عائشَة السيفيّ
ufuq4ever@yahoo.com
باستطاعتيْ أنْ أسمّيهِ "مقَالَ العام" بالنسبَة لما نشرتهُ هذا العام منْ موادّ ردهاتيّة .. مقاليَ الأخير الذيْ نشرتهُ قبلَ أسبوعينِ بعنوانِ "أن أكونَ متديّنة وصُورتيْ على الفيس بُوك" .. وأصدقكمُ القولَ أنّي كنتُ قد جهزتُ حينها مادّة أخرى كاستكمَالٍ للمادَةِ الأولى لتخمينيْ أنّ المقالَ سيثيرُ من الهجُوم الكثير لكنني صدمتُ فعلاً لردودِ الفعل الإيجابيّة التي أبدَاها القرّاء المجهولونَ خاصّة .. في بريديْ وفي حسابيْ على الفيس بُوك وفي مدوّنتي أسعدتني الردُود كثيراً وشعرتُ أنّ هنالك العشرَات ممن يفكّرون بنفسِ الطريقَة لكنّهم غير قادرين على تلخيصِ أفكَارهم وتقدِيمها علانيَة ..
قبلَ أيّام .. استضَافت جماعَة الخليلِ للأدبِ مجمُوعة من الكتّاب السرديينَ كان منهُم عبدالله حبيب وقد لفتتنيْ جملَة مؤثّرة قالها هي أنّ مجتمعنَا لا زالَ جديداً على النقد .. والنقد الصحيّ خاصّة .. النقد الموضوعيّ الذي لا يجرّح فيْ شخصِ كاتبِ النصّ وإنّما "يهزّق النصّ" نفسهُ ..
قال عبدالله حبيب: "نحنُ نخرجُ إلى الحيَاة وثقافَة النقد غائبَة عنّا .. لا نستطيعُ نقد المجتمعِ ، ولا السُلطة ، ولا الثقافَة .. لا نستطيعُ انتقَادَ أبوينَا ولا زملائنا ولا معلّمينا.. ولذا فإننا نخرجُ متشربينَ فكرَة رفض النقد حتّى وإنْ كانَ علمياً وغير عاطفيّ .."
لأجلِ ذلكَ كانَ من الطبيعيّ جداً أنْ يثيرَ ما ذكرتُ ردودَ فعلٍ معارضَة جداً .. معَ أنّ كثيراً من الكتّاب العرب كتبُوا عنِ "ازدواجيّة التدين" خاصّة ً في الوطن العربيّ لدينا ، رغمَ عدمِ انتشَار كتاباتٍ كهذهِ فيْ عُمان .. ونحنُ حينَ نمسّ هذهِ الخطُوط نقابلُ في الجهَة الأخرَى بردود أفعالٍ غريبَة بعيدَة عن الوسطيّة ..
لعلّها كانت قليلَة .. لكنّها فعلاً تستحقُ تسليطَ الضّوء .. بعضهُم بعثَ يقولُ ليْ أنتِ العضوُ فلان وفلان اللذينِ يدافعانِ عن أفكارك في مقالكِ المنقولِ بمنتدَى الانترنت الفلانيّ والحقيقَة لم أستغرِب أن أتّهم بالتخفّي تحت اسم مستعارٍ رغم أنّي لم أفعلها في حياتي كلّها سوَى بمعرّف واحد أتسوّق بهِ في إحدى منتدياتِ الانترنت ولا أحبّ أن ينتهكَ أحدٌ خصوصيّتي
الإشكاليّة الحقيقيّة أن ظنّ الكثيرين في أنّ الكاتبِ يدافعُ عن نفسهِ باسم مستعَار لأنهم غير قادرينَ على التفكيرِ أنّ هنالكَ آخرين ممن يفكّرون بنفسِ تفكيرهِ .. أنا لا أعرف على الإطلاقِ أيّ كاتبٍ منتدياتيّ باسمٍ مستعار .. لكنّ ما أدهشنيْ هوَ غيَاب الوسطيّة في التعاطيْ مع أيّ فكرَة حوَار .. وتحسّس كل أحدٍ البطحَة على رأسهِ خاصّة في المنتديات وكأنني من أقصدهُ شخصياً في قاليْ فهذا يقولُ هي كتبتْ بناءً على نقدي السّابق لها.. وأنا يا جماعَة لم أكتبْ لا عن مداخلَة فلان الانترنتيّ ولا عن علان..
أكثر ما أدهشنيْ يا أصدقاء هو تلقيَّ رسائل منْ مجهولينَ يشكروننيْ على المقالِ وخاتمينَ رسائلهم بِ "تيّار اللادينيين العمانيين" ، وكأننيْ كرّستُ لمفاهيمِ إبعادِ الدينِ عن تصرفَاتنا في الحياة .. وهوَ ما لم أعنهِ على الإطلاق.. ثمّة تطرّف في التعاطي وفهم أفكَار المقالاتِ الناقدَة لتصرفاتٍ تربطُ بالدين وقد لا تمثلهُ بشكلٍ من الأشكالِ..
مقاليْ الطويل جداً لخّصهُ أحدُ القرّاء المثقفين في مداخلةٍ صغيرَة للغايَة أجدنيْ لا أستطيعُ تفويتها أمامكُم وهيَ لمثقّف انترنتيّ اسمهُ ناصر العميريّ قالَ في تعليقهِ:
(الفهم الخاطئ للدين والانتقائية (Selectivity) في تطبيق الممارسات الدينية... كل هذا يقود إلى الأفكار المريضة وازدواجية المعايير(Double Standards)... الانتقائية مثل حمل الفتاة للعطر حرام وعيب... أما سرقة واجب زميل فشئ عادي...
ازدواجية المعايير مثل: شيء طبيعي أن تكون صوري في الفيس بوك لأنني رجل بينما يعتبر عيبا و عارا أن تضع عائشة السيفي صورتها المحتشمة في مدونتها...
أيضا هناك مسافة هائلة بين ما نؤمن به وبين ما نطبقه في حياتنا اليومية... هذا يؤدي إلى التعارض، مثل الغيبة والنميمة حرام... لكن شاعرنا-في المقال- لا يتورع عن اغتياب زميلته وتلويث سمعتها... وأراهن لو سألناه لقال أنه لن يغتاب أحدا أبدا...لأنّ الغيبة حرام)
أوْ ظنّ بعضهم أنّي أرمي باللمزِ إلى الملتحينَ في المجتمعِ وكأننيْ أحتكرُ ازدواجيّة استخدام الدين عليهم فقط وهوَ ليسَ صحيحاً على الإطلاق
بلْ أغلب الفئات التيْ ذكرتها في موضوعيْ من الرجالِ خاصّة هم أشخاصٌ غير ملتحين يحضرُون الدين فقط حينَ "يدقّ" في مزاجهم .. ويقصُونه وقتما شعرُوا أنه يتنافى مع ما يودّون فعلهُ ..
يظنّ كثيرُونَ أنّ الازدواجيّة مرتبطَة فقط في استخدامِ الدين لكنّ هذا ليسَ صحيحاً على الإطلاق .. فالآخرينَ الذينَ يعارضُون استخدامَ الدين كطريقَة حياة نادراً ما نجدُ منهُم المعتدل .. وهوَ ما ألمحهُ في كتاباتِ كثيرٍ من المدوّنين ..
مؤخراً سادتْ موضَة الانتقاص من الدين بين المدوّنين الخليجيين .. وقد كنتُ أقرأ في كثيرٍ من الأحيان مواضيعَ متطرّفة للغايَة لا مبرّر لأصحابها سوَى رغبتهم في الانتقاصِ من فكرَة الدّين .. ومن يطبّقه ..
وأصبحتْ على الجانبِ الآخر تدارُ "قهاوي" المقالات والحكَايات عن فئات "المطاوعَة" المتعارفُ على تسميتهم بهذا الاسم في مجتمعاتنا رغمَ تحفظيْ على ذلك ..
ومنْ ثمّ شهدَ العامانِ الأخيرَان نشر عددٍ من الرواياتِ الخليجيّة تتركّز حولَ نفسِ النقطة ..
سأقولُ لكم أنيْ أستغربُ من مدوّنين ينادُون بقيم الحريّة والانفتاح على الآخر ويهاجمُون فئات كهذهِ من المتدينين بصيغَة الجمعيّة وهوَ أبعد ما يكُون عن مهنيّة الطرح ..
أذكرُ مرة ً على الفيس بوك كانَ هنالك شاعر خليجيّ علاقتيْ جيّدة معه لكننيْ كنتُ في كلّ مرة أراهُ يلطّش في الكلام.. وآخر ما وصلنيْ منهُ على صفحَة الفيس بُوك كانَ في عيد الفطر وقد علّق قائلاً : (كيف حال إلهِ الذبح والدم لديكم .. هل شبع من ذبائحكم؟) أوْ قبلها وهوَ يسخر من اختلاف أوّل أيام العيد من دولَة لأخرى حسب رؤيَة القمر .. وهوَ يقول ( هل أذن ربّ القمر في عاصمَة الدولة فلانيّة بالعيد ورفض ربّ القمر فيْ الدولة الأخرى ببدءِ عيدِ عبادهِ؟) وكانتْ كلّ ردودهِ على هذا المنوَال ..
فرددتُ عليهِ قائلة ً : (أيها الأخ الكريم .. تنادي باحترامِ آرائك وحريّة مبادئك وتدّعي الليبراليّة وأنت غيرُ قادرٍ على تطبيقِ أبسطِ معتقدَات ما تنادي بهِ وهوَ احترام مقدّسات الناس وأنتَ تلطّش عليها برماحكَ يميناً وشمالاً .. أهذا ما علّمتكَ إيّاهُ حياةُ الحريّة التيْ تعلكُ بها طوالَ الوقتِ؟)
نفسُ الفكرَةِ كرّرها رجلٌ آخر يدعيْ ما يدعيهِ سابقهُ .. وكنّا في جلسَة على هامشِ مهرجَان الشارقة قبلَ عامين .. كنّا نتحدّثُ عنْ ازدواجيّة تطبيقِ المفاهِيم لدَى كثيرٍ من المتزوّجين .. فالزوجُ يحلّ لهُ أن يفعلَ كذا وكذا بينما لا يحلّ للزوجَةِ ذلك رغمَ عدم رفض الدينِ لفعلها ..
فعلّق أحد الحاضرين بطريقَة ملفتَة جداً قائلاً أنهُ يؤمنُ بالمسَاواةِ ولذلكَ فإنّه حلفَ على زوجتهِ في أوّل يومِ زواج وهما في الطريق للمطار قائلاً : (والله ما تطلعين للمطار إلا وانتِ خالعَة زي ما أنا خالع ) .. ألقاها وكأنهُ يلقي نكتَة ظريفَة ثمّ أكمل: ومن يومهَا تعوّدت زوجتي على الخروجِ دونَ حجاب..
كنتُ أديرهَا في رأسيْ وأقولُ لعلّ تفكيريْ قاصرٌ في فهمِ ما قالهُ وفيْ فهمِ نكتتهِ التيْ أضحكَتِ الجميع ..لكنْ بأيّ منطقٍ يعتبرُ أنّ إجبار الزوجِ امرأتهُ على تطبيقِ مفاهيم لا يمارسهَا باسمِ الدّين هوَ ازدواجيّة لكنهُ لا يعتقدُ أنّ إجبارهُ امرأتهُ على خلعِ حجابهَا هوَ أيضاً انتهاك لمفاهيم حريّة الفكر والمعتقد التيْ ينادي بها !
حياتنَا مليئة بهكذَا مفاهيم .. الفصل بينَ ما نؤمنُ بهِ وما نمارسهُ .. تقولُ الأمّ لطفلها لا تكذب بطّيح النار.. لكنّه في جلسَة واحدَة برفقتهَا وهي مع جاراتهَا يكتشفُ أنّ أمّه "بطّيح النار كثيراً" ..
ويسمعُ معلّم التربيَة الاسلاميّة وهوَ يقدّم درساً في الأمانَة وإخلاص العَمل ومراقبةِ اللهِ لنا في كلّ ما نفعل .. لكنّ الطالب يلمحُ المعلّم وهو يتغاضَى عن طلابهِ وهم يغشُون في الامتحان ..
نماذجُ كهذهِ صادفتُها ولابدّ أن كثيراً منكُم صادفهَا .. كلّ هذا يميّع مفهُوم حضُور الدين لدينا ونبدأ شيئاً فشيئاً بالإيمان أننا نحنُ السلطة المخوّلة ونحنُ المرجعيّة العليا في انتقاء الدين واختيَار وقتِ إسقاطهِ على تصرفاتنا ووقتِ إقصائهِ ، وحتّى حينَ ندعيْ الحريّة والليبراليّة وننادي باللاتدين فإننا بطريقَة وبأخرى ننافي أبسط قيم ما بنينا عليهِ ادعاءاتنا وهوَ الموضوعيّة في رفضِ ما لا نؤمن بهِ دون الانتقاص أو التجريح غير الموضوعيْ ودونَ أن نكونَ متطرفين في آرائنا .. لأنهُ صحيحٌ جداً أن الحريّة كذلك قد تكونُ متطرّفة ومزدوجَة حين ننادي بها ولا نستطيعُ جعلها وسيلَة لاحترام شعائر وإيمانيات الآخرين .. المتدينين تحديداً ..
نعم لدينا ازدواجيّة في التدين ، شئنا أم أبينا وأراهن أن أحداً منكُم صادفها ولو مرّة في حياتهِ .. ازدواجيّة كهذهِ كانتْ سبباً في تنفير الكثيرين من حضُور الدين في حياتهِم ..
ازدواجيّة كهذهِ .. تنبّأ بها القرآنُ قبلَ 15 قرناً حينَ تنزّل عزّ وجلّ قولهُ .. ?إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ?
المصدر : عائشَة السيفي
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions