هطل السّيْل على منطقتي بغزارة ، كما هطل على مناطق أخرى كثيرة من هذا البلد الطيب ، بلاد عُمان الخير ، إنني أعرف عِشْقي للسّيل ، كما أعرف عِشق الآخرين مِثْلي .. ارتديت مِعْطفاً واقياً من البلَلْ وأنا في طريقي إلى المسجد لأداء الصلاة ، لكن ابنتي أشارتْ إليّ بأنْ أتخلّى عن المِعْطف ، كيْما أتخفّف من حَجْمه على جسدي ، وأحمل ( الظّلاّليه ) أو المظلة ، في بعض مُفرادات أهل البلد ، فتلك هي أداةٌ واقية تضعها ابنتي على رأسها من بَلَلْ المطر ، اقتنعت برأيها وأخذتها ، فكَكْتُ أزرارها المُحْكمة ، وطريقة تقنيتها الجديدة ، فحين تضمّها إلى الداخل لم تكد ترى جسدها المنفتح ، والمصنوع من البلاستيك ، وحين تَرْتدّها إلى جزؤها الخارجي ، تتشكّل فوق رأسك كأنها شجرة وارفة الضلال ، تُظلّلُكَ من لهيب الشمس في صَيفها الحار ، وتحمي رأسك والجزء التالي من جسدك الأعلى من البلَلْ في يومٍ ماطر ، كهذا اليوم الاستثنائي ، أعجبتني كثيراً ، فإبنتي صغيرة " حفظها الله وأبقاها ، لكنها كبيرة في عقلها ، فطنة واعية ، تكبر عُمرها بكثير ، لها مَلكات رائعة ، قويّة في استرسالها الكلامي ، تمتلك ثقة في نفسها ، تختلف وتحافظ على فَهْم الآخر ، قد لا يُصدّق أحداً أنّ ابنة السّبعة سنوات ، لها من الوعي ما لمْ تصل إليها قريناتها ، ذوات العشرة ربيعاً ، حمدت الله على هِبته الإلهية ، وشكرته على عطاؤه النافذ ، غير المُنقطع ، عشقتُ المطر حينما كنت صَبياً ، ففي طفولتي المُبكّرة جداً ، كانت احتفاليتنا بالمطر ، لم أجدها في أيامئذٍ .. ففي مراحل صِبانا، نُحلّق إلى حيث زخّات المطر ، نهرع ، نركض ، نسقط حيناً ونتعارك حيناً ، نتقاذف بالأيدي ، حبّات البَرَدْ، نحملها بأكفّنا فنلقيها على بعضنا ، فيقوم احدنا بالرد سريعاً ، ويقذفه الآخر بحبّات البرد ، بقطع (الثلج ) التي تكَوّنت بفعل قوة برودة السّيْل ، فأحياناً تكون كتلّة على مرتفعٍ يَصْعب علينا تسلّقهِ أو اللعب به في سرعة متناهية .. أتذكّر يوم ركل احدنا كِدْس البَرد برجله ناحية زميل له فأصابته في عينيه ، فعاد راجعاً إلى البيت يصرخ عيني ، عيني .. هكذا كُنّا ، كأنما على ملعب مفتوح .. نردّد في ابتهاج وسعادة لا توصف ، أُهْزوجة السّيْل ، بحروفها وأبجدياتها التقليدية ( طاحْ السّيْل عندا لله ، وكَسّرْ حَوي عبدا لله . ) فيقوم البعض الآخر يُردد نفس الأهزوجة أو جزء منها ، فيكمّل الآخر الجزء التالي أو يَرد بأهزوجة أخرى ( طاح السّيْل في اللّيل ، وضُمْ عُمركْ يا قَليل الحِيْل ) . إنهما أهزوجتان ، كأنشودة المطر التي يتغنى بها ، الفنان محمد عبده ، فنان العرب ، من كلمات الشاعر الكبير بدر شاكر السيّاب ، نعم فأهزوجتا المَطر كانتا ولا زالتا رمزاً مُطلقاً للخير ، من زمنٍ ماضٍ وغابر .
أضواء المساء تنعكس على بِرك الماء على الطرقات وعلى زوايا البيوت أو في الحُفَر المُهملة ، خيوط المطر تنحني على الأرض ، فتمنحني سِحْراً أخاذاً ، قلت لابنتي الرائعة ، خيوط المطر تُضفي في النفس سعادة ، تخلق الدّهْشة في المشاعر ، تكسر الرّتابة وتبعدنا عن الغَفْلة ، تجعلنا سُعداء ، حين تلهج ألْسنتنا بأذكار الاستغفار ، إنها تبتّل خفيّ أو جَمْع تبتّلات بطقوسٍ تعبّديه ، لمنْ أراد أن يتفكّر أو أراد شُكورا .. إنها تحملنا إلى التفكير في الكون في السحاب المُسخّر بين السماء والأرض ، في السحابة التي يسوقها الرعد ويتبعها البرق تسبيحاً لله فتنزل مطراً بإذنه ، يجمع بين حَبّات مطر تتساقط بغزارة وبين حَبّات بردٍ تكشف عن سر دفين تسوقها الرعود والبروق ، فحين تَمُرّ السحابة تلوَ الأخرى، أو تَلْتقي سحابتين إحداهما دافئة وأخرى باردة ، أو تصطدم في جسد سحابة بيضاء وأخرى سوداء ، فتخرج لنا سيْلاً جميلاً يُحيى الأرض ومنْ عليها ..! فنتفيأْ من أشجارها ضِلالاً تخلب الأذهان ، وترتاح إليها النفوس باطمئنان غريب ، تمتزج بدهشة الرضاء وبدائع الحكمة الإلهية .. فيقوم كل شيء ميّتْ ، يا سبحان الله ، إن للمطر دهشة كوْنية لا نفقهَ تسبيحهُ ، فالرعد بصوته المخيف ، تهابه النفوس ، والبرق يسوق السحاب إلى بلد آخر ، كأنّما راعٍ يسوق غنمه من كلأٍ لأخر ، بحثاً عن أماكن فيها نبات وعشب ، لترعى وتسمن غنمه من بعد جوع .. ! خفّتْ حِدّة المطر ، وصارتْ غزارة الماء في هُدوء نسبي , اندفعت نحو المسجد ، تجاه عبادة الخالق ، لعلّي أحضى باستجابة ربّانية من المولى الكريم .
وعند عودتي من المسجد ، توقفتْ الأمطار ، وجدت ابنتي تنتظرني وبيدها كوباً من ماء السّيل المُتساقط على أرض بيتنا الطيبة .. ابتسمتْ .. هذا لكْ .. لك وحدك ، تمنّيت أنْ تشرب من ماء المطر، فأسقيناك من ماء السّيل ، ضحكتُ ههههه وقلت ، نعم تلك سُقيا رَعَتْها العين التي لا تنامْ .. هيّا اشرب .. دمعتْ عيني ، وصفىَ قلبي ، فقد عَمَرهُ ربّي بالخير والحب . انطلق لساني بتمتمة ، بدعاء خفيّ ، وخيالي يستحضر طُقوس احتفالية السّيْل بأيام مضتْ ، حين كانت ألسنة الصّبْية يوم ذاك تُردد أهزوجة السّيل ( طاحْ السّيْل عند الله ، كَسّر حَوِي عبد الله ) .
المرتاااح 13/12/2009
أضواء المساء تنعكس على بِرك الماء على الطرقات وعلى زوايا البيوت أو في الحُفَر المُهملة ، خيوط المطر تنحني على الأرض ، فتمنحني سِحْراً أخاذاً ، قلت لابنتي الرائعة ، خيوط المطر تُضفي في النفس سعادة ، تخلق الدّهْشة في المشاعر ، تكسر الرّتابة وتبعدنا عن الغَفْلة ، تجعلنا سُعداء ، حين تلهج ألْسنتنا بأذكار الاستغفار ، إنها تبتّل خفيّ أو جَمْع تبتّلات بطقوسٍ تعبّديه ، لمنْ أراد أن يتفكّر أو أراد شُكورا .. إنها تحملنا إلى التفكير في الكون في السحاب المُسخّر بين السماء والأرض ، في السحابة التي يسوقها الرعد ويتبعها البرق تسبيحاً لله فتنزل مطراً بإذنه ، يجمع بين حَبّات مطر تتساقط بغزارة وبين حَبّات بردٍ تكشف عن سر دفين تسوقها الرعود والبروق ، فحين تَمُرّ السحابة تلوَ الأخرى، أو تَلْتقي سحابتين إحداهما دافئة وأخرى باردة ، أو تصطدم في جسد سحابة بيضاء وأخرى سوداء ، فتخرج لنا سيْلاً جميلاً يُحيى الأرض ومنْ عليها ..! فنتفيأْ من أشجارها ضِلالاً تخلب الأذهان ، وترتاح إليها النفوس باطمئنان غريب ، تمتزج بدهشة الرضاء وبدائع الحكمة الإلهية .. فيقوم كل شيء ميّتْ ، يا سبحان الله ، إن للمطر دهشة كوْنية لا نفقهَ تسبيحهُ ، فالرعد بصوته المخيف ، تهابه النفوس ، والبرق يسوق السحاب إلى بلد آخر ، كأنّما راعٍ يسوق غنمه من كلأٍ لأخر ، بحثاً عن أماكن فيها نبات وعشب ، لترعى وتسمن غنمه من بعد جوع .. ! خفّتْ حِدّة المطر ، وصارتْ غزارة الماء في هُدوء نسبي , اندفعت نحو المسجد ، تجاه عبادة الخالق ، لعلّي أحضى باستجابة ربّانية من المولى الكريم .
وعند عودتي من المسجد ، توقفتْ الأمطار ، وجدت ابنتي تنتظرني وبيدها كوباً من ماء السّيل المُتساقط على أرض بيتنا الطيبة .. ابتسمتْ .. هذا لكْ .. لك وحدك ، تمنّيت أنْ تشرب من ماء المطر، فأسقيناك من ماء السّيل ، ضحكتُ ههههه وقلت ، نعم تلك سُقيا رَعَتْها العين التي لا تنامْ .. هيّا اشرب .. دمعتْ عيني ، وصفىَ قلبي ، فقد عَمَرهُ ربّي بالخير والحب . انطلق لساني بتمتمة ، بدعاء خفيّ ، وخيالي يستحضر طُقوس احتفالية السّيْل بأيام مضتْ ، حين كانت ألسنة الصّبْية يوم ذاك تُردد أهزوجة السّيل ( طاحْ السّيْل عند الله ، كَسّر حَوِي عبد الله ) .
المرتاااح 13/12/2009