ربما يصبح الحلم حقيقة

توماس فريدمان
12/8/2009
توماس فريدمان :
من المؤكد أن الرئيس أوباما أبدى قدرة وتحمل في القيادة عندما ذهب معاكسا قاعدته الحزبية، وأصدر قراره بزيادة أعداد القوات في أفغانستان. ليس هذا فحسب، بل سيضطر الرئيس إلى أن يكون أكثر صلابة ليتأكد من أن سياسته تُنفذ بالشكل المناسب. وكنت قد وضحت بالفعل في مقالي السابق سبب معارضتي تصعيد العمليات في أفغانستان. لكن طالما أن القرار قد صدر – وأنا لا أريد لبلدي – أمريكا – أن تفشل، ولرئاسة أوباما أن تغرق في أفغانستان- لدي بعض الأفكار حول كيفية تقليل احتملات أن ينتهي الأمر على سوء. ودعونا نبدأ برؤية اعتقد فيها كل من الرئيس جون كينيدي و والتر كرونكيت، الذي أجري معه لقاء في الثاني من سبتمبر لعام 1963: وقتها قال كرونكيت:" الحرب الوحيدة الدائرة رحاها الآن، بالطبع، هي حرب فيتنام، ونحن نواجه صعوبات هناك." وقال كنيدي:" أنا لا أعتقد أنه بدون أن تبذل الحكومة الفيتنامية جهدا أكبر للفوز بالدعم الشعبي، يمكننا أن نفوز في تلك الحرب. ففي الأخير هذه حربهم. وهم الطرف الذي سينتصر أو يخسر في تلك الحرب. وبالطبع يمكننا مساعدتهم، يمكننا أن نزودهم بالتجهيزات، يمكننا إرسال جنودنا إليهم. لكن شعب فيتنام هو الحري به أن يتنصر في تلك الحرب على الشيوعية. ونحن مستعدون لمواصلة دعمنا لهم، لكني لا أظن أنه ممكن الفوز في هذه الحرب إن لم يدعم الشعب الجهود. ومن وجهة نظري الشخصية، فقدت الحكومة الفيتنامية التواصل مع الشعب في الشهرين الأخيرين. " فسأل كرونكيت:" ألا ترى أنه مازال هناك وقت أمام الحكومة الفيتنامية لتسترد دعم الشعب؟" فأجاب كنيدي:" أرى هذا. ومع بعض التغيرات في السياسة، وربما في الأشخاص، أعتقد أن الحكومة قادرة على فعل ذلك. وإن لم تقم الحكومة الفيتنامية بتلك التغييرات لن تكون فرص الفوز بدعم الشعب جيدة كثيرا."
لقد غرقت أفغانستان في فوضى، والسبب في ذلك بشكل كبير هو أن حكومة الرئيس حامد كرزاي صارت متوقفة عن العمل وفاسدة بشكل هائل- تركز أكثر على استخلاص العوائد للربح الشخصي أكثر من تركيزها على الحكم. وهذا هو السبب وراء أن الكثير من الأفغان الذين ابتهجوا لوصول كرزاي في 2001، هم الآن يرحبون بقضاء الطالبان وأمنها. يقول باشتون عاطف، عامل مساعدات سابق من إقليم قندهار، في اللوس أنجلوس تايمز، مؤخرا إنه" في عام 2001، نظر معظم الشعب الأفغاني لأمريكا ليس فقط على أنها "مراقب" ، بل على أنها نموذج للديمقراطية الناجحة. لكن الذي حدث هو أن قادتنا وكأنهم حصلوا على تسوق مجاني، وتدافعوا بنهم شديد وبأسلوب متبجح للانتفاع من ثروة المساعدات الأجنبية." ومن ثم، يجب أن يكون هدفنا الرئيسي والأول في أفغانستان هو بناء حكومة أفغانية – بالتعاون مع كرزاي- "معتدلة بما يكفي" لتتمكن من اكتساب ولاء الشعب الأفغاني، وبذا، يشعر "كتلة حرجة"- مقدار كبير – من الشعب الأفغاني بملكيتهم للحكومة، ومن ثم، يكونون مستعدين للقتال من أجل حماية هذه الحكومة. لأنه حينها فقط، يمكن أن يكون هناك جيش أفغاني "قادر على حماية نفسه"، ودولة، حينها، يمكننا أن نبدأ في الخروج من هناك بحلول الموعد الأقصى الذي حدده الرئيس بيوليو 2011- دون أن نخلف ورائنا حمام دم.
ولنركز أكثر على تلك الكلمات الرئيسة: (حكومة) " معتدلة بما فيه الكفاية" و (شعور الأغلبية بـ) "ملكيتها" (للحكومة) و( جيش أفغاني قادرعلى ) "الحفاظ على نفسه". فبدون حكومة أفغانية معتدلة بما يكفي لن يشعر الأفغان بملكيتهم لها، ولو لم يشعر الشعب الأفغاني بملكيته للحكومة، لن يحارب من أجلها. وإن لم يحاربوا بأنفسهم من أجل الحكومة لن يمكن لأي تقدم نحرزه أن يصون نفسه. فقط، سينهار بمجرد رحيلنا. لكن إليكم ما يقلقني حقا: قال روبرت جيبس ، الناطق باسم الرئيس، وبشكل فاتر:" لا يمكن لهذا أن يكون بناء." ,وقال الرئيس في مأدبة الغذاء التي نظمها لكتاب الأعمدة في الصحف الأمريكية، يوم الثلاثاء الماضي،قال إنه يريد أن يتجنب "تحول المهمة" إلى مهمة بناء أمة في أفغانستان. وأنا آسف إذ أقول: هذا فقط بناء أمة. فلا يمكن أن يتم تدريب جيش وشرطة أفغانستان ليحلوا محل قواتنا لو لم يكن هناك دولة يشعر رجال الجيش والشرطة أنها تستحق أن يحاربوا من أجلها. لكن هذا يتطلب تحولا يقوم به كرزاي، بدءا من طرد معاونيه الأكثر فسادا من الخدمة، وتعيين مسؤولين يثق بهم الأفغان.
زيادة أعداد القوات هذه أيضا، وكما أشار الرئيس، تعتمد على إنهاء باكستان عداوتها مع الهند. فهذه العدوات أدت بباكستان إلى أن تدعم الطالبان للسيطرة على أفغانستان كجزء من " عمقها الاستراتيجي" مقابل الهند. فباكستان تقاتل الطالبان الذين يهاجمونها، لكنها لا تفعل ذلك مع الطالبان الذين يريدون السيطرة على أفغانستان. لذا نحن في حاجة الآن إلى أن تتوقف باكستان الهشة عن النظر إلى العمق الاستراتيجي مقابل الهند، وذلك من خلال إحياء اقتصادها ونظام المدارس فيها ومنع الجهاديين من تحقيق أي سيطرة هناك. وهذا هو السبب وراء أن أوباما سيضطر لأن يتأكد ، كل يوم، من أن كرزاي لا يتملص من الإصلاح، وأن باكستان عازمة على التخلص من معاقل وملاذات الطالبان الآمنة لديها. ولنضع الأمر بإحكام: نقول إن هذا أمامه فرصة لأن ينجح فقط لو أن كرزاي صار رجلا جديدا، لو أن باكستان صارت دولة جديدة، ولو أننا نجحنا في أمر يقول عنه الرئيس أنه لا ينوى فعله على الإطلاق، وهو بناء الأمة في أفغانستان.