حتى لا تكون "قبيلة الكتّاب" ضد المجتمع ودولة المؤسسات - جديد عبدالله الحراصي

    • حتى لا تكون "قبيلة الكتّاب" ضد المجتمع ودولة المؤسسات - جديد عبدالله الحراصي


      حتى لا تكون "قبيلة الكتّاب" ضد المجتمع ودولة المؤسسات


      عبدالله الحرّاصي





      نشر في ملحق "ن"، جريدة "الشبيبة" العمانية، الأثنين 7 ديسمبر 2009










      من شنيع الأمور التي يقع فيها الكتّاب تحت إغراء الانفعال الجمعي وإغوائه تحويل أنفسهم إلى قبيلة يتكاتف أفرادها لما يعدّونه مصلحة تجمعهم، وكما قال الشاعر الجاهلي حول قبيلته غزيّة فإنك تجد معشر الكتّاب يغوون حين تغوى قبيلتهم ويرشدون حين ترشد، وإن غوى أحدهم يغوى البقية تحت تأثير الانتصار لفرد قبيلتهم الذي آثر الغواية. وليتها كانت غواية حقيقية!!

      أعني بالمقدمة السابقة أن الكتابة بدلاَ من أن تكون شكلاً من أشكال توسعة الكون بالمختلف والمتمايز عمّا هو سائد من رؤى وأفكار ترسخها الأيام والتقاليد والمصالح في الأدب والفكر، بدلاً من هذا فإنك تجد دعوة لخلق مجموعة بشرية تمارس ذات الرؤى والأفكار التي ينبغي أن تتمايز عنها وتختلف، وهي "قبيلة الكتّاب". أرى بكلمات أخرى أنه لا ينبغي أن يوجد شيء اسمه "قبيلة الكتّاب" بحسب المنحنى الذي نراه يتصاعد في عمان، ويتجلى خصوصاً في بعض الأحداث الصغيرة التي لا ينبغي الالتفات الحقيقي إليها والتي لا تعبر عن تأزم اجتماعي يستدعي مواقف تنطلق من قيم حول حريّة الرأي والتعبير.

      هنا أوضح أمراً مهماً وهو أن حديثي هنا لا يعني الدعوة إلى عدم اتخاذ الموقف، بل إن اتخاذ الموقف، الفردي والجمعي، في حينه الحقّ هو أمر واجب لا محيد عنه، ولكن الأمور ليس على الإطلاق الذي يتم استسهاله في كثير من الأحيان. هناك أمران ينبغي إيضاحهما هنا. أولهما أن الكتابة التي تجذب المواقف المساندة والمعاضدة هي تلك الكتابة التي تحمل موقفاً يشترك فيه الكاتب ومن يسانده ويعضده من الكتّاب أو غيرهم، وهنا فإن المعيّار ليس الاشتراك في فعل الكتابة من قبل الكاتب ومن يقف معه، وإنما الموقف الذي يشتركون فيه ويرون وجوب التضحية من أجله انطلاقاً من منظومة فكرية يعتنقونها. الأمر الثاني وليد الأمر الأول، ومفاده أن أفراد المجتمع، من يكتب منهم ومن لا يكتب، يختلفون في منظوماتهم الفكرية في رؤية الكون والحياة، وتبعاً لذلك فإنهم يختلفون في مواقفهم المتباينة، وهنا فإن المواقف التي يعبر عنها الكتّاب تجد ردود فعل مختلفة من القرّاء المختلفين، كلّ بحسب رؤيته وتقييمه، بمعنى أن الكاتب يجد من يسانده ويعضد فكرته، ويجد في الآن ذاته من يختلف معه ويرى الخلل فيما يكتب.

      نأتي الآن إلى أمر يعلو على المواقف المتباينة المنطلقة من منظومات فكرية مختلفة لأتحدث عن مطلق حريّة الموقف والكلمة، وهذا حقّ إنساني. أستدعي هنا القول المأثور "أختلف معك ولكني سأموت دفاعاً عن حقك في قول ما تعتقد"، الذي يفيد بحق الفرد، كاتباً كان أم غيره، في التعبير عن رؤاه المختلفة في مجالات الثقافة والمجتمع والسياسة وخصوصاً نمط الحكم وأداءه وسواها من المجالات، وضرورة قبول حق حرية الفكر وحرية التعبير لأنه حقّ إنساني أولاً وللفائدة التي يجنيها الفرد والمجتمع من خلال الاختلاف في الفكر والاختلاف في التعبير. أستدعي هنا كذلك قولاً ينسب لمكسيم غوركي "جئت إلى هذا العالم لكي أختلف معه". الفكر الحقيقي والتعبير الحقيقي هما أمران يخالفان ما هو سائد بالضرورة.

      ومخالفة السائد، فكراً وتعبيراً، حقّ للإنسان، وقد نصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية". حقّ التفكير والتعبير هو إذاً حقّ لازم من حقوق الإنسان، ولكن، وهي "ولكن" كبيرة، علينا أن لا نخلط حقّ الرأي والتعبير بقضايا مختلفة تماماً عنها. بمعنى آخر أن حريّة الرأي والتعبير لا تعني أبداً أن كل ما يأتي مكتوباً هو أمر يعبّر بالضرورة عن حريّة الرأي والتعبير ويستلزم الدفاع عنه ومعاضدته. يستطيع الآن أن أي شخص أن يتعرض بالشتائم لشخص ما في شخصه وفي أسرته مثلاً، غير أن هذا ليس من قبيل حريّة الرأي والتعبير، وإنما هو تعرض لشخص أو لأسرة تم من خلال استخدام الكتابة. لا الكتابة مقدسة ولا الكتّاب مقدسون، والأمور ليست على إطلاقها.

      لنأت إلى ما تشهده المحاكم العمانية بين فينة وأخرى (ويحدث هذا في كثير من مناطق العالم) من قضايا يثيرها بعض أفراد المجتمع يرون أنهم تضرروا بشكل من الأشكال جرّاء كتابة ما، وعلى الأخص حين يرى هؤلاء الأفراد أن كاتباً ما وصفهم، بالتحديد، بأوصاف سلبية في نص أدبي في الغالب، وقصصي في الأغلب. هنا علينا تمييز نقاط عديدة أهمها أن من حقّ الإنسان الذي يرى أنه تضرر بشكل يراه أن يذهب إلى المحكمة ليشتكي. هذا حق من حقوق الإنسان. يقول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق"، ويقول "لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة"، ويضيف "لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون". هنا فإن الشخص المشتكي رأى بأن كرامته الشخصية قد انتهكت بما ورد في الكتابة التي يشتكي عليها.

      هنا يأتي سؤال يتعلق بقضية تفسير النص الأدبي: ما الذي ينبغي أن يحدث في الأمور المختلف حولها؟ أي حين يرى شخص بأن كرامته الشخصية الفردية قد انتهكت في كتابة ما، فيما يرى الكاتب بأنه لم يقصد فلاناً بذاته وإنما قدّم للقرّاء شخصية أدبية متخيلة وليست موجودة حقيقة. أرى أن علينا أن نعود إلى الواقع هنا: الأمر يعتمد على الوعي الاجتماعي في المجتمع بأكمله، وبما أن قضايا من هذا القبيل تتكرر بين فترة وأخرى فإن هذا يعني بأن المجتمع ما يزال لا يميل للرؤية التي يعتقدها الكتاب، وما زال العديد من الناس يقرأون الأدب قراءة لا تنفصل عن ذواتهم ولا يعتبرونه خلقاً أدبياً وإنما نصاً يتقاطع مع واقعهم في دوائر يرونها موجودة وواقعية، خصوصاً حين يحمل النص الأدبي ما يرونه من دلائل تدلّ عليهم كوصف منطقتهم أو وصف أشخاصهم. كما أن قبول القضاء لهذه القضايا يصب في الدلالة على ذات الظاهرة، لأن القضاء جزء من المجتمع، وسبيل من سبل تنظيم المحافظة على حقوقه، ومنها حقوق الأشخاص الذي يرون بأنهم متضررون من الكتابة بشكل من الأشكال.

      علينا في هذه الحالة أن ندافع عن حقّ المتضرر في الدفاع عن حقه الأصيل، أي الدفاع عن نفسه إزاء ما يراه انتهاكاً لكرامته، وكذلك عن حق الكاتب في الدفاع عن الرؤية التي يراها، غير أن ما ينبغي ألا نفعله هو أن نقف تلقائياً مع الكاتب لمجرد أنه كاتب، فالكتابة موقف وليست استقواءً على المجتمع. بكلمات أخرى علينا أن نترك الأمر للعمليات القضائية بمختلف أشكالها لتحل أمر هذه القضايا الفردية. لماذا؟ أولاً لأن هذه الحالات ليست من قضايا حريّة الرأي والتعبير، وإنما قضية اجتماعية بين فردين تصادف أن أحدهما كاتب. ثانياً أن السعي للتدخل في عمل القضاء هو ضد العملية التي ينبغي أن يدافع عنها الكتّاب، وهي قضية تعزيز دولة المؤسسات والقانون.

      وبعيداً عن القضايا الفردية التي ينبغي أن تترك للمحاكم فإن من الواجب القيام بمزيد من النقاشات حول الظاهرة بعمومها وليس في حالاتها الفردية، أي عن الأمر الذي يجعل مثل هذه القضايا تتكرر، وعن أبعاد الكتابة الإبداعية والاجتماعية وعن القوانين المتعلقة بها، وأن تتم مثل هذه النقاشات وعملية التوعية بمسؤولية تحفظ حقوق الجميع، وعلى الكتّاب، في رؤيتي المتواضعة، أن لا يقدموا أنفسهم باعتبارهم قبيلة مقدسة تستطيع أن تتجنى على من تتجنى عليهم دون أن يقعوا تحت قوة القانون، وألا يتكتلوا ضد المجتمع ملوحين بسيف الكتابة الذي يحملونه. ومن الواجب كذلك توسيع دائرة التوعية والمناقشات للمجتمع بأكمله، ولمؤسسة القضاء باعتبارها مؤسسة اجتماعية ينبغي الحفاظ على حياديتها، بالمزيد من الوعي المسؤول حول الكتابة وحول التمايز بين عوالم الكتابة وعالم الواقع.

      <b>













      المصدر : مدونة عبدالله الحراصي


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions