العلاقات الإيرانية - العراقية بين جنة التعاون ونار التوتر التاريخي
الاجتياح الإيراني سيشكل حرجا لأنصار إيران في العملية السياسية العراقية
الاجتياح الإيراني سيشكل حرجا لأنصار إيران في العملية السياسية العراقية

12/21/2009
بغداد - (د ب ا) - (رويترز) : قال علي الدباغ المتحدث باسم الحكومة العراقية أمس الأول إن القوات الإيرانية انسحبت جزئيا من عند بئر نفطية متنازع عليها بين طهران وبغداد مما قد ينزع فتيل خلاف حدودي يوتر العلاقات الحساسة بين البلدين.
وأضاف أن مجموعة صغيرة من القوات الإيرانية التي كانت سيطرت على بئر نفطية في منطقة نائية على طول الحدود بين البلدين الأسبوع الماضي لم تعد مسيطرة على البئر الذي يعتبره العراق جزءا من حقل الفكة النفطي. وتابع "جرى إنزال العلم الإيراني. تراجعت القوات الإيرانية 50 مترا لكنها لم تعد أدراجها."
وقالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية إن وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي ونظيره العراقي هوشيار زيباري أكدا في اتصال هاتفي أمس الأول على الحاجة لتنظيم لقاء بين مسؤولين من البلدين "بنية تنفيذ الاتفاقات الحدودية الثنائية."
وارتفعت أسعار النفط العالمية يوم الجمعة الماضي بعد تقارير وسائل إعلام بأن قوات إيرانية سيطرت على بئر في حقل الفكة الواقع إلى الجنوب الشرقي من بغداد.
ويمكن القول إن العلاقات الدبلوماسية بين العراق وإيران عادت إلى التوتر كعادتها عبر الحقب التاريخية لكن هذه المرة في تصادم مع حكومة يقودها زعيم شيعي مما يشكل إحراجا لقادة الأحزاب الدينية الشيعية المقربة من طهران.
وحسب مصادر تاريخية فإن إيران ومنذ عام 1913 كانت تتحين الفرصة خلال مراحل ضعف العراق لترغمه على التوقيع على اتفاقيات لإعادة رسم الحدود بين البلدين لتخرج بمكتسبات على حساب العراق ويبدو أنها تريد تكرار هذه اللعبة لاقتطاع أجزاء جديدة من الأراضي العراقية مستغلة ضعف العراق ووقوعه تحت تهديدات الجماعات المسلحة وتنظيم القاعدة رغم أن القوات الأمريكية ما زالت في العراق منذ عام 2003 وحتى الآن .
وتسلل الجيش الإيراني دون مقاومة عراقية ليحتل منطقة آبار حقل الفكة النفطي في مدينة العمارة على الشريط الحدودي المشترك بين العراق وإيران ورفع العلم الإيراني في المنطقة في دلالة على احتلال المنطقة ومن ثم القيام بإجراء تحصينات وسواتر ترابية للحد من أية محاولة للوصول إليه من قبل الجيش العراقي.
ويعد حقل الفكة الذي اكتشف في سبعينيات القرن الماضي ودخل مرحلة الإنتاج ليشكل إضافة إلى حقلي أبو غرب والبزركان ، أبرز حقول مدينة العمارة(450 كم جنوبي بغداد) حيث يبلغ مجمل إنتاج هذه الحقول 100 ألف برميل في اليوم فيما تبلغ طاقة حقل الفكة وحده 30 ألف برميل في اليوم في حين يبلغ إنتاج البئر الذي يحتله الجيش الإيراني 2000 برميل في اليوم .
ولم تتقدم أية شركة أجنبية لاستثمار حقل الفكة عندما عرضه العراق للاستثمار في إطار جولة التراخيص الأولى التي أقامتها وزارة النفط العراقية في يونيو الماضي .
وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ :" حقل الفكة يقع في أراض عراقية وهناك تجاوز عليه من قبل الجانب الإيراني ".
وأضاف ، في تصريحات صحفية:" ندعو الحكومة الإيرانية إلى الحوار والحكمة والعلاقات الطبيعية بين البلدين ".
وإذا كانت السلطات العراقية قد دعت إيران إلى الحل الدبلوماسي واحترام السيادة العراقية وسحب قواتها من الأراضي العراقية فإن السلطات الإيرانية مارست سياسة أخرى لا تنسجم وتطلعات الحكومة العراقية التي تجد في إيران أبرز حليف لها من خلال إعلان إيران رسميا أن الأراضي التي دخلها الجيش الإيراني في حقل الفكة أراض إيرانية وفق اتفاقية الجزائر عام 1975الموقعة بين الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وشاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي لترسيم الحدود بين البلدين .
وفتح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي موضوع الديون وقال إن بلاده لديها ديون على العراق تبلغ أكثر من 1000مليار دولار جراء الحرب العراقية الإيرانية ( 1980­- 1988) .
وقال حسن كاظمي قمي سفير إيران لدى العراق ، في تصريحات صحفية نشرت في بغداد، إن إيران لم تدخل أي قوات عسكرية إلى الأراضي العراقية ".
وأضاف " أفند هذه الأنباء جملة وتفصيلا وهناك سياسة تعاون وحسن جوار بين البلدين ". وذكر خبراء عراقيون أن إيران لم يسبق لها أن استولت على آبار حقل الفكة منذ اكتشافه عام 1979 ، وكان حقلا عراقيا خالصا لكن بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 اعتبر هذا الحقل من الحقول المشتركة بين العراق وإيران حيث سبق للجيش الإيراني أن دخل المنطقة لعدة مرات ومنع العاملين العراقيين من الوصول إليها ودخلت وزارة النفط العراقية مع نظيرتها الإيرانية في جولة مباحثات للتوافق على صيغ مشتركة للإنتاج في هذا الحقل لكنها لم تحقق نتائج إيجابية .
وقال الدكتور حميد فاضل أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد " يبدو أن الاجتياح الإيراني لحقل الفكة مرتبط بنجاح جولة تراخيص استثمار الحقول النفطية العراقية ورفع معدلات الإنتاج فيها إلى نحو 12 مليون برميل في اليوم بعد ست سنوات حيث تحاول إيران من هذه الاجتياح إرسال رسالة إلى الشركات الأجنبية بصعوبة العمل في العراق خاصة وأن عددا من الحقول تقع في مناطق غير محسومة من خلال المفاوضات بسبب عدم ترسيم الحدود مع دول الجوار".
وأضاف :"أخشى أن يعطى دخول الجيش الإيراني للأراضي العراقية مبررا للقوات الأمريكية لتمديد فترة بقائها ومن ثم الرد على الاعتداءات التي تطال الأراضي العراقية ".
وقال :" يفترض أن تكون إيران أكثر حكمة ومساعدة للعراق في التخلص من القوات الأمريكية خاصة وأن هذه القوات تقع على حدودها الغربية ".
وأوضح فاضل :" أعتقد أن الاجتياح الإيراني للعراق سيشكل حرجا لأنصار ومحبي إيران في العملية السياسية لأن إيران عندما اختارت الحل العسكري لفرض سياسة الأمر الواقع لحل أزمة الحقول المشتركة اخطأت كثيرا وتسرعت وهي مطالبة بإعادة النظر في هذا القرار ".
وذكر" أن التباين في التصريحات الإيرانية حول دخول الجيش الإيراني من عدمه إلى الأراضي العراقية يؤكد حقيقة أن الجيش الإيراني اخترق الحدود بالفعل وهو أسلوب غير موفق لإيجاد حلول لإنهاء أزمة الحقول المشتركة بين البلدين ". وليس لدى العراق اليوم ، منذ الغزو الأمريكي عام 2003 وحتى الآن ، قوات عسكرية قادرة على الدفاع أو صد أي هجوم عسكري خارجي بعد أن تم تجريد هذا الجيش من جميع وسائل الدفاع من قوات جوية إلى أسلحة دفاعية ثقيلة فضلا عن أن هذا الجيش إضافة إلى الأجهزة الأمنية الأخرى منشغلة حاليا في عمليات أمنية لضبط الأمن الداخلي ومقارعة الجماعات المسلحة.
وقال النائب أسامة النجيفي عضو البرلمان العراقي :" المواقف الإيرانية حيال احتلال بئر نفطي عراقي هي جزء من سياسة التسويف والمماطلة حتى تتمركز في المنطقة وهو مخطط معروف للهيمنة واحتلال العراق والتدخل في شؤونه الداخلية ".
وأضاف أن"حكومة المالكي أمام امتحان صعب لحماية حدود العراق والوقوف بوجه التجاوزات والأطماع الإيرانية وعلى الحكومة العراقية أن تستعين بالجيش الأمريكي في إطار الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن لحماية الحدود العراقية والتحرك عسكريا ودبلوماسيا لإخراج الجيش الإيراني من المنطقة وإلا سيكون احتلالا دائما ".
وقال النجيفي :" تريد إيران أن تكون بديلا للقوات الأمريكية التي تعتزم البدء في الانسحاب من العراق وفق توقيتات الاتفاقية الأمنية ونحن بحاجة إلى رد فعل أمريكي لوقف زحف الجيش الإيراني الذي بدأت طلائعه بالدخول إلى الأراضي العراقية لاحتلال الحقول النفطية ".
وحسب نائب عراقي فإن إيران دائما ما تستغل مراحل ضعف العراق لتعقد اتفاقيات حدودية منذ عام 1913 حيث كان العراق تحت الاحتلال العثماني ثم عام 1937 حيث كان العراق تحت الاحتلال البريطاني وفي عام 1975حيث وقع العراق اتفاقية مع إيران وكان يعيش مشاكل داخلية بين الحكومة والأكراد حيث أسفرت هذه الاتفاقية عن تنازل العراق عن نصف شط العرب لصالح إيران.
وقال النائب رشبد العزاوي :" إذا كانت إيران قد تجاوزت على حقل نفطي فإن الشعب العراقي لن يسكت إذا انتهكت السيادة العراقية وعلى الحكومة أن توضح هذا للشعب".
ويبدو أن قادة التيارات والأحزاب الدينية المقربة من إيران سيكونون في وضع حرج مع قرب انطلاق الدعاية الانتخابية حيث ستنشط الكتل العلمانية لأن تضع موضوع الاجتياح الإيراني للعراق في مقدمة برامجها وستحث الجمهور للضغط على هذه التيارات لتبيان موقفها من هذا الاجتياح .