يا فقراء الأرض...موتوا !

    • يا فقراء الأرض...موتوا !

      سمير الجمل

      لأن الفقراء على الأرض ليس لديهم ما يزرعون أو يصنعون يحاولون بكل السبل البحث عن أسباب للحياة حتى وإن كانت أدنى بكثير من المستوى الأدنى المتعارف عليه وتصر الدول الغنية الصناعية أن تمارس أنشطتها مهما كانت قاتلة ومدمرة للبيئة ومتلاعبة بالمناخ ..ونذكر في هذا كيف رفض الرئيس الأمريكي السابق بوش مجرد مناقشة خفض الانبعاث الحراري من المنشآت الأمريكية وهي الأعلى حسب الأبحاث والأرقام العلمية الموثوق بها.. والسؤال الآن: ما الجديد في قمة كوبنهاجن الأخيرة للمناخ؟

      لقد وعد الأغنياء بمساعدة الفقراء على استخدام طاقة نظيفة ولكنهم لم يعلنوا التعهد الحقيقي بعيدا عن التصريحات الصحفية في تلك القمة الضخمة التي شاركت فيها 192 دولة بحضور مائة من الزعماء وعلى مدى 15 يوما ؟

      ما الجديد في كوبنهاجن ؟ وقد مضى 17 عاما على بدء المفارقات المناخية التي بدأت لعناتها تصيب العالم كله بلا استثناء.. انهارت جبال الجليد واندلعت الفيضانات وارتفعت معدلات الحرارة والبرودة إلى مستويات مجنونة وكأن الأرض المسكينة قد فقدت أعصابها وبدأت تترنح بفعل عدم الاتزان وكل ما جرى من نقاش وتباحث انصب على الخطط طويلة الأجل من أجل خفض انبعاثات الكربون بحلول عام2050 .

      "إنها قمة الفرصة الأخيرة" كما قال لارس لوكي راسموسن رئيس الوزراء الدنماركي.. وربما لهذا تعهدت عدة دول بالعمل الجاد للمضي في عملية خفض انبعاث الغازات المسببة لارتفاع حرارة الأرض.. لكن متى وكيف؟ .. لا أحد يعلم على وجه الدقة ومع ذلك يرفض "راجندرا باشوري" رئيس فريق المناخ بالأمم المتحدة أسلوب نشر الرسائل الإلكترونية بين علماء المناخ في جامعة "ايست انجليا" الإيطالية لأنها تزيد الأمر تعقيدا وتجعل الناس تفقد الثقة في العلماء وفي إمكانية إنقاذ الأرض.

      "ما الجديد في كوبنهاجن ؟ ربما اعتراف الأغنياء بشكل واضح بأن مساعدة الفقراء لم تعد مجرد "منحة" فيها الكثير من السياسة وشيء من الإنسانية .. لكنها ضرورة استراتيجية لصالح الجميع وهكذا جاء في الافتتاحية التي اتفقت 56 صحيفة على نشرها في 45 دولة بعشرين لغة في وقت واحد وفيها أيضا التأكيد على تحويل البروتوكول الذي تم توقيعه عام 1997 إلى اتفاقية ملزمة للجميع للغني قبل الفقير .. الذي لا يمتلك سوى تدمير الغابات لكي تلبي احتياجاته من الطاقة وهو ما تحاول الدول الغنية العمل على وقفة بإيجاد بدائل آمنة مع التزام الدول الصناعية بخفض نسب الانبعاثات الكربونية من منشآتها المختلفة..

      وعلى جانب آخر تقول الأرقام التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي بأن الغازات الضارة هذه قد انخفضت في عام 2006/2007 نحو 1,2 بالمائة أي ما يساوي 60 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون ثم زادت الأرقام في السنوات التالية، ويقدم خبراء البيئة 10 نصائح للحياة اليومية التي تسهم في خدمة المناخ وتحسينه وهي أشياء يمكن للفرد العادي أن يسهم في ممارسته اليومية ومنها أن تناول كيلو جرام من اللحم البقري كل أسبوع أقل من المعتاد يؤدي إلى توفير 500 يورو في السنة و 700 كيلو جرام من ثاني أكسيد الكربون ( الفقراء لا يملكون هذه الرفاهية) وثانيا أن تخفيض درجة حرارة الغرفة درجة واحدة يوفر 6 بالمائة من تكاليف التدفئة وبالتالي يوفر 300 كيلو جرام من ثاني أكسيد الكربون سنويا وثالثا فإن استخدام المصابيح الموفرة للطاقة يحقق 330 كيلو جراما من ثاني أكسيد الكربون سنويا ونفس الرقم تقريبا يحققه إطفاء جهاز التكييف لمدة أربع ساعات يوميا .. وأيضا اسخدام ثلاجات حديثة ... (A++) يوفر 100 كيلو جرام من الكربون ..كما أن قيادة السيارة بوعي واستخدام غيارات السرعة بطريقة مناسبة يوفر ما يعادل 300 كيلو جرام من الكربون (طبعا الفقراء لا يمتلكون سيارات أصلا)..

      ومع ذلك علينا أن نواصل قراءة توصيات خبراء البيئة والتي جاء فيها أن الأسرة المكونة من أربعة أفراد تستطيع أن توفر 90 يورو سنويا و300 كيلو جرام من الغازات الضارة إذا ما تخلت نهائيا عن جهاز تجفيف الملابس ( مع ملاحظة أن الفقير لا يجد ما يلبسه).. كما أن جهاز التليفزيون والاستريو يوفران حوالي 100 كيلو جرام من ثاني أكسيد الكربون إذا تم فصل الكهرباء عنهما نهائيا بعد الاستعمال وبدون وضعهما في حالة "استاند باي" باستمرار المصباح الأحمر وكذلك عزل الجدران جيدا والأسقف يوفر 50% من تكاليف الطاقة..

      أي أن اللعبة كما هو واضح في يد الأغنياء سواء الأفراد أو الدول وأن الفقراء ينتظرون المساعدة في إيجاد أبسط سبل الحياة من مأكل وملبس ومسكن ورعاية صحية وهم يحاربون بشتى الطرق من أجل لقمة العيش ولا يحسبون حسابا لما يمكن أن يكون عليه المناخ لأن الموت بالنسبة لهم يقف على الباب وأقرب إليهم مما يتصورون وحتى تصل إليهم تلك الطاقة الخضراء التي وعدهم بها الأغنياء بالاعتماد على الطاقة الشمسية والرياح ..

      ولنا أن نعرف بأن انتباه العالم إلى صرخة الأرض من التغيرات المناخية قد بدأت عام 1992 في " ريودي جانيرو" البرازيلية ولم تصدر عنها اتفاقية هشة مع التأكيد على عقد قمة سنوية لهذا الغرض وحتى عام 1997 ظل الحال على ما هو حتى تم توقيع اتفاقية كيوتو.. ووقعت الدول الصناعية التزاما بهذا الخصوص وفي عام 2001 انسحبت أمريكا بوش من اتفاقية "بون" وظلت معاهدة كيوتو سارية المفعول حتى عام 2005 وإن كانت الأفضلية في ذلك تحسب لدول الاتحاد الأوروبي وكندا ونيوزيلندا والنرويج واليابان إلى جانب جنوب أفريقيا والبرازيل والصين والمكسيك والهند وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية وكانت معاهدة كيوتو تنص على خفض كميات الغازات العادمة.... في الفترة من عام 2008 الى2010بنسبة 21% والمفترض أن تأتي كوبنهاجن باتفاقية أو معاهدة أكثر إلزاما وأكثر عدلا وأن يتم الأخذ بأيدي الفقراء .. بحيث لا يصبحون ضحايا للجوع والبيئة والأغنياء في آن واحد وحتى إذا تم تفعيل المعاهدة فهل تدخل الولايات المتحدة إلى المنظومة؟ ذلك السؤال الذي ننتظره قبل كوبنهاجن وبعدها وإلا فإننا من الآن نقولها بكل وضوح :" يا فقراء العالم موتوا "!

      More...