدة في العالم.

      لكنه ينبغي على العالم أن يتذكر أنه لم تكن مجرد المؤسسات الدولية – ولا المعاهدات والبيانات- هي فقط التي حققت الاستقرار في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومهما كانت الأخطاء التي ارتكبناها، فإن الحقيقة البسيطة الواضحة هي أن: الولايات المتحدة الأمريكية ساعدت في ضمان الأمن العالمي لأكثر من ستة عقود من الزمن بدماء مواطنينا وقوة أسلحتنا. فخدمة رجالنا ونسائنا في القوات المسلحة عززت السلام والرخاء، من ألمانيا إلى كوريا، ومكّنت الديمقراطية من الترسخ في أماكن كالبلقان. فلقد حملنا هذا العبء لا لأننا نريد فرض إرادتنا. فعلنا ذلك انطلاقا من مصلحة ذاتية مستنيرة، لأننا نسعى في سبيل مستقبل أفضل لأبنائنا وأحفادنا ونؤمن بأن حياتهم ستكون أفضل إذا استطاع أبناء وأحفاد الآخرين أن يعيشوا في حرية ورخاء.

      إذن نعم، إن لأدوات الحرب دورا تلعبه في الحفاظ على السلام. ومع ذلك، فإنه ينبغي لهذه الحقيقة أن تتعايش مع حقيقة أخرى وهي أنه – مهما كانت الحرب مبرَّرة، فهي تنذر بمأساة إنسانية. صحيح أن شجاعة الجندي وتضحيته مفعمتان بالمجد وتعبران عن الولاء للوطن وللقضية ولرفاق السلاح، لكن الحرب بحد ذاتها ليست عملا مجيدا، ويجب علينا ألا نشيد بها باعتبارها كذلك على الإطلاق.

      وهكذا فإن جزءا من التحدي الذي نواجهه هو التوفيق بين هاتين الحقيقتين اللتين تبدوان أنهما لا توافق بينهما، وهما أن الحرب ضرورية أحيانا؛ وأن الحرب، عند مستوى ما، تكون تعبيرا عن الحماقة الإنسانية. صحيح أنه ينبغي علينا أن نوجه جهدنا نحو المهمة التي دعا إليها الرئيس كينيدي منذ زمن طويل. قال "دعونا نركز اهتمامنا على سلام يكون عمليا أكثر، وأكثر قابلية للتحقيق لا على أساس ثورة مفاجئة في الطبيعة الإنسانية، وإنما على التطور التدريجي للمؤسسات الإنسانية." تطور تدريجي للمؤسسات الإنسانية.

      فما هو الشكل الذي يمكن أن يكون عليه هذا التطور؟ وما الذي يمكن أن تكونه تلك الخطوات العملية؟

      بداية، أعتقد أنه ينبغي على كل الدول – قويها وضعيفها على السواء – أن تلتزم بالمعايير التي تحكم استخدام القوة. وأنا – شأني شأن أي رئيس دولة – أحتفظ بحق التصرف من جانب واحد عند الضرورة للدفاع عن بلدي. ومع ذلك، فأنا على قناعة بأن الالتزام بالمعايير، المعايير الدولية، يقوّي أولئك الذين يلتزمون بها ويعزل – ويضعف – أولئك الذين لا يفعلون.

      لقد احتشد العالم مع أمريكا على أثر هجمات 11 سبتمبر ولا يزال يدعم جهودنا في أفغانستان وذلك بسبب هول تلك الهجمات الطائشة واعترافا بمبدأ الدفاع عن النفس. وبالمثل، أقر العالم بالحاجة إلى التصدي لصدام حسين عندما غزا الكويت – فكان ذاك إجماعا بعث برسالة واضحة للجميع عن ثمن العدوان.

      علاوة على ذلك، لا تستطيع أمريكا، ولا أي دولة، الإصرار على أن يتبع الآخرون قواعد الطريق إذا نحن أنفسنا رفضنا اتباعها. لأننا عندما نرفض يمكن أن تبدو أعمالنا اعتباطية وتنتقص من شرعية التدخل في المستقبل – مهما كان مبررا.

      تصبح لهذا أهمية خاصة عندما يمتد الغرض من العمل العسكري إلى أبعد من الدفاع عن النفس أو الدفاع عن دولة ما ضد معتد. ونحن جميعا نواجه أكثر فأكثر أسئلة صعبة حول كيفية تجنب مقتل المدنيين على أيدي حكوماتهم أو وقف حرب أهلية يمكن أن يجتاح عنفها ومعاناتها منطقة بأسرها.

      أعتقد أن بالإمكان تبرير القوة على أسس إنسانية كما كان الحال في البلقان أو في أماكن أخرى جرّحتها الحرب. فعدم العمل يمزق ضمائرنا ويمكن أن يؤدي إلى تدخل أكثر تكلفة فيما بعد. لهذا السبب يجب على كل الدول المسؤولة أن تتبنى الدور الذي تستطيع القوات العسكرية أن تلعبه في حفظ السلام بتفويض واضح.

      إن التزام أمريكا بأمن العالم لن يتزعزع أبدا. لكن أمريكا، في عالم تتوزع وتتباعد فيه الأخطار وتتعقد فيه المهام، لا تستطيع العمل وحدها. فأمريكا وحدها لا تستطيع تأمين السلام. وهذا صحيح في أفغانستان. هذا صحيح في الدول الفاشلة كالصومال حيث انضمت المجاعة والمعاناة الإنسانية إلى الإرهاب والقرصنة. ومن المحزن أن ذلك سيبقى صحيحا بالنسبة للمناطق غير المستقرة لسنوات طويلة قادمة.

      يدلل قادة بلدان منظمة حلف شمال الأطلسي وجنودها وغيرهم من الأصدقاء والحلفاء على هذه الحقيقة من خلال القدرة والشجاعة اللتين أظهروهما في أفغانستان. غير أن هناك في كثير من البلدان انفصالا بين جهود أولئك الذين يخدمون وبين تردد الجمهور الأعم. أنا أتفهم السبب في عدم شعبية الحرب، لكنني أعرف هذا أيضا وهو: أن الاعتقاد بأن السلام أمر مستحب ، نادرا ما يكون كافيا لتحقيقه. فالسلام يتطلب مسؤولية. السلام يقتضي تضحية. ولذا يجب علينا أن نقوّي الأمم المتحدة ونعزز المحافظة على السلام الإقليمي ولا نترك تلك المهمة لعدد قليل من البلدان. ولهذا السبب نحن نكرم أولئك الذين يعودون إلى الوطن من مهمات حفظ السلام والتدريب في الخارج، في أوسلو وروما وأوتاوا وسيدني، وفي داكا وكيجالي – نحن نكرمهم لا كصانعي حرب، بل كصانعين للسلام.

      دعوني أذكر نقطة أخيرة بالنسبة لاستخدام القوة. يجب علينا أيضا، حتى ونحن نتخذ القرارات الصعبة بالذهاب إلى الحرب، أن نفكر بجلاء كيف نخوضها. ولجنة نوبل أدركت هذه الحقيقة عند منحها أول جائزة للسلام لهنري دونانت، مؤسس الصليب الأحمر، والقوة الدافعة وراء اتفاقيات جنيف.

      وحيث تكون القوة ضرورية، فإن لدينا مصلحة استراتيجية وأخلاقية في إلزام أنفسنا بقواعد سلوك معينة. وحتى في الوقت الذي نواجه فيه خصما شرسا لا يلتزم بأية قواعد، فإنني أعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون رائدة في التمسك بمعايير سلوك الحرب. وهذا ما يميزنا عن أولئك الذين نقاتلهم. وهذا هو مصدر قوتنا. وهذا هو السبب في أنني حظرت التعذيب. وهذا هو السبب في أنني أمرت بإغلاق سجن جوانتانامو. وهذا هو السبب في أنني قد أكدت من جديد التزام أمريكا بالتقيد باتفاقيات جنيف. إننا نفقد أنفسنا عندما نعرّض للخطر المُثُل العليا ذاتها التي نحارب من أجل الدفاع عنها. (تصفيق) وإننا نكرم تلك المثل من خلال التمسك بها ليس فقط حينما يكون من السهل فعل ذلك، ولكن أيضا عندما يكون القيام بذلك أمرا صعبا.

      لقد تحدثت عن المسائل التي يجب أن تشغل عقولنا وقلوبنا حين نختار شن الحرب. ولكن اسمحوا لي أن أنتقل الآن إلى جهودنا الرامية إلى تجنب هذه الاختيارات المأساوية والتحدث عن ثلاث طرق يمكننا من خلالها بناء سلام عادل ودائم.

      أولا، بالنسبة للتعامل مع تلك الدول التي تنتهك القواعد والقوانين، أعتقد أنه يجب علينا تطوير بدائل للعنف تكون صارمة بما فيه الكفاية لتغيير السلوك - لأننا إذا ما أردنا تحقيق سلام دائم، عندها يجب يكون لكلمة المجتمع الدولي معنى. فتلك الأنظمة التي تخرق القواعد يجب أن تتحمل المسؤولية. والعقوبات يجب أن تترتب عليها تكلفة حقيقية. والعناد يجب أن يواجه بضغوط متزايدة - ومثل هذه الضغوط لن توجد إلا حينما يتضافر العالم ويقف صفا واحدا.

      ومن الأمثلة المهمة على ذلك الجهود المبذولة الرامية إلى منع انتشار الأسلحة النووية، والسعي من أجل تحقيق عالم خال منها. ففي منتصف القرن الماضي، وافقت الدول على الالتزام بمعاهدة كان الاتفاق فيها واضحا وهو: أن جميع الدول لها حق في الحصول على الطاقة النووية السلمية؛ وتلك الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية سوف تتخلى عن مسعاها؛ والدول التي تمتلك أسلحة نووية سوف تعمل من أجل نزع هذه الأسلحة. وأنا ملتزم بالتمسك بهذه المعاهدة. فهي تشكل نقطة محورية في سياستي الخارجية. وأنا أعمل مع الرئيس ميدفيديف للحد من مخزون الأسلحة النووية التي بحوزة أمريكا وروسيا.

      ولكن من اللازم علينا جميعا أيضا أن نصر على أن دولا مثل إيران وكوريا الشمالية لا تتلاعب بالنظام. إن أولئك الذين يدّعون أنهم يحترمون القانون الدولي لا يمكن أن يغضوا الطرف عندما يُضرب بتلك القوانين عرض الحائط. وأولئك الذين يحرصون على أمنهم لا يمكنهم أن يتجاهلوا خطر حدوث سباق تسلح في الشرق الأوسط أو شرق آسيا. وأولئك الذين يريدون السلام لا يمكنهم أن يقفوا مكتوفي الأيدي حين تسلح الدول الأخرى نفسها لحرب نووية.

      وينطبق المبدأ نفسه على أولئك الذين ينتهكون القوانين الدولية بارتكاب أعمال وحشية ضد شعوبهم. فعندما تُرتكب إبادة جماعية في دارفور، واغتصاب بشكل منتظم في الكونغو، وقمع في بورما - يجب أن تكون لهذه الأعمال عواقب. نعم، يجب الدخول في حوار؛ نعم، يجب ممارسة الدبلوماسية - ولكن يتحتم أن تكون هناك عواقب عندما تفشل هذه التدابير. وكلما كان تضافرنا معا وثيقا بدرجة أقوى ، كلما قل احتمال أن نواجه الخيار بين التدخل العسكري أوالتواطؤ مع القمع.

      وهذا يقودني إلى النقطة الثانية - وهي طبيعة السلام الذي نسعى إليه. إن السلام ليس مجرد غياب النزاع أو الصراع الظاهر. فالسلام العادل الوحيد الذي سيدوم حقا هو السلام الذي يقوم على الحقوق المتأصلة والكرامة لكل فرد.

      وهذه الرؤية كانت هي الدافع لمن وضعوا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية. ففي أعقاب الدمار، أدرك معدو الوثيقة أنه إذا لم تتم حماية حقوق الإنسان، فإن السلام لن يعدو كونه وعدا أجوف.

      ومع ذلك فإنه يتم في الكثير من الأحيان تجاهل هذه الكلمات. فبالنسبة لبعض البلدان، يُعتبر عدم احترام حقوق الإنسان أمرا يغفره الإيحاء الكاذب بأن هذه مبادئ غربية ودخيلة نوعا ما على الثقافات المحلية، أو على مراحل التنمية في البلاد. وداخل أمريكا، يوجد منذ أمد طويل توتر بين أولئك الذين يصفون أنفسهم بالواقعيين وبين المثاليين - وهو توتر يوحي بخيار واضح بين السعي الضيق من أجل المصالح أو شن حملة لا نهاية لها لفرض قيمنا في جميع أنحاء العالم.

      وإنني أرفض هذه الخيارات. وأعتقد أن السلام لا يستقر في الأماكن التي يحرم فيها المواطنون من حقهم في التعبير بحرية أو ممارسة العبادة كما يشاءون؛ واختيار زعمائهم أو التجمع دون خوف. إن المظالم المكبوتة تتقرح، وقمع الهوية القبلية والدينية يمكن أن يؤدي إلى العنف. ونحن نعلم أيضا أن العكس هو الصحيح. فلم تنعم أوروبا بالسلام إلا حين أصبحت حرة في النهاية. إن أمريكا لم تشن أبدا حربا ضد دولة ديمقراطية، وأقرب الدول الصديقة لنا هي الدول التي تحمي حقوق مواطنيها. ومهما كان التعريف قاسيا، فإنه لا مصالح أمريكا - ولا مصالح العالم – تستفيد من حرمان البشر من تطلعاتهم.

      ولذا حتى حين نحترم الثقافة والتقاليد الفريدة للبلدان المختلفة، فإن أمريكا ستظل على الدوام صوتا يدافع عن تلك التطلعات التي هي حقوق عالمية. وسوف نكون شهودا على الكرامة الهادئة للمصلحين من أمثال أونج سانج سو تشي؛ وعلى شجاعة الزمبابويين الذين أدلوا بأصواتهم رغم تعرضهم للضرب؛ وعلى المئات من الآلاف الذين خرجوا في تظاهرات صامتة عبر شوارع إيران؛ وهذا من الدلالات العميقة على أن زعماء هذه الحكومات يخشون تطلعات شعوبهم أكثر من خشيتهم من قوة أي دولة أخرى. ومن مسؤولية جميع الشعوب والدول الحرة أن توضح بجلاء أننا نقف إلى جانب هذه الحركات-- حركات الأمل والتاريخ هذه.

      اسمحوا لي أيضا أن أقول ما يلي: إن تعزيز حقوق الإنسان لا يمكن أن يتحقق بالدعودة إليها فحسب. ففي بعض الأحيان، يجب أن يكون ذلك مقرونا بدبلوماسية جادة ومضنية. وإنني أعلم أن التعامل مع الأنظمة القمعية يفتقر إلى النقاء المريح للاستياء والسخط. ولكنني أعلم أيضا أن العقوبات بدون التواصل - إدانات بدون مناقشات ومداولات- لا يمكنها إلا أن تجعل الوضع الراهن المسبب للعجز والشلل يمضي قدما. إنه لا يمكن لأي نظام قمعي أن يسلك طريقا جديدا ما لم يكن لديه خيار الباب المفتوح.

      وعلى ضوء أهوال الثورة الثقافية، فقد بدا اجتماع نيكسون مع ماو وكأنه لقاء لا يمكن اغتفاره أو تبريره. ومع ذلك فقد ساعد بالتأكيد في وضع الصين على درب مكّنها من انتشال الملايين من مواطنيها من الفقر وربطهم بالمجتمعات المنفتحة. لقد أحدثت مشاركة البابا يوحنا بولس الثاني في حوار مع بولندا مساحة ليس للكنيسة الكاثوليكية فحسب، وإنما أيضا لزعماء نقابة العمال أمثال ليخ فاوينسا. والجهود التي بذلها رونالد ريجان في سبيل الحد من التسلح وضبط الأسلحة وقبوله للبريسترويكا (الانفتاح)، لم تحسن العلاقات مع الاتحاد السوفييتي فحسب، ولكنها أيضا مكّنت المعارضين في عموم أوروبا الشرقية. لا توجد هنا معادلة بسيطة. ولكننا يجب أن نبذل كل ما في وسعنا لتحقيق التوازن بين العزل والمشاركة، وبين الضغوط والحوافز، حتى يتسنى الرقي بحقوق الإنسان وكرامته على مر الزمن.

      ثالثا، إن السلام العادل لا يقتصر على الحقوق المدنية والسياسية فحسب- وإنما يجب أن يشمل الأمن الاقتصادي وإتاحة الفرص. لأن السلام الحقيقي لا ينحصر في التحرر من الخوف، وإنما التحرر من العَوَز.

      ومن الحقيقي بدون أي شك، أن التنمية نادرا ما تتأصل جذورها في غياب الأمن؛ ومن الحقيقي أيضا أن الأمن لا يكون موجودا أينما لا يتوافر للبشر ما يكفي من الغذاء أو المياه النقية أو الدواء أو المأوى الذي يحتاجونه للبقاء على قيد الحياة. وهو لا يكون موجودا حينما لا يستطيع الأبناء أن يطمحوا في الحصول على تعليم جيد أو فرصة عمل لدعم الأسرة. إن غياب الأمل يمكن أن ينخر في المجتمع من الداخل.

      وهذا هو السبب في أن مساعدة المزارعين على إطعام شعوبهم- أو مساعدة الدول على تعليم أبنائها ورعاية مرضاها- ليس من قبيل الإحسان المحض. وهو أيضا السبب في ضرورة أن يتكاتف العالم لمواجهة تغير المناخ. ونادرا ما يكون هناك خلاف علمي على أننا إن لم نفعل أي شيء، فإننا سنواجه مزيدا من الجفاف والمجاعات والنزوح بأعداد كبيرة مما سيغذي المزيد من النزاعات والحروب لعقود طويلة. ولهذا السبب فإن الدعوة إلى اتخاذ إجراء قوي شامل لا توجَّه من الناشطين في الدعوة للمحافظة على البيئة والعلماء فحسب، وإنما من القادة العسكريين أيضا في بلدي وفي دول أخرى الذين يدركون أن أمننا المشترك أصبح في كفة الميزان.

      لذا فإن الاتفاقيات بين الدول، والمؤسسات القوية، ودعم حقوق الإنسان، والاستثمار في التنمية، كلها عناصر حيوية من أجل تحقيق التطور الذي تكلم عنه الرئيس كينيدي. ورغم ذلك فإنني لا أعتقد أنه ستكون لدينا الإرادة، ولا التصميم، ولا القوة الثابتة، لاستكمال هذه المهمة بدون إضافة شيء آخر، ألا وهو التوسع المستمر في نطاق معتقداتنا الأخلاقية؛ والإصرار على أن هناك شيئا مشتركا بيننا جميعا غير قابل للنقصان أو الاختزال.

      وفيما يصبح العالم أصغر فأصغر، فإنكم قد تفكّرون في أنه سيكون من السهل على بني البشر إدراك مدى التشابه فيما بيننا؛ وأن يدركوا أننا نسعى جميعا في الأساس لتحقيق الأشياء نفسها؛ وأننا جميعا نأمل في أن تُتاح لنا الفرصة لكي نحيا حياتنا في ظل قدر من السعادة والإنجاز لأنفسنا ولعائلاتنا.

      ورغم ذلك، فبطريقة ما، إن أخذنا في الاعتبار الوقع السريع المسبب للدوار في الاتجاه إلى العولمة، وما تؤدي إليه الحداثة من تساوي كل الثقافات، فربما تسري – وهو ما لا يمثل أي مفاجأة – الخشية بين الناس من فقدان ما يعتزون به في هوياتهم الخاصة- أي العرق والقبيلة وربما بالدرجة القصوى دينهم وعقيدتهم. وفي بعض المناطق أدت هذه الخشية إلى الصراعات والحروب. وفي بعض الأوقات سرى إحساس بأننا نتحرك نحو الوراء. وهو ما نراه في الشرق الأوسط، حيث تزداد صلابة النزاع بين العرب واليهود، على ما يبدو. ونراه في الشعوب التي تمزقت حسب الخطوط القبلية.

      أما الخطورة القصوى ، فإننا نراها في الطريقة التي يُستخدم بها الدين لتبرير قتل الأبرياء على يد أولئك الذين شوهوا وأساءوا إلى دين الإسلام العظيم، والذين هاجموا بلدي من أفغانستان. وأولئك المتطرفون ليسوا أول من قتل مستخدما اسم الله؛ فبشاعة الحملات الصليبية مسجلة بإسهاب. ولكنهم يذكروننا بأن أي حرب مقدسة لا يمكن أن تكون حربا عادلة على الإطلاق. لأنك إن كنت تؤمن حقيقة بأنك تنفذ إرادة إلهية، فليست هناك ضرورة لأي ضبط نفس- لا ضرورة لتجنيب أم حامل، أو متخصص في الرعاية الطبية، أو في الصليب الأحمر، أو حتى شخص يؤمن بعقيدتك. وهذه النظرة الملتوية للعقيدة الدينية لا تقتصر على كونها منافية لفكرة السلام، وإنما هي في اعتقادي تتنافى مع جوهر الإيمان – لأن القاعدة الكامنة في قلب كل عقيدة من العقائد الكبرى تتمثل في أن نتعامل مع الآخرين كما نود أن يتعاملوا معنا.

      والتمسك بقانون المحبة هذا كان دائما لب النضال للطبيعة البشرية. لأننا غير معصومين من الخطأ. ولأننا نرتكب أخطاء، ونقع ضحايا لإغراءات الزهو والقوة وأحيانا الشر. وحتى الذين يضمرون أحسن النوايا من بيننا سيخفقون في بعض الأحيان في تصحيح الأخطاء أمامنا.

      ولكن لا ينبغي علينا أن نتصور أن الطبيعة البشرية كاملة لدرجة أن يسارونا الاعتقاد في أن أحوال البشر يمكن إصلاحها وتوصيلها لدرجة الكمال. ولا ينبغي علينا أن نعيش في عالم مثالي لكي نستمر في محاولة تحقيق تلك المثل والمبادئ التي تجعل العالم مكانا أفضل. فعدم اللجوء إلى العنف الذي مارسه رجال مثل غاندي وكينج قد لا يكون عمليا أو ممكنا في كل الظروف والأحوال، ولكن المحبة التي دعوا إليها- وإيمانهم الراسخ بتقدم البشر- يجب أن يكون دائما النجم الهادي المرشد لنا في رحلتنا.

      لأننا إن فقدنا ذلك الإيمان- إذا استبعدناه كفكرة سخيفة أو ساذجة؛ وإذا فصلناه عن القرارات التي نتخذها بشأن قضايا الحرب والسلام- فإننا نكون فقدنا أفضل ما في البشرية. نكون فقدنا الشعور بإمكانياتنا. ونكون فقدنا بوصلتنا الأخلاقية.

      وكما فعلت أجيال قبلنا، فإنه ينبغي علينا أن نرفض مستقبلا كهذا. وكما قال الدكتور كينج في مثل هذه المناسبة قبل سنوات عديدة، "إنني أرفض تقبل فكرة اليأس كرد نهائي على ما يثير الالتباسات في التاريخ. وأرفض تقبل فكرة أن "الحالة الراهنة" لأحوال الإنسان تجعله غير قادر معنويا وأخلاقيا على التوصل إلى الحالة التي "ينبغي أن تكون عليها" التي تواجهه إلى الأبد."

      لنتواصل مع العالم الذي ينبغي أن يكون- الذي يومض من الطبيعة الأسمى من طبيعة البشر التي ما زالت تتحرك داخل أرواحنا جميعا. (تصفيق) ففي مكان ما اليوم، في مكان وزمان ما، في العالم كما هو الآن، يوجد جندي يعرف أنه قد يواجه نيرانا لا يستطيع التغلب عليها، ولكنه يقف صامدا للحفاظ على السلام. وفي مكان ما، في هذا العالم، توجد محتجة شابة تتوقع ارتكاب حكومتها أعمالا وحشية، ولكن لديها الشجاعة للخروج في مسيرة. وفي مكان ما اليوم، توجد أم تواجه الفقر المدقع ما زالت تكرّس الوقت لتعليم طفلها، وتجمع بجهد شديد ما تستطيع الحصول عليه من نقود قليلة لترسل ابنها إلى المدرسة- لأنها تؤمن بأن العالم القاسي ما زال فيه مكان لأحلام هذا الطفل.

      دعونا نحذو حذوهم. وبمقدورنا أن نعترف بأن القهر سيظل دائما بين ظهرانينا، ولكننا سنظل نكافح من أجل تحقيق العدل. وبمقدورنا أن نسلّم بالآلام الموجعة للحرمان ، ومع ذلك نواصل الكفاح من أجل الكرامة. ويمكننا أن ندرك بوضوح أنه ستكون هناك حرب، ولكننا نظل نكافح من أجل السلام. يمكننا أن نفعل ذلك –لأن هذه هي حكاية التقدم الإنساني؛ وهذا هو أمل العالم كله؛ وفي لحظة التحدي هذه، يجب أن تكون هذه هي مهمتنا على ظهر الكرة الأرضية. أشكركم شكرا جزيلا.

      * نص كلمة الرئيس عند قبوله جائزة نوبل في مبنى بلدية أوسلو بالنرويج.
    • الأمطار .. تكشف المشاريع ..!!



      عبدالله العييدي



      12/19/2009
      عبدالله العييدي

      تحدثت في مقالي السابق عن مرجعية " محاربة الفساد " وكيف أن هذا المرض انتشر في بقاع كثيرة في العالم، مما أدى إلى إصدار تنظيم من أعلى جهة عالمية وهي " الأمم المتحدة " للوقوف في وجه الفساد. وللقارئ الكريم الذي اطلع على مقالي السابق بهذا الخصوص، يجد أن الدول تحاول جاهدة بسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية ملاحقة " المعنيين باستشراء الفساد وتقديمهم للمحاكمات" للحد من هذه الظاهرة، وما يهمنا كمواطنين ومقيمين، أن نقف على السبب والمسبـّب ومناصرة أي قرارات من شأنها محاسبة المقصرين بمقدرات الوطن.

      البنية الأساسية في أي دولة، هي من أهم العوامل التي تعتمد عليها كافة التطورات سواء كانت اجتماعية ، أو صحية ، وعلمية ، وبيئية ، أو حتى تطورات مجتمعية، وعندما نـُفاجأ بأن البـُنى الأساسية التي صـُرف عليها مئات الملايين من الدولارات أصبحت دكاً تحت وطأة السيول – عندها – نقف كثيراً مع أنفسنا ..! ما الذي تم صرفه من قبل ..!؟ وكيف كانت تـُقام تلك المشاريع وهل كانت الشركات مؤهلة للقيام بهذه المشاريع من عدمه، وكيف تم تحديد هذه الشركات، وهل كانت الميزانية كافية لتنفيذ هذه المشاريع ..!!؟ تساؤلات كثيرة نجدها تمر أمامنا وإجاباتها لدى ذوي الاختصاص فأين هم من ذلك ..!؟ أين معاهد الدراسات والأكاديميين والمهندسين مما يحدث، وهل كانت لهم رؤية عندما شاهدوا " كمواطنين " بعض هذه المشاريع التي – ربما – لم يكن تنفيذها كما يجب، أو أن تنفيذها جاء مغايراً لطبيعة المنطقة التي تم التنفيذ على أرضها .!؟ ما يعرفه الكثير من الناس أن الأنفاق تم بناؤها في التقاطعات التي ستنشأ فوقها جسور، وبالتالي لا مفر من إقامتها. كما أن الأنفاق تستخدم عالمياً في المدن الساحلية ووسط البحار. في سويسرا مثلاً هناك مواقف سيارات من ثلاثة طوابق تحت بحيرة جنيف المشهورة. إذن المشكلة لدينا كما نسمع ونرى ـ إما في التصميم أو في التنفيذ. وما يهم المواطن بالدرجة الأولى هو أن تتم مراجعة المشاريع القائمة والمقبلة، لكي ينعم بالطمأنينة التي كفلها له ولاة أمر البلاد، من خلال إيجاد الرجل المناسب لاتخاذ مثل هذه القرارات التي تنعكس على الوطن بمقدراته البشرية والتنموية، لأنها في النهاية بنية أساسية تعتمد عليها الأجيال القادمة، فضلاً عن الأجيال الحالية .

      إن مايأتي علينا من " أمطار " لاتـُصنـّف ضمن الأمطار المسببة للدمار أو الكوارث، فنحن في نهاية الأمر في منطق شبه صحراوية – والأرصاد أو المختصون في الأحوال الجوية – هم الجهة الوحيدة التي تثبت أو تنفي ما أقول .. ولكن .. يبقى أن نقول .. أن لدينا من المشاريع ما يفوق التصوّر لامن حيث الميزانيات ولا من حيث الدعم الحكومي إذن ماذا يتبقى ..!؟؟ نكرر هذه الأيام .. اللهم سـُقيا رحمة لاسـُقيا عذاب .. لأن ما شاهدناه أثـّر سلباً على الوطن والمواطن وتحوّل إلى عذابات جراء الفقد البشري والمادي. فاللهم قيـّض لنا من عبادك من يؤدي الأمانة التي اؤتمن عليها من ولاة الأمر . اللهم آمين .
    • تطرف أونلاين !



      توماس فريدمان



      12/19/2009
      توماس فريدمان

      دعونا لا نخدع أنفسنا. فمهما كان الخطر الذي تمثله أفغانستان في أرض الواقع على أمن أمريكا القومي، تمثل "أفغانستان الفعلية" خطرا أكبر. وأفغانستان الفعلية هي شبكة من مئات المواقع الإلكترونية المتطرفة التي تستقطب وتدرب وتعلم وتستخدم الشباب المسلمين للانخراط في أعمال العنف ضد أمريكا والغرب. وأية خطة بزيادة أعداد القوات الأمريكية في أفغانستان على أرض الواقع ليست لديها فرصة لتحقق النجاح إن لم يكن هناك خطة موازية لها – تتم على يد القادة السياسيين والرموز الدينية في العالم العربي والإسلامي- ضد هؤلاء ممن يروجوا لأعمال العنف والتطرف في بلاد المسلمين وعبر الإنترنت.

      وفي الأسبوع الماضي، تم إلقاء القبض على خمسة رجال من فيرجينيا الشمالية في باكستان، حيث كانوا قد ذهبوا، كما قالوا للشرطة الباكستانية للانضمام إلى الجهاد ضد القوات الأمريكية في أفغانستان. هم في البداية تواصلوا مع منظمتين متطرفتين في باكستان عبر الرسائل بالبريد الالكتروني في أغسطس الماضي. وكما ذكرت الواشنطن بوست يوم الأحد الماضي:" تزايد الاستقطاب للعناصر الجديدة عبر الانترنت كثيرا، عبر مواقع مثل الفيس بوك واليوتيوب وغيرها." وقال مسؤول كبير في وزارة الأمن الداخلي الأمريكية أن "من يقوم بالاستقطاب هم عناصر أدوارهم محدودة في التنظيم." وقال إيفان كوهلمان، المحلل رفيع المستوى في مؤسسة نيفا، مجموعة غير حكومية تراقب مواقع الانترنت المتطرفة، مقرها أمريكا، قال:" يتحول المستقطبون أي الانترنت، لأنهم لا يقومون بإدوار كبيرة في التنظيم."

      جدير بالذكر أن فريق أوباما مغرم بذكر كم من الحلفاء لهم في أفغانستان. لكن نحن لا نحتاج إلى المزيد من حلفاء الناتو ليقتلوا المزيد من القاعدة أو الطالبان. نحن في حاجة إلى المزيد من الحلفاء من العالم الإسلامي والعربي لقتل أفكار التطرف، والتي صارت الآن بفضل الانترنت، أكثر انتشارا. فقط العرب والمسلمون قادرون على محاربة تلك الأفكار المتطرفة. لقد كانت هناك حرب أهلية في امريكا في منتصف القرن التاسع عشر لأنه كان هناك الكثير من الناس ممن يعتنقون أفكارا خاطئة - كان البعض يؤمن بأحقيته في استعباد الناس بسبب لون بشرتهم. وهزمت أمريكا تلك الأفكار وهزمت الأفراد والقادة والمؤسسات التي تتبناها، وفعلت أمريكا هذا بكل قوة، لدرجة أن خمسة أجيال تلت ذلك لم تغفر للشمال ما فعله أبدا. والعالم الإسلامي بحاجة إلى مثل هذه التجربة، فهناك أقلية تدعم العنف والتطرف وتؤمن بالأفكار الشريرة. هذه الأقلية لا تمانع في قتل غير المسلمين -"الكفار"- فقط، بل لا تمانع في قتل المسلمين الذين لا يقبلون العيش وفق أحكامهم.

      ولو نظرنا إلى عدد الفتاوى الصادرة من العالم الإسلامي بخصوص أسامة بن لادن لوجدناها قليلة. وفي الأسبوع الماضي في نفس اليوم الذي وافق فيه البرلمان العراقي على صيغة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة متعددة الأحزاب- الأمر غير المسبوق في تاريخ العراق الحديث- وقعت خمسة تفجيرات على يد انتحاريين ضربت مباني الوزرات وجامعة ومعهد بغداد للفنون الرفيعة، ما أدى إلى مقتل 127 على الأقل وإصابة ما لا يقل عن 400 ، الكثير منهم من الأطفال. أما إدانات ذلك العمل الإجرامي التي ظهرت عقبه فقد كانت قليلة. وكما قال مأمون الفندي، الخبير في الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، مقره لندن،، ما كان المسلمون يتحدثون عنه الأسبوع الماضي هو مسألة المآذن في سويسرا، وليس عمليات قتل الناس في العراق وباكستان. وهو يرى أنه في مثل هذه الحالات من الضروري أن تصدر فتوى تقول: إعادة الاستقرار إلى العراق واجب ديني، ونشر السلام في أفغانستان جزء من بقاء الأمة الإسلامية.

      والآن قولوا لي كيف من المفترض بنا أن نساعد في بناء أفغانستان وباكستان عندما يقتل المتطرفون "إخوانهم" المسلمين بالعشرات. لقد سيطرت على الأذهان(في الغرب) بعد أحداث 11 سبتمبر صورة تقول بأن العرب والمسلمين (رضوا) أن يكونوا دوما في موقع المفعول به، موقع الرعايا، و(الغرب) هم المسؤولون عنهم. لكن الواقع عكس ذلك، فالعرب والمسلمون ليسوا رعايا أحد. هم من يجلس في موقع الفاعل، وليس المفعول به. هم قادرون على مواجهة التحديات، وتحمل المسؤولية بشجاعة. ولو كنا نحن نريد أن يكون هناك السلام والهدوء والأمن أكثر مما يريدون هم، سيكتفوا بالتصفيق لنا ونحن نحارب من أجلهم. لكنهم يريدون ذلك أكثر منا، لذا هم بأنفسهم سيحاربون الأفكار المتطرفة والأقلية التي تدعمها في بلادهم.
    • المنطق الأمريكي اللامعقول



      وليام فاف



      12/19/2009
      وليام فاف

      لاحظ الكاتب دافيد هالبرستام، مؤلف الكتاب التحليلي القاسي عن الذين جلبوا على أمريكا حرب فيتنام، بعنوان "الأفضل والأذكى"، لاحظ أنه "بغض النظر عن مدى صغر الخطوة المبدئية، فإن أي سياسة لها حياة وفحوى خاصة بها، إنها شيء عضوي. وأكثر من ذلك، فإن فحواها وحيويتها قد لا تكون بأي شكل متناغمة مع رغبات الرئيس الذي أنشأها." لقد استغرق وقتا عصيبا لإقناع محاوريه في عصر فيتنام بالموافقة، حيث إن جزءا من كونك واحدا من أفضل وأذكى العسكريين والمدنيين يعني أنك لا تحتاج إلى نصيحة من الصحفيين.

      إنها خاصية أخرى للحياة الرسمية أنك لا تتشجع على تطبيق الدروس المستقاة من الخبرة والتاريخ (في الحالة العسكرية، قبل أن يتم دمج الخبرة في تنظيمات وإرشادات الميدان الموضوعة أمامك).

      ما يدفع إلى هذا التأمل والتفكر هو الأخبار التي لا يمكن تصديقها بأن الناس الذين يديرون الحرب في أفغانستان يفكرون في شن هجوم على مدينة باكستانية من أجل قتل إحدى أهم الشخصيات في السياسة الخارجية والأمنية الباكستانية.

      إن باكستان، كما يعلم أكثر الناس عقلانية، هي في قبضة قوى تستطيع أن تمزق البلاد لو حدث ذلك – وهو ما سيجعلها الدولة الثالثة، بعد العراق وأفغانستان، التي تدمرها الولايات المتحدة منذ ذلك اليوم المشؤوم من سبتمبر عام 2001 عندما بدأت ما تسمى الحرب على الإرهاب.

      الفكرة هي قصف الولايات المتحدة لمدينة كويتا، إحدى المدن الباكستانية الرئيسية، عاصمة أكبر محافظاتها، بلوشستان، التي تشهد بالفعل قوى انفصالية. إن كويتا هي قاعدة عسكرية باكستانية كبيرة، موطن كلية القادة والأركان التي يبلغ عمرها قرنا من الزمان والموروثة عن الجيش البريطاني.

      هذا التهديد الأمريكي المزعوم ليس مجرد تهديد بإرسال طائرات بدون طيار فوق هذه المدينة التي يسكنها 850000 نسمة، مع صواريخ تهدف إلى تقل الملا عمر، الشخصية القيادية في أحد فروع طالبان على الأقل؛ وكبار شخصيات القاعدة أيضا المفترض وجودهم في كويتا؛ وسراج حقاني، الذي يوصف بأنه أهم قادة طالبان في باكستان، والذي يفترض أن رجاله يمثلون أكبر تهديد لقوات الناتو في أفغانستان.

      وحقاني هو أيضا أحد الحلفاء والأصول الباكستانية الكبيرة القائمة منذ زمن طويل. وسيكون عاملا مهما في التصالح الإقليمي والتسوية الاستراتيجية التي ستلي هزيمة أمريكا والناتو. هذا هو أهم اعتراض على الخطة المفترضة.

      يعتقد الباكستانيون أن بعثة الناتو في أفغانستان هي مسألة غير مدروسة وغير مجدية، سيرحل عنها - بعد أن قتلت وقتل منها بأعداد كبيرة دون إنجاز شيء - الأوروبيون والأمريكيون، تماما مثلما تقهقرت الولايات المتحدة من لبنان في عهد رونالد ريجان، بعد هجوم عام 1983 على ثكنات القوات في بيروت، وكما سحب بيل كلينتون قوات الولايات المتحدة من الصومال بعد وقت ليس بالطويل من خسارة معركة مقديشيو عام 1993.

      وبعد أن يغادر الأجانب، ستجد باكستان نفسها مرة أخرى في الوضع الجيوسياسي والعسكري الحرج الخطير الذي وضعتها فيه الطبيعة وتقلبات الإنسان. إن عدوها الكبير المعلن هو الهند، الذي تشترك معه باكستان في حدود شرقية طويلة، مع وجود إيران غربها وأفغانستان على طول حدودها الشمالية الغربية. ومن ثم تقدم أفغانستان الودودة عمقا استراتيجيا في حالة أي هجوم هندي، ووصولا إلى آسيا الوسطى، بينما تمثل إيران ممرا إلى الشرق الأوسط. هذا هو النوع من الدروس التي يقومون بتدريسها في كلية القادة والأركان في كويتا.

      ويبدو كما لو أن الجنرالات الأمريكيين يقولون لباكستان: أنتِ من الآن فصاعدا ستتجاهلين مصالح أمنك القومي وتكرسين نفسك لمصالحنا، مهما كانت التكلفة التي تتكبدينها. ستقومين بتسليم كل قادة ورجال طالبان الموجودين على أرضك، وتضعين جيشك تحت سيطرتنا الاستراتيجية. وإلا، فسنقوم بقصف مدنِك.

      لماذا يعتقد "كبار المسؤولين الأمريكيين"، طبقا لصحيفة لوس أنجلوس تايمز، أن هذه خطة جيدة- سؤال لا أستطيع طوال حياتي أن أجيب عنه. أعتقد أنها وسيلة لنشر المزيد من الفوضى في المنطقة وإلحاق أضرار جوهرية بالولايات المتحدة نفسها.
    • قرارات صائبة في قمة التعاون



      ناصر اليحمدي



      12/19/2009
      ناصر اليحمدي

      تجلت مجددا مظاهر الأخوة والمحبة والتعاون في لقاء أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الدورة الثلاثين لمؤتمر قمة المجلس الذي عقد بالشقيقة الكويت لإكمال مسيرة الإنجازات التي يشهد بها كل قطر من أقطار دول المجلس .. في وقت يعتبر من الأوقات الحرجة التي تمر بها أمتنا العربية والتي تحتاج فيها لأن تكون دولها متكاتفة يدا واحدة وصفا واحدا من أجل مواجهة التحديات التي تحدق بها من كل صوب وحدب.

      إن الساحة المحلية والإقليمية والدولية تشهد الكثير من التطورات على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية لذلك كان من الضروري أن تنعقد القمة لدراسة انعكاسات تلك التطورات على المجتمع الخليجي واتخاذ مواقف موحدة إزاءها لاسيما تأثير الأزمة المالية التي أطاحت بالعديد من المؤسسات المالية العالمية.

      البيان الختامي الذي خرج عن القمة يبين مدى النجاحات التي حققها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون في توحد الرؤى حول القضايا التي تشهدها الساحة الخليجية والعربية والدولية خاصة فيما يتعلق بأمن المنطقة وتحقيق التنمية المستدامة.

      إن اتفاق قادة دول المجلس على إنشاء قوة عسكرية مشتركة للتعامل مع المخاطر الأمنية التي تهدد أيا من دول المجلس لخير برهان على أن الشعب الخليجي شعب واحد وأن أي تهديد لأي إقليم فيه هو بمثابة تهديد للمنطقة ككل .. وهذه هي الوحدة التي ننشدها جميعا لخليجنا العربي بل لأمتنا العربية.

      كما أثلج صدورنا مشروع السكة الحديد الذي سيربط دول مجلس التعاون فيما بينها والذي يعتبر نقلة تكنولوجية حضارية لأنه سيسهل طرق الانتقال من دولة لدولة ويعطينا الإحساس وكأننا نتنقل بين دول الاتحاد الأوروبي.

      ولم ينس أصحاب الجلالة القضية الشائكة التي تؤرق بال كل عربي فهو مهموم بها ويحلم بحلها ألا وهي القضية الفلسطينية فأعربوا عن تأييدهم لقرار مجلس جامعة الدول العربية الخاص بعقد جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي لإعلان قيام الدولة الفلسطينية على أراضيها المحتلة وفقا لاتفاق أوسلو وحدود 1967 والتي تنص عليها جميع الاتفاقات التي جمعت بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.. كذلك أظهر بيان القمة حسما لهذه القضية بمطالبته المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته نحو الإيقاف الفوري للنشاطات الاستيطانية وإزالة جدار الفصل العنصري وعدم السماح لإسرائيل بالمساس بوضع القدس الشريف والمحافظة على المقدسات الإسلامية والمسيحية وهذا مطلب طبيعي وعادل وآن الأوان للعمل على تحقيقه خاصة وأن العالم الآن ربما يعيش إفاقة تجعله يستشعر ما تقوم به قوات الاحتلال من انتهاكات في حق الشعب الفلسطيني الأعزل المحتل وهو ما يجب علينا استغلاله لعلنا نستطيع استرداد جزء من الحقوق الفلسطينية الضائعة وهو ما لن يتأتى سوى بتحقيق الوحدة بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة فيما بينها على أغراض زائفة.

      لقد تناول أصحاب الجلالة والسمو العديد من القضايا الساخنة التي تموج بها الساحة العربية والدولية .. فتناولوا كذلك الملف النووي الإيراني حيث رفضوا أي عمل عسكري ضد إيران لأنه بالتبعية سوف يدخل المنطقة في سلسلة من الدمار لا يعلم مداها إلا الله .. لذلك قاموا بدعوة إيران للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وهذا بكل تأكيد في مصلحة إيران في المقام الأول لأنه سيجنبها الكثير من المشاكل وينفي عنها الشكوك كما أنها لا تخفي نية سيئة فلماذا تخاف من التعاون في المجال النووي مع الوكالة ؟.

      كما على إيران أن تنهي احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث وتعيدها مرة أخرى للجارة الشقيقة وهذه هي أقل حقوق الجار والاحترام المتبادل.

      أما ملف مكافحة القرصنة البحرية فقد اندرج أيضا في البيان الختامي للقمة لما يمثله هذا الملف من قلق لجميع الدول التي لها مصالح مباشرة مع الممرات المائية الدولية التي تمارس بها هذه الجرائم اللا أخلاقية والذي يجب ألا نسكت عليه أكثر من ذلك ونبادر بمحاكمة هؤلاء المجرمين وتأمين الممرات البحرية لأن الشعور بالأمان هو ما سيساعد على النهوض بالاقتصاد وبالمجتمع ككل.

      كما تناول البيان العديد من القضايا الأخرى التي تتعلق بدولنا العربية مثل العراق والسودان ولبنان والصومال وغيرها .. كذلك تناول ما يشغل بال كل خليجي على مختلف الأصعدة الاقتصادية والتعليمية والبيئية والصحية وغيرها ليكون البيان شاملا وافيا يسوق حلولا لما يهم كل عربي غيور على هذه الأمة الممزقة. لاشك أن أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس يولون اهتماما للقضايا التي تخدم المصالح المشتركة للدول الأعضاء والتنسيق بشأنها لتحقيق التنمية المستدامة لدول المجلس والرفاهية والأمن للشعب الخليجي. وفق الله قادة دول مجلس التعاون لما فيه خير بلادهم وسدد على طريق الخير خطاهم وهداهم سبل الرشاد إنه نعم المولى ونعم النصير.

      * * *

      الترجمة أفضل وسيلة لحوار الثقافات

      التوصيات التي خرج بها المؤتمر العربي الثالث للترجمة الذي اختتم أعماله مؤخرا بأرضنا الطيبة جميعها تدعو لتطوير حركة الترجمة لما لهذه الحركة من دور مهم في العمل على تقريب الشعوب وفهم بعضهم البعض.

      تعتبر الترجمة هي الضمانة الوحيدة لحوار الثقافات وتفاعلها لكونها نافذة مهمة من نوافذ الثقافة العربية على الثقافات العالمية الأخرى .. وربما يكمن جزء كبير من مشكلة صدامنا مع الغرب في عجزهم عن فهمنا ويرجع ذلك لقصور الترجمة حيث تركنا الساحة خالية للتيارات التي من مصلحتها تشويه صورتنا في كل مكان.

      وحتى نستشعر بأهمية الترجمة فقد كان لترجمة الكتب العربية أثناء فترة ازدهار الحضارة الإسلامية للغات الأوروبية دور كبير في عملية الإحياء الحضاري لهذه الدول حيث ظلت ترجمات كتب العرب ولا سيما الكتب العلمية المصدر الوحيد تقريباً للتدريس في جامعات أوروبا ستة قرون حيث وقف العرب على منابع فلسفة اليونان الخالدة وفتحوا أبواباً جديدة لدرس الطبيعة.. كما أن الأدب يعتبر من أكثر المجالات التي تساهم في تعريف الشعوب بثقافات الآخر لما يحمله من ملامح وتجارب إنسانية معاشة داخل المجتمع تستطيع أن تنقل حضارات وثقافات الأمم من خلال صفة يجتمع عليها البشر جميعا ألا وهي صفة الإنسانية.

      لاشك أن دعوة المؤتمر لوضع سياسة لغوية قومية للوطن العربي وأخرى قطرية مشتقة عنها وإلى تطوير اللغة العربية واستخدامها الاستخدام الشامل الهدف منها في المقام الأول هو الحفاظ على لغتنا الأم من التشويه أو التأثر باللهجات الإقليمية .. فلغتنا عبر السنين أثبتت أنها قادرة على الصمود أمام أي تحديات لتغييرها خاصة إبان احتلال الدول الأجنبية للدول العربية ومحاولته طمس اللغة الأم واستبدالها بلغته ومع ذلك فقط أثبتت عبر السنين كذلك مرونتها وقدرتها على استيعاب مستجدات كل عصر.

      إن زماننا هو زمن العولمة التي يجب أن نتمسك فيه بهويتنا ولغتنا حتى لا نتوه وسط هذا الزخم من اللغات واللهجات فتتوه هويتنا وكياننا المستقل ونصبح مجرد مسخ تابع لمن نتأثر به .. كما أن اللغة العربية ليست مجرد كلمات تنطق بل هي جزء أساسي من أسس التنمية المستدامة المنشودة.

      للأسف لقد كنا مشغولين لسنوات طويلة بالترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية ولم نكن نترجم من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية وهو ما أدى لأن نتابع الإبداعات العالمية على نحو ما بينما لم يكن العالم يتابع إبداعاتنا على أي نحو لذلك نجد أن صورة العرب في أعين الأوربيين ثابتة منذ القرن السادس عشر لم يطرأ عليها أي تغير أو تحول. لاشك أن الترجمة مهمة جدا في عالم اليوم بدليل أن أديبنا الكبير نجيب محفوظ ما كان ليفوز بجائزة نوبل لولا ترجمة عدد من رواياته إلى عدد من اللغات الأوروبية فلجنة نوبل التي تختار الفائز لا تقرأ الأعمال الأدبية إلا في 4 لغات فقط هي : الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسكندنافية فكم كاتب عربي تم ترجمة عدد كاف من مؤلفاته إلى هذه اللغات الأربع ؟.. لهذا لاشك أن حجم ما يتم ترجمته من الأدب العربي لهذه اللغات يمثل عائقا أمام وصول أعمال المبدعين العرب لأيدي اللجنة... لذا يجب تغيير هذه الصورة بنوع من التوازن بحيث يتاح للقارئ الأجنبي أن يقرأ الإبداعات العربية مثلما يتاح للقارئ العربي أن يتابع الإبداعات الأجنبية.

      من المؤسف أن أدبنا العربي قام على ترجمته مجموعة من المستشرقين الذين لم ينقلوا الصورة الحقيقية لمجتمعاتنا من وجهة نظرنا الشرقية بل من وجهة نظرهم هم فجاءت مشوهة مغلوطة .. فالمستشرقون لا يعنيهم أدبنا كأعمال فنية بل كل ما يعنيهم هو ما يستخلصونه منه لشعوبهم لفهم نفسية مجتمعنا ومعرفة نواحي القوة والضعف فيها فيتعلمون كيف يتعاملون معها لتحقيق ما يريدونه من أهداف.

      لاشك أن التكامل الثقافي خطوة ضرورية في سبيل التكامل العربي عامة فلا يجب أن تنفرد كل دولة بجهد الترجمة من وإلى لغتنا الجميلة ولا يتكرر إصدار أكثر من ترجمة لعمل واحد في حين أن أعمالاً أخرى أكثر تفوقًا تنتظر النشر .. نتمنى من القائمين على ثقافتنا العربية أن يختاروا المترجم الكفء حتى يقوم بدوره المطلوب في الترجمة من وإلى لغتنا الجميلة وذلك من خلال مؤسسة عربية قومية توجد من الترجمة صناعة حقيقية وليست مجرد نشاط هامشي فردي. أتمنى لكل العرب أن يدركوا قيمة لغتهم الجميلة لغة القرآن الكريم ويحافظوا عليها من الاندثار والتحريف حتى لا تمحى هويتنا العربية الأصيلة فاللغة هي الوسيلة الوحيدة التي نستطيع بها التعبير عن أنفسنا وحضارتنا وتاريخنا التليد .

      * * *

      من فيض الخاطر

      مع بداية عام هجري جديد يتذكر كل مسلم تلك الرحلة التي قام بها المصطفى صلى الله عليه وسلم والتي كانت مع انطلاقتها بداية الدولة الإسلامية حيث أرست قواعد الدين الحنيف ومهدت لانتشاره .. فيتعظ المسلم الفطن ويتدبر ويعلم أن نصر الله قريب فهذه الرحلة المباركة تعطي الأمل في الفرج بعد الشدة والنصر بعد الهزيمة مادمنا متمسكين بحبل الله سائرين في معيته.

      إن المؤمن العاقل هو من يجعل لنفسه محطات لمحاسبة النفس ومن هذه المحطات بداية العام الهجري الجديد فيقدم مع نفسه كشف حساب عن عباداته وأفعاله .. فإن وجد أنه قدم الخير في حياته التي مرت وأسهم في عمل اجتماعي بما يعود بالنفع على مجتمعه فهو يحمد الله ويسأله المزيد من التوفيق .. وإن وجد غير ذلك فيجب أن ينوي التوبة الصادقة مع الندم على ما فات ويخطط من جديد لمستقبله ويجدد النية في الطاعة بإخلاص.

      لقد أخذ النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – بالأسباب الصحيحة في العمل للدين والدنيا معا فحقق الله له ولأصحابه ما لم يحققه لرسول من قبل .. فهل تهاجر الأمة الإسلامية الآن بالخروج من الضعف والهوان إلى العزة والكرامة ؟..

      لاشك أننا بحاجة لأن نقرأ أحداث الهجرة النبوية الشريفة مرات ومرات كي تساعدنا على الاستفادة من الحدث العظيم وتطبيق دروس الهجرة في حياتنا حتى ينعم الله علينا بالنصر ويخرجنا من الظروف الصعبة التي نمر بها سواء في الخارج أو الداخل. وكل عام والمسلمون جميعا بخير.

      * * *

      آخر كلام

      اليوم الذي يمر من عمرك دون أن تتعلم فيه شيئاً جديداً هو يوم ضائع.
    • في ذكرى الهجرة



      حسن السعيد الموافي



      12/19/2009
      حسن السعيد الموافي

      اعتاد الناس التأريخ بالأحداث العظيمة. فمثلا أرخوا بميلاد المسيح عليه وعلى نبينا وعلى سائر رسل الله أفضل الصلاة وأزكى السلام. لأن ولادته الولادة الوحيدة والفريدة التي تمت من أنثى دون أن يمسها ذكر، وما كان الناس أن تصدق بهذا الأمر أو الحدث. إلا أن الله أتى لهم بالشواهد على صدق هذا الحدث. حيث تكلم الوليد في مهده؛ مرة أمام أُمِّهِ ، يقول الله تعالى في كتابه الكريم في سورة مريم ( فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً{24} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً{25} فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً{26}) والمنادِي عيسى عليه السلام، فمنزلة الولدِ تحت منزلة والدته، وتكلم مرة أخرى أمام الناس، يقول الله عز وجل في ذلك( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً{30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً{31} وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً{32} وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً{33})[ سورة مريم]

      فمن أقدره على الكلام وهو رضيع لا يعجزه شيء؛ فكل عاقل سمع كلام الوليد أو علم بذلك من كتاب الله الذي ({لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }فصلت42 ) يُصَدِّقُ بأن أمه ولدته دون أن يمسها ذكر. ولطفا من الله بمريم أراها العجائب منذ صغرها؛ فكانت تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، فلما سئلت عن ذلك { قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }آل عمران37

      وكذلك أرخ الناس بهزيمة أبرهة الذي أراد هدم الكعبة وعجز الناس عن صده، فقهره الله عز وجل بطير من أضعف المخلوقات، على الرغم من أن جيشه مجهز بأضخم المخلوقات ( الفيل ). يقول الله عز وجل في هذا الحدث العجيب: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ{1} أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ{2} وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ{3} تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ{4} فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ{5 ) سورة الفيل وقد وُلِدَ الرسول في هذا العام صلوات ربي وسلامه عليه وعلى سائر رسل الله أجمعين وعلى صحابته الميامين وعلى آله والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

      وأرخ المصريون باضطهاد الرومان لهم لمئات السنين إلى أن أنقذهم المسلمون من هذا العذاب المهين بتضحيات جسيمة بذلوها ؛ ليخلصوا المستضعَفين من المستبِدِّين، لا لإكراههم في الدخول في الإسلام- كما يقول من يكذب التاريخ- مما جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجا، ويضحون لا بأموالهم فحسب، ولكن بأموالهم وأنفسهم. قال تعالى {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111 .

      وما كان باستطاعة المسلمين فتح مصر لو أن المصريين والرومان كانوا على قلب رجل واحد، وبذلك هيأ الله للمصريين الفرصة ليتخلصوا من عذاب المحتل اللعين ويعرفوا معنى الحرية {ِ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ }الكهف29 فاتخذت الكنيسة المصرية مبدأ السنين القبطية مبدأ تولي أقسى الحكام الظلمة عليهم، وهو يصادف الحادي عشر من سبتمبر لأعوام ثلاثة متوالية ويليهم عام تُصادِفُ فيه بداية السنة القبطية الثاني عشر من سبتمبر فنحن قبل الحادي عشر من سبتمبر سنة 2009م في عام 1725 بالأعوام القبطية. وفي الحادي عشر من سبتمبر أصبحنا في عام1726 بالأعوام القبطية .ويتحدث الدكتور نظمي لوقا عن فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي فُتِحَتْ مصر في عهده وتخلصت من حكم الرومان المستبدين قائلا في كتابه عمر بن الخطاب البطل والمثل والرجل ص 196 (وإذ أقول " نحن " سميناه الفاروق، أعني أن المسيحيين هم الذين أطلقوا عليه هذا اللقب، الذي صار عليه علما في التاريخ. فلفظ الفاروق ليس لفظا عربيا أصيلا، بل هو كما يقول البطريق " مار يعقوب أغناطيوس الثالث" بطريق السريان الأرثوذكس، وهو العالم اللغوي المتمكن – لفظٌ من أصل سرياني آرامي، فهو يعني في اللهجة السريانية الغربية "المخلص" . وأما في اللهجة السريانية الشرقية فاللفظ هو" باروق"، بمعنى المخلص أيضا. سموه هكذا لأنه هو الذي خلصهم من ظلم البيزنطيين وجورهم.

      ويؤيد ابن سعد في طبقاته القول بأن أهل الكتاب هم الذين سموه الفاروق. وليس هناك دليل ثابت على ما يشاع من أن النبي هو الذي أطلق عليه هذه التسمية. وإن كان الواحدي في أسباب نزول الآية 60 من سورة النساء ذكر واقعة أسس عليها إطلاق جبريل هذا اللقب عليه. وكان جور البيزنطيين – مع أنهم مسيحيون – على المسيحيين المخالفين لهم في النحلة شيئا رهيبا جدا. وحسبك أنهم في مصر شردوا رؤساء القبط الدينيين، ودخل عمرُو مصرَ ليجد البطريق بنيامين هاربا، مختفيا عن العيون منذ سنين! فناهيك إذن بما يلقاه مَنْ هُم دونه في المكانة، حتى استشهد كثير منهم.

      وفي الشام ، حيث بيت المقدس كان الاضطهاد لا يقل عن هذا عنفا. وكانت طائفة السريان أَوْفَى هذه الطوائف نصيبا من الظلم البيزنطي ) والمصادر التاريخية تثبت هول ما صنعه دقلديانوس من اضطهادات قاسية على المسيحيين عامة والأقباط خاصة، والحق يقال أن كل الاضطهادات التي شنتها الدولة الرومانية على المسيحية ابتداء من نيرون لتتضاءل إزاء ضراوة ووحشية سلسلة الاضطهادات التي بدأها "دقلديانوس" وأكملها أعوانه.

      فقد أصدر دقلديانوس بالاتفاق مع معاونيه في 23 فبراير سنة 303م منشورا يقضي بهدم الكنائس وحرق الكتب الدينية وطرد جميع ذوي المناصب الرفيعة من المسيحيين وحرمانهم من الحقوق المدنية، وحرمان العبيد من الحرية إن أصروا على الاعتراف بالمسيحية. كما نص المنشور على معاقبة من يخالف ذلك. كما أصدر دقلديانوس منشورين في مارس سنة 303م يقضي أولهما بسجن جميع رؤساء الكنائس، ويقضي ثانيهما بتعذيبهم بقصد قسرهم على جحد الإيمان، وقد استشهد من الأقباط مئات الآلاف من جراء هذه الاضطهادات، ورغم أن دقلديانوس لم يبدأ اضطهاده للمسيحيين إلا سنة 303م إلا أنه لفظاعة هذا الاضطهاد اتخذت الكنيسة القبطية بداية حكم هذا الطاغية وهي سنة 284م- بداية لتقويمها المعروف باسم تاريخ الشهداء. وأرخوا بأشياء أخرى غير ذلك.

      وأراد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أن يؤرخ المسلمون بشيء خاص بهم، واختير له بعض أيام الإسلام العظيمة كيوم بدر، ويوم نزول القرآن، ويوم فتح مكة، ولكن عمر- رضي الله عنه- اختار من بينها يوم الهجرة لأن في الهجرة آية عظيمة على صدق المهاجر وقوة إيمانه، حيث إنه يبيع دنياه ويترك بلده وداره وأحبابه من أجل نصرة الدين؛ عملا بقول الله- عز وجل-: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }التوبة24 فقد وصف الله- عز وجل- من يُقَدِّم ما سوى الله على الله بالفاسق. فيجب على المسلم أن يقدم الله ورسوله عما سواهما. والإنسان لا يستطيع تمييز عدوه من صديقه في أيام رخائه فكل الناس حوله تنتظر عطاياه. أمَّا في يوم الشدة فإنها تُبَيِّنُ العدو من الصديق حيث لا يقف بجانبه إلا صادق المحبة، وقد اختار الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لهذا الأمر أبا بكر الصديق رضي الله عنه.

      وإنما سمى الله عز وجل خروج الرسول من مكة إلى المدينة نصرا لأنه استطاع تحطيم أمل أعدائه فقد خيب الله سعيهم ونجى نبيه من الأعداء. {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة40 والنظرة السطحية تقول عن هذا الخروج إنه هزيمة. ونقول إنما يكون هزيمة لو كان من أخرجه واحد أو اثنان، أما إذا كان من أخرجه سائر أهل البلد فالنجاح يكون بتحطيم أملهم ويكون ذلك نصرا أيما نصر.

      ونحن حينما نذكر الهجرة أو تاريخنا الماضي نصنع ذلك امتثالا لأمر الله القائل { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }إبراهيم5. والقائل {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ }يوسف111. نذكر تاريخنا الماضي لنقتبس منه الأضواء التي تحدد لنا الهدف، وتجنبنا الزلل، وأول ما نوجه إليه النظر في حادث الهجرة الأخذ بالأسباب، فقد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ما في طوق البشر، فاتخاذ الأسباب دِين، وهذا هو الذي جعل رسول الله يختبئ في الغار حتى ييأس الكفار من الوصول إليه. وهو الذي جعل الرسول يتجه جنوبا وهو يريد جهة الشمال ليضلل أعداءه، وهو الذي جعل الرسول يعد راحلتين قويتين مستريحتين حتى تقدرا على تحمل وعثاء السفر، فالأخذ بالأسباب دين ، لكن موقف الكافر والمؤمن من السبب يختلف بعد ذلك، فالكافر يعول على الأسباب، أما المؤمن فإنه بعد أن يتخذ الأسباب كاملة لا يعول عليها، ولا يظن أنها هي التي تفعل أو تترك، بل يؤمن بأن الأمور بيد الله ،وأن النتائج تتم بقدرة الله، وعسى الله أن يجعل المسلمين يعملون بكتاب ربهم ويقتدون برسولهم فيأخذوا بالأسباب حتى يسعدهم الله في الدنيا والآخرة، إنه نعم المولى ونعم النصير {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }آل عمران8. { رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً }الكهف10 {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }آل عمران147 .
    • مكة المكرمة مركز الكون



      د. زغلـول النجـار



      12/19/2009
      د. زغلـول النجـار

      استقراءً لآيات القرآن الكريم ولأحاديث خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتضح بجلاء توسط مكة المكرمة بين السماوات السبع والأرضين السبع، وهي حقيقة دينية لا يمكن للعلم الكسبي أن يصل إليها؛ وذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يرى من فوق سطح الأرض إلا شريحة صغيرة من السماء الدنيا ووسيلته في ذلك هي النجوم التي تزين السماء الدنيا وحدها لقول الحق‏ ـ تبارك وتعالى‏ ـ :‏ " وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ " (‏الملك‏:5)‏ .

      ومن مبررات ذلك ما يلي ‏:‏

      ‏(1)‏ ورود ذكر الأرض في مقابلة السماء في عشرات الآيات القرآنية على ضآلة حجم الأرض إذا ما قورنت بالسماء، مما يشير إلى تميز موقع الأرض بالنسبة إلى السماء‏ .‏

      (2)‏ إشارة القرآن الكريم إلى البينية الفاصلة للسماء أو السماوات عن الأرض‏ في عشرين آية صريحة‏,‏ وهذه البينية لا يمكن أن تتم مع تناهي الأرض في الضآلة وتناهي السماوات في الضخامة إلا إذا كانت الأرض في المركز بين السماوات السبع والأرضين السبع‏ .‏

      (3)‏ إشارة القرآن الكريم في سورة الرحمن إلى أقطار السماوات والأرض، وقطر أي شكل هندسي هو الخط الواصل بين طرفين من أطرافه مروراً بمركزه‏,‏ وإذا كانت أقطار السماوات والأرض واحدة، فلابد وأن تكون أرضنا في المركز من السماوات السبع ‏.‏

      (4)‏ حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي يرويه مجاهد‏ ـ‏ رحمه الله‏ ـ‏ عنه بقوله : " إن الحرم حرم مناء من السماوات السبع والأرضين السبع "، ولفظة ‏(‏ مناء‏)‏ معناها القصد في الاتجاه والاستقامة مع كل من السماوات السبع والأرضين السبع ـ أي الوجود بينهما‏ ـ‏ وعلى استقامة مراكزها ، وتأكد ذلك بإثبات توسط الكعبة المشرفة للأرض الأولى ـ أي اليابسة ‏.‏

      (5)‏ حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المروي عنه بقوله‏:‏ " البيت المعمور منا مكة " ووصف ذلك البيت المعمور في حديث آخر يروى عنه‏ ـ‏ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : " هو بيت في السماء السابعة على حيال الكعبة تماما حتى لو خر لخر فوقها‏ " .‏

      من ذلك كله تتضح ومضة الإعجاز القرآني في قول الحق ـ تبارك وتعالى‏ ـ‏ مخاطباً خاتم أنبيائه ورسله‏ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ " (الأنعام-92) .

      فتتضح وسطية أم القرى ليابسة الأرض، ومن هنا يكون المنذرون هم جميع أهل الأرض بلا استثناء‏,‏ ويتضح وضع الكعبة المشرفة في وسط الأرض الأولى ـ وهي اليابسة ـ ودونها ست أراضين‏,‏ ويحيط بذلك كله سبع سماوات، وفوق الكعبة المشرفة البيت المعمور ـ زادها الله تشريفاً وتعظيماً ‏.‏

      والحمد لله على نعمة الإسلام والحمد لله على نعمة القرآن . وصل اللهم وسلم وبارك على النبي الخاتم الذي تلقاه، وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين‏ .‏
    • ماذا تريد اليابان من أمريكا؟



      ماساهيرو ماتسومورا



      12/19/2009
      ماساهيرو ماتسومورا

      بعد مرور ثلاثة أشهر منذ الانتصار الساحق الذي حققه الحزب الديمقراطي الياباني في الانتخابات العامة، تبدو السياسة الخارجية الأمنية التي تبنتها الإدارة الجديدة متعارضة على نحو متزايد مع السياسة التي تتبناها الولايات المتحدة. في الواقع، هناك قلق متزايد على جانبي المحيط الهادئ من أن يكون رئيس الوزراء يوكيو هاتوياما عازماً على التحول بعيداً عن الهيمنة الأمريكية المتدهورة والتقرب من الصين الصاعدة. بل لقد أعلن هاتوياما عن رؤيته الأولية لبناء مجتمع شرق آسيوي يستبعد الولايات المتحدة.

      لقد حاول هاتوياما على عجل تلبية بيان الحزب الديمقراطي الياباني وتعهداته الانتخابية العلنية. وهذا يشتمل على عدم تجديد الدعم لعملية الحظر التي تقودها الولايات المتحدة في المحيط الهندي، والحد من دعم القوات الأمريكية التي تستضيفها اليابان على أرضها، وإعادة النظر في اتفاقية وضع القوة الثنائية.

      فضلاً عن ذلك فإن هاتوياما عازم على فضح اتفاق نووي سري أبرم أثناء الحرب الباردة، وهو الاتفاق الذي فتح الموانئ اليابانية أمام سفن البحرية الأمريكية والتي كانت تحمل أسلحة نووية، في انتهاك لمبادئ اليابان الثلاثة فيما يتصل بمنع الانتشار النووي، والتي أرشدت السياسة الرسمية اليابانية منذ ستينيات القرن العشرين. وأخيراً وليس آخراً، يعمل هاتوياما على تأجيل تنفيذ الاتفاق الثنائي مع الولايات المتحدة والذي يقضي بنقل قاعدة سلاح مشاة البحرية الأمريكية على جزيرة أوكيناوا، من فوتنينما إلى هينوكو، وبالتالي إرباك الخطة الأمريكية الرامية إلى نقل جزء من قواتها الموجودة على جزية أوكيناوا إلى جوام.

      ولكن المغزى من هذه التحركات لم يُفهَم على النحو اللائق. ذلك أن عدوانية هاتوياما في التعامل مع الولايات المتحدة تتفق مع وضع اليابان باعتبارها أضخم جهة دائنة في العالم وصاحبة القطاع المصرفي الأقل تضرراً من جراء الأزمة. ولكن الأمر لم يشتمل على تحول حاسم في السياسة الخارجية ـ ولن نشهد مثل ذلك التحول في المستقبل القريب.

      إن هاتوياما يؤكد ببساطة على احتياج اليابان إلى الوقوف على قدم المساواة مع الولايات المتحدة في إدارة التحالف القائم بين الدولتين. وعلى نحو مماثل، فإن مجتمعه الإقليمي المقترح سوف يكون مفتوحاً بطبيعته، وسوف يرحب بالمشاركة القوية من جانب الولايات المتحدة، ولو كان ذلك من دون عضوية رسمية للولايات المتحدة، وذلك استناداً إلى أسس جغرافية.

      وهذا يعني أن القطيعة الحالية بين الولايات المتحدة واليابان مدفوعة بدوامة من عدم الثقة وليست نابعة من مخاوف استراتيجية جغرافية. فقد بدأت اليابان سلسلة من التغييرات السياسية المفاجئة، في حين أن الولايات المتحدة التي لا تدرك إلا بشكل باهت خطورة انحدارها النسبي، تفترض أن انقياد اليابان الذي دام عقوداً من الزمان سوف يستمر.

      وتتحمل بعض المسؤولية عن ذلك أيضاً تلك النقائص التي تعيب الانتقال بين الحكومات في اليابان. ذلك أن وزراء هاتوياما لم يطلبوا من أقرانهم في الإدارة الراحلة التي كانت تحت قيادة رئيس الوزراء السابق تارو آسو أن يطلعوهم على تفاصيل المشاكل القائمة والمحتملة في السياسة الخارجية. ولم يعرض عليهم أعضاء حكومة آسو، الذين أذهلتهم الهزيمة الانتخابية الساحقة، تقديم هذه التفاصيل.

      إن نقل قاعدة سلاح مشاة البحرية ـ وهي القضية المثقلة بالضرورات المتضاربة بين حكومة هاتوياما الائتلافية، والاستراتيجية العسكرية الأمريكية، والسياسة المحلية المناهضة لوجود القاعدة على جزيرة أوكيناوا ـ بات الآن يشكل نقطة محورية للتوترات مع الولايات المتحدة. والواقع أن اتفاقية القاعدة ـ التي تم التوصل إليها بعد عشرة أعوام من المفاوضات الثنائية ـ يُعَد الخيار الأكثر عملية لتجنب وقوع حوادث جوية مأساوية في منقطة مكتظة بالسكان، وللحد من الجرائم المرتكبة من جانب جنود الولايات المتحدة في حق السكان اليابانيين المحليين، والتي اشتملت على حالات اغتصاب متعددة مخزية.

      كان الاتفاق الخاص بالقاعدة يشكل ضرورة أساسية للحفاظ على المصداقية السياسية والاستراتيجية للتحالف الثنائي. ولكن أثناء الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي الياباني، تعهد هاتوياما بإنهاء الوجود سلاح مشاة البحرية الأمريكية في أوكيناوا.

      ولكي يزيد الطين بلة فقد هدد الحزب الديمقراطي الاجتماعي بالانسحاب من الائتلاف الحكومي إذا ما حنث هاتوياما بوعده ـ وهو التحرك الذي من شأنه أن يحرم الحزب الديمقراطي الياباني من الأغلبية البسيطة في مجلس الشيوخ، ويحرمه أيضاً من أغلبية ثلثي المقاعد في مجلس النواب، وهي الأغلبية المطلوبة لمعارضة القرارات التي يتخذها مجلس الشيوخ.

      وهذا يعني أن هاتوياما مرغم على وضع التحالف بين اليابان والولايات المتحدة في مرتبة أدنى من الأهمية في مقابل بقاء حكومته، على الأقل حتى يحين موعد انتخابات مجلس الشيوخ في الصيف القادم. وآنذاك سوف تكون الحكومة قد استنت المزيد من التشريعات، بحيث يتمكن الحزب الديمقراطي الياباني من الفوز بالمزيد من المقاعد.

      الواقع أن هاتوياما لا يستطيع إرضاء جميع الأطراف في كل الأوقات، وخاصة الولايات المتحدة. ورغم تأكيده مراراً وتكرراً على التكافؤ بين اليابان والولايات المتحدة في إدارة التحالف، فإن هذا لا يمتد إلى القدرات العسكرية اليابانية وأعباء الدفاع التي تتحملها اليابان. ومن الواضح أن هاتوياما يعتزم الإبقاء على التبادل غير المتكافئ والذي يشكل جزءاً أساسياً من المعاهدة الأمنية الثنائية المتبادلة: حيث تدافع الولايات المتحدة عن اليابان، وتقوم اليابان في المقابل بتأجير العديد من القواعد الضخمة للولايات المتحدة، والتي تشكل ضرورة أساسية لمكانتها العسكرية العالمية. فضلاً عن ذلك فهو يعتقد بوضوح أن القيمة الاستراتيجية الجغرافية للقواعد تمكنه من المساومة من أجل الحصول على تنازل كبرى من الولايات المتحدة.

      وإذا لم يفلح هذا النهج، وإذا ظلت قاعدة مشاة البحرية قائمة في أوكيناوا، فسوف يكون بوسع هاتوياما أن ينقل المسؤولية إلى الولايات المتحدة، ويتفادى بالتالي الضغوط المناهضة للقاعدة من جانب السكان المحليين. فضلاً عن ذلك فسوف يتمكن من الإبقاء على وجود سلاح مشاة البحرية الحالي باعتباره أداة تشغيل للتدخل العسكري الأمريكي في حالة اشتعال الأمور عبر مضيق تايوان، في حين أن جوام تقع بعيداً عن المدى الفعّال للصواريخ الباليستية الصينية.

      لا شك أن هوتوياما مخطط سياسي بارع، ولكن هذا لا يكفي ليجعل منه زعيماً حكيماً. وفي المقام الأول من الأهمية، لا ينبغي له أن يلعب بالنار: ذلك أن التحالف بين الولايات المتحدة واليابان يشكل منفعة عالمية لا غنى عنها من أجل السلام والأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

      * أستاذ العلاقات الدولية لدى موموياما جايكوين دياجاكو (جامعة سانت أندرو) في أوساكا.
    • المخاطر الخليجية من منظور اقتصادي



      أحمــد المرشــد



      12/19/2009
      أحمــد المرشــد

      عندما انعقد "حوار المنامة" أو " منتدى المنامة" لبحث التعاون الأمني في دورته الأخيرة التي انتهت الأسبوع الماضي، غاب عنه بحث الأمن الاقتصادي وكيفية تعزيز هذا الأمن وتكريسه في المنطقة، وخاصة في منطقتنا الخليجية. فالمنتدى وحسب عنوانه ركز على التعاون الأمني والعسكري وإظهار المخاوف الأمنية من انتشار الحروب والقلاقل، وما يمكن أن يخبئه المستقبل لنا.

      فمثلا ما شهده العالم من انهيارات اقتصادية ومالية، كان له أثره البالغ على الخليج، مما دفع بدوله إلى البدء في التفكير في الاستثمار في دول بعيدة عن مجلس التعاون الخليجي لتوفير البنية الآمنة والمستمرة للغذاء. وحسبما أوضح الشيخ محمد صباح السالم نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي، فإن بلاده توجهت إلى شرق آسيا وأفريقيا لمواجهة تحديات الأمن الغذائي وكيفية توفيره الاحتياجات الاستراتيجية لبلاده.

      شق آخر من الأمن الغذائي بل والمكون الرئيسي له هو مواجهة تقلبات أسعار النفط التي انهارت فجأة إلى 30 دولارا من 150 دولارا، وهو الانقلاب الرهيب الذي يضر اقتصاد دول الخليج التي تعتمد على النفط بصورة رئيسية في موازناتها. ثم الشق الثالث والذي لا يَقِلُ أهمية عما سبق وهو الانهيار في الأسواق المالية والذي يُعد الصدمة الاقتصادية الحقيقية، وهو ما تحاول الدول الخليجية مواجهتها بأقل الخسائر الاقتصادية. وهنا نطرح التساؤل: "كيف تواجه دول مجلس التعاون الخليجي كل هذه الصدمات بأقل كلفة ممكنة؟".. طبيعي ونحن نطرح التساؤل أن ننتظر الإجابات من مسؤولي التوجهات الاقتصادية والمالية حتى تطمئن قلوبنا إلى صحة سياساتنا الاقتصادية.

      وإذا انتقلنا إلى نقطة أخرى في نقاشات منتدى المنامة، فمن الأولى أن تكون مرتبطة بالشق الأمني والذي حظي بمناقشات مطولة. وهذا أمر طبيعي، لاسيما وأن المنتدى يتدارس بصورة سنوية العقبات الأمنية والعسكرية رغم أنه يجب أن يشمل كل الصدمات التي تتعرض لها دول المنطقة من أمنية وسياسية وعسكرية، وبالتالي اقتصادية، فالاقتصاد هو الذي يحرك أزمات العالم في وقتنا الراهن، بل المحرك الأساسي للتوترات العسكرية والأمنية.

      وإذا أخذنا على سبيل المثال قضية اليمن والحوثيين، سنرى أن العامل الاقتصادي هو محفزها، فحسبما يقوله الحوثيون ، فإن الحكومة اليمنية المركزية أهملت تماما تحديث مناطق الحوثيين وتقديم أية خدمات أساسية لهم ولم تقم بأية بنية أساسية في مناطقهم، مما أثار غضبهم وحنقهم من حكومة صنعاء واعتبروه تهميشا اقتصاديا وسياسيا.

      مثال آخر يدل على المحفزات الاقتصادية للتوتر، وهو الأزمة الإيرانية – الغربية بشأن ملف إيران النووي. فإيران تقول إن برنامجها النوي يهدف إلى توليد الكهرباء حتى تستطيع استخراج المزيد من الغاز والنفط، ولذلك فهي في أمسّ الحاجة إلى توليد 120 ألف ميجا وات من الطاقة النووية خلال الفترة المقبلة حتى تستوفي حاجتها من الطاقة الكهربائية.

      ومن الطاقة، ننتقل إلى الشق السياسي الذي قُتل بحثا فى منتدى المنامة.. وطبيعي أن تهيمن عليه إيران، حتى بالإمكان وصفه بأنه حوار المنامة لبحث الأزمة الإيرانية – الغربية. فالخليجيون أبدوا امتعاضهم من غيابهم أو تغييبهم بمعنى أدق عن النقاش المرتبط بهذا الملف بين إيران والغرب، رغم أن القضية تتعلق بهم أيضا وتمسهم بصورة مباشرة.

      وهذا ليس موقفا تحليليا ولكنه شبه رسمي، إذا عرفنا أنه صادر من الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية البحرين، ويقترب من الموقف الخليجي عموما.. وحسب وصف الشيخ خالد للصورة برمتها، فإن هناك من يريد عقد صفقات مع إيران من وراء ظهورنا، ووصف بهذه الدقة يستدعي أن ندق ناقوس الخطر. ولذا، كان وصفه دقيقا بسبب فشل ما سبق من مفاوضات طويلة بين الغرب وإيران، وربما يعود هذا الإخفاق لعدم مشاركة دول الخليج في المناقشات الدائرة بين الطرفين. وربما يكون الصواب قد حالف منوشهر متقي وزير خارجية إيران الذي قال إنه يعتقد أن دولا أخرى في المنطقة يمكنها أن تشارك في هذه المباحثات، في إشارة إلى ما يجري من مفاوضات بين الغرب وإيران.

      ولعلنا نتطرق هنا إلى وصف البحرين للحالة الأمنية المتأزمة وسبل تجاوزها والخروج بحل يحفظ ماء وجه الجميع وكرامتهم. فالمنتدى وكما ذكرنا يبحث القضايا السياسية والأمنية ويربط مباشرة بين الدبلوماسية والرأي، ولكن إذا كان المتحدث وزير خارجية، فلا يخرج الكلام عن هوى أو رأي أو تحليل، إنما عن موقف دولة عضو في تكتل مناطقي أكبر. فالبحرين وعلى لسان الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، تضع الحلول لتفادي أزمات المنطقة، وهذه الحلول تعتمد على تنسيق السياسات بين الدول لتفادي الشكوك، رغم تأكيده على أن هذا ليس بالحل السهل، لأن الوصول إلى هذه القناعة أمر يتطلب الكثير من الجهد وبناء بنية أساسية لتنسيق السياسات والمواقف للوصول إلى مناخ خليجي متجانس.

      ومما لا شك فيه أن منتدى المنامة يوفر فرصة لا بأس بها لمناقشة التحديات والفرص الممكنة للتعاون الإقليمي والدولي، بتركيزه على مستقبل أمن الخليج بجميع أبعاده العسكرية والسياسية والاقتصادية للوصول إلى رؤية شبه موحدة أو مستقر عليها لتطوير "مبدأ الشراكة" القائم على التفاهم والاحترام .. مما يسهم في عملية الاستقرار في المنطقة. فتعزيز الحوار لمسألة غاية في الأهمية وتؤدي بلا شك إلى الإسهام في إيجاد بيئة ايجابية تسمح بتجاوز العقبات والعراقيل وكل ما يهدد أمن المنطقة.

      وبالإمكان إجمال التهديدات التي تتعرض لها منطقة الخليج، وحتى نكون منصفين في التحليل السياسي، فهي رؤية بحرينية وإن كانت غير رسمية حيث طرحها الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة خلال مشاركته في المنتدى. خطورة ما ذكره الشيخ خالد، ووصفه الأجواء التي تسيطر على مناخات الأمن والاستقرار في الخليج بأنها محكومة برياح من الحذر والشك وعدم الثقة، مما يوحي بأن المصاعب الأمنية التي تحيط بالمنطقة غير قابلة للحل، بينما هي العكس كما يرى هو. وأهم هذه التهديدات هي:

      * القضية الفلسطينية وارتباطها باستغلال المتطرفين والإرهابيين لها في تبرير أعمالهم في كافة المناطق التي يهددونها بتصرفاتهم التي تسيئ لنا جميعا كعرب ومسلمين.

      * الوضع الأمني والسياسي في العراق، وما يرتبط به من انتخابات مرتقبة قد تتحول العراق قبلها إلى منطقة مفتوحة للإرهابيين من كافة التوجهات.

      * عودة أنشطة تنظيم القاعدة وإعادة بث بياناته للجميع، في ظل تنامي قوته، حتى وإن كانت الأجهزة الأمنية والاستخبارية تحاول تهدئة المخاوف من تنامي قوته.

      * تصاعد الحرب في اليمن بين قوات الجيش والحوثيين، ثم امتدادها إلى السعودية الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي. ونشير هنا في مواقف المجلس الواضحة والصريحة من مساندة قوية للسعودية لمواجهة امتداد التمرد الحوثي إلى أراضيها.

      * امتداد التطرف والإرهاب من أفغانستان إلى باكستان، لتتحول المنطقة إلى منطقة مد إرهابي. * تصاعد احتمالات اندلاع صراع إيراني – إسرائيلي مسلح، مما سيهدد أمن المنطقة والاقتصاد العالمي.

      وإذا كنا قد ذكرنا نقلا عن الشيخ خالد أن كل المصاعب قابلة للحل، فذلك نظرا لما يراه من ضرورة العمل على إزالة الشكوك وسوء التفاهم بين دول المنطقة من خلال الحوار وبناء الثقة وذلك على ثلاثة أسس تبدأ بعقد لقاءات للتنسيق من أجل إيجاد أجوبة للرد على تخفيف الكوارث، ثم العمل على إنشاء برنامج إقليمي لتطوير القدرات على مساعدة المناطق التي تحتاج إلى مصادر معينة، مثل حاجة اليمن وأفغانستان وباكستان لمصادر أساسية ومهمة. وأخيرا البدء بمشاورات إقليمية لمنع حصول أية كوارث نووية في المستقبل، وذلك بمساعدة هيئة دولية تهتم بالقانون النووي للمساعدة في تطبيق القوانين الدولية بالنسبة إلى القدرات النووية.

      كاتب ومحلل سياسي بحريني